تغير المناخ

قمة جلاسكو للمناخ .. هل ستكون بداية لحل قضية تغير المناخ؟

انطلقت يوم الإثنين الموافق الأول من نوفمبر من عام 2021 ، أولي فاعليات مؤتمر تغير المناخ السادس والعشرين  (COP26) والمعروف بقمة جلاسكو للمناخ والتي تستضيفه بريطانيا في العاصمة الاسكتلندية جلاسكو علي مدار أسبوعين ، بحضور ما يزيد عن 190 من زعماء و رؤساء العالم   أو ما يمثلهم، فضلا عن مشاركة كبري المؤسسات الدولية المعنية بالمناخ ومؤسسات التمويل الدولية والخبراء والأكاديميين المعنيين بالمجال. وكان من بين أبرز المشاركين رئيس الوزراء البريطاني “بوريس جونسون”  والأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش” ، والرئيس الأميركي “جو بايدن” ، والرئيس الفرنسي ” إيمانويل ماكرون” ، والمستشارة الألمانية ” أنجيلا ميركل ” ورئيس وزراء الهند “ناريندرا مودي”، وعدد كبير من زعماء الدول العربية والأفريقية وعلي رأسها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وسط غياب الزعيم الصيني “شي جين بينج” والرئيس الروسي ” فلاديمير بوتين”  .

تأتي هذه القمة وسط تحديات غير مسبوقة لتغير المناخ ظهرت في الكوارث الطبيعية التي عصفت بمناطق عدة حول العالم خلال الفترة القصيرة الماضية، نتج عنها تأثر عدد كبير من دول العالم وخاصة العالم المتقدم علي سبيل المثال، الولايات المتحدة الامريكية عانت من حدوث ما يقرب من 18 كارثة مناخية بما كلفها ما يزيد عن 100 مليار دولار في عام 2021 فقط ، فضلا عن الخسائر البشرية، وتضمنت مجموعة الكوارث التي وقعت العام الحالي، وقوع موجة جفاف شديد، وحدوث اثنين من الفيضانات، و9 عواصف شديدة، و4 عواصف وأعاصير استوائية، وحرائق الغابات في الغرب الأمريكي، وموجة الطقس شديد البرودة في تكساس وأجزاء من الجنوب، فضلا عن  إعصار” إيدا”  الذي ضرب منطقة جنوب شرق لويزيانا وأجزاء من مناطق الشمال الشرقي، وهو أكثر الكوارث كُلفة، حيث أدى إلى خسائر بنحو 4.5 مليار دولار. 

وتضررت عدد كبير من دول العالم أيضا بنوبات الطقس المتطرف والظواهر المناخية الحادة مثل الفيضانات التي ضربت بألمانيا وبلجيكا وسويسرا نتيجة ارتفاع منسوب مياه الانهار ، وكذلك فيضانات ضربت الصين واستراليا ، وبلغت تكلفتها ما يقرب من 8 مليار دولار ، بالإضافة الي ما عانته القارة الاوروبية وخاصة جنوب أوروبا  والبحر المتوسط  ومنها إيطاليا واليونان وتركيا من  نوبات ارتفاع كبير في درجات الحرارة فاقت 47 درجة مئوية مما أدي الي اندلاع حرائق للغابات سببت خسائر اقتصادية وبشرية كبيرة جدا . 

كل هذه الكوارث الطبيعية وغيرها من الخسائر الاقتصادية والبشرية بفعل التغيرات المناخية أصبحت تهدد الدول المتقدمة والنامية علي حد سواء ، فدول القارة الافريقية التي تعاني من تأثيرات تغير المناخ نتج في موجات الجفاف والتصحر وانعدام الامن الغذائي والتلوث البيئي التي تعيش فيه فضلا عن نقص الموارد ونزوح السكان ، أصبحت تعاني منه الدول المتقدمة هي الاخري حتي ولو بظواهر مختلفة ، فأصبح لا يوجد مجال للشك أن قضية تغير المناخ هي قضية الكوكب بأسره ، وأسبابها وتأثيرها تقع علي كافة دول العالم . 

أهمية قمة جلاسكو للمناخ  (COP26)

جاءت هذه القمة كجزء من اتفاقية باريس للمناخ عام 2015، والتي كانت تهدف لتقديم الدول والحكومات تعهدات وطنية لخفض الانبعاثات الكربونية ومحاولة الوصول الي خفض درجة حرارة الأرض عند 1.5 درجة مئوية، وكذلك مساعدة الدول المتقدمة للدول النامية بما يعادل 100 مليار دولار سنويا لأنشطة التكيف من التغيرات المناخية وتطوير البنية التحتية والتحول التدريجي لممارسات الحد من الانبعاثات الكربونية،  بالإضافة إلي المراجعة والتقييم لهذه الالتزامات كل خمس سنوات، حتي جاءت جائحة كورونا في مطلع عام 2020 لتؤجل مؤتمر المناخ السادس والعشرين الي العالم الحالي 2021، وهو بمثابة نقطة فاصلة في مستقبل العمل المناخي ووفاء الدول بتعهداتها لخفض الانبعاثات والوصول للحياد الكربوني بحلول منتصف القرن ، فضلا عن إيجاد سبل التمويل اللازمة للتكيف من تغير المناخ، ووضع خطة عمل مشتركة وتوحيد الجهود للحفاظ علي البيئة والتحول التدريجي من الاقتصاد القائم علي الوقود الاحفوري الي الاقتصاد الاخضر أو الاقتصاد منخفض الكربون، والتأكيد علي التزام الدول المتقدمة بمسؤولياتها للدول النامية والوفاء بدفع 100 مليار دولار سنويا لمساندة الدول النامية في عملها المناخي. فإما ان تبدا الدول بالعمل الان أو سيكون العالم مع موعد من نهايته قريبا بفعل البشر.

رسائل زعماء العالم في قمة جلاسكو للمناخ 

شدد عدد كبير من زعماء وقادة العالم علي أهمية قضية المناخ وأنه حان الوقت لأخذ التدابير المناسبة حتي لا يزداد الوضع سوءا، بينما فشلت اتفاقية باريس في الوفاء بالتزامتها وشهدت الست سنوات التي أعقبتها أعلي درجات حرارة، وعددا كبيرا من الكوارث الطبيعية المرتبطة بالمناخ، فقد دعا رئيس الوزراء البريطاني الي عدم تجاهل أراء الخبراء والمعنيين بالتغيرات المناخية ، فإذا زادت درجة الحرارة الي 2 درجة مئوية سينعدم الأمن الغذائي وتنتشر الأوبئة ، وإذا ارتفعت درجة الحرارة بأكثر من 3 درجات مئوية فقد تتزيد أعداد الأعاصير والفيضانات والجفاف وموجات الحر، أما إذا ارتفعت درجات الحرارة بأكثر من 4 درجات مئوية قد تغيب مدن بأكملها مثل الإسكندرية وشنغهاي وميامي وغيرها من المدن التي ستضيع تحت أمواج البحر.

وأكد الأمين العام للأمم المتحدة أنه حان الوقت لكي ننهي الاعتماد على الكربون والاعتماد على الطبيعة، و أنه في أفضل السيناريوهات فإن درجة الحرار سترتفع بأكثر من درجتين مئويتين، ويواجه العالم كارثة مناخية لا مهرب منها.

وكشف الرئيس الامريكي أن الدول المتقدمة ومنها بلاده هي المسؤولة عن تغير المناخ ويجب أن تكون قمة جلاسكو انطلاقة جديدة للعمل المناخي مشيرا إلي أن بلادة ستعمل علي خفض الانبعاثات الكربونية بنسبة كبيرة بحلول 2030 والتحول نحو استخدام طاقة الرياح والعمل علي التطور التكنولوجي للتقنيات النظيفة، بالإضافة الي مساعدة الدول النامية، وعزمه عن إطلاق أكبر مشروع لتمويل الأنشطة المناخية يبلغ حوالي 555 مليار دولار لخفض الانبعاثات بمعدل جيجا طن مكافئ بحلول عام 2030. هذا وقد أعلن الاتحاد الاوروبي عن خططه الطموحة للوصول للحياد الكربون عام 2050.

وأعلن رئيس الوزراء الهندي ” ناريندرا مودي” أن بلاده تستهدف وقف إضافة غازات الاحتباس الحراري إلى الغلاف الجوي بحلول 2070، وهو ما اعتبره الخبراء خطوة جيدة بالنسبة للهند للوفاء بالالتزامات اتفاقية باريس، أما الصين فرغم غياب زعيمها عن القمة، إلا أنها تعهدت بخفض الانبعاثات الكربونية بحلول عام 2060، كما تعهدت بوقف مشروعات الفحم عام 2026. 

وتعهد أكثر من 100 زعيم عالمي بإنهاء إزالة الغابات وانحلال التربة بنهاية العقد الحالي، بدعم من أموال عامة وخاصة حجمها 19 مليار دولار للاستثمار في حماية الغابات واستعادة غطائها النباتي.وقد لاقي هذا الاعلان دعما من معظم دول العالم وعلي رأسهم  زعماء دول منها البرازيل وإندونيسيا وجمهورية الكونجو الديمقراطية، والتي تمثل مجتمعة 85 % من غابات العالم. وقد أعلن معهد الموارد العالمية إن الغابات تمتص نحو 30 % من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي بما يحول دون تسببها في زيادة درجة حرارة الأرض. وفي إطار الاتفاق، تعهدت 12 دولة بينها بريطانيا بتقديم 8.75 مليار جنيه إسترليني (12 مليار دولار) من الأموال العامة بين 2021 – 2025 ، لمساعدة الدول النامية عبر جهود منها استعادة عافية الأراضي التي تعرضت لانحلال التربة والتصدي لحرائق الغابات، ووقف عمليات إزالة الغابات بحلول عام 2025.

كلمة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي

علي الرغم من مساهمة القارة الافريقية بنسبة ضئيلة جدا من إجمالي الانبعاثات العالمية ، إلا أنها المتأثر الأكبر بالتداعيات السلبية لظواهر تغير المناخ ، التي تتمثل في تعرضها لمخاطر التأثير علي الموارد المائية، وتفاقم ظاهرة النزوح الداخلي، وتزايد الاحتقان بين الرعاة والمزارعين علي خطوط السافانا، ليصل إلى صراعات مسلحة في السودان ونيجيريا ومالي ، هذا بالإضافة الي تداعيات تغير المناخ في  دولا مثل غينيا وزامببيا ونيجيريا وتوجو وبنين والكونغو، وكذلك تونس وتنزانيا، وجزر القمر معرضة لأخطار كبيرة مع حلول 2050، بسبب تآكل السواحل وارتفاع مستوى سطح البحر، وغيرها من التهديدات المتعلقة بالأمن الغذائي وانتشار الاوبئة وزيادة معدلات الفقر.

وهذا ما أولته مصر اهتماما بالغا من خلال كلمة الرئيس السيسي خلال كلمته أما قادة وزعماء العالم ، انطلاقا من حرصه علي مصلحة الدول الافريقية والتشديد علي ضرورة رصد التمويلات اللازمة للحد من آثار المناخ الضارة في إفريقيا، ومنحها النصيب العادل من هذه التمويلات المقدّرة بنحو 100 مليار دولار، وتتطلع مصر إلي إطلاق المبادرة الإفريقية للتكيف مع تغير المناخ، والهادفة لتمكين الدول الإفريقية من الحصول على التمويل اللازم لتنفيذ إجراءات التكيف والتخفيف من آثار المناخ.

كما أعلن الرئيس السيسي عن الجهود التي تبذلها مصر للحد من التغيرات المناخية وفقا للاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050 ، وكذلك الاستراتيجية الوطنية للطاقة المستدامة 2035 والتي تهجف للوصول بنسبة الطاقة المتجددة الي 42% من مزيج الطاقة الوطني، وغيرها من المشروعات الوطنية في مجال الزراعة وإدارة الموارد المائية ، والنقل المستدام وبناء المدن الذكية والمستدامة وأنشطة الحفاظ علي البيئة ، ويتطلع أن استضافة مصر ممثلة عن القارة الافريقية في مؤتمر المناخ السابع والعشرين (COP27) تكون بمثابة بارقة أمل للدول الافريقية وللكرة الأرضية في مجالات العمل المناخي .

+ posts

باحثة ببرنامج السياسات العامة

أمل اسماعيل

باحثة ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى