تغير المناخأسواق وقضايا الطاقة

مذكرات تفاهم متعددة في قمة التنفيذ بشرم الشيخ.. الجدوى الاقتصادية والاستثمارية

شهدت فعاليات قمة المناخ كوب 27 التي تستضيفها شرم الشيخ العديد من المباحثات حول سبل احتواء التغير المناخي والجهود الدولية متعددة الأطراف لتوفير التمويل اللازم لتلك الإجراءات، لكن تلك المنصة التي تمثل ملتقى للعديد من دول العالم ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص على حد سواء كان لها بعد مهم في مجال ممارسة الأعمال؛ إذ تم توقيع عدد من مذكرات التفاهم في قطاعات متعددة أبرزها الطاقة وتوليد الكهرباء وفي مجال المؤسسات الصحية الخضراء؛ بهدف تحقيق التنمية المستدامة ودعم قضايا المناخ.

قطاع الطاقة في مصر كان من بين القطاعات الأكثر اهتمامًا بين المستثمرين على هامش مؤتمر المناخ، فبعد أسبوع واحد من توقيع شركة أكوا باور السعودية لمذكرة تفاهم مع هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة المصرية والشركة المصرية لنقل الكهرباء لإنشاء مزرعة رياح عملاقة بقدرة 10 جيجاوات في مصر، يضع ذلك التفاهم مزرعتي مصدر وأكوا باور في المرتبة الثانية بين أكبر مزارع الرياح عالميًا في العالم بعد مشروع جانسو في الصين الذي تبلغ طاقته المخطط لها 20 جيجاوات. 

تسهم تلك المحطات في إحداث نقلة نوعية في إنتاج الطاقة في مصر، وهو ما سيكون له أثر كبير على خفض حجم الانبعاثات التي تنتجها مصر. ومن المتوقع أن تسهم مزرعة الرياح -التي سيتم انشاؤها بتحالف “مصدر وانفينتي وحسن علام” بتكلفة تقدر بحوالي 10 – 12 مليار دولار، وستبدأ التشغيل الفعلي بعد 5 سنوات تقريبا، عند اكتمالها- في ما يقرب من 48 ألف جيجاوات ساعة من الطاقة النظيفة سنويا، وستسهم في تفادي انبعاثات بحوالي 23.8 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، وهو ما يعادل 9 % من إجمالي الانبعاثات التي تنتجها مصر، وتوفر ما يعادل 5 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي الذي يتم استهلاكه في مصر سنويًا.

لكنها ليست مذكرة التفاهم الوحيدة؛ فالحكومتان السعودية والمصرية قامتا بتوقيع مذكرة تفاهم للتعاون بين البلدين في العديد من المجالات، منها: التعاون في إنتاج وتصدير الكهرباء من الطاقة المتجددة، ونقل الهيدروجين النظيف، والربط الكهربائي، فضلًا عن تشجيع التحول الرقمي، والابتكار، والأمن السيبراني، والذكاء الاصطناعي، إضافة إلى تنمية الشراكات النوعية بين البلدين، وتوطين المواد والمنتجات، والخدمات، وسلاسل الإمداد وتقنياتها. 

كان لشركة سكاتك النرويجية نصيب هي الأخرى؛ إذ تسعى الشركة إلى إنشاء مشاريع جديدة لإنتاج طاقة الرياح في مصر بقدرة إجمالية تبلغ 5 جيجاوات، ووقعت الشركة مع الشركة المصرية لنقل الكهرباء وهيئة الطاقة الجديدة والمتجددة مذكرة تفاهم لإعداد دراسة الجدوى الخاصة بالمشروع. من جانب آخر، وقع جهاز الاستثمار العماني “الصندوق السيادي العماني” صفقة تبلغ قيمتها 150 مليون دولار ستمكنها من الاستحواذ على حصة تبلغ 10% من مزرعة الرياح التي تنفذها شركة أكوا باور السعودية وحسن علام القابضة في خليج السويس، وتقدر الطاقة التوليدية لتلك المحطة بحوالي 1.1 جيجاوات.

كان لاتحاد المستثمرين المتمثل في شركة أوراسكوم للإنشاءات وشركة“ كهربل ”منطقة حرة (إنجي)، وشركة تويوتا تسوشو كوربريشن TTC، دور أيضًا في توقيع مذكرة تفاهم مع الشركة المصرية لنقل الكهرباء وهيئة تنمية واستخدام الطاقة الجديدة والمتجددة؛ لتنفيذ مشروع إنتاج طاقة كهربائية من الرياح، وتهدف مذكرة التفاهم إلى تنفيذ مشروع محطة لإنتاج الكهرباء من الرياح بقدرة 3 جيجاوات، على أن يتم بموجب هذا الاتفاق تأسيس شركة لهذا المشروع في مصر، بعد إجراء الدراسات اللازمة قبل البد في التنفيذ.

ماذا ستستفيد مصر من ذلك القدر الهائل من الطاقة؟!

يبلغ إجمالي مذكرات التفاهم التي وقعتها مصر في مجال إنتاج الطاقة من مصادر متجددة حوالي 25 جيجاوات، وهو ما يقترب من نصف ما تنتجه مصر حاليًا من الطاقة (59.5 جيجاوات)، ويصل إلى حوالي 7 أضعاف القدرات الإجمالية المنتجة من خلال مصادر الطاقة المتجددة والتي يبلغ إجماليها 3.4 جيجاوات في نهاية العام الماضي، يوجد عدد من السيناريوهات التي تستفيد منها مصر من تلك المحطات أولها أن يتم تصدير تلك الطاقة إلى دول الجوار من خلال أنظمة الربط الكهربائي بين مصر والدول المجاورة لها، أو ان  يتم استهلاك تلك الطاقة محليا ومن ثم توفير الغاز الذي يتم استخدامه حاليا في توليد الطاقة للتصدير ومن ثم توليد تدفقات نقدية بالعملات الأجنبية لمصر.

وفي سياق موازٍ، كان لقطاع الرعاية الصحية دور في الاستثمار؛ فشهد توقيع مذكرة تفاهم بين الهيئة العامة للرعاية الصحية وشركة أسترازينيكا مصر للصناعات الدوائية؛ بهدف تعزيز مفهوم المنشآت الصحية الخضراء. تأتي تلك الاتفاقية لتعزيز جهود الدولة الرامية للتعامل مع قضايا التغيرات المناخية، وخاصة فيما يتعلق بمحاور الرعاية الصحية والمبادرة الرئاسية المصرية “اتحضر للأخضر”.

تستهدف تلك الاتفاقية تطبيق مفهوم المنشآت الصحية الخضراء التي تستهدف دعم العمل المناخي من خلال الاعتماد على مصادر طاقة نظيفة لتشغيل تلك المؤسسات الطبية، والتحول نحو استخدام العقاقير الطبية الأقل بصمة كربونية للبيئة. يضاف إلى ما سبق ذكره العديد من المباحثات الثنائية التي تمت بين الرئيس السيسي وعدد من رؤساء دول العالم، منها رئيس الوزراء البريطاني “ريشي سواناك ” والتي كانت تخص العلاقات التجارية بين البلدين وسبل التعاون في مجال الهيدروجين الأخضر، وتعزيز دور شركات القطاع الخاص في الاستثمار في مصر.

تسهم تلك الاستثمارات في تحقيق التنمية المستدامة في مصر؛ من خلال ضخ مزيد من الاستثمارات التي تحمل البصمة الكربونية المنخفضة، والتي تتوافق مع استراتيجية مصر نحو التنمية المستدامة والمحددة في رؤية مصر 2030، وخطط التعافي الأخضر لخطة المناخ والاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050.

+ posts

باحث ببرنامج السياسات العامة

أحمد بيومي

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى