
مرونة وفاعلية: إجراءات الحماية الاجتماعية ضمن حزمة التصدي لتداعيات الأزمة العالمية
دائمًا ما يحصل البعد الاجتماعي على جانب كبير من اهتمامات الدولة المصرية. ومع تتابع الأحداث الاقتصادية العالمية غير المواتية خلال السنوات الثلاث الماضية، أصبحت إجراءات الحماية الاجتماعية على رأس أولويات الدولة المصرية، وقد انعكس ذلك التوجه في موازنة عام 2022/2023، بالإضافة إلى التوجيهات الرئاسية المباشرة في هذا الشأن.
خطة الدولة للتعامل مع الأزمة
مع تصاعد التداعيات السلبية للصراع في أوكرانيا على الاقتصاد العالمي وانعكاس ذلك على الاقتصاد المصري، أعلنت الدولة المصرية خطة من خمسة محاور رئيسة للتعامل مع الأزمة، وقد تمثلت تلك المحاور الخمس في: تعزيز دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، وتوطين الصناعة المحلية مع توسيع القاعدة الإنتاجية، وتنشيط البورصة المصرية وتعزيز دورها في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وخفض الدين العام وعجز الموازنة، وإجراءات وبرامج للحماية الاجتماعية لضمان توفير السلع الأساسية.
بالنسبة لتعزيز دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، تستهدف الدولة في هذا الصدد خلق المزيد من فرص العمل ورفع معدل النمو الاقتصادي، وقد جاء ذلك بعد قيامها بتأهيل وإعداد البنية التحتية اللازمة للاستثمار خلال السنوات الأولى من برنامج الإصلاح الاقتصادي. وتهدف الدولة إلى رفع نسبة مشاركة القطاع الخاص إلى 65% من إجمالي الاستثمارات المنفذة خلال 3 سنوات، مع الانسحاب التدريجي من عدد من القطاعات. وتتمثل أبرز محاور التحرك في هذا الشأن في: تحسين مناخ الأعمال، وإطلاق حزمة من الحوافز المتنوعة، وفتح قنوات تواصل مباشر مع القطاع الخاص.
أما بالنسبة لتوطين الصناعة المحلية مع توسيع القاعدة الإنتاجية، فقد تضمنت خطة الدولة إطلاق برنامج طموح لرفع معدلات التشغيل والنمو خلال ثلاث سنوات، وتعظيم الصادرات في 9 قطاعات، وإعداد استراتيجية توطين صناعة السيارات، بالإضافة إلى طرح مشروعات جديدة للاستثمار الأجنبي المباشر تشمل: مشروعات مراكز البيانات، وشبكات نقل البترول والغاز والتوسعات بمحطات الإسالة، وأبراج لشركات الاتصالات، وإعادة تأهيل محطات الرياح بالزعفرانة وجبل الزيت. ومن المتوقع أن ينعكس ذلك على زيادة الناتج القومي الإجمالي، ورفع معدلات التشغيل، وزيادة قيمة الصادرات، فضلًا عن رفع القيمة المضافة للمنتج المحلي؛ الأمر الذي يدفع معدلات الأسعار نحو الاستقرار، ويعمل على رفع قيمة العملة الوطنية.
تضمن محور تنشيط البورصة نحو 21 اجراءً، جاء منها: زيادة أعداد الشركات المقيدة، وإتاحة آليات جديدة لتواكب التطور العالمي، وتعزيز إمكانات إدارة المخاطر لدى شركات الأوراق المالية، وزيادة أعداد المستثمرين المحليين والأجانب من الأفراد والشركات، وزيادة الوزن النسبي لمصر في المؤشرات الدولية، وزيادة أحجام وأعداد الشركات المقيد لها أوراق مالية في البورصة. وبالفعل أعلنت الحكومة عن تأهيل شركتي “وطنية” لبيع وتوزيع المنتجات البترولية، والشركة الوطنية للمشروعات الإنتاجية “صافي”، التابعتين لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية، للطرح في البورصة المصرية بما يتوقع أن يكون له مردود إيجابي على السوق خلال الفترة المقبلة.
وفيما يتعلق بخفض الدين العام وعجز الموازنة، فإنه يلاحظ انعكاس التداعيات العالمية والسياسات النقدية المتبعة لمواجهاتها على ارتفاع عبء وتكلفة الدين بشكل عام، الأمر الذي ينعكس على معدلات الدين العام. وقد تضمنت خطة الدولة لتحسين إدارة الدين خفض المديونية إلى نحو 75% من الناتج بنهاية العام المالي 2025/2026، وإطالة عمر الدين ليقترب من خمس سنوات بنهاية يونيو 2026، وتحقيق فائض أولي بنحو 2%من الناتج سنويًا، وزيادة الإيرادات الضريبية بنحو 0.5% من الناتج سنويًا، وخفض تكلفة الاقتراض وخدمة الدين الحكومي إلى 6% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2025/2026، وذلك من خلال إصدار الصكوك السيادية.
أما عن إجراءات وبرامج الحماية الاجتماعية لضمان توفير السلع الأساسية، فقد تضمنت حزمة الإجراءات المالية والحمائية للتعامل مع الأزمة تخصيص نحو 130 مليار جنية للتعامل مع تداعيات الأزمة وتخفيف آثارها على المواطنين، وضم نحو 450 ألف أسرة للمستفيدين من برنامج تكافل وكرامة من خلال تدبير مبلغ 2.7 مليار جنية، وزيادة حد الإعفاء الضريبي من 24 إلى 30 ألف جنية، وتحمل الموازنة العامة للدولة لنحو 190.5 مليار جنية لسداد إجمالي القسط السنوي لصالح صندوق التأمينات والمعاشات، والتعجيل بزيادة الأجور والمعاشات في أول ابريل بدلًا من أول يوليو 2022. فضلًا عن تشديد الرقابة على الأسواق وتوفير السلع الضرورية من خلال التوسع في إقامة المعارض والمنافذ لتوفير السلع بأسعار منخفضة.
وقد شهد الأسبوع الحالي صدور توجيهات رئاسية جديدة بشأن التوسع في إجراءات الحماية الاجتماعية في ظل تتابع التداعيات الاقتصادية العالمية وتأثيرها على المواطنين، وقد تضمنت تلك التوجيهات: زيادة عدد الأسر المستفيدة من برنامج “تكافل وكرامة” بضم مليون أسرة إضافية للبرنامج، ليصبح حجم المستفيدين من المواطنين أكثر من 20 مليون مواطن على مستوى الجمهورية. وكذلك صرف مساعدات استثنائية لعدد 9 مليون أسرة لمدة 6 شهور قادمة، بتكلفة إجمالية حوالي مليار جنيه شهريًا للأسر الأكثر احتياجًا ومن أصحاب المعاشات الذين يحصلون على معاش شهري أقل من 2500 جنيه، وأيضًا من العاملين بالجهاز الإداري للدولة الذين يحصلون على راتب اقل من 2700 جنيه شهريًا.
ذلك بالإضافة إلى إجراءات تعزيز الأمن الغذائي للأسر الفقيرة والأمهات والأطفال، من خلال التوسع في طرح كراتين السلع الغذائية المدعمة بنصف التكلفة، وبواقع عدد 2 مليون كرتونة شهريًا، بحيث يتم توزيعها من خلال منافذ القوات المسلحة، مع قيام وزارة الأوقاف بالشراكة مع وزارة التضامن الاجتماعي بتوزيع لحوم الأضاحي على مدار العام. ويشار إلى قيام وزارة المالية بتوفير الموارد المالية اللازمة في هذا الصدد، والبالغ إجماليها حوالي 11 مليار جنيه.
البعد الاجتماعي في موازنة العام المالي الجديد
استمرت إجراءات الحماية الاجتماعية حاضرة على رأس أولويات الدولة في ظل الظروف العالمية الحالية. وبمتابعة قيمة المخصصات المحددة لباب الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية، يلاحظ اتخاذها اتجاهًا تصاعديًا منذ عام 2019/2020؛ إذ ارتفعت من 229.2 مليار جنيه عام 2019/2020 إلى 356 مليار جنيه بموازنة العام الجديد.
وفيما يتعلق ببند الدعم، فقد تم وضع خطة لإعادة هيكلة منظومة الدعم منذ عام 2014 لضمان وصوله إلى مستحقيه، وتتضمن تلك الخطة إعادة توزيع مخصصات الدعم؛ بصفة خاصة من خلال تخفيض مخصصات الدعم العيني مقابل التوسع في تقديم المزايا الاجتماعية في صورة الدعم النقدي. ومنذ عام 2020/2021 يلاحظ إعادة ظهور الاتجاه التصاعدي مرة أخرى لمخصصات الدعم نتيجة التأثر بتداعيات أزمتي جائحة كورونا والصراع الروسي الأوكراني على بعض الفئات من المواطنين، الأمر الذي استلزم التوسع مرة أخرى في مخصصات الدعم، مع استمرار ارتفاع قيمة مخصصات المزايا الاجتماعية.
وقد تضمنت خطة تطوير الدعم السلعي لعام 2014 إعادة هيكلة مخصصات الدعم السلعي من خلال تخفيض نسبة الدعم على كل من المواد البترولية، والكهرباء، والمياه، في مقابل ارتفاع نسبة الدعم على السلع التموينية والأدوية وألبان الأطفال. وبالنظر إلى قيمة الدعم الموجه لكل من المواد البترولية والسلع التموينية بموازنة عام 2022/2023، يلاحظ ارتفاع كل منهما تأثرًا بارتفاع الأسعار العالمية؛ إذ إنه تم تقدير متوسط سعر برميل النفط عند 80 دولارًا في موازنة عام 2022/2023، مقابل سعر برميل خام برنت 60 دولارًا خلال العام السابق، قبل أن يتم رفعها إلى 75 دولارًا للبرميل. ويجب الاخذ في الحسبان زيادة الالتزامات المحتملة نتيجة ارتفاع أسعار النفط العالمية عما تم تقديره بالموازنة.
وعلى صعيد مخصصات شبكات الحماية الاجتماعية، فقد ارتفعت هي الأخرى من 18.7 مليار عام 2029/2020 إلى 22.2 مليار بموازنة عام 2022/2023؛ وقد تمثلت تلك الزيادة في مساعدات الضمان الاجتماعي وبرنامجي تكافل وكرامة وبرنامج دعم التعليم المجتمعي. وارتفع عدد الأسر المستفيدة من تلك البرامج إلى 4 ملاين أسرة.
باحثة ببرنامج السياسات العامة