
أبرز أولويات القمة العربية في المنامة في ضوء التحديات الراهنة
تنعقد في العاصمة البحرينية المنامة الخميس 16 مايو، القمة العربية الـ 33، وجرت العادة أن تتناول القمم العربية الأولويات والتحديات العربية المشتركة، لكن قمة المنامة تحظى بأهمية كبيرة وقيمة استثنائية، وذلك على وقع الحرب الجارية في قطاع غزة والمستمرة منذ نحو ثمانية أشهر، جنباً إلى جنب مع تداعياتها على كل المستويات، الأمر الذي جعل القضية الفلسطينية تتصدر سلم أولويات وأجندة عمل القمة الجارية، وفي هذا السياق تمثل القمة فرصة للتعبير عن الأولويات الخاصة بالدول العربية تجاه التحديات الراهنة، وخصوصاً تلك المرتبطة بحرب غزة وتداعياتها، وتحظى الدولة المصرية في هذا الإطار بحضور نوعي في قمة المنامة على اعتبار محورية دورها تجاه التطورات في الأراضي الفلسطينية، جنباً إلى جنب مع تحملها تكلفة كبيرة في إطار تداعيات الحرب الجارية.
أولويات قمة المنامة
يتضمن مشروع جدول الأعمال المطروح على مائدة مباحثات الزعماء العرب، 8 بنود رئيسية تتناول مختلف القضايا المتعلقة بالعمل العربي المشترك في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية والأمنية، ومجالات التعاون العربي مع التجمعات الدولية والإقليمية، ويتضمن البند الأول عرض تقرير رئاسة القمة الثانية والثلاثين “قمة جدة”، عن نشاط هيئة متابعة تنفيذ القرارات والالتزامات، إضافة إلى استعراض تقرير الأمين العام للجامعة العربية عن مَسيرة العمل العربي المشترك، ويمكن تناول أبرز الملفات التي تتصدر أجندة عمل القمة، وذلك على النحو التالي:
1- القضية الفلسطينية وتطورات حرب غزة: تتصدر القضية الفلسطينية أجندة “قمة البحرين” لا سيما في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وسط توقعات بأن تَصدر عن القمة قرارات هامة حول هذا الملف، ويشمل البند الثاني موضوعات عدة، بينها متابعة التطورات السياسية للقضية الفلسطينية والصراع العربي – الإسرائيلي، وتفعيل مبادرة السلام العربية، والتطورات والانتهاكات الإسرائيلية في مدينة القدس، ودعم موازنة دولة فلسطين وصمود الشعب الفلسطيني، ومتابعة تطورات الاستيطان وجدار الفصل العنصري والأسرى واللاجئين وأوضاع وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، إضافة إلى التنمية في الأراضي الفلسطينية، وبحث ملف الجولان السوري.
2- ملف دول الأزمات في المنطقة: كذلك يتضمن مشروع جدول أعمال القمة بنداً حول الشؤون العربية والأمن القومي، يشتمل موضوعات وملفات عدة من بينها، التضامن مع لبنان، وتطورات الوضع في سوريا، ودعم السلام والتنمية في السودان، وتطورات الوضع في ليبيا، وآخر المستجدات في الملف اليمني، ويشمل هذا البند دعم الصومال وجمهورية القمر المتحدة، وتأكيد ضرورة الحل السلمي للنزاع الحدودي الجيبوتي – الإريتري، وملف سد النهضة وما يرتبط به من نزاع مائي بين مصر والسودان من جانب وإثيوبيا من جانب آخر، بالإضافة لملف التدخلات الخارجية في الشؤون العربية.
3- مناقشة التطورات الدولية: يتضمن جدول أعمال القمة أيضاً بنداً حول الشؤون السياسية الدولية، يناقش خلاله بعض الملفات، من بينها القمة العربية – الصينية الثانية التي تستضيفها بكين، وإنشاء منتدى للشراكة بين جامعة الدول العربية ورابطة دول جنوب شرق آسيا، ودعم وتأييد مرشح مصر الدكتور خالد العناني لمنصب المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونيسكو”، إضافةً إلى دعم ترشيح مرشح جيبوتي محمود علي يوسف لمنصب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي.
4- الشؤون الاقتصادية والاجتماعية: يتضمن البند الخامس للقمة مناقشة ملف الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والقانونية، ويتضمن ملفات عدة من بينها، متابعة التفاعلات العربية مع قضايا تغير المناخ، وبحث الاستراتيجية العربية لحقوق الإنسان المعدلة، ومناقشة الاستراتيجية الإعلامية العربية المشتركة لمكافحة الإرهاب، وصيانة الأمن القومي العربي ومكافحة الإرهاب، وتطوير المنظومة العربية لمكافحة الإرهاب، إلى جانب مشاريع القرارات المرفوعة من المجلس الاقتصادي والاجتماعي التحضيري لقمة البحرين، كما من المقرر مناقشة خطة المجلس الاقتصادي والاجتماعي التي تتضمن 12 بنداً على رأسها خطة الاستجابة الطارئة للتعامل مع التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للعدوان الإسرائيلي على فلسطين، وهو البند الذي أُدرج على جدول الأعمال بناءً على مذكرة المندوبية الدائمة لدولة فلسطين نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وتضمَّن الملف أيضاً استعراض تقرير الأمين العام لجامعة الدول العربية عن العمل التنموي العربي المشترك، والتقدم المحرَز في اتفاقية التجارة الحرة، والاستراتيجية العربية للشباب والسلام والأمن، والتعاون العربي في مجال التكنولوجيا والابتكار، إلى جانب استعراض تجربة المملكة العربية السعودية الناجحة في القطاع الصحي.
كما تضمن الملف أيضاً إقامة الاتحاد العربي الجمركي، بالإضافة إلى الاستراتيجية العربية للشباب والسلام والأمن (2023 – 2028)، ومقترح الأمانة العامة للجامعة العربية بشأن الرؤية العربية 2045: تحقيق الأمل بالفكر والإرادة والعمل، إضافة إلى مذكرة من البحرين حول التعاون العربي في مجال التكنولوجيا المالية والابتكار والتحول الرقمي، ومقترح من الإمارات حول المرصد العربي لتنمية المرأة اقتصادياً، وقرار المجلس الوزاري العربي للمياه حول الاستراتيجية العربية للأمن المائي في المنطقة العربية لمواجهة التحديات والمتطلبات المستقبلية للتنمية المستدامة – المحدثة (2020 – 2030).
كما يشمل جدول أعمال القمة مشروع إعلان البيان الختامي لقمة البحرين، إضافة إلى تحديد موعد القمة المقبلة ومكان انعقادها، إضافة إلى ما يستجد من أعمال.
خصوصية المشاركة المصرية في القمة
يفرض السياق الحالي المصاحب للحرب الجارية في قطاع غزة، خصوصية وأهمية أكبر على القمة العربية بالبحرين، وفي هذا السياق تحظى المشاركة المصرية في القمة، بخصوصية شديدة، لاعتبارات مرتبطة بكون مصر هي الطرف الأكثر تفاعلاً وتأثراً بتطورات الأوضاع في قطاع غزة، وذلك على النحو التالي:
1- الدور المصري في الحرب الجارية على قطاع غزة: تحظى الدولة المصرية بميراث تاريخي ممتد، وخبرات متراكمة، ودور محوري على مدار تعاملها مع الملف الفلسطيني، لكن محورية وخصوصية الدور المصري تجاه الملف الفلسطيني، زادت من حيث الأهمية في إطار الحرب الجارية في قطاع غزة، والممتدة منذ السابع من أكتوبر 2023 وحتى اليوم، خصوصاً مع اختلاف الحرب الجارية من حيث الديناميكيات والأهداف عن أي حروب سابقة بين الجانبين، إذ أن إسرائيل ذهبت إلى ما هو أبعد من تدمير القدرات الفلسطينية للفصائل الفلسطينية، أو اغتيال بعض القادة على غرار ما كان يحدث في جولات المواجهة السابقة، وانتلقت إلى بنك أهداف يشمل السعي لتصفية القضية الفلسطينية، سواءً من خلال مخططات وتحركات تهجير الشعب الفلسطيني، أو من خلال ما يعرف بسيناريوهات اليوم التالي، جنباً إلى جنب مع الأنماط الوحشية من العمليات الأمر الذي خلف أزمة إنسانية في القطاع غير مسبوقة.
وفي هذا السياق كانت الدولة المصرية حاضرة عبر سياسات وتحركات ديناميكية لم تتوقف حتى اللحظة، مستهدفةً بشكل رئيسي تحقيق مجموعة من الأولويات وعلى رأسها وقف إطلاق النار، ومنع أي مخططات ترمي إلى تصفية القضية الفلسطينية، جنباً إلى جنب مع تكثيف المباحثات مع قادة المجتمع الدولي من أجل وضع المنظومة العالمية أمام مسؤولياتها على مستوى ضرورة معالجة جذور الأزمة وتبني مسارات جادة لحل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، هذا بالإضافة إلى استمرار الجهود الخاصة بإعادة ترتيب البيت الفلسطيني وتحقيق المصالحة الوطنية، وتعزز هذه الاعتبارات والحيثيات الخاصة بالتعاطي المصري مع الحرب، من أهمية ونوعية المشاركة المصرية في قمة البحرين، خصوصاً وأن مصر هي الطرف الأكثر تفاعلاً مع التطورات المصاحبة لحرب غزة، والأكثر تأثراً بها.
2- المقاربة المصرية لتعزيز العمل العربي المشترك: انطلقت الدولة المصرية في العشر سنوات الأخيرة في إطار مقاربتها التعاونية مع الدول العربية، من افتراض رئيسي يقوم على “حتمية تعزيز العمل العربي المشترك”، خصوصاً وأن تجربة العمل العربي المشترك، والتطورات التي تشهدها المنطقة، تثبت أن مستقبل النظام العربي ككل يرتبط ببعض المحددات الرئيسية وعلى رأسها مدى القدرة على تعزيز الأطر التعاونية بين المجموعة العربية، ومدى القدرة على بناء علاقات تعاونية ومقاربات مشتركة تجاه التحديات التي تواجه المنظومة العربية، وأنماط التعامل مع القوى الإقليمية والدولية بما يحفظ المصالح الوطنية للدول العربية ومنظومة الأمن العربي بمفهومها الشامل، وفي هذا الإطار تبنت الدولة المصرية في العشر سنوات الأخيرة مقاربة تقوم على مجموعة من السياسات والتحركات الرئيسية وعلى رأسها: تبني سياسات تعزز من أوجه التعاون مع كافة الشركاء والأشقاء العرب، وتبني أنماط التنسيق عالية المستوى مع الدول العربية، من خلال ما يمكن تسميته بـ “دبلوماسية القمم” مع الدول العربية، هذا إلى جانب الدعم المفتوح لأي مقاربات وجهود رامية إلى رأب الصدع العربي، جنباً إلى جنب مع دعم مشاريع التكامل الإقليمي العربي على كافة المستويات، بالإضافة إلى تبني ثوابت واضحة وراسخة تجاه دول الأزمات في المنطقة.
ما هو المنتظر من قمة المنامة؟
يعول على القمة العربية الـ 33 المنعقدة بالعاصمة البحرينية المنامة، ليس على مستوى قدرتها على تقديم حلول خاصة بكافة الأزمات الراهنة التي تواجهها المنطقة العربية، لوجود إشكالات عديدة تواجه هذه الحلول، وتداخل عوامل كثيرة فيها، ولكن يعول على القمة الحالية على مستوى الاتفاق على آليات واضحة تضمن من جانب تعزيز أوجه العمل العربي المشترك، ومن جانب آخر بناء رؤى مشتركة خاصة بمحددات التعامل مع هذه الأزمات، وفق أطر زمنية محددة، بما يجعل الدول العربية تنطلق من أرضية ورؤية مشتركة تجاه هذه الأزمات، وبما يساهم في تعزيز ثقل الكتلة العربية على المستوى الدولي، وهنا لا يلزم فقط الاكتفاء بالتأكيد على المحددات الحاكمة للتعامل مع هذه الأزمات، أو بمعنى أدق الاكتفاء بإعادة إنتاج توجهات سابقة، وإنما يلزم التفكير في مقاربات جديدة تتفق وحجم المتغيرات التي تشهدها المنطقة.
وفي هذا السياق تأتي قمة المنامة وهي تحظى بخصوصية كبيرة، في ظل سياقات ضاغطة من اتجاهات عديدة، سواءً ما يتعلق باستمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والخطر الوجودي الذي يواجه القضية الفلسطينية، أو على مستوى التداعيات الإقليمية للحرب وتهديدها للأمن القومي العربي، أو لجهة استمرار ظاهرة “الدول المأزومة” وما تحدثه من خلل وأزمات على المستوى العربي، بالإضافة إلى ملف الميليشيات المسلحة والفاعلين المسلحين من دون الدول والتنظيمات الإرهابية وعودة هذا التهديد بشكل كبير إلى المنطقة.
وإجمالاً يمكن القول إن هذا السياق الخاص الذي تأتي فيه قمة المنامة، يعزز من الحاجة إلى بناء أنماط جديدة من التعامل العربي مع المتغيرات التي تشهدها المنطقة، والأزمات البنيوية العميقة التي تواجه الدول العربية، على قاعدة الجمع بين تعزيز أوجه وأنماط التعاون العربي المشترك، وكذا بناء مقاربات جديدة للتعامل مع التهديدات الوجودية المتنامية.