دول الخليج العربيمصر

مصر والإمارات: شراكة استراتيجية وعلاقات تاريخية ممتدة

قام رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بزيارة إلى القاهرة يوم الأربعاء 12 أبريل 2023؛ لإجراء مباحثات رسمية مع الرئيس عبد الفتاح السيسي. ويجد المتابع لمسار العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين المصري والإماراتي منذ ثورة الثلاثين من يونيو 2013، أن عدد  الزيارات الثنائية المتبادلة بين قادة البلدين تخطى الـ 27 زيارة، الأمر الذي يعبر عن حجم الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، ومساحة التنسيق والتعاون فيما بينهما. لكن خصوصية هذه الزيارة وأهميتها ترتبط بشكل رئيس بالسياق المحيط بها والذي تأتي في كنفه، سواءً في ضوء المتغيرات الدولية المتسارعة والمرتبطة بشكل رئيس بالحرب الأوكرانية، والتغيرات والتطورات المتسارعة التي يشهدها الإقليم والمنطقة، وهي معطيات تحتاج إلى تنسيق وتعاون عربي على مستوى أكبر.

ركائز الشراكة الاستراتيجية

وُلدت العلاقات المصرية الإماراتية كبيرة؛ إذ كانت مصر من أولى الدول التي اعترفت بالاتحاد الإماراتي في ديسمبر 1971، ودعمت هذا الاتحاد إقليميًا ودوليًا. وفي المقابل، كانت الإمارات على رأس الداعمين لمصر في محطات تاريخية فارقة بدايةً من عدوان 1956 مرورًا بنكسة يونيو 1967، وحرب أكتوبر 1973، ووصولًا إلى ثورة 30 يونيو 2013. 

وقد اكتسبت العلاقات المصرية الإماراتية صفة “الاستراتيجية”؛ بمعنى أنها ظلت محافظة دائمًا على طبائعها التعاونية والتكاملية والأخوية، بغض النظر عن المتغيرات المحلية أو الإقليمية أو الدولية التي حدثت على مدار الخمسين عامًا الماضية، وهو الأمر الذي أكسب هذه العلاقات خصوصية شديدة. ويمكن إبراز ركائز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين على النحو التالي:

1 – البعد التاريخي: تحظى العلاقات المصرية الإماراتية بخصوصية على المستوى العربي؛ وذلك في ضوء البعد التاريخي والحضاري والثقافي، بالإضافة إلى الأبعاد القومية والدينية التي تبلورت في كنفها، إذ كانت مصر من أوائل الدول التي اعترفت بالاتحاد الإماراتي الذي نشأ في 2 ديسمبر 1971، وراحت مصر تؤكد على دعمها لهذا الاتحاد في المحافل الإقليمية والدولية، وحتى قبيل توحد إمارات ساحل عمان “سابقًا” كان الجانبان يرتبطان بعلاقات ثقافية وحضارية كبيرة من خلال البعثات التعليمية المختلفة التي كانت تُرسل من مصر وإليها في فترة الخمسينات، الأمر الذي زاد من الروابط الأخوية والتداخل الثقافي بينهما.

وقد عبر الشيخ زايد آل نهيان رحمه الله عن حجم هذا الترابط بمقولة مأثورة حتى اليوم قال فيها: “نهضة مصر من نهضة العرب، وقد أوصيت أبنائي بأن يكونوا دائمًا إلى جانب مصر، لأن هذا هو الطريق لنهضة العرب، مصر هي قلب المنطقة العربية، والمنطقة العربية بدونها تفقد الحياة”. وقد كانت هذه المقولة هي الخط الناظم والحاكم لعلاقات البلدين حتى اللحظة، على الرغم من كم المتغيرات التي طرأت داخليًا وإقليميًا وعالميًا.

2- الروابط الاستراتيجية: تحظى الدولتان مصر والإمارات بمكانة ووزن استراتيجيين مهمين في المنطقة العربية، بل ليس من قبيل المبالغة القول إن الدولتين -إلى جانب السعودية- هم الفواعل الأهم في المنطقة وإقليم الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي انعكس على حجم انخراط ودور كل منهما في أزمات وقضايا المنطقة الملحة، ومنها: القضية الفلسطينية، وسوريا، والعراق، وليبيا، واليمن. لكن اللافت خصوصية الحالة المصرية الإماراتية، فهي ترتبط بوجود ميزات نسبية لكل دولة، توظفها في إطار التكامل الثنائي، فضلًا عن أن الدولتين وفي كل مباحثات ثنائية بين قادتيهما، يحرصان على التأكيد على أولويات العمل المشترك، ومقاربتهما للتعامل مع دول الأزمات، وهي المقاربة التي تقوم على عدد من العناصر الأساسية ومنها: التأكيد على أولوية بناء الدولة الوطنية ومؤسساتها، ومواجهة الفاعلين المسلحين من دون الدول، سواءً الميليشات المسلحة أو التنظيمات الإرهابية، وكذا رفض التدخلات الخارجية في شؤون الدول العربية.

3- البعد السياسي: حظيت الدولتان منذ مرحلة ما قبل الاتحاد الإماراتي بعلاقات سياسية راسخة وقوية، عززتها المواقف الداعمة من كلا البلدين لبعضهما البعض. وقد كانت هناك بعض المحطات التاريخية التي عززت من أواصر الارتباط بين البلدين، ومنها الدعم الإماراتي لمصر عقب عدوان 1956، ونكسة 1967، وحرب 1973، وصولًا إلى ثورة 30 يونيو 2013، والدعم الكبير الذي قدمته الإمارات لمصر على كافة المستويات، وهو ما أكد عليه الرئيس عبد الفتاح السيسي في كلمته أمام القمة العالمية للحكومات بالإمارات في فبراير الماضي. 

وفي ذات السياق كان الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، داعمًا كبيرًا لقيام اتحاد الإمارات، وقام بإرسال بعثات من المدرسين والمهندسين والأطباء، والنماذج المصرية التي كانت حاضرة في مرحلة التأسيس لقيام الاتحاد. وبعد رحيل عبدالناصر، ساندت الدولة المصرية بقيادة الرئيس الراحل محمد أنور السادات إعلان قيام دولة الاتحاد عام 1971، وزار الرئيس المصري دولة الإمارات العربية المتحدة، ليرد بعدها الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الزيارة إلى القاهرة، مقدمًا وشاح آل نهيان للرئيس السادات.

4- المحدد الاقتصادي: يعد البعد والمحدد الاقتصادي أحد الركائز الأساسية للعلاقات المصرية الإماراتية، وقد اتخذ هذا البعد أهمية متزايدة في مرحلة ما بعد ثورة 30 يونيو 2013، حيث قدمت دولة الإمارات حينها 4 مليارات دولار لدعم الاقتصاد المصري، وأسهمت في تنفيذ العديد من المشروعات التنموية بمصر، وهو الدعم الذي حظي بأهمية وتقدير كبير من الدولة المصرية وقيادتها، في ضوء ما كانت تعاني منه الدولة المصرية في ذلك الوقت من أزمات على كافة المستويات.

وتعد السوق الإماراتية الوجهة الأولى للصادرات المصرية، وتستقبل سنويًا نحو 11% من إجمالي صادرات مصر للعالم. وخلال عام 2020، صدرت مصر بحوالي 3 مليار دولار إلى الإمارات، وفي عام2021، وصل حجم التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين إلى نحو 3.7 مليارات دولار. وتعد دولة الإمارات أكبر مستثمر عربي في مصر والثالثة عالميًا، برصيد استثمارات تراكمي يزيد على 28 مليار دولار أمريكي.

وتستثمر الشركات المصرية في الإمارات أكثر من مليار دولار، وفي نوفمبر عام 2019 تم تأسيس منصة استثمارية مشتركة بين مصر والإمارات، بقيمة 20 مليار دولار عبر شركة أبو ظبي التنموية القابضة وصندوق مصر السيادي. وفي مايو 2022، تم إطلاق مبادرة الشراكة المتكاملة بين مصر والإمارات والأردن والبحرين، وتم تخصيص صندوق استثماري بقيمة 10 مليارات دولار للاستثمار في المشاريع المنبثقة عن هذه الشراكة في القطاعات المتفق عليها تترجم الشراكة هذه العلاقات الاستراتيجية لعمل فعلي. كما تعد الإمارات من الدول المستقطبة للعمالة المصرية بشكل كبير، إذ يوجد بالإمارات ما يقرب من 950 ألف مصري تقدر تحويلاتهم بنحو 3.4 مليارات دولار خلال العام 2020.

أولويات ملحة

رحب الرئيس عبد الفتاح السيسي بأخيه الشيخ محمد بن زايد في مصر، وأكد اعتزاز مصر، حكومة وشعبًا، بالعلاقات بين البلدين الشقيقين، وما يربطهما من أواصر تاريخية وثيقة. ومن جانبه، أعرب رئيس دولة الإمارات عن تقدير بلاده لمصر وشعبها وقيادتها، وحرص الإمارات الدائم على تعزيز علاقات التعاون الأخوية المتميزة بين البلدين.

وقد بحث الرئيسان سبل تطوير آليات وأطر التعاون المشترك في جميع المجالات، لما فيه مصلحة الشعبين الشقيقين، إضافة إلى التنسيق الحثيث تجاه التطورات الإقليمية المختلفة، في ضوء ما يمثله التعاون والتنسيق المصري الإماراتي من دعامة أساسية لترسيخ الأمن والاستقرار والتنمية في المنطقة. ويمكن إبراز القضايا الملحة على سلم أولويات التعاون المصري الإماراتي على النحو التالي:

1- تعزيز العمل العربي المشترك: أحد المستهدفات الأساسية من المباحثات الدورية والمستمرة التي تتم بين قادة مصر والإمارات يتمثل في دعم أواصر العمل العربي المشترك، وبناء مقاربة عربية للتعامل مع المتغيرات العالمية المصاحبة لجائحة كورونا والحرب الأوكرانية، فضلًا عن ضمان تعامل هذه المقاربة مع مهددات الأمن القومي العربي بشقيها التقليدي (نشاط الفاعلين المسلحين من دون الدول، والتدخلات الخارجية، وظاهرة الدول المأزومة) وغير التقليدي (قضايا الأمن الغذائي والأمن المائي والتغيرات المناخية وأمن الطاقة).

وفي هذا السياق ومع مسار التقارب الذي تبنته العديد من الدول العربية تجاه الدولة السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد، توجد حاجة ملحة إلى بناء تفاهمات وموقف عربي موحد إزاء إعادة سوريا إلى حاضنتها العربية، على قاعدة الحفاظ على الدولة الوطنية السورية، وعدم تركها فريسة للتجاذبات الإقليمية والدولية، مع ضمان حقوق الشعب السوري.

2- مواجهة التحديات الاقتصادية: عانت الدول العربية جميعًا وعلى رأسها مصر من وطأة الضغوط الاقتصادية التي صاحبت جائحة كورونا، وكذا الحرب الأوكرانية، وهو السياق الذي عاظم الحاجة إلى بناء حالة من التكامل والدعم الاقتصادي بين مصر ومحيطها العربي والخليجي، بما يضمن تقليل حدة هذه الارتدادات والتعامل معها.

3- التعامل مع المتغيرات الإقليمية والعالمية: يشهد النظام الدولي تحولات جذرية في بنيته، خصوصًا على مستوى الانتقال من فكرة القطب الواحد إلى نظام دولي لا قطبي أو متعدد الأقطاب، وهو المتغير الذي دفع العديد من الدول في العالم والمنطقة العربية إلى تبني خيار “العصيان الاستراتيجي” لواشنطن، وجعل تحركاتها محكومةً بمصالحها القومية، وهو متغير يُعزز من الحاجة إلى بناء تفاهمات عربية تضمن تعظيم المكاسب من هذه المتغيرات، والتعامل مع التهديدات التي تُصاحب هذه المتغيرات.

وفي ذات السياق تشهد المنطقة وإقليم الشرق الأوسط العديد من التغيرات المرتبطة بشكل رئيس بتوجه بعض الدول وعلى رأسها الإمارات والسعودية نحو تطبيع علاقاتها مع إيران، فضلًا عن التوجه العربي نحو تطبيع العلاقات مع سوريا وإعادتها إلى حاضنتها العربية. كذلك توجد ارتدادات مصاحبة لعودة اليمين المتطرف لحكم إسرائيل بقيادة نتنياهو، وهي متغيرات تحتاج إلى تعزيز العمل العربي المشترك.

وفي الختام، يمكن القول إن زيارة الشيخ محمد بن زايد إلى القاهرة تأتي من جانب في إطار الشراكة الاستراتيجية والعلاقات الوثيقة التي تربط البلدين خصوصًا في مرحلة ما بعد ثورة 30 يونيو 2013 في مصر، ومن جانب آخر في إطار الحراك المبني على هذه الشراكة والذي يستهدف تعزيز العلاقات الثنائية، والتعامل مع المتغيرات الدولية والإقليمية الراهنة، وما صاحبها من تداعيات وتحديات.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى