
منافع متعددة.. خطوات مصرية حثيثة نحو الاقتصاد الأخضر
تهيمن مصادر الوقود الأحفوري على مزيج الطاقة في غالبية الدول حول العالم، إذ توفر 84% من الطاقة العالمية، مما أسفر عن العديد من التداعيات السلبية على الصعيد الاقتصادي والصحي والاجتماعي، فقد يكون تلوث الهواء الناتج عن استخدام الوقود الأحفوري مسؤولًا عن خُمس الوفيات في العالم. ولتحجيم حجم الضرر الناجم عن استهلاك الوقود الأحفوري، يسعى العالم إلى البحث عن مصادر طاقة منخفضة الكربون، وتقليص حجم الانبعاثات الحرارية وغيرها من الإجراءات الهادفة لمكافحة التغيرات المناخية.
وبناء عليه، خطت مصر خطوات فعلية نحو استخدام الهيدروجين الأخضر، حيث نفذت عدة مشاريع في هذا النطاق، وعززت الاستثمارات في مصادر الطاقة النظيفة وبشكل خاص الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
الجهود المصرية لتعزيز الاقتصاد الأخضر
أطلقت الدولة المصرية في عام 2016 استراتيجيتها الوطنية المعنية بالاقتصاد الأخضر، على هامش مؤتمر الوزراء الأفارقة المعنيّ بالبيئة؛ بهدف الانتقال التدريجي إلى الاقتصاد الأخضر بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة ومركز البيئة والتنمية للمنطقة العربية وأوروبا، وتتضمن الاستراتيجية أربعة مجالات تركيز رئيسة، هي: المياه، والزراعة، والنفايات، والطاقة.
وتمثل مشاريع الاقتصاد الأخضر نسبة 15% من الخطة الاستثمارية للدولة في العام الجاري 2020-2021، فيما تستهدف الحكومة الوصول إلى نسبة 30% من مشاريع الاقتصاد الأخضر خلال العام المُقبل 2021-2022، على أن تصل إلى النسبة إلى حوالي 50% بحلول عام 2024-2025.
واتخذت الدولة المصرية العديد من الخطوات الهادفة إلى تعزيز الاقتصاد الأخضر وهو ما سيتم استعراضه خلال النقاط التالية:
- إصدار السندات الخضراء:
أصدرت وزارة المالية المصرية أول طرح للسندات الخضراء السيادية بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا في سبتمبر 2020 بقيمة تبلغ 750 مليون دولار بأجل 5 سنوات وعائد تصل قيمته إلى 5.25%، مما يساهم في وضع مصر على مسار التمويل المستدام.
وتكمن أهم أسباب اتجاه الحكومة المصرية لإصدار تلك السندات في جذب قطاعات جديدة من المستثمرين الراغبين في تمويل مشروعات مستدامة، وتراجع نسب الفائدة مقارنة بالسندات التقليدية بسبب تزايد الإقبال عليها، فضلًا عن تنويع مصادر الدين لمواجهة مخاطر السوق المحتملة، وتحفيز المشروعات الصديقة للبيئة في السوق المحلية، وأخيرًا، تساعد هذه الديون في تحقيق استراتيجية إحلال الديون الطويلة الأجل محل قصيرة المدى.
- الطاقة المتجددة:
تستهدف الحكومة التوسع في الاعتماد على الطاقة المتجددة على نطاق واسع، بحيث تبلغ 20% من مزيج الطاقة الكهربائية بحلول عام 2022، ونحو 42% بحلول عام 2035، بناءً على النشر السريع للطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
وفي هذا السياق، تم تخصيص أكثر من 7650 كيلومترًا مربعًا من الأراضى غير المستغلة لمشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة، ووافقت الحكومة المصرية على تنفيذ 691 مشروعًا صديقًا للبيئة في قطاعات الطاقة الجديدة والمتجددة والمياه والنقل.
وتعمل وزارة التعاون الدولى على إبرام الاتفاقيات من خلال الشراكات الدولية لتمويل هذه التوجهات وتعزيز التحول الأخضر، فعلى سبيل المثال، تعاونت الحكومة والقطاع الخاص ومؤسسات التمويل الدولية لتنفيذ محطة “بنبان” للطاقة الشمسية، والتي تضم 6 ملايين لوحة شمسية، على مساحة 36 كيلومترًا مربعًا، ونفذه أكثر من 40 شركة من 12 دولة، لتوليد 1500 ميجاوات من الطاقة.
- السيارات الكهربائية:
في إطار مواكبة التطور التكنولوجي والاتجاهات العالمية في صناعة السيارات الكهربائية، تسعى مصر نحو التحول إلى مركـز إقليمي لتلك الصناعة على مسـتوى منطقة الشـرق الأوسـط وإفريقيـا، لا سيما مع توقعات نمو سوق السيارات الكهربائية عالميًا، والفوائد البيئية والاجتماعية والاقتصادية الناجمة عـن استخدامها.
ويقدر عدد المركبات الكهربائية (سيارة/ أتوبيس) بنحو 226 سيارة كهربائية، و68 أتوبيسًا كهربائيًا خلال عام 2020. وبلغ عدد محطات الشحن للسيارات الكهربائية في مصر حوالي 154 محطة شحن (بطيء وسريع)، وهو عدد منخفض نسبيًا.
- الهيدروجين الأخضر:
بدأت مصر الدخول في سوق إنتاج الهيدروجين الأخضر لتوليد الطاقة، لتكون ضمن الدول الأولى عالميًا في الاعتماد على ذلك النوع من الطاقة في ظل تحديث وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة استراتيجية الطاقة في مصر لتشمل الهيدروجين الأخضر.
وشهد مارس الماضي توقيع اتفاقية بين وزارة الكهرباء والثروة والطاقة المتجددة ووزارة البترول والثروة المعدنية والقوات البحرية مع شركة “ديمي” البلجيكية للبدء في الدراسات الخاصة لمشروع إنتاج الهيدروجين الأخضر وتصديره من مصر، وهي الاتفاقية الثانية من نوعها بعد الاتفاقية الأولى التي تم توقيعها مع شركة “سيمنز” الألمانية للبدء في المشروع التجريبي لإنتاج الهيدروجين الأخضر في فبراير من العام الحالي.
وعلاوة على ذلك، وقع صندوق مصر السيادي في شهر أكتوبر الجاري، وشركة “سكاتك” النرويجية للطاقة المتجددة، وشركة ” فيرتيجلوب” لإنتاج الهيدروجين الأخضر بكميات تتراوح بين 50-100 ميجاوات، كمادة وسيطة لإنتاج الأمونيا الخضراء.
- الاقتصاد الدائري:
يبلغ إجمالي المخلفات الموجودة في مصر 26 مليون طن سنويًا، وقد خصصت الاستراتيجية الوطنية الخاصة بالمخلفات نحو 20% منها لإنتاج الكهرباء، و60% لتصنيع الأسمدة والوقود البديل، و20% يتم دفنها. ويبلغ إجمالي الفرص الاستثمارية لتنفيذ مشروعات لإنتاج الكهرباء من المخلفات نحو 974 مليون دولار، ونحو 319 مليون دولار لتنفيذ مشروعات إنتاج الأسمدة والوقود البديل.
وبهدف إجراء الإصلاح التشريعي المطلوب، صدر قانون تنظيم إدارة المخلفات الهادف لحل أزمة النفايات والقمامة في كافة أنحاء الجمهورية المصرية، وزيادة الفائدة الاقتصادية من عمليات إعادة التدوير، وتصدير النفايات وتحويلها إلى طاقة نظيفة عن طريق التكنولوجيات الحديثة.
فوائد ملموسة
تتمثل أهمية الاقتصاد الأخضر في توفير إطار يتم من خلاله تحقيق أهداف التنمية من خلال دمج الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في صميم السياسات وعمليات صنع القرار عن طريق دعم قطاعات الطاقة والزراعة وإدارة المخلفات، والمياه، وكذلك الفرص التي يوفرها هذا الاقتصاد من توفير عمالة، والحد من الفقر، ورفع مستوى المعيشة، وخفض التلوث، والحد من التدهور البيئي، وزيادة القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني.
ويضم الاقتصاد الأخضر 6 قطاعات، منها المباني الخضراء، والطاقة المتجددة، والنقل المستدام، وإدارة المياه، وإدارة الأراضي، وإدارة النفايات، ونستعرض في السطور التالية أسباب اتجاه مصر إلى تعزيز مقومات الاقتصاد الأخضر:
- تعزيز الأمن الغذائي:
تواجه مصر تحديًا بالغ الأهمية في تلبية الاحتياجات الغذائية الحالية والمستقبلية للسكان في ظل الزيادة السكانية، حيث يتسم القطاع الزراعي بالممارسات غير المستدامة، والبناء غير القانوني على الأراضي الزراعية، وتأثيرات تغير المناخ المحتملة على الأراضي الصالحة للزراعة وغلات المحاصيل.
وعليه، فمن الممكن أن يساعد الاقتصاد الأخضر على تحقيق الاستخدام المستدام للمواد الزراعية الطبيعية، وإعادة تدوير المخلفات الزراعية إلى أسمدة عضوية بما يحافظ على البيئة، ورفع كفاءة استخدامات المياه فى الزراعة، وتحسين نظم الري والصرف، وتعديل التركيب المحصولي لصالح الزراعات الأقل استهلاكًا للمياه، فضلًا عن إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي والصرف الصحي.
- تعزيز الأمن المائي:
تواجه مصر عجزًا مائيًا يصل إلى 20 مليار متر مكعب سنويًا في المتوسط، وفقًا لتصريحات وزير الري المصري “محمد عبد العاطي”، حيث تبلغ احتياجات مصر من المياه نحو 80 مليار متر مكعب، فيما سجل مجموع المياه العذبة المتاحة حوالي 60 مليار متر مكعب، ليتم تعويض هذه الفجوة من خلال إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي والمياه الجوفية السطحية في الوادي والدلتا، بالإضافة إلى استيراد منتجات غذائية من الخارج تقابل 34 مليار متر مكعب سنويًا من المياه.
وفي هذا السياق، يُمكن أن يساهم الاقتصاد الأخضر في تعزيز مفهوم الأمن المائي بمصر عن طريق الاهتمام بقطاع المياه وضبط استخدامها وترشيدها ومنع تلوثها، وتوفير إمدادات المياه النظيفة، وإعادة استخدام المياه والتحكم فى الصرف الصناعى.
- التحول إلى مركز إقليمي للطاقة:
خلال السنوات الماضية، سعت الدولة المصرية إلى تنصيب نفسها كمركز إقليمي لتداول الطاقة، وتم وضع استراتيجية مستدامة للوصول لذلك الهدف حتى عام 2035، من خلال تنويع مصادر الطاقة بين الطاقة النظيفة والطاقة المتولدة من المصادر المتجددة، لتكون تلك الاستراتيجية نقطة مركزية تهدف إلى وضع مصر كحلقة وصل بين أوروبا وآسيا وإفريقيا.
فعلى سبيل المثال، سيساعد الربط الكهربائي بين مصر وقبرص واليونان على استيعاب القدرات الكهربائية الضخمة التي سيتم توليدها من الطاقات النظيفة؛ إذ يستهدف المشروع في أحد بنوده نقل كميات ضخمة من الطاقة الكهربائية المولدة من مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة.
- جذب الاستثمارات الأجنبية:
يساهم الالتزام بمعايير الاقتصاد الأخضر في جذب فرص استثمارية جديدة لاقامة مشروعات خضراء فى القطاعات ذات الأولوية للدولة مع اجتذاب التمويل للسوق المصري من أجل الاستفادة من مصادر التمويل الدولية والإقليمية التي تضخ استثمارات فى مشروعات تغير المناخ والاستدامة البيئية.
وخلاصة ما سبق، ينبغي الإشارة إلى أن تعزيز الخطوات المصرية في طريق الاقتصاد الأخضر جاء استجابة للمادة (32) التي تنص على الحفاظ على الموارد الطبيعية وحُسن استغلالها، وعدم استنزافها، ومراعاة حقوق الأجيال القادمة فيها، مع الالتزام بالاستغلال الأمثل لمصادر الطاقة المتجددة، وتحفيز الاستثمار فيها، وتشجيع البحث العلمي المتعلق بها.
باحثة ببرنامج السياسات العامة