الاقتصاد الدولي

نائب رئيس جوجل: جائحة كورونا فرصة الاقتصاديات الناشئة للاتجاه نحو التحول الرقمي

عرض – ماري ماهر

يواجه الناس في جميع أنحاء العالم تحديات تحدث مرة واحدة في كل جيل، ومن ذلك ما يشهده العالم حاليًا من جائحة فيروس كورونا التي أدت إلى تراجع اقتصادي بنسب غير مسبوقة، وضغوط هائلة على الموارد المالية. وبحسب كينت ووكر، نائب رئيس شركة جوجل للشؤون العالمية والمسؤول القانوني الأول في الشركة، فإن الأثار الناجمة عن أزمة كهذه تنعكس بشدة على الأسواق الناشئة، التي تضطر لمواجهة الجائحة بإمكانيات صحية ضعيفة، وفي نفس الوقت تعاني بشكل كبير من آثارها الاقتصادية السلبية.

ومع ذلك، يرى ووكر أن الأسواق الناشئة تضم أيضًا بعضًا من أكثر الاقتصادات حيوية وقدرة على تحقيق الريادة العالمية، التي يُمكن أن تصبح منصات انطلاق مثالية للابتكار في المستقبل، إذا ما انتهجت سياسة صحيحة واستطاعت استغلال الفرص المطروحة أمامها.

وفي هذا الإطار، أكد كينت أن هذه اللحظة الصعبة هي بالضبط الوقت المناسب لتلك الاقتصادات للحاق بركب التحول الرقمي بما يمكنها من تحقيق مكاسب اقتصادية مستدامة. فقد بينت التجارب التاريخية أن الأزمات عادةً ما تكون فرصة لاتخاذ إجراءات جريئة، على سبيل المثال، تم استحداث نظام شبكات الأمان الاجتماعي بعد الحرب العالمية الأولى وأثناء الكساد الكبير، واتسم عصر ما بعد الحرب العالمية الثانية بانتشار الشركات متعددة الجنسيات، وشهدت مرحلة الحرب الباردة استثمارات كبيرة في البنية التحتية، وأخيرًا أدت الأزمة المالية في التسعينيات والركود العظيم في 2007-2008 إلى إصلاحات شاملة في القطاع المالي، وهكذا يُمكن أن يتكرر الأمر بالنسبة لجائحة كورونا.

وأشار ووكر إلى أنه مثلما يستخدم ما يقرب من ثلث أصحاب الأعمال الصغيرة في الولايات المتحدة الأدوات الرقمية لإنجاز أعمالهم أثناء أزمة فيروس كورونا، فإن التقنيات الرقمية تمثل شريان الحياة أيضًا للأسواق الناشئة، حيث استطاع العديد من الأشخاص تحقيق أرباح في فترة الجائحة من خلال التسويق الإلكتروني عبر الإنترنت، ومن ذلك مصممة أزياء في البرازيل، ومتجر آلات موسيقية في تركيا، وصاحبة دار الضيافة في جنوب أفريقيا.

وبالتالي، يُمكن أن تكون التكنولوجيا محركًا مذهلاً للتقدم، في أفضل الأوقات وأسوئها. فعلى مدى العقود الماضية، ساعد الانتشار العالمي للتكنولوجيات الجديدة في انتشال أكثر من مليار شخص من الفقر المدقع، وهو إنجاز لا مثيل له في تاريخ البشرية.

العداؤون الرقميون

أوضح وويكر أن الاقتصادات الناشئة يُطلق عليها أحيانًا مسمى “العدّائين الرقميين” لأنها – من خلال توسيع الاعتماد على التقنيات الرقمية – لديها القدرة على الانطلاق نحو التنمية الاقتصادية. ولكن هذا يتطلب من الحكومات والقطاع الخاص اتخاذ عددًا من السياسات التي تشجع على التحول الرقمي، والتي تتلخص في أربعة مجالات رئيسية، هي:

• رأس المال المادي: يتعلق بالاتصال الرقمي والبنية التحتية. لا يتعلق الأمر فقط بالاستثمار ولكن أيضًا بكيفية إدارة البنية التحتية.

• رأس المال البشري: يتعين على صانعي السياسات والقطاع الخاص وأصحاب المصلحة الآخرين معالجة مجموعة من القضايا ذات الصلة في هذا المجال بما في ذلك تدريب العمال وضمان الأمن الوظيفي وريادة الأعمال ومكافحة التمييز.

• التكنولوجيا: وتتضمن زيادة الاعتماد على البيانات الرقمية والذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية والمدفوعات الرقمية، وهذا يعني فرصًا جديدة جنبًا إلى جنب مع أسئلة جديدة حول أفضل السبل لتسخير هذه التقنيات.

• القدرة التنافسية: يتطلب النمو الاقتصادي المعتمد على التقنيات الرقمية نظامًا بيئيًا تنظيميًا يعزز القدرة التنافسية يشمل قضايا مثل سياسات المنافسة التي تركز على تعزيز الأسواق التنافسية والمفتوحة، ونظام ضريبي يُمكن التنبؤ به ويستند إلى المعايير الدولية، فضلًا عن إطار للتجارة الرقمية قائم على قواعد محددة.

مكاسب اقتصادية محتملة

تواجه الأسواق الناشئة اليوم لحظة فاصلة، نظرًا لأن جائحة فيروس كورونا أدت إلى تعطل النظام العالمي وكسر سلاسل التوريد، لذا فإن الأسواق الناشئة لديها فرصة للتحول الرقمي والظهور كلاعبين أقوى على الساحة العالمية. إن الإمكانات الاقتصادية من التحول الرقمي هائلة، وقد بينت دراسة حديثة أنه بحلول عام 2030، يمكن أن يولد التحول الرقمي ما يصل إلى 3.4 تريليون دولار من القيمة الاقتصادية في الأسواق الناشئة، أي ما يعادل حوالي 26% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي المقدر لهذه الاقتصادات في عام 2030. وعلى سبيل المثال، يعني ذلك إضافة 25% من الناتج المحلي الإجمالي الحالي في البرازيل، و31% في السعودية، و33% في نيجيريا.

وستكون ترجمة التقنيات الرقمية إلى تنمية اقتصادية واسعة النطاق أحد التحديات الحاسمة لصنع السياسات في القرن الحادي والعشرين، فعلى الرغم من أن التقنيات الرقمية يُمكن أن تكون حافزًا قويًا لتحسين الدخل والإنتاجية والنمو الاقتصادي، إلا أن الدلائل تشير إلى أن مجرد التركيز على توفير الوصول إليها، مثل زيادة انتشار الإنترنت، لا يكفي للاستفادة من فوائدها؛ فعبر 16 اقتصادًا يعتبروا من “العدائين الرقميين”، لم يترجم النمو السريع في انتشار الإنترنت إلى نمو اقتصادي أسرع.

وهذا يتطلب من الحكومات اتخاذ مجموعة من السياسات لتحقيق هذا الغرض، منها: أن يقود القطاع الحكومي عملية التحول الرقمي، التحول إلى نظام الحكومة الإلكترونية بشكل كامل، وضع قوانين تنظم التعامل في الفضاء المعلوماتي، إنشاء بنية تحتية رقمية مناسبة للمستقبل مع مراعاة إمكانية التشغيل البيني والتحديث، تجهيز المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة بالأدوات الرقمية لدعم نموها، تقديم الدعم الفني لغير القادرين على مواكبة التحول الرقمي، إثقال الأفراد بالمهارات للازمة للوصول إلى الفرص الرقمية، وأخيرًا، تجهيز القطاع الخاص بالأساسيات الرقمية.

+ posts

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

ماري ماهر

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى