مصر

العلاقات الاقتصادية المصرية-القبرصية-اليونانية: نموذج للتعاون البنّاء

شارك الرئيس “عبد الفتاح السيسي” اليوم الثلاثاء الموافق التاسع عشر من أكتوبر في فعاليات الجولة التاسعة من القمة الثلاثية بين مصر واليونان وقبرص بالعاصمة أثينا وذلك في إطار آلية التعاون الثلاثي بين الدول الثلاث التي انطلقت عام 2014.

وتهدف القمة إلى استكمال ما تحقق خلال القمم الثماني السابقة، وتعزيز التعاون الثلاثي في مختلف المجالات مع متابعة تنفيذ المشروعات الجاري إنشائها في إطار الآلية، بالإضافة إلى دعم وتعميق التشاور السياسي بينهم حول سبل التصدي للتحديات التي تواجه منطقتي الشرق الأوسط وشرق المتوسط.

وبناءً على هذا يهدف المقال الآتي إلى استعراض مجالات التعاون الاقتصادي بين الثلاث دول مع تسليط الضوء على مشروع الربط الكهربائي بينها.

العلاقات الاقتصادية بين الدول الثلاث

تتميز العلاقات الاقتصادية بين الثلاث دول بالنمو السريع على صعيد حجم التبادل التجاري والاستثمارات المتبادلة وتحويلات العاملين بالخارج، حيث ارتفعت قيمة العاملين باليونان بنحو 18.7% خلال العام المالي 2018/2019 مسجلة 8.4 مليون دولار مقابل حوالي 7.1 مليون دولار خلال العام المالي السابق 2017/2018. في حين بلغت قيمة تحويلات المصريين العاملين بقبرص 16.1 مليون دولار خلال العام المالي 2018/ 2019 مقابل 12.7 مليون دولار خلال العام المالي 2017 /2018، وهو ما يمثل ارتفاعًا قدره 27.7%.

وفيما يتعلق بحجم الاستثمارات، فقد بلغت الاستثمارات اليونانية فى مصر نحو 3 مليارات دولار، لتحتل المركز الخامس بين دول الاتحاد الأوروبى المستثمرة في مصر، وفقًا لتصريحات سفير دولة اليونان بالقاهرة “نيقولاوس جاريليديس”. كما يصل عدد المشروعات الاستثمارية اليونانية فى مصر حوالي 104 مشروعات موزعة على عدة  قطاعات إنتاجية وخدمية، أبرزها الصناعات الكيمائية والنسيج ومواد البناء والأغذية.

وعلى الناحية الأخرى، قفزت قيمة الاستثمارات القبرصية في مصر خلال النصف الأول من العام المالي الماضي 2020 /2021 بنحو 525% على أساس سنوي مسجلة 57.5 مليون دولار مقابل 9.2 مليون دولار خلال نفس القترة من عام 2019/ 2020 في ظل وجود 224 شركة قبرصية تعمل فى مجالات الصناعة والسياحة والخدمات والطاقة.

وفيما يتعلق بالتبادل التجاري، ارتفعت قيمة الصادرات المصرية لليونان بحوالي 194.9% خلال أول ستة أشهر من العام الجاري، مسجلة 807.4 مليون دولار مقابل 273.8 مليون دولار خلال نفس الفترة من عام 2020، وسجلت قيمة الواردات المصرية من اليونان 209.1 مليون دولار خلال (يناير – يونيو 2021) مقارنة مع 203.8 مليون دولار خلال نفس الفترة من العام الماضي بنسبة ارتفاع قدرها 2.6% على أساس سنوي.

في حين تراجعت الصادرات المصرية إلى قبرص خلال النصف الأول من العام مسجلة 20.097 مليون دولار مقارنة مع 160.39 مليون دولار في نفس الفترة من العام الماضي، بينما ارتفعت الواردات المصرية منها إلى 18.587 مليون دولار.

وخلال خمس سنوات، ارتفعت الصادرات المصرية لكلٍ من اليونان وقبرص بنحو 387.2% و 68.3% على الترتيب منذ عام 2016 وحتى 2020 لتبلغ نحو 682.041 مليون دولار للأولى، و113.089 مليون دولار للثانية خلال العام الماضي، وهو ما يتضح من الشكل الآتي:

الشكل (1): الصادرات المصرية لليونان وقبرص خلال 5 سنوات

وقد حدث عكس ذلك بالنسبة للواردات المصرية من البلدين خلال الفترة محل الدراسة؛ إذ تراجعت الواردات من اليونان بنحو 115.9% من 2016 إلى 2020، وكذلك الواردات من قبرص بحوالي 86.7% في خمس سنوات مسجلة 471.291 مليون دولار للأولى، و10.629 مليون دولار للثانية، كما يتبين من الشكل الآتي:

الشكل (2): الواردات المصرية لليونان وقبرص خلال 5 سنوات

وبناءً على التحليل السابق نجد أنه من الممكن أن تتطور العلاقات الاقتصادية بدعم من الفرص الضخمة المتاحة أمام الدولتين في مجال إنشاء المراكز اللوجستية والمناطق التجارية الحرة، والمقاولات، وتكنولوجيا المعلومات، والتنمية الزراعية، والصناعات الغذائية، والطاقة.

مصالح مشتركة

لا تقتصر العلاقات بين مصر وقبرص واليونان على النواحي الاقتصادية فحسب بل إنها تنطوي على توافق المصالح والرؤى الجيوسياسية بين البلدان الثلاثة، وهو ما يٌمكن التدليل عليه من النقاط الآتية:

  1. ترسيم الحدود:

وقّع وزير الخارجية المصري “سامح شكري” مع نظيره اليوناني “نيكوس دندياس” في السادس من أغسطس 2020، اتفاقية لتعيين المنطقة الاقتصادية الخالصة بين الدولتين في شرق البحر المتوسط، وهي منطقة يعتقد أنها قد تضم احتياطات ضخمة من النفط والغاز لتتيح الاتفاقية التوصل إلى مزيد من التعاون الإقليمي بين الجانبين المصري واليوناني في مجال الطاقة، وتحقيق الأمن والاستقرار بمنطقة البحر المتوسط، فضلًا عن تعظيم الاستفادة من الثروات المتاحة في المنطقة الاقتصادية الخالصة لكل منهما، خاصة مجالي احتياطات النفط والغاز.

والجدير بالذكر أن مصر وقبرص قد وقعتا اتفاقية لترسيم الحدود بين الدولتين عام 2013 للاستفادة من المصادر الطبيعية فى المنطقة الاقتصادية الخالصة للبلدين فى شرق البحر المتوسط.

  • منتدى غاز شرق المتوسط:

جاء تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط كأحد أهم ثمار آلية التعاون الثلاثي بين مصر واليونان وقبرص التي انطلقت عام 2014.  وشهدت القاهرة فى سبتمبر 2020، توقيع الدول المؤسسة لمنتدى غاز شرق المتوسط على الميثاق الخاص بالمنتدى والذي بمقتضاه يصبح منظمة دولية حكومية في منطقة المتوسط بما يسهم في تطوير التعاون في مجال الغاز الطبيعي وتحقيق استغلال أمثل لموارده.

  • خط أنابيب لنقل الغاز:

وقعت مصر وقبرص في سبتمبر 2018 الاتفاق الحكومى المشترك لمشروع إقامة خط أنابيب بحرى مباشر من أجل نقل الغاز الطبيعى من حقل “أفروديت” القبرصى إلى محطات الإسالة بمصر وإعادة تصديره إلى الأسواق المختلفة عقب ذلك.

  • مشروعات الربط الكهربائي:

من التحليل السابق يتضح أن ملف الطاقة يحتل موقعًا متقدمًا على أجندة الثلاث دول، ففي أقل من أسبوع وقعت مصر اتفاقيتين متتابعتين للربط الكهربائي الأولى مع اليونان، والثانية مع قبرص، كجزء من مشروع “يورو أفريكا” الذي تبلغ استثماراته 4 مليارات دولار، ويربط بين شبكات الكهرباء في مصر واليونان وقبرص.

ويرتكز المشروع على مد كابل بحري بين مصر وقبرص بطول 498 كيلومترًا (309 ميلًا)، وعمق 3000 متر (9800 قدم) ثم توصيل قبرص بجزيرة كريت اليونانية بكابل يبلغ طوله 898 كيلومترًا (558 ميلًا)، بإجمالي طول 1396 كيلومترًا (867 ميلًا)، لتنطلق منه كهرباء مصر بقدرة 2000 ميجاوات لشبكة الكهرباء في عموم أوروبا، ويمكن تزويدها إلى 3000 ميجاوات. ستعمل المرحلة الأولى من المشروع بقيمة 2.5 مليار يورو على ربط شبكات الدول الثلاث ومن المقرر البدء في تشغيلها بحلول ديسمبر 2023.

دلالات التوقيت

تأتي القمة الثلاثية التاسعة في وقت هام لكلٍ من قبرص واليونان ومصر بما ينطوي على العديد من الدلالات، التي يُمكن عرضها على النحو الآتي:

  1. أزمة الغاز الأوروبية:

تتزامن القمة مع مرور القارة الأوروبية بأسوأ أزمة طاقة في تاريخها تتمثل أبرز ملامحها في تسجيل أسعار الغاز زيادات قياسية بضغطٍ من زيادة الطلب وتراجع المخزونات لاسيما في ظل اعتماد دول القارة العجوز على الواردات لتأمين احتياجاتها من الطاقة.

وقد أبرزت تلك الأزمة مدى اعتماد الاتحاد الأوروبي على روسيا كمورد رئيسي للغاز؛ إذ تغطي الأخيرة نحو 45% من صافي واردات دول التكتل حتى الربع الأول من 2021، ارتفاعًا من 41% خلال الفترة نفسها من 2020، تليها الخطوط النرويجية التي تغطي نحو 23%، يليها الجزائر التي تحتل حوالي 12% من واردات الغاز الأوروبية، وهو ما يتبين من الشكل التالي:

الشكل (3): أبرز موردي الغاز الطبيعي للاتحاد الأوروبي

ومن هنا برزت أهمية مصر بالنسبة لأوروبا من خلال زيادة الاعتماد عليها كمصدر موثوق فيه لنقل الغاز أو الكهرباء إلى الدول الأوروبية.

  1. التحول لمركز إقليمي للطاقة:

تصب مشاريع الربط الكهربائي مع قبرص واليونان في صالح الخطة المصرية التي ترتكز على التحول إلى    مركز إقليمي لتداول الطاقة بهدف تحقيق منافع على جميع الأصعدة سواءٍ من الناحية الاقتصادية أو الاستراتيجية. وقد جاء ذلك عقب توقيع مصر والسعودية منذ أسابيع على مشروع الربط الكهربائي بين البلدين تبلغ تكلفته الإجمالية 1.8 مليار دولار.

  • تعزيز إنتاج الطاقة المتجددة:

من المرجح أن يساعد الربط الكهربائى بين الدول الثلاث على استيعاب القدرات الكهربائية الضخمة التي سيتم توليدها من الطاقات النظيفة التي تزخر بها القارة الإفريقية؛ إذ يستهدف المشروع في أحد بنوده على نقل كميات ضخمة من الطاقة الكهربائية المولدة من مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة.

ويأتي ذلك في إطار تعهد مصر بإنتاج 42% من احتياجاتها من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2035، مقارنة مع 20% خلال عام 2022، كما يتبين من الرسم التالي:

وفي الختام ينبغي الإشارة إلى أهمية العلاقات الثلاثية بين مصر وقبرص واليونان، حيث إنها تقوم على المصالح المشتركة في كافة النواحي الاقتصادية والسياسية والجيوسياسية، لاسيما فيما يتعلق بملف الطاقة الذي يستحوذ على اهتمام المسؤولين في البلدان الثلاثة.

+ posts

باحثة ببرنامج السياسات العامة

بسنت جمال

باحثة ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى