تطوير الممرات والمناطق اللوجستية جهود تنفيذية وآفاق واعدة
تسعى الحكومة المصرية إلى تحويل مصر لمركز دولي لتجارة الترانزيت استنادا إلى ما تتمتع به مصر من مقومات تمكنها من أن تكون مركزا تجاريا عالميا؛ حيث الموقع الاستراتيجي المتميز، وشبكات الطرق التي تم تنفيذها لربط مختلف انحاء الدولة ببعضها البعض وربط مصر بغيرها من الدول في نطاقها الجغرافي. وقد بذلت الدولة العديد من الجهود في هذا المجال، ووضعت مخطط على المدى المتوسط ( 2024 – 2030) لجعل مصر مركزًا للتجارة العالمية واللوجستيات، وانعكست تلك الجهود على مرتبة مصر في عدد من المؤشرات الدولية المتعلقة بأداء الموانئ والخدمات اللوجستية في مصر.
الممرات والمناطق اللوجستية: المفهوم والأهمية الاقتصادية
يقصد بالممرات اللوجستية شبكات الربط الحيوية بين ارتكازات ومناطق الإنتاج بالموانئ البحرية والجافة من خلال شبكات سكك حديدية متطورة وشبكة طرق تراعي أعلى المعايير الدولية في الجودة والتنفيذ. وتأتي أهمية تلك الممرات من حيث كونها واحدة من العوامل الضرورية لقيام تجارة الترانزيت والتجارة العابرة للشحن، وتضم تلك العوامل ما يلي:
- توفر عدد من الموانئ البحرية والجوية والجافة وكذلك المناطق اللوجستية التي تمد الموانئ بالخدمات اللازمة لقيام تجارة الترانزيت، فضلا عن توفر الصناعات المكملة لقطاع الموانئ ومن أهمها صناعة الحاويات.
- إنشاء ممرات لوجستية متنوعة لربط مواطن الإنتاج بالموانئ البحرية والجافة.
- تطوير شبكة طرق وشرايين ومواصلات ضخمة للربط بين الممرات والموانئ.
ومع تطوير الموانئ والممرات والمناطق اللوجستية تنشأ العديد من المنافع الاقتصادية على مستوى الدولة وتنعكس تلك المنافع على الاقتصاد العالمي؛ فعلى مستوى الدولة تيسر تلك الممرات من تدفق المواد الخام من مناطق تواجدها الى مناطق الإنتاج ثم تسير انتقال السلع والبضائع المنتجة من مناطق الإنتاج الى مناطق الاستهلاك، بما يعزز قيام العديد من الصناعات، كما تسهل تلك الممرات عمليات التخزين والتجميع والتغليف والتعبئة والشحن وإعادة الشحن، وتسهم في رفع إيرادات الدولة من الرسوم والضرائب، وتخلق المزيد من فرص العمل بقطاع النقل والخدمات اللوجستية، وتمكن الدولة من الاستفادة من موقعها الجغرافي كنقطة وصل بين مختلف شبكات التجارية العالمية، وكذلك تعزز الاستفادة الكاملة من الموانئ وغيرها من المنافذ المتاحة بالدولة، فضلا عن دورها في توجيه وضخ الاستثمارات لتطوير قطاع النقل بمختلف انواعه من نقل بري وبحري وجوي، وتصب اجمالا في تعزيز النمو الاقتصادي بالدولة.
وعلى صعيد الاقتصاد الدولي يتم تنشيط تجارة الترانزيت ومن ثم تعزيز التجارة الدولية بين الدول بطريقة رخيصة وسريعة وآمنة، فضلا عن ضمان استقرار وسلامة سلاسل الامداد، وتشجيع التعاون الإقليمي والتنمية المشتركة، وتعزيز نمو العلاقات التجارية بين الدول المختلفة خاصة في المناطق النائية والمعزولة.
جهود تطوير الممرات والمناطق اللوجستية في مصر
تحتضن مصر العديد من الممرات والمناطق اللوجستية الحديثة والمتطورة؛ حيث تمتلك العديد من المزايا التنافسية التي تؤهلها لذلك حيث موقعها الجغرافي المتميز، وتوفر العمالة المؤهلة والمدربة، وكذلك وجود طلب مرتفع من الدول الافريقية على السفن المصرية في مقابل السفن الأوروبية التي تعتمد على تكنولوجيا فائقة بما يزيد من تكلفتها، فضلا عن وجود رؤية استراتيجية لتحويل مصر إلى مركز لوجيستي عالمي. وتعتمد خطة تطوير الموانئ والممرات اللوجستية في مصر على تحقيق التكامل بين الموانئ المصرية من خلال وضع مخطط متكامل يتضمن خارطة استثمارية للموانئ المصرية، واستكمال التغطية الجغرافية لمصر بخدمات النقل البحري؛ وذلك لدعم التنمية الشاملة، وإنشاء وتطوير البنية التحتية والفوقية للموانئ البحرية وفقًا لاقتصاديات السوق والمعايير الدولية، إضافة إلى ربط الموانئ المصرية بمناطق الاستثمار واستغلال الشبكة القومية للطرق ووسائل النقل في رؤية متكاملة، وتحويل مصر إلى مركز عالمي للطاقة والتجارة واللوجستيات على المستوى الإقليمي والأفريقي والعالمي، وتأهيل وتنمية قدرات الموارد البشرية، وتطوير البنية التشريعية بما يتماشى مع التطورات المحلية والعالمية، ومواكبة المعاهدات والالتزامات الدولية، وأيضًا تأمين الموانئ البحرية، والعمل على رفع التصنيف البيئي الدولي للموانئ البحرية المصرية إلى موانئ خضراء لتحقيق الاستدامة البيئية، وتنمية ودعم الأسطول التجاري البحري المصري بما يُمكنه من نقل نسبة 25% من حجم تجارة مصر الخارجية، وأخيرًا، دعم تنمية السياحة البحرية.
استراتيجية تحويل مصر لمركز عالمي للتجارة واللوجستيات
انقسمت استراتيجية الدولة إلى خطة قصيرة الأجل (حتى عام 2024)، وخطة متوسطة الأجل (2024-2030). وتعرف الخطة قصيرة الأجل بالمرحلة العاجلة أو مرحلة التأهيل، وقد ركزت على التدخل السريع للدولة برفع كفاءة التشغيل بالموانئ والظهير الممتد لها، من خلال العمل على عدة محاور بالتوازي وهي:
- تطوير كافة شبكات السكك الحديدية وشبكات الطرق الرئيسية والممرات الملاحية النهرية وكل ما يرتبط بها من تشريعات وقوانين منظمة.
- تحسين بيئة العمل ومنظومة الجمارك والفحص والإفراج ورفع كفاءة البنية الأساسية القائمة من أرصفة وساحات تخزين وبوابات، وكذلك رفع كفاءة الممرات الملاحية بتعميقها وتحسين المناورة بها وإضافة قاطرات جديدة تصـل قـوة شـدها إلى 70 طنا تسمح بسرعة وأمان مناورة السفن، فضلا عن تطوير المعدات الخاصة بالمحطات الحالية والتحول الرقمي المتكامل لتلك المحطات باستخدام منظومات تشغيل حديثة ومتطورة وإعادة هيكلتها الإدارية، بهدف زيادة الطاقة الاستيعابية للموانئ الرئيسية .ومن أهم المشروعات التي تمت لإضافة طاقة استيعابية محطة تحيا مصر متعددة الأغراض، ومحطة الأخشاب والغلال، فضلا عن إضافة ساحات تخزينية جديدة وجراج متعدد الطوابق لتضيف تلك المشروعات مجتمعة ما يزيد عن 1.5 مليون/ حاوية مكافئة سنويا وما يقرب من مليون طن بضائع عامة/سنويا وأكثر من 200 ألف سيارة/ سنويا لتمثل كافة تلك المشروعات أكثر من 50 % من حجم البضائع التي يتم تداولها حاليا بمينائي الإسكندرية والدخيلة مجتمعين .
أما بالنسبة للخطة متوسطة المدى (2024- 2023) المعروفة بمرحلة التوسع ، فقد تم وضعها بالتزامن مع إعادة تخطيط الخطة المرنة لوزارة النقل للتوسع في تدويل قطاع الخدمات اللوجستية المصري للاندماج في سلاسل الإمداد العالمية بالاعتماد على تجارة الترانزيت المباشر وغير المباشر وإعادة التصدير. وقد ارتكزت الخطة متوسطة المدى على تنفيذ مشروعات البنية التحتية المتطورة على مستوى عالمي، من خلال عقد شراكات استراتيجية طويلة المدى مع الشركات والمشغلين العالميين تتضمن الشراكة في مراحل التصميم والتشغيل والإدارة، وتتكامل مع المرحلة الأولى من الخطة الاستراتيجية من خلال ضخ الاستثمارات داخل النظام اللوجيستي السابق تأهيله، وتوجيه تلك الاستثمارات المصرية والأجنبية لـخـلـق ممرات لوجستية دولية تنموية متكاملة لربط مناطق الإنتاج (الصناعي – الزراعي – التعديني – الخدمي) بالموانئ البحرية بوسائل نقل سريعة وأمنه مروراً بالموانئ الجافة والمناطق اللوجستية المتكاملة ، ومـن أهـم تلك الممرات:
- محـور السخنة – الإسكندرية اللوجيستي الدولي المتكامل: والذى يمتـد مـن ميناء العين السخنة على البحر الأحمر – مرورا بميناء العاشر من رمضان الجاف والمنطقة اللوجستية المرتبطة به -والمنطقة الصناعية بالعاشر من رمضـان – ثـم مـرورا بالقاهرة المركز الحضري الأضخم في الشرق الأوسط – ثم بمدينة السادس من أكتوبر الصناعية والميناء الجاف والمنطقة اللوجستية المرتبطين بها وصـولا لميناء الإسكندرية الكبير .
- الممر اللوجيستي العريش / طابا: والذى يبدأ من ميناء العريش على البحر المتوسط وحتى ميناء طابا على خليج العقبة مروراً بمناطق الصناعات الثقيلة في سيناء.
- الممر اللوجيستي طنطا / المنصورة / دمياط.
- ممـر القاهرة / الإسكندرية اللوجستي: الذي يبدأ من محطة سكك حديد قطارات صعيد مصر بمنطقة بشتيل مروراً بميناء السادات الجاف وميناء السادس من أكتوبر الجاف وحتى ميناء الإسكندرية.
- الممر اللوجيستي جرجوب / السلوم: الذى يبدأ من ميناء جرجوب البحري ويصل إلى ميناء السلوم البرى مروراً بالمنطقة اللوجستية شرق ميناء السلوم .
وتهدف المرحلة متوسط المدى إلى إضافة أرصفة جديدة بإجمالي أطوال 65 كم بأعماق تتراوح من (15-18) مترا، من أهمها موانئ برنيس، سفاجا، السخنة، الأدبية، نويبع على البحر الأحمر . وكذلك موانئ العريش، بورسعيد ، دمياط، أبو قير الإسكندرية، جرجوب على البحر المتوسط ليصل إجمالي أطوال الأرصفة في الموانئ البحرية إلى 100 كم، بالإضافة إلى إنشـاء حـواجز امــواج بأطوال 15 كـم، وتعميـق الممرات الملاحيـة لتستوعب الموانئ 400 مليـون طـن سـنويا بدلا من 185 مليون طن و40 مليون حاوية مكافئة سنويا بدلا من 12 مليون حاوية مكافئة.
ومع أهمية المنطقة الاقتصادية لقناة السويس فقد أولت الدولة أهمية خاصة لتطوير تلك المنطقة والتي شهدت العديد من الإنجازات منها:
- تطوير البنية التحتية للمنطقة بما في ذلك توسيع الموانئ وتحسين الطرق وتطوير البنية التحتية اللوجستية من خلال عقد الشراكات مع المشروعات بالمنطقة الصناعية.
- نجحت مصر في تقديم خدمة تموين السفن بالوقود لأول مرة في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس خلال شهر يونيو 2023؛ حيث تم تنفيذ أول عملية تموين سفن بميناء السخنة بالمنطقة الجنوبية التابعة للمنطقة الاقتصادية، وذلك في إطار بدء المنطقة الاقتصادية في تقديم هذه الخدمة للخطوط الملاحية المتعاملة.
- تم بذل العديد من الجهود التي تجعل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس أحد أهم مراكز الطاقة الخضراء إقليميا ودوليا وتم افتتاح اول مصنع لإنتاج الهيدروجين الأخضر بالمنطقة خلال انعقاد مؤتمر COP 27، وكذلك يوجد بالمنطقة اول مركز لوجيستي للبضائع صديق للبيئة؛ إذ يعمل بالطاقة الشمسية فبجانب دوره في تيسير حركة تجارة الترانزيت وتخفيض زمن انتظار الشاحنات ومنع تكدسها، فهي تسهل أيضا في تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بما يصب في مدى التزام الدولة للتشريعات الدولية المتعلقة بخفض الانبعاثات والامتثال لقواعد المنظمة البحرية الدولية IMO بشأن انبعاثات السفن.
مؤشرات أداء موانئ المنطقة الاقتصادية لقناة السويس
المؤشر | 2022 | نسبة التغير (2021-2022) |
اجمالي ترددات السفن (سفينة) | 3647 | 10% |
اجمالي الحاويات (مليون TEU) | 5.05 | 6% |
اجمالي البضائع (مليون طن) | 70 | 8% |
المصدر: تقرير إنجازات 2022 – وزارة النقل – قطاع النقل البحري )2023(
مؤشرات النمو وثمار الجهود المبذولة
انعكست جهود الدولة في تطوير الممرات والمناطق اللوجستية على مكانة مصر عالميا، ويتضح ذلك من خلال مؤشر أداء الخدمات اللوجستية LPI الصادر عن البنك الدولي والذي يقيس قدرة البلدان على نقل السلع عبر الحدود بسرعة وعلى نحو منتظم، ويغطي المؤشر 139 دولة في 6 جوانب تعكس الأداء اللوجستي، وهم كفاءة عملية التخليص الجمركي، جودة البنية التحتية المتعلقة بالتجارة بما في ذلك الموانئ والسكك الحديدية وشبكة الطرق والبنية التحتية الرقمية، سهولة ترتيب الشحنات بأسعار تنافسية، كفاءة الخدمات اللوجستية، والقدرة على التتبع والتعقب، توقيت وصول الشحنات إلى وجهتها. وقد ارتفاع ترتيب مصر في مؤشر أداء الخدمات اللوجستية إلى المرتبة السابعة عربيا والـ58 عالميا لعام 2023، محققة نحو 3.1 نقطة، مقارنة ب 2.82 نقطة عام 2018 حيث حتلت المرتبة الـ67 عالميا.
مؤشر أداء الخدمات اللوجستية للدول العربية مقارنة بأفضل 6 دول عالمية
المصدر: World Bank (2023), Logistics Performance Index, LPI.
ومن جهة أخرى، فقد ارتفع ترتيب مصر في مؤشر اتصال الشحن البحري LSCI الصادر عن منظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية UNCTAD، والذي يهدف إلى تحديد مستوى التكامل في شبكة الشحن البحري سواء على مستوى دولة ما أو ميناء معين، ووفقا لأحدث اصدار لقيم للمؤشر فقد حصلت مصر على 74.91 نقطة في الربع الرابع لعام 2023، مقارنة بـ 68.47نقطة بالربع الرابع لعام 2022.