
استغلال السياقات: كيف يمكن قراءة تصاعد النهج العملياتي للقاعدة في اليمن؟
شهدت الأيام الماضية تصاعدًا لافتًا في المعدل العملياتي لتنظيم القاعدة في اليمن المعروف بـ “تنظيم القاعدة في جزيرة العرب” أو “أنصار الشريعة”، وهي العمليات التي كان آخرها في 4 يوليو الجاري حيث استهدف التنظيم بهجومين إرهابيين متزامنين بلدة “المصينعة” في شبوة بطائرة مسيرة، والطريق العام شرق مدينة مودية شرقي أبين، مما أسفر عن 9 مصابين بينهم مدني، لتُعيد هذه العمليات طرح اسم تنظيم القاعدة كأحد أهم الفاعلين المسلحين في المشهد اليمني، فضلًا عن طرح هذه العمليات لتساؤلات عدة حول أسباب ودلالات تصاعد النهج العملياتي للفرع اليمني للقاعدة، بما دفع بعض الاتجاهات إلى اعتبار هذا الفرع واحدًا من أقوى الأفرع الخاصة بالتنظيم في المنطقة.
نهج عملياتي متصاعد
على الرغم من العمليات الأمنية المتصاعدة ضد تنظيم القاعدة في اليمن خلال الأشهر الأخيرة، إلا أن الملاحظ أن النهج العملياتي الخاص بالتنظيم يأخذ منحى تصاعدي منذ عام 2022 وصولًا إلى يومنا هذا، خصوصًا في مناطق الجنوب، حتى أن بعض التقارير الميدانية رصدت خلال النصف الأول من العام الحالي نحو 38 عملية إرهابية نفذها التنظيم في اليمن، وأدت إلى سقوط قرابة الـ 100 شخص، وهو أمر يمكن تفسيره في ضوء بعض الاعتبارات الرئيسة:
1- تجاوز الضربات الأمنية: يشير النهج العملياتي المتصاعد لتنظيم القاعدة في اليمن، إلى أنه استطاع بدرجة أو بأخرى، التكيف مع الضربات الأمنية المتلاحقة التي تعرض لها من القوات الجنوبية بدعم من التحالف العربي، بل وتجاوز هذه الضربات إلى الحد الذي تجاوز معه مرحلة إثبات الوجود والاعتماد على النهج الدفاعي، ووصل إلى مرحلة تنفيذ عمليات إرهابية بشكل متواصل ومستمر، متبنيًا بذلك نهج استباقي وهجومي.
2- الجمع بين أنماط عملياتية جديدة: يجد المتابع للنهج العملياتي للقاعدة في اليمن، أن هذا النهج قائم بشكل أساسي على استخدام العبوات الناسفة التي يتم زراعتها في طريق الحملات الأمنية وفي نطاق مراكز نفوذه وتمركزات عناصره، فضلًا عن متغير عملياتي جديد ومهم تمثل في استخدام الطائرات المسيرة في عمليات التنظيم، حيث نفذ التنظيم أكثر من عملية بالطائرات المسيرة ضد القوات الحكومية في محافظة شبوة جنوبي اليمن، وتُشير بعض التقديرات إلى أنه في ضوء عدم امتلاك التنظيم في اليمن لتقنيات تصنيع الطيران العسكري المُسير، فإنه لجأ إلى الحصول على هذه الطائرات عبر وسطاء محليين أو عبر اغتنامها خلال بعض المعارك.
3- التركيز على المناطق الجنوبية: أشارت بعض التقارير إلى أن زعيم تنظيم القاعدة في اليمن خالد باطرفي عقد اجتماعًا في مطلع العام الحالي مع من تبقى من قيادات للتنظيم، وأعلن فيه عن سياسته العسكرية المؤسسة على مبدأ “الاتجاه جنوبًا” القائمة على عداء قوات الشرعية اليمنية والتحالف العربي، ويدعم النهج العملياتي للتنظيم صحة هذه السردية، خصوصًا وأن عمليات التنظيم في الأشهر الأخيرة ركزت على محافظتي عدن وحضرموت، ومواقع القوات العسكرية الاجنبية الحليفة للدولة اليمنية، الى جانب استهداف القوات العسكرية والأمنية الرسمية في محافظات شبوة ولحج وأبين.
4- ترهيب الموظفين الأممين: اتبع تنظيم القاعدة في اليمن سياسة تقوم على ترهيب الموظفين والبعثات الأممية العاملة في اليمن، وهو ما تجسد بشكل واضح بعد إعلان الأمم المتحدة في فبراير من العام الماضي، عن اختطاف خمسة من موظفيها في محافظة أبين (جنوب اليمن) أثناء عودتهم من مدينة عدن الساحلية بعد “مهمة ميدانية”، وفي مطلع الشهر الجاري نشر تنظيم القاعدة في اليمن تسجيلًا مصورًا جديدًا يظهر موظفًا بنجلاديشيًا في الأمم المتحدة مخطوفًا منذ 16 شهرًا في اليمن، وفق ما أعلن موقع “سايت” المتخصص في رصد الجماعات المتطرفة، وقال الموقع إن تنظيم “القاعدة” نشر “فيديو يمثل دليلًا على أن المواطن البنجلاديشي أكام سوفيول أنام، مسؤول قسم السلامة والأمن لدى الأمم المتحدة في عدن، على قيد الحياة”.
5- إعادة تنظيم الصفوف بشكل نسبي: تُظهر العمليات الأخيرة المتصاعدة لتنظيم القاعدة في اليمن، أن التنظيم استطاع بشكل نسبي إعادة بناء هياكله التنظيمية، إذ إن هذه العمليات تُشير إلى إعداد تنظيمي وقدرة على التنقل والحركة وتنفيذ الهجمات، بما يعكس أن التنظيم استطاع إعادة تشكيل أعضائه واختيار قيادات جديدة، على الرغم مما لحق بقياداته خلال السنوات الماضية من تصفيات، فضلًا عن القدرة على استقطاب عناصر ودماء جديدة مكنته من رفع كفاءته وتوسيع عملياته.
6- استغلال بعض السياقات المحلية: يعكس النهج العملياتي المتصاعد لتنظيم القاعدة في اليمن، استفادة التنظيم من بعض الظروف والسياقات المحفزة لنشاط الفاعلين المسلحين من دون الدولة، سواءً الظروف السياسية المرتبطة بالأزمة بين هياكل الشرعية اليمنية والصراع بينها وبين المجموعات الحوثية، أو الظروف الاقتصادية الهشة التي استغلها التنظيم من أجل استقطاب كوادر وعناصر جديدة.
أزمات بنيوية
على الرغم من تعدد المؤشرات التي تعبر في مجملها عن تصاعد النهج العملياتي الخاص بتنظيم القاعدة في اليمن، إلا أن هناك العديد من الأزمات البنيوية وكذا السياقية التي لا تزال تعصف بالتنظيم، وذلك على النحو التالي:
1- الخلافات بين قيادات التنظيم: تُشير بعض التقديرات إلى وجود صراع قيادة في الفترة الراهنة، بين خالد باطرفي، وأبو علي الديسي مسؤول الدعوة والمشرف على معسكرات التجنيد، وأبو أسامة الدياني، أحد القيادات الميدانية البارزة والذي يُقال إنه المسؤول عن إمداد التنظيم بالطائرات المُسيرة، وبين بعض القيادات الأخرى داخل التنظيم، وعلى رأسهم سعد العولقي الزعيم الإرهابي المهيمن في جنوب اليمن والمنتمي إلى محافظة شبوة.
وترى بعض الدوائر القاعدية المناوئة لخالد باطرفي، أن “العولقي” كان أحق بزعامة التنظيم عقب قاسم الريمي، لما له من علاقات مع قبائل الشمال والجنوب، بخلاف “باطرفي” الذي تتركز علاقاته في الجنوب، لكنه تفوق على “العولقي” بحضوره الإعلامي وشهرته في الخارج، مما زاد حظوظه بتولي الزعامة.
2- خلافات حول أولويات العمل الميداني: ترى القيادات المعارضة لخالد باطرفي ونهجه العملياتي القائم على التوجه جنوبًا ضد قوات الشرعية اليمنية والقوات المتحالفة معها، أن هذا النهج العملياتي مرفوض ولا يمثل أولوية بالنسبة للتنظيم في المرحلة الراهنة، وفي المقابل ترى أن الأولوية في الفترة الراهنة تتمثل في ضرورة مواجهة الحوثيين، بدلًا من قوات المجلس الرئاسي اليمني.
3- التراجع العام لتنظيم القاعدة: أحد الاعتبارات الرئيسة التي يمكن في ضوئها فهم أزمة تنظيم القاعدة في اليمن، تتمثل في حالة التراجع العام الذي يشهده تنظيم القاعدة على المستوى الإقليمي، في مقابل الصعود الكبير لتنظيمات أخرى وعلى رأسها تنظيم داعش، ويعيش تنظيم القاعدة أوضاعًا متأزمة على أكثر من مستوى، فباستثناء فرع حركة الشباب في الصومال، لا تحظى أية أفرع قاعدية بنفس القوة التي كانت عليها في العقود الأخيرة، فضلًا عن الأزمات المالية الكبيرة التي يعاني منها التنظيم.
وفي الختام، يمكن القول إن تنامي النهج العملياتي الخاص بتنظيم القاعدة في اليمن في الأشهر الأخيرة ارتبط بشكل رئيس ببعض السياقات المحلية المحفزة لذلك، ولم يكن مرتبطًا بالضرورة بقوة التنظيم نفسه، خصوصًا مع المشاكل والأزمات البنيوية التي يعاني منها في الآونة الأخيرة.



