الصحافة الدولية

مناورات “حارس أوروبا 2020”.. تدريب عسكري أم استفزاز لموسكو ؟

ذكرت ماريا زاخاروفا، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الروسية أن وزارة الخارجية توصي الدول المشاركة في تدريبات (حارس أوروبا 2020) المزمع إجراؤها في شهري ابريل ومايو من العام الجاري في أوروبا الشرقية، بـ “ضرورة التفكير في العواقب”.

وقالت زاخاروفا في نفس السياق، إن هذه التدريبات ستكون هي أكبر مناورات عسكرية سياسية منذ أيام الحرب الباردة، وأنه من المخطط أن يشارك فيها حوالي 40 ألف جندي نصفهم من الجيش الأمريكي.

وفي وقت سابق، كان مارك إسبير، وزير الدفاع الأمريكي، قد صرح خلال مؤتمر صحفي “أن إحدى مهام التدريبات هي تغيير السلوك السيء الذي تتصرف به موسكو”. فيما ردت زاخاروفا مرة أخرى مؤكدة أن “التدريبات العسكرية واسعة النطاق لحلف الناتو والتي من المقرر أن تجري بالقرب من الحدود الغربية لروسيا، لن تكون قادرة على التاُثير سلبا على السياسة الخارجية لموسكو”.

وأضافت أن “قرار إجراء مثل هذه المناورات واسعة النطاق في نفس الوقت الذي تحتفل فيه روسيا بالذكرى الخامسة والسبعين للانتصار في الحرب الوطنية العظمى أمر جدير بالملاحظة”، لافتة الى أن واشنطن تواصل محاولاتها لممارسة الضغط على روسيا.

ونبهت زاخاروفا من أن السياسة الروسية الخارجية لن تتغير كما أن موسكو ستأخذ بعين الاعتبار النهج العدواني الذي يتبعه حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة الأمريكية عند قيامها بمواصلة بنائها العسكري. كما أوصت بأن يفكر حلف الناتو في عواقب أفعاله العدوانية، والتي لن تؤدي الى أي شيء سوى رفع مستوى التوتر الدولي.

مناورات “حارس أوروبا 2020”.. والنشاط العسكري المتزايد بالقرب من الحدود الروسية

مناورات “حارس أوروبا 2020”، هي مناورات عسكري مزمع إجراؤها في الفترة بين 20 إبريل الى 20 مايو، بحيث من المقرر أن يشارك فيها 17 دولة من أعضاء حلف الناتو وشركائه.

ويجري الحديث، عن قوات عسكرية مشاركة من ألمانيا وبولندا ولاتفيا وليتوانيا وإستونيا وجورجيا. وفيما يعلن عن بدء التدريبات وانتهاءها في الفترة ما بين 20 الى 20 من شهري ابريل ومايو، من المرجح أن علمية نقل القوات قد بدأت بالفعل منذ فبراير وسوف تنتهي في يوليو. كما أن معدل نشر القوات الأمريكية في قارة أوروبا –خلال هذه المناورة- سوف يكون هو الأكبر خلال الـ 25 عامًا الماضية.

ويواصل حلف الناتو الإعلان عن أن الغرض الحقيقي وراء عقد هذه المناورات، هو العمل على زيادة القدرات الموحدة بين دول الحلف بالإضافة الى تنسيق وتوحيد الإجراءات المشتركة التي من المقرر اتخاذها ضد أي “عدو”.

فيما يرى محللون روس أن الناتو يستخدم هذه التدريبات لدعم تمويل برامجه العسكرية، فهو بحاجة الى خلق تهديد حقيقي في صورة “روسيا”، يقوم على أساسه بجمع الأموال لأجل حشد الدعم العسكري.

في 2 مارس الجاري، بدأت المناورات العسكرية المشتركة في لاتفيا والنرويج، وفي جمهورية البلطيق بدأت بالفعل مناورات “السهم الكريستالي 2020″، التي من المقرر أن تستمر حتى 13 مارس، وسوف يشارك فيها حوالي 2,5 ألف جندي من إيطاليا وكندا وبولندا واسبانيا وجمهورية التشيك والدنمارك ولاتفيا وألبانيا وسلوفاكيا والجبل الأسود وسلوفينيا.

مخاوف روسية من الأنشطة العسكرية المتزايدة على حدودها

وللوقوف على طبيعة المخاوف التي تشعر بها روسيا إزاء الأنشطة العسكرية التي يمارسها الحلف بالقرب من حدودها في الوقتِ الراهن. يجب الوقوف على جواب لسؤال مهم ، وهو كيف ترى روسيا حلف الناتو من الأساس؟! وعن هذا السؤال يتلخص الرد الأوقع في أن روسيا لطالما كانت ترى في حلف الناتو وتوسعة أنشطته أحد أبرز النقاط الخلافية بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية. إذ أن روسيا ترى الحلف كـ “تهديد”، بينما ترى الولايات المتحدة أنه أداة رئيسية لأجل ضمان الاستقرار والأمن والحفاظ على القيم الديموقراطية. ولكن على الرغم من الادعاءات الأمريكية، إلا أن المخاوف الروسية الدائمة من التوسع في أنشطة حلف الناتو، لطالما كان سببها هو الهواجس الحقيقية من إمكانية فقدان روسيا لنفوذها في بلدان الجوار، ولهذا السبب اتخذت روسيا عدة إجراءات لأجل مواجهة تمدد نفوذ الناتو في البلدان المجاورة، كان من ضمنها أن عملت روسيا على تقوية المؤسسات الأمنية الدولية المنافسة للحلف، على غرار منظمة معاهدة الأمن الجماعي بين دول الاتحاد السوفيتي.

وبهذه الطريقة من الممكن تبرير التصريحات الصادرة عن المسئولين الروس، التي كان من ضمنها تصريحات فاليري جيراسيموف – رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الروسي- خلال لقائه مع نظيره الفرنسي فراسنوا ليكوينتروم، حول ما تشعر به موسكو من قلق إزاء أنشطة الناتو المتزايدة على الحدود الروسية. مضيفًا، ” أن التدريبات العسكرية المخطط تنفيذها في المستقبل القريب، تجري على أسس سيناريوهات مناهضة لروسيا وتنطوي على تطوير لعمليات هجومية”، منوهًا الى أن هذه المناورات تحمل طابع استفزازي للغاية.

ما تعكسه تحركات حلف الناتو والولايات المتحدة من دلالات ومعاني

يقول بعض المسئولون الروس، إن ما يحدث الآن يجري بسبب ابتعاد حلف الناتو عن اعتماد لغة الحوار والتنسيق العسكري مع روسيا الاتحادية. فيما تشير سلوكيات الناتو الى أن الحلف لا رغبة لديه في بناء علاقاته مع روسيا على أسس لغة الحوار والتفاهم المتبادل، وإنما يرغب في أن تقوم العلاقات فيما بينهم انطلاقا من موقع قوة.

وعن الولايات المتحدة الأمريكية، يرى أندريه سيدوروف –عميد قسم السياسة العالمية- بجامعة موسكو الحكومية، أن التدريبات تهدف الى إجبار البلدان على الانتقال لخوض سباق تسلح من شأنه أن يحقق أضرار بالغة بالاقتصاد العالمي، مؤكدا أن هذا النوع من السباقات يعتبر واحدًا من المهام الجيوسياسية الرئيسية للولايات المتحدة الأمريكية، التي تعتمدها للتأثير على سلوكيات روسيا والصين.

أما بالنسبة للأهداف التي تسعى الولايات المتحدة الى تحقيقها من وراء المشاركة في هذا النوع من المناورات مع الحلف، يرى أندريه سيدوروف- أن ترامب يرغب في إجبار سياسيي أوروبا على دفع تكاليف وجود القوات الامريكية على الأراضي الأوروبية، وبهذه الطريقة يخطط لزيادة السيطرة على الدول الأعضاء في حلف الناتو.

ومن جانبه، علق كونستانتين سيفكوف –نائب رئيس الأكاديمية الروسية لعلوم الصواريخ والمدفعية- قائلاً إن هذا التدريب “حارس أوروبا 2020″، يعد هو الأكبر والأطول شمولا وهو عبارة عن تحضير عملي لتحرك عسكري حقيقي، موضحا أن هذه التحركات تعتبر بمثابة استفزاز واسع النطاق ضد روسيا، بحيث تخطط الولايات المتحدة لشن حرب هجينة واسعة النطاق ضد روسيا والصين.

وختاما، من يفكر بشن هجوم عسكري حقيقي ضد روسيا، مهما بلغت قوته قد يكون أحمق حقيقي، ولأن الحماقة صفة لا يمكن أن يتم وصم لا “حلف الناتو”، ولا “الولايات المتحدة” بها، إذًا من الممكن الانتقال الى الفرضية الأخرى وهي في هذه الحالة تكون الأكثر عقلانية.

ويمكن القول إن الولايات المتحدة تتبع مبدأ يقتضي إنه في حالة عدم قدرتك على التوصل الى اتفاق حقيقي مع خصومك، عليك أن تحاول على الأقل الجلوس معهم على طاولة واحدة وأنت تتحدث من منطلق “قوة عليا”، وإذا لم تنجح في الحديث من منطلق “قوة عليا”، من الممكن في ذلك الحين الضغط لأجل الحديث من منطق “ندية متوازية”.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

داليا يسري

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى