مصر

القمة المصرية الأردنية وأولويات العمل المشترك

تأتي زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي، الاثنين 1 أبريل، إلى الأردن ومباحثاته مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في إطار الشراكة الاستراتيجية الكبيرة التي تجمع الدولتين، على قاعدة ضرورة تنسيق المواقف المشتركة تجاه كافة التحديات الراهنة، وخصوصًا ما يتصل بالقضية الفلسطينية، لا سيما وأن الدولتين وبالحسابات الجيوسياسية وكذا الأدوار التاريخية، تظلان من أكثر الفاعلين المؤثرين في مسار تفاعلات القضية.

ولعل المواقف المتطابقة لكل من مصر والأردن تجاه التطورات الأخيرة التي تشهدها المنطقة على وقع الحرب في غزة، كانت ترجمة عملية لمستوى التنسيق الاستراتيجي بين البلدين، وعبرت بشكل واضح عن توافق الأولويات والمحددات التي تحكم السياسة الخارجية لكلا البلدين تجاه القضايا الراهنة بالمنطقة.

سياقات مهمة

أحد الأبعاد الرئيسة التي تُكسب زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الأردن أهمية متزايدة ترتبط بالسياق الذي تأتي فيه، وما يشهده من تطورات ومتغيرات مهمة، ولعل أبرز هذه السياقات ترتبط بما يلي:

1- حقبة جديدة للرئيس عبد الفتاح السيسي: تأتي الزيارة ومباحثات الرئيس عبد الفتاح السيسي قبل ساعات من توجه “السيسي” إلى مقر البرلمان المصري بالعاصمة الإدارية الجديدة من أجل أداء اليمين الدستورية، بما يمثل تدشينًا للحقبة الرئاسية الجديدة التي ستمتد لست سنوات، في أعقاب فوزه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. ولعل توقيت الزيارة ومضمونها وتركيزها على القضية الفلسطينية هي معطيات تحمل دلالات رمزية ورسائل سياسية خاصة بأولويات الفترة الرئاسية الجديدة والتحالفات المركزية والاستراتيجية فيها، والتأكيد على محورية القضية الفلسطينية كقضية مركزية بالنسبة لمصر، من منظور الحفاظ على الحقوق الأصيلة والتاريخية للشعب الفلسطيني، ومن منظور حماية الأمن القومي والسيادة المصرية.

2- استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة: تفرض القضية الفلسطينية، وفي ضوء استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، نفسها على أجندة التنسيق الثنائي والمشترك بين مصر والأردن، وذلك مع التركيز الثنائي على بعض الأولويات والتطورات الرئيسة، أولها استمرار المخططات الإسرائيلية الرامية إلى تهجير الشعب الفلسطيني قسرًا أو طوعًا، وثانيها تكثيف المساعي والتحركات الإسرائيلية وأحيانًا الأمريكية من أجل فرض أمر واقع جديد في قطاع غزة بما يخلق أوضاعًا أمنية وسياسية جديدة في القطاع، وثالثها هو توظيف إسرائيل للملف الإنساني ضد الشعب الفلسطينيوتنامي معدلات الكارثة الإنسانية بقطاع غزة، ورابعها هو تنامي وطأة التحركات العسكرية الإسرائيلية في الضفة وزيادة حجم الانتهاكات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني بالضفة؛ وهي كلها تطورات تفرض نفسها على أجندة التنسيق المشترك بين الجانبين.

3- التصعيد في منطقة الشرق الأوسط: تنطلق المقاربة المصرية وكذا الأردنية في التعامل مع التطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط مؤخرًا من ثابت مهم ممثل في أن منظومة الأمن الإقليمي ككل ترتبط بشكل رئيس بمسارات وتطورات الأوضاع في قطاع غزة، وهو ما تجسد في تصريحات مسؤولي البلدين والتي أكدت في مناسبات عديدة على أن نقطة الانطلاق لتحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي تبدأ من وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

وفي هذا السياق يفرض التصعيد الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط نفسه على أجندة مباحثات الدولتين وتحركهم في الفترات المقبلة، خصوصًا وأن مسارات التوتر التي تشهدها المنطقة تؤثر بشكل مباشر على الدولتين وتحمل تداعيات سلبية بالنسبة لهما، وهو ما يتجسد في حالة تأثير تطورات البحر الأحمر على قناة السويس بمصر، وكذا وصول إرهاصات هذا التصعيد إلى الحدود الأردنية السورية، وهو ما تجسد في الهجوم الذي حدث في أواخر يناير الماضي بطائرة مسيرة على إحدى القواعد العسكرية الأمريكية الواقعة في نطاق شمال شرق الأردن بالقرب من الحدود مع سوريا. وبعيدًا عن التأثيرات المباشرة وغير المباشرة لدورة الصراع والتصعيد الحالية على الدولتين، إلا أن ملف الاستقرار الإقليمي وتعزيز منظومة الأمن والسلم يمثل أحد الأهداف الرئيسة بالنسبة لهما.

أولويات العمل المصري الأردني

تدفع السياقات المحلية الخاصة بمصر والأردن، وكذا التطورات الإقليمية، باتجاه تعزيز أوجه التعاون الثنائي بين البلدين على كافة المستويات، على قاعدة تعظيم المصالح المشتركة، ومواجهة التحديات الراهنة. وفي هذا السياق، يمكن القول إن هناك جملة من الأولويات الخاصة بالتعاون الثنائي بين البلدين خلال الفترات المقبلة، وذلك على النحو التالي:

1- مواجهة مخططات تصفية القضية الفلسطينية: كان هناك إجماع مصري أردني منذ بداية الأزمة الراهنة على رفض مخططات تصفية القضية الفلسطينية، سواءً عبر مخططات تهجير الشعب الفلسطيني، الأمر الذي عدته الدولتين خطًا أحمر بالنسبة لهما، أو ما يتعلق بسيناريوهات اليوم التالي والتي طُرحت من قبل بعض الدوائر الإسرائيلية والغربية، وأكدت الدولتان على أن فكرة “اليوم التالي” يجب أن تستند أولًا إلى إجماع فلسطيني – فلسطيني، يقوم على مصالحة وطنية شاملة، مع التأكيد على مركزية دور منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، ما يجعل مواجهة هذه المخططات أحد الأولويات الرئيسة بالنسبة للدولتين في الفترة المقبلة.

2- وقف الحرب في قطاع غزة: تأتي هذه الزيارة في إطار تحركات مصرية مكثفة خلال الفترات الماضية لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وهو ما تجسد في عدد من المؤشرات الرئيسة سواءً ما يتعلق بقيادة مصر لجهود التفاوض مع طرفي الأزمة الرئيسين جنبًا إلى جنب مع بعض الوسطاء وعلى رأسهم قطر والولايات المتحدة، بالإضافة إلى سعي مصر ليس فقط لتمرير الهدنة الإنسانية الجديدة، بل جعل هذه الهدنة مدخلًا رئيسًا لوقف إطلاق النار.

3- استعادة مسار السلام العادل: أحد الملفات الرئيسة التي تُركز عليها الدولتان في إطار مقاربتهما للتعاطي مع التطورات المصاحبة لحرب غزة، تتمثل في التأكيل على مسألة ارتباط الأمن الإقليمي بالحل العادل للقضية الفلسطينية، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية. وفي هذا السياق، تسعى الدولتان إلى حشد الجهود الإقليمية والدولية من أجل الدفع باتجاه اتخاذ مسارات واقعية وعملية جادة لتبني مسار السلام العادل، وحل الدولتين وفق مقررات الشرعية الدولية.

4- السعي لاحتواء التصعيد في المنطقة: تأتي التحركات المصرية الأردنية المكثفة في الآونة الأخيرة لتستهدف بشكل رئيس منع سيناريو اتساع رقعة الحرب، على مستويين رئيسين: الأول هو الضفة الغربية والقدس، والثاني هو الحرب الإقليمية، خصوصًا وأن أيًا من هذين المسارين سوف يمثل تهديدًا مباشرًا لكلا البلدين، وكذا تهديدًا لمنظومة الأمن الإقليمي ككل.

5- استمرار الدعم الإنساني للشعب الفلسطيني: يحظى الملف الإنساني بأهمية كبيرة على رأس أولويات الدولتين في الفترات المقبلة، في إطار تحركاتهما لدعم الشعب الفلطسيني، وترتبط أهمية هذا الملف بحجم الكارثة الإنسانية التي يعاني منها الفلسطينيون على وقع الحرب، جنبًا إلى جنب مع توظيف إسرائيل للملف الإنساني كسلاح ضد الشعب الفلسطيني. وقد تبنت الدولتان جملة من التحركات لإغاثة وإسناد الشعب الفلسطيني سواءً ما يتعلق بالجهود الخاصة بإدخال المساعدات من خلال معبر رفح، أو ما يتعلق بعمليات الإنزال الجوي الأخيرة للمساعدات.

وإجمالًا يمكن القول إن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للأردن ترتبط أهميتها بالتوقيت خصوصًا مع تنامي وتيرة الأزمات التي تشهدها المنطقة على وقع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، جنبًا إلى جنب مع كون الزيارة تمثل تأكيدًا على حجم التنسيق الاستراتيجي بين البلدين، فضلًا عن أن الزيارة تأتي قبيل بدء الحقبة الجديدة للرئيس عبد الفتاح السيسي، الأمر الذي يحمل دلالات سياسية مهمة.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى