الاقتصاد المصري

المدفوعات اللحظية.. خطوة أخرى تجاه الشمول المالي

في إطار التوجه العام للدولة المصرية للتوجه نحو التحول الرقمي واتخاذ الشمول المالي مرحلة أولى يمكن أن تدفع نحو المزيد من التحول الرقمي، وضع البنك المركزي خطة للتحول الرقمي بهدف زيادة أعداد المعاملات الإلكترونية وإتاحة وسائل السداد والتحصيل الإلكترونية، وهو الأمر الذي يحتاج فهم واضح وسياسات تشرك جميع اللاعبين بتلك الصناعة (البنوك، شركات المقاصة، البنك المركزي المصري، العملاء المستهدفين)، قام البنك المركزي المصري في آخر مجهوداته بإصدار السياسات العامة التي تخص عمليات التحويل اللحظية من خلال أدوات الدفع الإلكترونية، والتي من المتوقع أن تساهم في تعزيز الخدمات المصرفية الملائمة لكافة فئات المجتمع.

وفقًا للدليل الذي قدمه البنك المركزي والخاص بالقواعد المنظمة لخدمات شبكة المدفوعات الوطنية اللحظية داخل جمهورية مصر العربية Instant Payment Network (IPN)  في أكتوبر 2021، عرفت المدفوعات اللحظية بأنها عملية يتم فيها الخصم من حسابات العميل المرسل وإضافتها لحسابات العميل المستفيد بشكل لحظي، على أن يتم تنفيذ تلك العمليات من خلال الأدوات المصرفية الإلكترونية التي يتم إتاحتها من جانب البنوك المصدرة (هي البنوك المسؤولة عن إدارة حسابات العملاء والتصديق على معاملاتهم من خلال أدوات الدفع الإلكترونية الصادرة من خلاله) لاستخدامها من خلال شبكة المدفوعات اللحظية. 

نصت التعليمات المنظمة لتلك التحويلات ألا يزيد الحد الأقصى للمعاملة الواحدة عن 50 ألف جنيه مصري، وألا يزيد الحد الأقصى اليومي لقيمة المعاملات عن 60 ألف جنيه مصري، ولا تزيد القيم الشهرية لمجموع المعاملات عن 200 ألف جنيه مصري، وستتم تسوية تلك المعاملات داخل البنك المركزي المصري من خلال منظومة التسوية اللحظية بالجنيه المصري، وترك المجال للبنوك لزيادة تلك الحدود في حال قدرتها على إضافة وسائل تصديق إضافية، من خلال قنوات البنك الإلكترونية بناء على ترخيص البنك مقدم خدمات دفع من خلال قنوات البنك الإلكترونية (Pre-Authorized PSP Bank).

ويمكن لتلك العمليات اللحظية لتحويل الأموال أن تكون تحويل أموال، أو عمليات شراء أو عمليات غير مالية مثل الاستعلام عن الرصيد أو كشف حساب مختصر أو تغيير الرقم السري لكل حساب مصرفي داخل مصر. وبالطبع طالب البنك المركزي البنوك التي ستقدم تلك الخدمة بإنشاء بيئة تشغيل ملائمة تعمل على دعم وحماية أنظمتها الخاصة المرتبطة بتطبيقات شبكة المدفوعات اللحظية، والتي تتضمن على الأقل إعداد خوادم للشبكة، وأنظمة اكتشاف ومنع الاختراق وأجهزة جدار الحماية Firewall، وأجهزة توجيه وغيرها من المتطلبات التكنولوجية التي توفر حماية ملائمة للشبكات الداخلية، وروابط الشبكات وبعضها البعض ومع الجهات الخارجية بما فيها شركة بنوك مصر بصفتها الشركة المسؤولة عن شبكة المدفوعات اللحظية، وطالب البنك المركزي البنوك الانتهاء من تجهيز تلك الإعدادات خلال ستة أشهر وتفعيل خدمات المدفوعات اللحظية الخاصة بهم باستخدام الخدمات المصرفية عبر الإنترنت والخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول خلال 12 شهًرا.

ليست تلك الخطوة الوحيدة لكنها الأحدث والتي قام بها البنك المركزي لدعم الشمول المالي وتقليل الاعتماد على النقد في الاقتصاد، حيث منح قانون البنوك الصادر في العام الماضي (يوليو 2020) البنك المركزي قدرات أكبر على الإشراف الرقابي والتنظيمي، على القطاع المصرفي وشركات الصرافة وشركات تحويل الأموال وشركات الاستعلام والتصنيف الائتماني ومشغلي نظم الدفع ومقدمي خدمات الدفع، إذ يتضمن القانون أحكامًا من شأنها حماية البيانات وخصوصية العملاء، وأخرى بشأن الدفع الإلكتروني وشركات التكنولوجيا المالية، وتنظيم إصدار وتداول العملات الرقمية. 

ثم إعلان البنك المركزي عن القواعد الخاصة بالتشغيل البيني لخدمات الإيداع والسحب النقدي، من خلال مقدمي الخدمات والتي تهدف إلى تحسين فرص الوصول للخدمات المالية، ومن ثم تحقيق الشمول المالي من خلال سماحها للمواطنين بالإيداع أو السحب من خلال بطاقات الدفع أو محافظ الهاتف المحمول من جميع منافذ مقدمي الخدمات دون التقيد بمنافذ مقدم الخدمة والتي ساهمت بالنهاية في تسهيل وصول المواطنين والتمويل والادخار من خلال العديد من القنوات المختلفة.

هذا بالإضافة إلى فتح خدمات الإقراض والادخار الرقمي باستخدام محافظ الهواتف المحمولة، والتي ستعتمد فيها البنوك على التقييم السلوكي للعملاء كأسلوب تقييم ائتماني لمنح القروض كنظام بديل للطرق التقليدية المتمثل في تقييم الجدارة الائتمانية للعملاء، وخاصة العملاء الذين ليس لهم سابق تعاملات مع القطاع المصرفي، حيث تشمل الآلية المقترحة رصد معدل استخدام العملاء للهواتف المحمولة ومدى انتظامهم في سداد فواتير الكهرباء والمياه والغاز.

وأخيرًا وافق البنك المركزي على منح تراخيص تقديم خدمة قبول المدفوعات اللاتلامسية على أجهزة الهاتف المحمول، والذي سيسمح للتجار بقبول المدفوعات بشكل آمن ومباشر على هواتفهم وأجهزتهم الذكية دون الحاجة إلى أجهزة ملحقة إضافية، وهو الأمر الذي يتميز بالفاعلية للتجار والبائعين خاصة من الشركات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، إذ يمكنهم دفع واستقبال الأموال باستخدام هواتفهم وغيرها من الأجهزة الذكية كآلات إلكترونية لنقاط البيع دون أي تكلفة إضافية، وستدعم جهود الدولة نحو التحول الرقمي وتعزيز الشمول المالي بين الشركات الصغيرة والمتوسطة.

تلك الخطوات الأخيرة المتسارعة التي اتخذها البنك المركزي، تسمح له بمنح التراخيص لشركات المدفوعات الإلكترونية والتكنولوجيا المالية، وتفتح المجال لهيئة الرقابة المالية على تشريع منفصل يحكم التمويل المصغر والتمويل الجماعي والاستشارات الآلية والتأمين، والتي ستسمح لها بمنح التراخيص للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية والمقرضين غير المصرفيين ويمنحها سلطات إشراقية على القطاع، حيث أن تلك المؤسسات تعمل وفقًا لاستراتيجية تستهدف تحويل مصر إلى بؤرة للابتكار في التكنولوجيا المالية بالمنطقة.

+ posts

باحث ببرنامج السياسات العامة

أحمد بيومي

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى