
شد وجذب حول القواعد الجديدة للاستيراد.. لماذا؟
قرر البنك المركزي يوم الأحد 13 فبراير 2022 وقف التعامل بمستندات التحصيل في كافة العمليات الاستيرادية بداية من أول مارس المقبل، ومن ثم فبعد ذلك التاريخ تصبح الشركات ملزمة بالتعامل من خلال الاعتمادات المستندية في عمليات الاستيراد الخاصة بها. برر المركزي ذلك القرار بأنه يتوافق مع إجراءات حوكمة عملية الاستيراد التي تتم وفقًا لتوجيهات رئيس مجلس الوزراء والتي وجهت بضرورة التسجيل المسبق للشحنات التي يتم استيرادها.
لكن ذلك القرار لم يسعد المستوردين؛ إذ أبدوا اعتراضهم الشديد على ذلك القرار من خلال إرسال خطاب مشترك إلى رئيس مجلس الوزراء، معللين أن ذلك القرار تم اتخاذه بشكل أحادي من جانب المركزي دون إشراك او استطلاع رأي منظمات الأعمال، وهو الأمر الذي من شأنه أن يؤثر على الأنشطة الاقتصادية والاستثمار.
وقالوا إن ذلك القرار سيؤدي إلى التأثير بشكل مباشر على قدرة المصانع على الوفاء باحتياجاتها من مستلزمات الإنتاج والسلع الوسيطة وقطع الغيار لخطوط الإنتاج وسلاسل التوريد التي تضررت بالفعل بسبب جائحة كورونا، ومن ثم فإن ذلك سيؤثر على قدرة المصانع على توفير السلع بالشكل المطلوب، ومن ثم ارتفاع أسعارها (أشار متي بشاي رئيس لجنه التجارة بشعبة المستوردين للاتحاد العام للغرف التجارية أن ذلك القرار قد يترتب عليه ارتفاع الأسعار محليًا بنسبة 15 – 20%).
سبب آخر تم الإشارة إليه هو أن ذلك القرار قد يكون له تأثير على ثقة المستثمر الأجنبي في الصناعة المصرية، وهو ما ينذر بوجود خلل في توفير العملات الأجنبية، الأمر الذي استدعى “المركزي” لإصدار تلك القرارات.
أمر أخر تمت الإشارة إليه هو أن بعض الصناعات سيلحق بها ضرر مباشر جراء تطبيق ذلك القرار؛ فعلى سبيل المثال الصناعات الدوائية التي تعتمد بشكل متكرر على توفير احتياجاتها من خلال شحنات صغيرة بأوامر توريد عاجلة يتم شحنها جوًا، فإن في حالة الاعتماد على فتح اعتمادات مستندية بما ينطوي عليه من إجراءات قد يستغرق وقتا طويلًا لا تتحمله منظومة الصحة، فضلًا عن أن ذلك التأخير سيترتب عليه اختلالات تعاقدية بين الموردين وبين الشركات، وهو ما قد يترتب عليه إخلال في الالتزامات التعاقدية وتطبيق بعض الجزاءات.
أسباب أخرى عللت بها جمعية رجال الأعمال المصريين رفضها للقرار، أن ذلك القرار يترتب عليه ارتفاع تكاليف الحصول على المواد الخام الأولية، ومن ثم ارتفاع تكاليف إنتاج المنتج المصري، والتأثير على قدرته على المنافسة خارجيًا، والتأثير السلبي على قدرة المنشآت الصناعية على توفير الاحتياجات من النقد الأجنبي، ويفتح مجالًا للتعاملات خارج السوق الرسمية للعملات الأجنبية، خاصة مع وجود قيود من المركزي على تمويل بعض الأنشطة من خلال البنوك.
هذا فضلا عن أن ذلك القرار قد أضعف قدرة الشركات الصغيرة والناشئة التي ليس لديها تسهيلات ائتمانية مع البنوك على توفير احتياجاتها من الاستيراد. وأخيرًا، أشاروا إلى أن ذلك القرار أعفى فروع الشركات الأجنبية والشركات التابعة لها من الالتزام به، وهو ما يخل بمبدأ تكافؤ الفرص والمساواة في الحقوق والالتزامات بين المنشآت.
لكن ليس القرار بذلك السوء؛ إذ إن تنظيم العملية الاستيرادية والتحقق من أن تلك المعاملات حقيقية هو أمر من شأنه أن يقلص من التلاعب بوجود فواتير مزيفة، فالاعتمادات المستندية تقدم المزيد من الحماية للمصدر، وغالبًا ما تطلب البنوك عددًا أكبر من الوثائق للتحقق من إجراء المعاملات، وتبرم أيضًا عقد يلزم البنك بالدفع للمصدر في حال تخلف المستورد عن السداد لأي سبب كان.
تلك الإجراءات يترتب عليها تعمق البنوك بشكل أكبر في تفاصيل العملية الاستيرادية، وهو أمر من شأنه أن يقلل من التلاعب بوجود فواتير مزيفة. وعلى النحو الآخر -خاصة في الجزء الخاص بتكاليف خطاب الاعتماد الأساسي للاستيراد (النظام الجديد)- فإن رسوم الاعتماد لمدة ثلاثة أشهر تبلغ 1.75% (تختلف بين البنوك) بينما تختلف رسوم التحصيل المستندي (النظام القديم) وفقًا لطبيعة العملية وتتراوح بين 0.35% – 1.75%. ومن ثم فإنه في حال قدرة البنوك العاملة في مصر على القيام بتلك الإجراءات بشكل أكثر كفاءة واستخدام الحلول التكنولوجية في ذلك الشأن فإنه سيزيد من سرعة تنفيذ المعاملات ستحل جزءًا كبيرًا من مخاوف رجال الأعمال المصريين التي تتعلق بتعقد الإجراءات والوقت.
وحينها، يصبح النظام الجديد أكثر قدرة على الوفاء باحتياجات رجال الأعمال المصريين بشكل سريع، مع الوفاء بإجراءات الحكومة التي ترغب الدولة في تحقيقها، وهو الأمر الذي أكدة محافظ البنك المركزي المصري (جاهزية البنوك للعمل بشكل أكثر كفاءة) في رده على طلب رجال الأعمال المصريين، ودعاهم إلى ضرورة الإسراع في توفيق أوضاعهم وعدم إهدار الوقت في جدال لا علاقة له باستقرار التجارة الخارجية لمصر وسلامة أدائها، فتلك الإجراءات تأتي في إطار حوكمة عمليات الاستيراد وتفعيل منظومة التسجيل المسبق للشحنات التي سيبدأ تطبيقها بشكل إلزامي اعتبارًا من بداية شهر مارس المقبل.
باحث ببرنامج السياسات العامة