الاقتصاد المصري

تاريخ متجذر وفرص واعدة.. العلاقات الاقتصادية بين مصر والسودان

تتشارك مصر والسودان في الحدود البرية، وتقع السودان في مفترق الطرق بين جنوب صحراء أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط، وتشارك 7 دول أخرى في الحدود، ويلتقي بها النيلان الأبيض والأزرق في الخرطوم، وتتمتع السودان بأراضي زراعية خصبة خاصة في منطقة وديان النيل ومنطقة الجزيرة، وهو ما يدعم القطاع الزراعي والإنتاج الحيواني بالبلاد، خاصة في المنطقة من دارفور وحتى كسلا عبر ولايات النيل الأزرق وكردفان.

منذ عام 2014، شهدت العلاقات المصرية السودانية آفاق أوسع من التعاون بين البلدين، وكللت تلك العلاقات بتفعيل اتفاق الحريات الأربع بين البلدين الذي يعود لعقدين من الزمان، والذي ينص علي حرية العمل والتملك بين البلدين وحرية التنقل والإقامة، وكان ذلك الاتفاق بمثابة دلالة على بداية عهد جديد من العلاقات بين البلدين التي ظلت لعشرات السنوات بلد واحدة، وبعد عام واحد من تولي القيادة السياسية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي وبالتحديد في عام 2015 تم افتتاح مشروع ميناء قسطل – اشكيت البري بين البلدين، والذي يعد بمثابة أول ميناء مصري يطل على أفريقيا والذي استهدف إحداث طفرة في حركة التجارة والاستثمار بين البلدين، بالتحديد وبين مصر ودول القارة الأفريقية بشكل عام.

لكن السودان بالتحديد هي محط اهتمام الجانب المصري، حيث إنه هناك اهتمام مصري كبير بالاستثمار في السودان لتحسين وضع الاقتصاد السوداني وتحسين حياة المواطنين، وتتركز معظم الاستثمارات المصرية بالقطاعات التي تتميز بها السودان والتي تتمثل في القطاع الزراعي، وخاصة إنتاج القمح حيث يتم الدمج بين التكنولوجيا المصرية وبين الموارد السودانية، لتعظيم إنتاج القمح وسد احتياجات البلدين من هذا المحصول المهم، هذا فضلًا عن إنتاج القطن والذي يتم الاعتماد عليه بشكل أساسي لتوفير احتياجات الصناعة المصرية. 

من جانب آخر، فإن قطاع النقل بين البلدين شهد اهتمامًا كبيرًا في الآونة الأخيرة، حيث تم بناء الطريق الساحلي بين مصر والسودان الذي يمتد بطول 280 كم بين مصر والسودان، بالإضافة إلى طريق “قسطل” و “وادي حلفا” الذي يمتد بطول 34 كم داخل الأراضي المصرية وحوالي 27 كم داخل الأراضي السودانية، هذا فضلًا عن أنه جارٍ تطوير وإعادة هيكلة خطوط السكك الحديدية، ليتم استخدامها في نقل البضائع وتسهيل حركة الأفراد والبضائع بين البلدين، وإنشاء شركة ملاحية مصرية سودانية مصرية بين مينائي أسوان وحلفا، وذلك لنقل البضائع والأفراد والسياحة.

وكان لتلك المشروعات أثار إيجابية على دعم الصادرات المصرية إلى السودان، حيث ارتفعت من 564 مليون دولار أمريكي في عام 2015 لتصل إلى 708 ملايين دولار في عام 2021، وتتمثل معظم الصادرات المصرية للسودان في المنتجات البلاستيكية والبتروكيماوية، بالإضافة إلى بعض المنتجات الغذائية المصنعة مثل السكر وأدوات التغليف والأسمنت.

أما عن قطاع الطاقة، فترتبط مصر والسودان بشبكة نقل كهرباء تقوم مصر من خلالها بتوفير ما يقرب من 300 ميجاوات في المراحل الأولى للمشروع، ومن المخطط أن يصل إجمالي ما تمد به مصر السودان من الكهرباء إلى 3000 ميجاوات في المراحل التالية، وتوفر تلك الطاقة إمكانية لتطوير القطاع الصناعي والزراعي بالسودان، والتي على رأسها مشروعات استصلاح الأراضي، ومشروع مصري لإنتاج اللحوم بالسودان والذي يمتد على مساحة تتجاوز 40 ألف فدان في ولاية النيل الأبيض.

وعلى الرغم من ذلك، لا زالت العلاقات الاقتصادية بين البلدين لا تعكس الجذور التاريخية بين البلدية، حيث إن معدل التبادل التجاري لم يتجاوز المليار دولار، على الرغم من اعتماد البلدين الكبير على الاستيراد، وتكامل الموارد الطبيعية للبلدين مع بعضها البعض، وهو ما يطرح تساؤلًا مهمًا حول أسباب تدني تلك الأرقام على الرغم من الجوار الجغرافي للبلدين وملاءمة الظروف التجارية والاقتصادية للبلدين للتكامل مع بعضهم البعض، إذ يمكن للسودان أن تصبح مزرعة مصر الخلفية، خاصة بعد استقرار الأوضاع السياسية بالسودان وبدء جولة جديدة من البناء والتعمير لإصلاح ما أفسده العقد الماضي. 

+ posts

باحث ببرنامج السياسات العامة

أحمد بيومي

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى