مخرجات القمة العربية الـ 33 والموقف المصري من حرب غزة
حظيت القمة العربية الـ 33 والتي عُقدت في العاصمة البحرينية المنامة، بأهمية كبيرة وقيمة استثنائية، وذلك على وقع الحرب الجارية في قطاع غزة والمستمرة منذ نحو ثمانية أشهر، جنباً إلى جنب مع تداعياتها على كل المستويات، الأمر الذي جعل القضية الفلسطينية تتصدر سلم أولويات وأجندة عمل القمة الجارية، سواءً على مستوى المباحثات الثنائية بين الزعماء العرب المشاركين في القمة، أو على مستوى مخرجات القمة نفسها، وهي المخرجات التي يمكن إجمالها في ثلاث مستويات رئيسية الأول هو بناء سردية عربية توافقية حول ماهية ما يحدث في الأراضي الفلسطينية من حيث كونه جرائم إبادة جماعية، وثانياً هو طرح رؤية عربية توافقية خاصة بأولويات العمل الراهنة سواءً فيما يتعلق بوقف الحرب أو ما يتعلق باليوم التالي، وثالثاً هو الاتفاق على ضرورة تحمل المجتمع الدولي لمسؤولياته على مستوى الشروع في مسار سلام جاد يقوم على حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية.
خصوصية المشاركة المصرية في القمة العربية الـ 33
حظيت المشاركة المصرية في القمة العربية الـ 33 بخصوصية كبيرة لاعتبارات مرتبطة بكون مصر هي الطرف الأكثر تفاعلاً وتأثراً بتطورات الأوضاع في قطاع غزة، وذلك على النحو التالي:
1- الدور المصري في الحرب الجارية على قطاع غزة: تحظى الدولة المصرية بميراث تاريخي ممتد، وخبرات متراكمة، ودور محوري على مدار تعاملها مع الملف الفلسطيني، لكن محورية وخصوصية الدور المصري تجاه الملف الفلسطيني، زادت من حيث الأهمية في إطار الحرب الجارية في قطاع غزة، والممتدة منذ السابع من أكتوبر 2023 وحتى اليوم، خصوصاً مع اختلاف الحرب الجارية من حيث الديناميكيات والأهداف عن أي حروب سابقة بين الجانبين، إذ أن إسرائيل ذهبت إلى ما هو أبعد من تدمير القدرات الفلسطينية للفصائل الفلسطينية، أو اغتيال بعض القادة على غرار ما كان يحدث في جولات المواجهة السابقة، وانتلقت إلى بنك أهداف يشمل السعي لتصفية القضية الفلسطينية، سواءً من خلال مخططات وتحركات تهجير الشعب الفلسطيني، أو من خلال ما يعرف بسيناريوهات اليوم التالي، جنباً إلى جنب مع الأنماط الوحشية من العمليات الأمر الذي خلف أزمة إنسانية في القطاع غير مسبوقة.
وفي هذا السياق كانت الدولة المصرية حاضرة عبر سياسات وتحركات ديناميكية لم تتوقف حتى اللحظة، مستهدفةً بشكل رئيسي تحقيق مجموعة من الأولويات وعلى رأسها وقف إطلاق النار، ومنع أي مخططات ترمي إلى تصفية القضية الفلسطينية، جنباً إلى جنب مع تكثيف المباحثات مع قادة المجتمع الدولي من أجل وضع المنظومة العالمية أمام مسؤولياتها على مستوى ضرورة معالجة جذور الأزمة وتبني مسارات جادة لحل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، هذا بالإضافة إلى استمرار الجهود الخاصة بإعادة ترتيب البيت الفلسطيني وتحقيق المصالحة الوطنية، وتعزز هذه الاعتبارات والحيثيات الخاصة بالتعاطي المصري مع الحرب، من أهمية ونوعية المشاركة المصرية في قمة البحرين، خصوصاً وأن مصر هي الطرف الأكثر تفاعلاً مع التطورات المصاحبة لحرب غزة، والأكثر تأثراً بها.
2- طرح الرؤية المصرية الخاصة بالحرب: مثلت القمة العربية الـ 33 فرصة لطرح الرؤية المصرية الخاصة بالحرب الجارية على قطاع غزة، سواءً من خلال المباحثات الثنائية التي عقدها الرئيس عبد الفتاح السيسي مع الزعماء العرب، أو من خلال كلمة “السيسي” أمام القمة، وقد أكدت مصر عبر هذه المباحثات على مجموعة من الاعتبارات المهمة بعضها يدور في فلك السردية، وبعضها يدور في فلك الرؤية المصرية الشاملة للحل، وفي هذا الإطار تم التأكيد على مجموعة من الاعتبارات المهمة التي تعبر إجمالاً عن الموقف المصري، وأولها التأكيد على جرائم الحرب التي ترتكب من قبل إسرائيل في قطاع غزة، وأن إسرائيل تمارس حرباً وحشية هوجاء تقوم على سياسات الإمعان في القتل والانتقام، جنباً إلى جنب مع توظيف التجويع والملف الإنساني كسلاح في ثنايا هذه الحرب، وثانياً التأكيد على خصوصية الحرب الجارية من حيث اشتمال أهدافها مساعي لتصفية القضية الفلسطينية عبر التهجير، وثالثاً التأكيد على موقف مصر الثابت المقاربة المصرية لتعزيز العمل العربي المشترك: انطلقت الدولة المصرية في العشر سنوات الأخيرة في إطار مقاربتها التعاونية مع الدول العربية، من افتراض رئيسي يقوم على “حتمية تعزيز العمل العربي المشترك”، خصوصاً وأن تجربة العمل العربي المشترك، والتطورات التي تشهدها المنطقة، تثبت أن مستقبل النظام العربي ككل يرتبط ببعض المحددات الرئيسية وعلى رأسها مدى القدرة على تعزيز الأطر التعاونية بين المجموعة العربية، ومدى القدرة على بناء علاقات تعاونية ومقاربات مشتركة تجاه التحديات التي تواجه المنظومة العربية، وأنماط التعامل مع القوى الإقليمية والدولية بما يحفظ المصالح الوطنية للدول العربية ومنظومة الأمن العربي بمفهومها الشامل، وفي هذا الإطار تبنت الدولة المصرية في العشر سنوات الأخيرة مقاربة تقوم على مجموعة من السياسات والتحركات الرئيسية وعلى رأسها: تبني سياسات تعزز من أوجه التعاون مع كافة الشركاء والأشقاء العرب، وتبني أنماط التنسيق عالية المستوى مع الدول العربية، من خلال ما يمكن تسميته بـ “دبلوماسية القمم” مع الدول العربية، هذا إلى جانب الدعم المفتوح لأي مقاربات وجهود رامية إلى رأب الصدع العربي، جنباً إلى جنب مع دعم مشاريع التكامل الإقليمي العربي على كافة المستويات، بالإضافة إلى تبني ثوابت واضحة وراسخة تجاه دول الأزمات في المنطقة، ورابعاً غياب أي فاعلية دولية واضحة على مستوى التعامل مع هذه الحرب وتداعياتها، وخامساً التأكيد على ما حذرت مصر منه منذ بداية الحرب، من حيث أن هذه الحرب تجر المنطقة إلى دوامة الفوضى والعنف، وسادساً التأكيد على ضرورة التكاتف من أجل ضمان الحقوق الأصيلة للشعب الفلسطيني وفي القلب منها حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة.
3- المقاربة المصرية لتعزيز العمل العربي المشترك: انطلقت الدولة المصرية في العشر سنوات الأخيرة في إطار مقاربتها التعاونية مع الدول العربية، من افتراض رئيسي يقوم على “حتمية تعزيز العمل العربي المشترك”، خصوصاً وأن تجربة العمل العربي المشترك، والتطورات التي تشهدها المنطقة، تثبت أن مستقبل النظام العربي ككل يرتبط ببعض المحددات الرئيسية وعلى رأسها مدى القدرة على تعزيز الأطر التعاونية بين المجموعة العربية، ومدى القدرة على بناء علاقات تعاونية ومقاربات مشتركة تجاه التحديات التي تواجه المنظومة العربية، وأنماط التعامل مع القوى الإقليمية والدولية بما يحفظ المصالح الوطنية للدول العربية ومنظومة الأمن العربي بمفهومها الشامل، وفي هذا الإطار تبنت الدولة المصرية في العشر سنوات الأخيرة مقاربة تقوم على مجموعة من السياسات والتحركات الرئيسية وعلى رأسها: تبني سياسات تعزز من أوجه التعاون مع كافة الشركاء والأشقاء العرب، وتبني أنماط التنسيق عالية المستوى مع الدول العربية، من خلال ما يمكن تسميته بـ “دبلوماسية القمم” مع الدول العربية، هذا إلى جانب الدعم المفتوح لأي مقاربات وجهود رامية إلى رأب الصدع العربي، جنباً إلى جنب مع دعم مشاريع التكامل الإقليمي العربي على كافة المستويات، بالإضافة إلى تبني ثوابت واضحة وراسخة تجاه دول الأزمات في المنطقة.
تأكيد مخرجات القمة على فاعلية الدور المصري
كانت مخرجات القمة العربية الـ 33 تأكيداً على استباقية وفاعلية الرؤية والمقاربة المصرية تجاه الحرب الجارية في قطاع غزة، وذلك على أكثر من مستوى، وهو ما يمكن بيانه على النحو التالي:
1- التأكيد على سردية “الإبادة الجماعية”: تبنت القمة العربية مصطلح ووصف “الإبادة الجماعية” فيما يتعلق بتناول الممارسات الإسرائيلية داخل قطاع غزة، وكانت الدولة المصرية منذ بدء إسرائيل عملياتها في قطاع غزة حريصة على مسألة السردية من حيث التأكيد على أن ما تشهده الأراضي الفلسطينية هو جرائم إبادة جماعية تتم بحق الشعب الفلسطيني، ولم تكتف الدولة المصرية بذلك، بل تبنت إجراءات فعلية وتحركات عملية في هذا الاتجاه، ما تجسد في إعلان مصر الانضمام لدعوى جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية والتي تتهم إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة في قطاع غزة.
2- أولويات العمل تجاه حرب غزة: تقاطعت مخرجات القمة العربية الـ 33 مع الرؤية المصرية تجاه مسألة الأولويات فيما يتعلق بالتعامل مع الحرب الجارية على قطاع غزة، خصوصاً ما يتعلق بأولوية الوقف الفوري والشامل لإطلاق النار في قطاع غزة، وضرورة نفاذ المساعدات الإنسانية بشكل كامل ومستدام إلى داخل القطاع، جنباً إلى جنب مع الانسحاب الإسرائيلي الفوري من منطقة رفح الفلسطينية، وقد سخرت الدولة المصرية كافة جهودها وتحركاتها في الأيام والأسابيع الأخيرة من أجل تحقيق هذه الأولويات، سواءً من خلال الورقة الخاصة بوقف إطلاق النار والتي طرحتها الدولة المصرية ورحبت بها حركة حماس، أو من خلال مطالباتها الدبلوماسية بفتح كافة معابر قطاع غزة أمام دخول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، جنباً إلى جنب مع تصعيد مصر عبر رفضها أي تنسيق بخصوص الملف الإنساني، قبيل وقف العمليات العسكرية في رفح، وانسحاب القوات الإسرائيلية من معبر رفح من الناحية الفلسطينية.
3- أولوية إعادة ترتيب البيت الفلسطيني: أكد البيان الختامي للقمة العربية الـ 33 على ضرورة المصالحة الوطنية الفلسطينية، و”انضواء كافة الفصائل الفلسطينية تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية… الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني”، وقد كانت الدولة المصرية سباقة في السنوات الأخيرة في العمل على هذا الملف، من خلال مباحثاتها المكثفة الرامية لتحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية، والتي كان آخرها قمة العلمين في يوليو 2023، جنباً إلى جنب مع تأكيد الدولة المصرية على أن المستفيد الوحيد من استمرار حالة الانقسام الفلسطيني هو إسرائيل.
4- ضرورة الدفع باتجاه مسار سلام شامل: أكد الزعماء العرب في البيان الختامي للقمة، على ضرورة «وضع سقف زمني للعملية السياسية والمفاوضات»، لاتخاذ إجراءات واضحة لتنفيذ حل الدولتين، على أن «يتم بعده إصدار قرار من مجلس الأمن تحت الفصل السابع بإقامة الدولة الفلسطينية القابلة للحياة والمتواصلة الأراضي، على خطوط ما قبل الرابع من يونيو (حزيران) لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وإنهاء أي وجود للاحتلال على أرضها، مع تحميل إسرائيل مسؤولية تدمير المدن والمنشآت المدنية في قطاع غزة»، وهو الاعتبار الاستراتيجي الرئيسي الذي تنطلق منه الدولة المصرية في تعاملها مع تطورات الوضع في فلسطين، وهو الأمر الذي يتم التأكيد عليه بشكل دوري في مباحثات الرئيس مع زعماء وقادة العالم، جنباً إلى جنب مع تأكيد مصر على ضرورة حل الدولتين باعتبار ذلك ليس فقط ضمانة لاستقرار الأوضاع في الداخل الفلسطيني فقط، وإنما لضمان الأمن والاستقرار في الإقليم ككل، وكانت قمة القاهرة للسلام في 21 أكتوبر 2023، تأكيداً على ذلك، حيث مثلت القمة محاولة من الدولة المصرية لوضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته على مستوى حل الدولتين.
5- رفض كافة مساعي تصفية القضية الفلسطينية: أكد البيان الختامي للقمة العربية على «الرفض القاطع لأي محاولات للتهجير القسري للشعب الفلسطيني من أرضه بقطاع غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية»، وهي المحاولات الإسرائيلية التي تستهدف بشكل رئيسي تصفية القضية الفلسطينية، وكان الموقف المصري في هذا الصدد واضحاً وقاطعاً من حيث رفض أي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية، سواءً من خلال مخططات التهجير للشعب الفلسطيني سواءً بشكل قسري أو طوعي، أو من خلال الأطروحات الإسرائيلية الخاصة باليوم التالي، حيث أكدت الدولة المصرية على أن “اليوم التالي” يجب أن يكون فلسطينياً خالصاً.
وإجمالاً يمكن القول إن القمة العربية الـ 33 التي عُقدت في العاصمة البحرينية المنامة، وما شهدته من مباحثات جانبية ومخرجات تجسدت في البيان الختامي، حملت تأكيداً على الأزمة الوجودية التي تواجهها القضية الفلسطينية حالياً، وكذا المنطقة على وقع تداعيات هذه الحرب، كما أكدت من جانب آخر على استباقية وفاعلية المقاربة المصرية للتعامل مع هذه التطورات.