مصر

مبادرة “كتف في كتف”.. حماية اجتماعية من أجل كرامة الإنسان

الحماية الاجتماعية وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، قد يكون لها أربع وظائف: الأولى وظيفة حمائية وتتمثل في توفير التدابير (نقدًا وعينًا) للحصول على الغذاء وتخفيف أثر الصدمات، والثانية وظيفة وقائية وذلك من حيث تقليل المزيد من الحرمان ن من خلال تعزيز القدرة على الصمود في وجه الصدمات ومنع حدوث خسائر في الدخل، والثالثة وظيفة تشجيعية عبر دعمها المباشر للاستثمارات في الموارد البشرية (التغذية- الصحة- التعليم) وعبر تخفيف انعدام أمن الدخل، والرابعة وظيفية تحويلية خاصة للمواطنين الأكثر فقرًا من خلال  الإنصاف وإعادة توجيه تركيزهم نحو المستقبل.

وخلال السنوات القليلة الماضية، حدث تغير جذري في فلسفة الحماية الاجتماعية في مصر؛ فقد نص دستور 2014 على العديد من المواد المتعلقة بالحماية الاجتماعية، فنصت المادة (8) من الدستور المصري على أن “يقوم المجتمع على التضامن الاجتماعي. وتلتزم الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير سبل التكافل الاجتماعي، بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين، على النحو الذي ينظمه القانون”، وكذلك نصت المادة (9) على أن “تلتزم الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، دون تمييز”.

وبالتالي قدمت المادتان (9،8) إطارًا شاملًا للحماية الاجتماعية؛ لتحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية الذي كان مطلبًا أساسيًا للمواطنين في احتجاجات 2011، مما جعل من الضروري إعادة مناقشة مفهوم وأبعاد العدالة الاجتماعية، والتي ترتكز على مبادئ: الإنصاف، والمساواة بين الجميع في الحقوق، وإزالة الحواجز التي تحول دون تمكين الفئات المحرومة من المشاركة في صنع القرارات التي تؤثر على حياتها.

وعلاوة على ذلك، تعاملت “رؤية مصر 2030” مع قضية الحماية الاجتماعية من خلال عدة أهداف، منها: الارتقاء بجودة حياة المواطن المصري، وتحسين مستوى معيشته من خلال توفير منظومة متكاملة للحماية الاجتماعية، ولم يقف الأمر عند تضمين الحماية الاجتماعية في مواد الدستور، بل حدث تغير في فلسفة الحماية الاجتماعية، من خلال:

  • ضمان أن تصل التدابير المادية أو العينية للفئات المستحقة.
  • العمل على الانتقال من الوظيفة الحمائية للحماية الاجتماعية إلى الوظيفة التحويلية؛ من خلال ربط التحويلات النقدية ببرامج التمكين الاقتصادي.
  • العمل على مراجعة قاعدة البيانات لضمان تحقيق مبدأ الانصاف في توزيع المساعدات الاجتماعية.
  • التركيز على الفئات الاجتماعية الأكثر فقرًا؛ لتحقيق العدالة الاجتماعية.
  • العمل على توحيد الجهود بين القطاعات الحكومية والمجتمع المدني والقطاع الخاص.

وتأسيسا على ذلك، أدركت الدولة المصرية الدور الفاعل لمنظمات المجتمع المدني في تحقيق التنمية وتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية؛ من خلال الوصول إلى أكبر عدد من الفئات الأكثر احتياجًا  في مختلف محافظات الجمهورية، حيث تم تدشين التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي في مارس 2022 ليضم أكثر من 30 جمعية ومؤسسة أهلية على ميثاق العمل الأهلي التنموي، ليكون أكبر تجمع تنظيمي مستقل لمنظمات المجتمع المدني لتحقيق التنمية والتمكين الاقتصادي والحماية الاجتماعية.

وجاءت مبادرة “كتف في كتف”، والتي أطلقها التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي لدعم الفئات الأكثر احتياجًا في ظل الظروف الاقتصادية العالمية نتيجة الحرب الروسية- الأوكرانية، وما سببته من تداعيات على سلاسل الإمداد والغذاء عالميًا وليس على المستوى المحلى فقط. وتستهدف المبادرة توزيع صناديق مواد غذائية على الأسر الأكثر استحقاقا، ويكفي الصندوق أسرة مكونة من خمسة أفراد لمدة شهر.

وقد انطلقت فعاليات المبادرة في 16 محافظة بالتوازي، وهي (القاهرة – الجيزة – القليوبية – الغربية – المنوفية – الشرقية – الدقهلية – كفر الشيخ – البحيرة – الإسكندرية – الإسماعيلية – الفيوم – بني سويف – سوهاج – الأقصر – أسوان)، والتي تم من خلالها تعبئة وتوزيع أكثر من مليون صندوق مواد غذائية، بالإضافة إلى 160 ألف وجبة و30 ألف قطعة ملابس. وكانت الأولوية للمحافظات الحدودية؛ لتخفيف العبء عنهم، وكذلك تقليل الآثار السلبية الناتجة عن الأزمة الاقتصادية العالمية.

ويتم استهداف الفئات الأكثر احتياجًا من خلال قاعدة بيانات تضم الأسر الأكثر استحقاقًا، وتشمل تقريبا 37 مليون مواطن. ومثلت هذه البيانات مؤشرات أولية لمعايير التوزيع؛ فقد تمكن التحالف خلال العام الماضي من توفير مجموعة من الحزم المتنوعة  سواء من خلال تقديم دعم نقدي للفئات المتضررة من تداعيات جائحة كورونا أو التداعيات الاقتصادية الناجمة عن الأوضاع العالمية بصورة دورية، أو مساعدات غذائية من خلال  التعاون مع مبادرة حياة كريمة للفئات الأكثر احتياجًا بكل محافظات الجمهورية من خلال قوافل (وصل الخير) والتي كانت خلال شهر رمضان الماضي بتكلفة ملياري جنيه واستهدفت 8 ملايين مواطن بالدعم النقدي والغذائي، والمرحلة الثانية، بتكلفة إجمالية قدرها 7 مليارات جنيه، وتهدف في مجملها إلى دعم مباشر لخمسة ملايين مواطن.

وفى إطار تحقيق الضمان الاجتماعي، وقع التحالف الوطني للعمل الأهلي بروتوكول تعاون مع وزارة التضامن الاجتماعي ضمن برنامج “تكافل وكرامة” لتحقيق الضمان الاجتماعي من خلال حزمة من الحماية الاجتماعية، حيث وفر دعمًا نقديًا لنحو (420 ألف) أسرة، بالإضافة إلى توفير الدعم الغذائي لنحو (180 ألف) أسرة، بإجمالي 600 ألف أسرة.

وبالتالي يمكن القول إن التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي مع مبادرة حياة كريمة يعملان على توسيع مظلة الحماية الاجتماعية بالتركيز على تلبية احتياجات المواطنين في المحافظات الاكثر احتياجًا، وتستهدف المؤسستان تحقيق هدف العدالة المكانية؛ من خلال التعامل مع الفجوة التنموية الجغرافية مثل ريف الوجه القبلي وريف الوجه البحري، ويمثلان كذلك نموذجًا للتعاون بين المؤسسات الحكوميةّ (وزارة التضامن الاجتماعي – وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية – وزارة التنمية المحلية – وزارة المالية – جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة) والقطاع الخاص والمجتمع المدني.

+ posts

باحثة بالمرصد المصري

منى لطفي

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى