مصر

مركزية القاهرة: ماذا يعني عقد الرئيس السيسي اجتماعًا استثنائيًا للمنتدى العربي الاستخباري؟

شارك الرئيس السيسي، اليوم، في أعمال الاجتماع الاستثنائي للمنتدى العربي الاستخباري، الذي يُعقد حاليًا في القاهرة، حيث وجّه كلمة عبر تقنية “الفيديو كونفرانس” لرؤساء أجهزة المنتدى الاستخباري، مثمنًا مجهوداتهم لإثراء أعمـال المنتـدى منـذ تدشـينه، باعتبـاره محفلًا فريدًا مـن نوعه في المنطقة، على نحو يعـزز مـن التعاون العربي المشـترك في المجالات الأمنية والمعلوماتية. 

ويأتي انعقاد اجتماع المنتدى العربي الاستخباري في نسخته الأخيرة ضمن جملة من المتغيرات الأمنية داخل البنية السياسية الإقليمية، تمس بصورة مباشرة 6 دول عربية (سوريا – العراق – لبنان – اليمن – ليبيا – السودان)، إذ تشترك هذه الدول في وجود حالات عدم الاستقرار الممتدة فيها، نتيجة النشاط الإرهابي العابر للحدود، وانتشار الوكلاء الإقليميين من الجماعات المسلحة العرقية والطائفية، علاوة على استمرار تدخلات أجنبية معادية تطال سيادة هذه الدول عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا.

وعليه، تبرز عدة تساؤلات حول ماهية المنتدى العربي الاستخباري، وأسباب انعقاده، ومستقبل آلياته في المنظومة الإقليمية العربية، ولكن قبل التطرق لمعالجة هذه التساؤلات، يجب أولاً الوقوف عند محطة تأسيسه. 

صُنِع في القاهرة

في إطار جهود الدولة المصرية لرأب الصدع في منظومة الأمن الإقليمي العربي ومواجهة “تحديات القرن” التي طرأت على المشهد الأمني في هذه المنطقة لعقد كامل، أسست القاهرة “المنتدي العربي الاستخباري” في مطلع العام 2020. حيث كان الاجتماع الأول لرؤساء الأجهزة الاستخباراتية العربية في إطار هذا المنتدى قد عُقِد في القاهرة في النصف الثاني من شهر من فبراير للعام 2020، حيث استقبل الرئيس السيسي رؤساء أجهزة الاستخبارات العربية في قصر الاتحادية.

وكان من ضمن الحضور في الاجتماع التأسيسي الأول، مصطفي الكاظمي، رئيس الوزراء العراقي الحالي. حيث كان يرأس جهاز المخابرات العراقية. وعلى قدر استثنائية الحدث في أن يجتمع رؤساء أجهزة المخابرات العربية على طاولة واحدة؛ بدأت مصر في بناء مقر للمنتدي العربي الاستخباري.  حيث افتتحه الرئيس السيسي في فبراير من العام الجاري، وشارك عبر تقنية الفيديو كونفرانس في أعمال الجلسة الافتتاحية للمنتدى.

كما شارك مدير المخابرات العامة المصرية، وعدد من رؤساء أجهزه المخابرات العربية، في افتتاح مقر المنتدى بالقاهرة، بحضور أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية. ليصبح ذلك المقر بمثابة مركز تنسيق وقيادة أعمال المنتدي، بعد تجهيزه ليتناسب مع طبيعة الأهداف التكتيكية والاستراتيجية المُصاغة للمنتدي، والتي يمكن إبرازها فيما يلي:

  1. الأهداف التكتيكية:
  • تبادل المعلومات الاستخباراتية عالية القيمة: ففي أقل التقديرات الإحصائية، تنشط أكثر من ألف جماعة مسلحة بينها العشرات من التنظيمات الإرهابية؛ في المنطقة العربية الممتدة من ديالى شرق العراق وصولًا لمنطقة الساحل والصحراء. دفعت نشاط هذه الجماعات المسلحة إلى تهدّم موازين القوى في المنطقة والتي كانت قائمة منذ العام 1974 حتى العام 2011، وكان ذلك التهدم لصالح قوى إقليمية غير عربية، أحدثت هي الأخرى بتدخلاتها تغييرات ديموغرافية حادة –على أقل مستوى– ساهمت في استمرار طاحون الاقتتال الداخلي لعدد من الدول العربية.

ومن هذا المنطلق يجيء المنتدى العربي الاستخباري لتشارك المعلومات الاستخباراتية في هذه الظروف من السيولة الأمنية، من أجل مواجهة تحديات تتراوح ما بين العمليات الإرهابية وتهديدات التدخلات العسكرية النظامية للفواعل الإقليمية. بما يعزز من مبدأ التكامل وتقسيم الأدوار في مجتمع الاستخبارات العربية وتباعًا خفض تكلفة مواجهة التهديدات الأمنية. ولاسيما مع صعود النشاط الإرهابي مرة أخرى في المنطقة العربية وخاصة في الربع الثاني من العام الجاري قياسًا بنظيره في العام الماضي، وجاء العراق في طليعة الدول التي تأثرت بالعمليات الإرهابية بنحو 72 عملية إرهابية، ومن ثم المملكة العربية السعودية بما يربو على 44 عملية إرهابية، يليها الصومال بواقع 41 هجومًا إرهابيًا، ومن ثم سوريا بواقع 26 هجومًا إرهابيًا، ثم اليمن بواقع 19 عملية إرهابية، ويتبعها ليبيا بواقع 5 هجمات إرهابية، وبعد ذلك تونس بنحو 3 عمليات إرهابية، ثم تأتي كلا من السودان ومصر بواقع عملية إرهابية واحدة لكل منهما. 

  • التعامل الاستباقي مع المخاطر: إن العمل بمبدأ التكامل في مجتمع الاستخبارات العربية، يوفر ميزة الضربات الاستباقية للمخاطر (A pre-emptive strike)، وتعزز قدرة الدولة المستهدفة على الإحاطة بالمواقف الطارئة. فعلى سبيل المثال، تشتبك القوات الأمريكية والروسية والسورية والتركية في بؤرة واحدة في سوريا لأول مرة منذ 18 شهرا، وهي بلدة “تل تمر” في محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا، إذ غدت البلدة نقطة تماس لهذه الجيوش وعناصر استخباراتها، كما أنها تمثل نموذجًا لحالة انتهاك السيادة لدولة عربية. كما شهدت بغداد قبل أيام محاولة اغتيال لرئيس الوزراء مصطفي الكاظمي من قبل ميليشيات مسلحة تنضوي تحت المظلة الإيرانية وتتبعها عقائديًا، في نموذج آخر على انتهاك السيادة بنمط مختلف. ما يدفع بالحاجة إلى العمل بصورة استباقية بين أجهزة الدول العربية انطلاقًا من مبدأ التكامل في الأدوار. حيث شدد الرئيس السيسي خلال كلمته في الاجتماع الاستثنائي للمنتدى اليوم، أن مبدأ المسؤولية المشتركة في مجابهة التحديات التي تواجه المنطقة، خاصةً ظاهرة الإرهاب والفكر المتطرف، والتي تستدعي انتهاج مقاربات شاملة خـلال التعامل مع الأزمـات الإقليميـة، من خلال التركيز على إنهاء التدخلات الأجنبية في شؤون المنطقة العربية، واحترام قرار وإرادة الشعوب وسيادة الدول الوطنية ومؤسساتها، بما من شأنه إنهاء استغلال التنظيمات الإرهابية والتكفيرية لهذه الأزمات وتداعياتها. 

وبالنظر إلى التطورات السابقة في المنطقة، نجد أن الإطار التكتيكي لأهداف المنتدي قد ظهر في عدة مواضع، منها التنسيق المصري – الليبي في ملاحقة العديد من قادة التنظيمات الإرهابية وخاصة في مدينة درنة. وكذلك التنسيق المصري – الكويتي لملاحقة الخلايا الإخوانية النشطة في الكويت، إذ سلمت الكويت 3 مطلوبين مصريين إلى القاهرة في سبتمبر 2020.

  1. الأهداف الاستراتيجية
  • إعادة الهندسة الأمنية في المنطقة (الدولة الوطنية مقابل الكيانات الولائية): تتبنى الدولة المصرية مشروع الدولة الوطنية في المنطقة، من خلال دعم الجيوش الوطنية وتوحيد المؤسسات العسكرية بما يضمن للدول العربية احتكارها للقوة الإكراهية، ومواجهتها للعصابات والجماعات المسلحة التي باتت ترتبط بأجندات فواعل إقليمية ودولية على نحو كبير، وخاصة بعدما أثبتت فعاليتها في حروب المدن، وتقنيات التفكيك من الداخل للدول والمجتمعات بما يعصف بقدرات الدول المستهدفة في البقاء أمام الكوارث ومحاولات الغزو الخارجي، وانتهاك السيادة والمقدرات من الثروات الطبيعية. ويهدف تبادل المعلومات داخل إطار المنتدى العربي الاستخباري إلى تدعيم عمليات توحيد المؤسسات العسكرية، والجيوش الوطنية بما يحقق مبدأ “الوطنية أمام الانتماءات ما دون الوطنية، ولاسيما الطائفية والعرقية”.

وتنظر مصر إلى العراق كونه النموذج الأبرز داخل مقاربة “الوطنية مقابل الطائفية”، كون العراق بمثابة الجناح الشرقي للمنطقة العربية بأكملها، وعلى الرغم من الحروب الطاحنة التي عاني منها، إلا أنه مازال يمتلك من مقومات الدولة الوطنية والإرث التاريخي ما يضمن له التأسيس لدولة وطنية جامعة. وقد عبّر الرئيس السيسي في كلمته في اجتماع اليوم، أن مصـر لـم ولـن تـألو أي جهد في مساعدة أشقائها على الوصول ببلادهم إلى بر الأمان، من خلال الحل السياسي الشامل الذي يتضمن خطوات وإجراءات متزامنة تستند إلى توحيد المؤسسة العسكرية، وخروج القوات الأجنبية والمرتزقة، وإنهاء ظاهرة الميليشيات المسلحة، وتفعيل إرادة الشعوب.

إن دور المنتدي العربي الاستخباري يتعدى أدوار مراكز التفكير الدولية، فوحدات المنتدى الرئيسية هي أجهزة الاستخبارات العربية نفسها بما لديها من معلومات موثوقة وكيفما تشتبك مع الجغرافيا السياسية في المنطقة الممتدة من الصين حتي المغرب العربي. ما يضع آليات العمل العربي المشترك أمام محطة فاصلة، وفرصة تاريخية كي تسبق بعملها الاستخباراتي المشترك نماذج العمل المشترك الأخرى، وخاصة بعدما شهدت المنطقة على تضافر جهود الأجهزة الاستخباراتية المعادية في أهداف استباحة المنطقة وفرض أجندات الأمر الواقع عليها. 

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى