
مستحدثات “منظومة المخلفات” الجديدة في مصر
شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال كلمته بفعاليات افتتاح مجموعة مشروعات إسكان بديل المناطق غير الآمنة، اليوم السبت، على ضرورة حل مشكلة المخلفات والقمامة، ومواجهة البناء غير المخطط، مشيرًا إلى أن حجم المخلفات يصل لـ 40 مليون طن، وهي قضية كبيرة بالنظر إلى أن تكلفة منظومة النظافة المطروحة في القاهرة 2.5 مليار جنيه، بينما تجمع الدولة من المواطنين مقابل النظافة 800 مليون جنيه.
لطالما كان قطاع المخلفات الصلبة ممثلاً لواحدة من أكثر الأزمات تعقيداً في الدولة المصرية. إذ أن التحديات المتعلقة به تمس شرائح مختلفة من المجتمع المصري وأنشطته اليومية. كما أن التعامل مع القمامة وإدارة منظومة تجميعها وفرزها والتخلص الآمن منها أو إعادة تدويرها، هي ملفات تأخر التصرف فيها كثيراً.
فعلى نطاق الجمهورية، تمثل كمية المخلفات اليومية ما يوازي حوالي 220 ألف طن من القمامة المتراكمة بجميع أنواعها. وأغلب هذه الكميات من القمامة تأتي من المدن الكبرى مثل القاهرة والاسكندرية، علماً بأن الشركات الخاصة وجامعي القمامة يجمعون 55% منها، والباقي يتم إلقاؤه في الشوارع أو يتم التخلص منه بصور غير آمنة بيئياً وصحياً. كما أن ما يتم تدويره لا يتعدى 15% سنوياً من إجمالي مخلفات السكان. وهذا بخلاف كميات الصرف الصحي السكني والمخلفات الصناعية والزراعية. ومع الزيادة السكانية المطردة في مصر، يزداد الوضع سوءاً والمخاطر الناتجة من إهمال المنظومة كانت لتتضاعف. وهو ما تطلب تدخلا حاسما من الحكومة المصرية لوضع آليات واضحة جديدة لإدارة منظومة المخلفات والنظافة في مصر.
وبعيداً عن الأضرار البيئية والصحية، فإن المكاسب المرجوة من منظومة النظافة المستحدثة ستتعدى استهداف هذه المشاكل فقط، بل ستصل إلى استهداف العوائد الاقتصادية المتنوعة من إنتاج الطاقة المتجددة من المخلفات عن طريق عمليات إعادة التدوير وال(WTE Waste to Energy) (المخلفات للطاقة). وهو ما سيوفر من تكاليف الصناعة لنفس المواد التي تم التخلص منها، ويزيد من فرص تصدير المخلفات بهدف إعادة استخدامها أو توليد الطاقة منها للدول المجاورة، وهو ما سيجلب مكاسب مادية للقطاع بوجه عام. وهو ما سيدخل مصر بقوة إلى سوق المخلفات العالمي. وكانت دراسات قد توقعت بتخطي قيمة سوق تحويل المخلفات لطاقة إلى ما قيمته 33 مليار دولار بحلول عام 2023 بعدما كان 20.86 مليار دولار عام 2015.
بداية تفعيل المنظومة الجديدة

كانت البداية الفعلية للمنظومة الجديدة في عام 2018، وذلك عن طريق مناقشة قانون إدارة المخلفات في البرلمان. ثم بداية إطلاق المشروع في 2019 لخدمة أربع محافظات حالياً والتوسع لباقي المحافظات خطوة بخطوة طبقاً لهذا القانون. وهو القانون الذي يساهم بشكل كبير فى دعم وتطوير منظومة النظافة، من خلال إعادة تدوير المخلفات وفتح الاستثمار في هذا المجال، وبالتالى إعطاء مزيد من الاهتمام لمشكلة النظافة. كما أنه يضمن توزيع المسئولية على الشركات والمؤسسات المعنية بملف النظافة من أجل حل مشكلة المخلفات من جميع المحافظات وليس المدن الكبرى فقط، لاسيما بعد انتهاء عقود الشركات الاجنبية وخروجها من إدارة المنظومة. ويهدف هذا القانون لدعم خطة وزارة البيئة لحل أزمة القمامة خلال 3 سنوات. عن طريق تحديد رسوم مقابل خدمة جمع المخلفات وعقوبات مخالفة القانون. ووضع السياسات المطلوبة لتخصيص 150 مصنعا لإعادة التدوير لخدمة 300 منطقة مختلفة تشمل جميع المحافظات المصرية.
وتتضمن البرامج التنفيذية للمنظومة الجديدة لإدارة المخلفات البلدية الصلبة حتى عام 2020 مشروعات تطوير البنية التحتية، من خلال تأهيل المقالب العشوائية، وإنشاء محطات وسيطة ثابتة ومتحركة، فضلاً عن إنشاء مدافن صحية جديدة. كما تشمل عناصر تلك البرامج عمليات الجمع والفرز والنقل والتدوير للمخلفات الصلبة البلدية، هذا إلى جانب ما يتعلق بتطوير منظومة المعالجة والتخلص لإعادة تدوير المكون العضوى، بحيث يكون هناك محطة معالجة لكل منطقة خدمية.
وشمل مشروع القانون عدة مواد مهمة منها المادة رقم (2)، والتي تفيد بإلزام وزارات التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري، والتنمية المحلية، والاستثمار والتعاون الدولي، والمالية، والإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، وغيرها من الجهات المعنية الأخرى معاونة جهاز إدارة المخلفات الصلبة في القيام بمهامه. والمادة (38)، والتي أفادت في فقرتها الثانية بأن تقوم الجهة الإدارية المختصة باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتوفير المواقع المخصصة لعمليات المعالجة والتخلص النهائي من مخلفات البلدية للكيانات العاملة في هذا المجال نظير حق انتفاع اسمي. والمادة (39)، والتي حظرت على المٌشغل أو المُرخص له إلقاء أو فرز أو معالجة المُخلفات البلدية إلا في الأماكن المُخصصة لذلك. وفي الوقت الذي نصت فيه المادة (41) من المشروع على التزام الجهة الإدارية المختصة باتخاذ كافة التدابير اللازمة لغلق المقالب العشوائية خلال 5 سنوات من إصدار القانون. وبينما تضمنت المادة (46) حظر إلقاء المخلفات الزراعية في المجاري المائية أو التخلص منها في غير الأماكن المخصصة لذلك، وجعلت لحائز تلك المخلفات أن يتخذ كافة التدابير اللازمة لإعادة استخدامها أو معالجتها. كما تعلقت المادة (64) من مشروع القانون بإصدار تراخيص المواد أو المخلفات الخطرة المنقولة على السفن في البحر الإقليمي، مع حظر مرور تلك السفن دون الحصول على الترخيص المشار إليه. وكل هذه المواد وغيرها أتت لتحل المشاكل القانونية العديدة المتعلقة بالقوانين السابقة ومنها القانون رقم 38 لسنة 1967 بشأن النظافة العامة.
ومن ناحية أخرى صاحبت كل تلك التطورات إطلاق تطبيق “دوّر” الالكتروني، والذي تم إطلاقه بصورة تجريبية منذ أواخر عام 2018 فى 3 أحياء قبل أن يبدأ تعميمه تدريجياً. حيث يتيح التطبيق لمستخدميه التقاط صور للقمامة وإرسالها على الموقع مع ذكر أماكن تواجدها، وهو ما يسمح بالتحرك السريع من جانب فريق متخصص للتعامل مع تلك النفايات وإزالتها، مع إعادة نشر صور للمكان بعد نظافته. كما تستكمل وزارة البيئة جهودها لإيجاد التمويل للمزيد من المشاريع البيئية المتعلقة بإدارة المخلفات وتدويرها عن طريق الهيئات والمؤسسات المالية العالمية.
تحديات أخرى لمنظومة إدارة المخلفات الجديدة في المستقبل

ويعد تنوع مصادر المخلفات في مصر تحدياً كبيراً للمنظومة الجديدة، وذلك بسبب صعوبة فرز الأنواع المختلفة لهذه المخلفات من المصدر. كما أن أغلب تلك المخلفات عضوي من بقايا الطعام ومخلفات البشر والحيوانات بنسبة 56%، وهو العنصر الأكثر تعقيداً في في عملية تجميعه. وذلك بالإضافة للورق والبلاستيك والزجاج والمعادن وباقي أنواع المخلفات التي من الواجب فصلها قبل إتمام أي عملية للتدوير. ولا بديل عن استخدام التوعية للمواطنين وللعاملين بالمجال أثناء تطبيق المنظومة من أجل تحسين نتائجها المرجوة. كما أن إيجاد البدائل الأسهل للمواطنين سيجنبهم عمليات الحرق العشوائية والغير منظمة لمخلفاتهم. خاصة المخلفات الزراعية مثل قش الأرز.
أما عن الزيوت، فتعد صعوبة التعامل معها أيضاً مثل المخلفات العضوية. حيث يبلغ متوسط استهلاك الشعب المصري من الزيوت 2 مليون طن سنوياً. إذ ارتفع استهلاك المواطن إلى 17 لترا كل سنة. بعدما كان استهلاكه في فترة الستينات حوالي 5 لترات. وذلك رغم النقص في صناعة الزيوت الغذائية بمصر. حيث تستورد الدولة المصرية حوالي 88% من احتياجات المواطن، مقارنة بنسبة تصنيع محلي 12% فقط، رغم وجود 32 مصنع زيت، تابعة للقطاع العام والخاص. ويبلغ قيمة الاستيراد 16 مليار جنيه ما بين استيراد البذور الزيتية والزيوت الخام ثم تكريرها محلياً، أو استيراد الزيوت الجاهزة مباشرة.
وهو ما أوجد الحاجة لشركات عديدة جديدة تقوم على إعادة تدوير الزيوت المستعملة. وهي إحدى المشاريع المصرية الصغيرة التي بدأت في الانتشار واثبتت نجاحها في السنين الأخيرة. تمتاز تلك المشاريع بقلة تكلفتها ودخولها في العديد من الصناعات المنزلية مثل صناعة الصابون بالمنزل لتحقيق الاكتفاء الذاتي للأسر البسيطة. كما أنها تدخل في الصناعات الزيتية الأكبر لصنع بدائل للسولار بإضافة مواد كيميائية له لتقليل نسبة اللزوجة به، وصناعة الجلسرين وقوالب السيراميك والزفت الأسود (أسفلت الطريق)، والديزل الحيوي. وعادة تقوم تلك الشركات الصغيرة بالمرور على البيوت لشراء حاجتهم من الزيوت بقيمة 4 جنيه للتر.
ومن هذا المنطلق، من الممكن للدولة التوسع في سوق تدوير الزيوت لفوائده الاقتصادية وسد الحاجة للزيوت كسلعة استراتيجية مهمة لا غنى عنها، وذلك عن طريق تشجيع الصناعات الصغيرة في هذا المجال. فمن الممكن تسهيل إجراءات منح القروض لأصحاب المشاريع بهذا المجال من أجل تسهيل انتشارها. كما يمكن نشر الوعي في القرى والمدن الفقيرة، التي ستستفيد أسرها من عملية التدوير، حيث يمكن تدريب الراغبين على مهارات وحرف تلك الصناعة البسيطة ومساعدتهم في تجهيز مصانعهم الصغيرة بأبسط الامكانيات. ويمكن أن تتم شراكات بين منظمات المجتمع المدني والدولة بهذا الصدد في تمويل ورش العمل المطلوبة لتعليم تلك الحرف.
باحث ببرنامج السياسات العامة