
مساعٍ حثيثة… جهود الدولة لتوطين الصناعة
“تتجه الدولة بقوة نحو توطين الصناعة بشكل عام في مصر، وزيادة المكون المحلي؛ لكون الصناعة هي قاطرة التنمية في هذه الفترة، مع الحرص على نقل الخبرات والتكنولوجيات المطبقة عالميًا إلى الصناعة المحلية.”، هكذا صرح رئيس الوزراء “مصطفى مدبولي” خلال اجتماعه مع وزير الدولة للإنتاج الحربي الأسبوع الماضي.
وكان الرئيس “عبد الفتاح السيسي” قد وجه بالقيام بدراسات معمقة لنقل التكنولوجيا الصناعية الحديثة في المجالات ذات الأولوية، بالشراكة مع كبرى الشركات العالمية ذات الخبرة؛ بما يضمن استدامة واستقرار توطين تلك الصناعات بهدف تلبية احتياجات السوق المحلية، وسد الفجوة بين الصادرات والواردات، وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
ويُعد قطاع الصناعة التحويلية أكثر القطاعات قابلية للتجارة، وبالتالي سيسهم توطين الصناعة في زيادة الصادرات وتقليل الواردات، مما سيزيد من الفائض التجاري، أو سيسهم في الحد من العجز التجاري، وسيزيد من تدفق العملة الأجنبية ويحد من الإنفاق منها، وسيسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي، وخصوصًا في السلع الاستراتيجية. إضافة إلى ذلك، سيسهم في توفير فرص عمل.
واستطاعت مصر جذب العديد من الاستثمارات الأجنبية في مجال الصناعة بفضل توفير المناخ الجيد للاستثمار، وكذلك أنشـأت العديد من الجامعات والمدارس التكنولوجية؛ بهدف توفير كوادر مؤهلة للعمل بالمناطق الصناعية.
أهمية قطاع الصناعة للاقتصاد المصري
تتجلّى أهمية القطاع الصناعي في توليده نحو 17% من الناتج المحلي الإجمالي، واستيعابه لنحو 15% من جملة العمالة المنتظمة، علاوة على إسهامه في نشاط التصدير بنسبة تتراوح بين 80% و85% من إجمالي الصادرات السلعية غير البترولية، مما يجعله يتبادل المركز الأول مع تحويلات المصريين بالخارج في قائمة المصادر الرئيسة الـمولّدة للنقد الأجنبي.
وعلاوة على ذلك، فإن قطاع الصناعة يتصف بالديناميكية والقدرة على التكيّف السريع مع التطورات التقنية في مجالات الإنتاج، وبارتفاع إنتاجيته بالمقارنة بباقي القطاعات الاقتصادية، فضلًا عن قوة علاقاته التشابكية، مما يجعله مُحفّزًا ومُنشطًا لنمو غيره من القطاعات المرتبطة به، سواءً بشكلٍ مُباشر أو غير مُباشر.
وتستهدف الدولة استثمارات بحوالي 125.7 مليار جنيه خلال العام المالي 2021/2022، منها نحو 16.6 مليار جنيه في مجال صناعات تكرير البترول، والباقي وقدره نحو 109.1 مليار جنيه في مجال الصناعات التحويلية غير البترولية.
ومن أهم مستهدفات قطاع الصناعة التحويلية بخطة عام 21/2022؛ زيادة الإنتاج الصناعي (غير البترولي) ليصل إلى 1.75 تريليون جنيه بالأسعار الجارية، بنسبة نمو 9.9% عن المتوقع عام 20/2021، إلى جانب زيادة ناتج الصناعة التحويلية (غير البترولية) بالأسعار الجارية بنسبة 11.9% إلى نحو 808 مليار جنيه عام 21/2022، بالمقارنة بنحو 721.4 مليار جنيه متوقع عام 20/2021.
ذلك فضلًا عن مُواصلة تطوير وإعادة تأهيل عددٍ من شركات قطاع الأعمال العام في أنشطة ذات أهمية استراتيجية، مثل الغزل والنسيج ومحالج القطن وصناعات الألومنيوم والصلب والأسمدة، واستكمال إنشاء 6 مجمّعات صناعية بمحافظات أسيوط، قنا، أسوان، البحيرة والفيوم، وذلك في إطار خطة إنشاء 13 مُجمّعًا صناعيًا للمنشآت المتوسطة والصغيرة، بالإضافة إلى طرح 10 مليون متر مربع أراضٍ صناعية مُرفّقة وإتاحتها للمستثمرين.
وكذلك تتضمن مُستهدفات قطاع الصناعة التحويلية بخطة عام 21/2022 التوجه نحو إقامة “عناقيد صناعية مُتكاملة الخدمات” في مجالات صناعيّة مُحدّدة للاستفادة من وفورات التخصّص ومزايا التكامُل، مثل العناقيد الصناعيّة في مجال الغزل والنسيج ومجال تصنيع الأثاث الخشبي، إلى جانب تعميق التصنيع المحلي بالتوسّع في إنتاج عديدٍ من الـمُدخلات الوسيطة، والربط مع سلاسل التوريد الدوليّة، فضلًا عن تطوير المنصّة الرقميّة السوقيّة لتوفير أسواق وحلول تكنولوجيّة لـمُنتجات الشركات الصغيرة والـمُتوسطة.
هذا إلى جانب إنشاء شبكة مُوحّدة ومُجمّعة خاصة بريادة الأعمال تضُم جميع مُبادرات ريادة الأعمال على مُستوى الجمهورية في مُختلف المجالات؛ لـمُتابعة هذه الـمُبادرات وتقويم تأثيرها على حاضِنات الأعمال والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى تفعيل آليّة “عيادات الأعمال” لتقديم حلول واستشارات وخدمات استثماريّة لقطاع ريادة الأعمال من الشركات الناشئة.
وتشمل الـمُستهدفات أيضًا التوجّه نحو تكثيف الاستثمارات في مجالات التصنيع صديقة البيئة، مثل السيارات الكهربائية وتصنيع الألواح والخلايا الشمسية، ومُكوّنات وحدات التوليد من مصادر الطاقة الـمُتجدّدة، إلى جانب زيادة الصادرات الصناعية غير البترولية بنسبة لا تقل عن 10% خلال عام 21/2022 لتصل إلى نحو 26 مليار دولار مُقابل 23 مليار دولار متوقع عام 2020، مع الاستمرار في تقديم الـمُساندة التصديرية وربطها بأهداف ذات أولويّة، مثل نسبة مساهمة النشاط في القيمة المضافة من خلال تعميق الـمُكّون المحلي، والـمُساهمة في التنمية التكنولوجية، وفتح أسواق جديدة أو طرح مُنتجات غير تقليدية اتفاقًا والبرنامج الجديد لتنمية ودعم الصادرات المصرية.
جهود الدولة للنهوض بقطاعات الصناعات التحويلية
في إطار جهود الدولة الأخيرة لتعزيز الصناعات التحويلية، وبالتوازي مع المبادرة الرئاسية لإنشاء مجمعات صناعية، أعلنت وزيرة التجارة والصناعة “نيفين جامع” أن الدولة تمتلك 1657 وحدة في نحو سبع مناطق صناعية كاملة المرافق ومهيأة للحصول عليها بالترخيص، مع توفير معارض لتسهيل بيع المنتجات وتقديم تيسيرات أخرى للحصول على البطاقة الضريبية والسجل التجاري، وكشفت عن إلغاء جميع المصروفات المتعلقة بالتقديم، وخفض مقدم الحجز إلى عشرة آلاف جنيه مع التعاقد مع 8 بنوك لتوفير نظم للتقسيط.
إضافة إلى ذلك، قام مجلس الصناعة للتكنولوجيا والابتكار بوضع استراتيجية للمرحلة الجديدة لتوفير خدمات الدعم الفني والتشغيل على الآلات والمعدات بالمراكز التكنولوجية، ورفع كفاءة الكوادر الفنية المطلوبة لنقل وتوطين التكنولوجيا، وإجراء الاختبارات المتخصصة لتطوير المنتجات الصناعية وزيادة القيمة المضافة.
هذا بجانب توفير الحضانات التكنولوجية، وتسهيل الحصول على تمويل وتوفير المساندة المالية لشركات التصدير. ووفقًا للهيئة العامة للاستعلامات في تقريرها المتعلق بقطاع الصناعة، تم إصدار قانون لتيسير إجراءات منح التراخيص الصناعية (رقم 15 لسنة 2017) لتقليل المدة الزمنية اللازمة لإصدار ترخيص صناعي من 634 يومًا إلى أقل من أسبوعين.
ومن أهم الصناعات التي تسعى الدولة إلى توطينها صناعة “التابلت” بالتعاون مع كبرى الشركات العالمية، خاصة في ظل اعتماد منظومة التعليم الجديدة على استخدامه، وكذا أنتجت مصر اول هاتف محمول مصري باسم “سيكو” من إنتاج الشركة المصرية لصناعات السيليكون ”سيكو مصر” بالصعيد.
وقد دشنت وزارة الإنتاج الحربي مشروع توطين تصنيع الحافلات الكهربائية لخدمة قطاع النقل والمواصلات، بالتعاون مع شركة “فوتون” الصينية في اتفاقية تتضمن تصنيع 2000 حافلة على مدى أربع سنوات، بحيث يتم تصنيع أول 50 حافلة في الصين، على أن يتم تدريجيًا نقل الخبرات الصينية إلى مصنع 200 الحربي.
وبحثت وزارة التجارة والصناعة كذلك مع مدير عام شركة “منسك موتورز” البيلاروسية توطين صناعة المحركات، وإقامة خط تجميع لمحركات الديزل بقدرات من 15: 200 حصان، بالتعاون مع شركة حلوان لمحركات الديزل إحدى الشركات التابعة للهيئة القومية للإنتاج الحربي.
وفي الأخير، تسعى الدولة إلى توطين صناعة بعض الأدوية الهامة، بالتعاون مع أذرع الإنتاج الدوائي والشركات التابعة لها، ونجحت في تصنيع الأنسولين محليًا. كذلك توطين صناعة مشتقات البلازما، حيث تقوم بإنشاء عدد من مراكز تجميع البلازما، تمهيدًا لإنشاء مصنع مشتقات البلازما من قبل إدارة الخدمات الطبية بالقوات المسلحة وفقًا للمعايير الدولية.
وتنبغي الإشارة إلى أن سياسات توطين الصناعة تتطلب وقتًا وتغييرًا في بيئة الأعمال، ولكنها من الممكن أن تسهم في تقليل تكلفة الإنتاج، وتخفيض العوائق التي تواجه المستثمرين، وإتاحة المزيد من الأراضي الصناعية، وتوطين التكنولوجيا، وبالتالي ستؤدي إلى زيادة القدرة التنافسية للقطاع وجذب المستثمرين المحليين والاستثمار الأجنبي.
باحثة ببرنامج السياسات العامة