الصحافة الدولية

دبلوماسية العداء: سعيا للتحالف مع باكستان..أردوغان يثير أزمة مع الهند حول ” كشمير”

تصدع التحالفات التي وضعها الرئيس التركي رجب  طيب أردوغان مع وصوله للسلطة في عام 2003 دفعه لرسم خريطة تحالفات جديدة كان آخرها ما يبدو أنه سيكون تحالف قوي بين أنقرة وإسلام آباد، إلا أن التحالف التاريخي الذي يعيد تجديد نفسه بعد انفضاض الحلفاء عن أنقرة بمن فيهم حلف الناتو الذي أعلن بالأمس أنه لن يدعم أنقرة في الشمال السوري كما أنه ليس لديه رد على مقتل جنود أتراك هناك، لم يمر دون إثارة أزمة دبلوماسية وهو الأمر الذي أصبح  معتادًا أينما حل أردوغان الذي أثار أزمة دبلوماسية أيضًا عند زيارته لتونس وتلتها الجزائر. فخلال رحلته الأخيرة لإسلام آباد في زيارة هي العاشرة  خلال توليه منصبي رئاسة الوزراء والرئاسة التركية. قال الرئيس التركي أنه يقف إلى جانب باكستان فيما يتعلق بإقليم كشمير المتنازع عليه.

نيودلهي ترد

في معرض ردها على تلك التصريحات استدعت نيودلهي السفير التركي لديها ” شاكر أوزكان تورونلار “للاحتجاج على تصريحات أردوغان غير المسئولة والتي من شأنها إعادة تأجيج الصراع بين الجارتين النوويتين. وهو ما اعتبرته الهند تدخلًا صارخًا في شئونها وأبلغت السفير التركي بما يمكن أن يتركه هذا التصريح من ترسبات على العلاقات الهندية – التركية.

وجاء رد الخارجية الهندية ليؤكد أن تصريحات أردوغان بها افتقار كبير لفهم تاريخ النزاع في كشمير. ويندرج رد الدبلوماسية تحت خانة الردود شديدة اللهجة حيث قال المتحدث باسم   خارجية نيودلهي “رافيش كومار “ أن أنقرة تمادت في التدخل في شئون الدول الداخلية ، ولم يفت الهند أن توجه أصابع الاتهام لأنقرة في محاولة تبرير استغلال باكستان لما وصفته “بالإرهاب عبر الحدود”.

كانت الهند ألغت  الحكم الذاتي لكشمير في أغسطس وأخضعتها للحكم الاتحادي وتقول إن ذلك يهدف إلى دمج المنطقة بالكامل في الهند والقضاء على تمرد مستمر منذ 30 عاما هناك. وأدانت باكستان التي تسيطر على شطر من كشمير الخطوة، كما دعت دول مسلمة مثل تركيا وماليزيا الهند لإعادة النظر في تلك الإجراءات.

محاولات لاستمالة إسلام آباد

تصريح أردوغان كان محاولة لاستمالة إسلام آباد إلا أنه لم يمر دون استثارة الجارة الهندية واللعب على وتر التحالف معها، وكانت تصريحات الرئيس التركي قد ركزت على أن الشطر الهندي من كشمير يعاني من تدهور كبير بسبب التغييرات الجذرية والتعسفية التي عمدت نيودلهي إلى تطبيقها في الجزء الهندي من الإقليم، مغفلة أن الإقليم به أغلبية مسلمة وقال أردوغان إن بلاده ستواصل دعم باكستان والوقوف معها في وجه الضغوط السياسية التي تتعرض لها، مضيفا “لن ننسى تقاسمهم رغيف الخبز معنا في حرب استقلالنا“. في إشارة لمعركة جنق التاريخية التي وقف فيها الباكستانيون إلى جانب الأتراك.

أردوغان يقدم التكريم لعوائل معركة جنق التاريخية

  وفي محاولة أخرى لاستمالة إسلام آباد قال الرئيس التركي إنه سيعمل على بقاء باكستان خارج القائمة السوداء لتمويل الإرهاب خلال اجتماع هيئة رقابة مالية عالمية. وتأتي تلك التحركات بعد أن أحجمت إسلام آباد على حضور قمة كوالامبور” الإسلامية” التي كانت تركيا أبرز المتواجدين بها وحشدت لها بشكل غير مسبوق بهدف تكوين كيان موازي لمنظمة التعاون الإسلامي وتحجيم الدور السعودي في الطريق، وكان حضور القمة أكبر مؤشر على فشلها، وفي حينها بررت إسلام آباد موقفها بأنها قد تم الضغط على قرارها من قبل السعوديةوالإمارات. وبطبيعة الحال تتمتع إسلام آباد بعلاقات أكثر من جيدة مع الرياض وربما كان ذلك هو الدافع لرفضها حضور القمة. وهو ما يفسر بشكل أو بآخر التحرك التركي الحثيث لضم باكستان إلى معسكرها لضرب النفوذ السعودي المتنامي.

لماذا إسلام آباد؟

عطفًا على ما تقدم، فإن باكستان الإسلامية تعد بيئة خصبة للجماعات المتطرفة والإرهابية وهي البيئة الأكثر ملائمة للنظام التركي للاستثمار فيها وذلك في إطار مشروعه لتمكين جماعات الإسلام السياسي.

 أردوغان الذي بات يواجه فيه مأزقا حقيقيا في سوريا على وقع معركة ادلب ومؤشرات على تضرر تحالف الضرورة والمصلحة مع روسيا وتخليًا من قبل الناتو يبحث عن إرساء دعائم أحلاف جديدة. وحتى التحالف التركي- الإيراني لم يعد بتلك القوة خصوصًا مع تنامي الدعم الإيراني للجيش الوطني السوري الذي كبد أنقرة خسائر فادحة في إدلب وحلب. وهو ما يعني أن تحالف ضامني أستانة قابل للانهيار. كما فشل الرئيس التركي في تكوين حلف مع تونس والجزائر أما السودان  فقد أصبح يدور في فلك بعيد عن التوجهات التركية.

توتر في العلاقات بين أنقرة ونيودلهي

في زيارة سابقة للهند حث أردوغان الرئاسة الهندية على عقد مباحثات مع باكستان حول الإقليم المتنازع عليه، وذلك بعد أن قرر رئيس وزراء الهند في أغسطس الماضي إلغاء الوضع الذي تم الاستقرار عليه منذ سبعة أعوام بخصوص الشطر الخاضع لسيطرة الهند في إقليم كشمير. واستمرارًا للتوتر  تم إلغاء عطاء بقيمة 3.2 مليار دولار تمّ منحه لشركة “أناضول شيبيارد” التركية لبناء السفن في وقت سابق من العام الماضي لمساعدة شركة “هيندوستان شيبيارد” المحدودة في بناء خمس سفن لدعم الأسطول الهندي حمولة كل منها 45 ألف طن.

 ووفقًا لمراقبين فإن هذا التوتر بين نيودلهي وأنقرة يضرب مثالًا آخر على تهور تركيا واختلال مدرستها الدبلوماسية ، التي لا تفعل غير توسيع دائرتها العدائية.

باكستان مهددة بدون الدعم التركي

في نهايات العام الماضي قامت مجموعة العمل المالي ” التي تتصدى لعمليات غسل الأموال” بتبليغ باكستان بأنها قد تدرج في القائمة السوداء إذا استمرت في نهجها بعدم تطبيق القيود الكافية لمكافحة تمويل الإرهاب، وتجدر الإشارة بأن إسلام آباد قد تبقى بعيدة عن المقصلة  بدعم من تركيا وحلفائها في العالم مثل الصين وماليزيا حيث تحتاج أي دولة للإفلات من القائمة ثلاثة أصوات على الأقل. ولاشك أن إدراج باكستان ضمن هذه القائمة إلى جانب دول مارقة مثل كوريا الشمالية وإيران سيكبد الاقتصاد الباكستاني الكثير من الخسائر مع الأخذ بالاعتبار أن إسلام آباد موضوعة بالأساس على القائمة الرمادية مما يعني أن المسافة بينها وبين القائمة ليست بعيدة.  خصوصًا أن إسلام آباد ومن بين 40 توصية قدمتها المجموعة للحكومة الباكستانية التزمت الأخيرة بتنفيذ توصية واحدة على وجه كامل وأغفلت 20 توصية بشكل كامل وطبقت الباقي بشكل جزئي كما أغفلت أربعة معايير حاكمة وجوهرية كان الالتزام بها فيصليًا لرفعها من القائمة الرمادية.

وعلى الجانب الآخر تقول باكستان أنها التزمت على حد كبير بالمعايير التي وضعتها المجموعة   مشيرة إلى أنها صادرت أصول الجماعات وحاكمت متشددين مثل قيادات جماعة الدعوة بالكامل بمن فيها قائدها حافظ سعيد الذي يشتبه في أنه العقل المدبر لهجمات مومباي عام 2008 بالهند والتي أسفرت عن مقتل 166 شخصا.

قبل  الزيارة.. باكستان أيدت ” نبع السلام”

 أشار السفير التركي في “إسلام أباد” إحسان مصطفى يورداقول، في تصريح صحفي  إلى أن “زيارة الرئيس التركي شهدت مباحثات حول العديد من الملفات والقضايا، أبرزها ملفات التعاون الاقتصادي والاستراتيجي”. وشهدت الزيارة توقيع وثيقة الإطار الاستراتيجي والاقتصادي التي ستحدد خارطة طريق العلاقات التجارية والاستثمارية بين البلدين”. ويميز العلاقات التركية- الباكستانية مستوى من القوة سمح لإسلام أباد بأن تؤيد علنًا وبشكل مطلق عملية نبع السلام في أكتوبر الماضي، ووصفت العملية بالهادفة إلى تعزيز أمن واستقرار المنطقة والتسوية السلمية في سوريا.

وفي بيان صادر عن رئاسة الحكومة الباكستانية أكدت إسلام آباد على حق أنقرة في القضاء على الممر الإرهابي المتواجد على حدودها. وفي خطوات أكثر تعمقًا ساعدت حكومة إسلام آباد بإغلاق جميع المدارس التي تديرها جماعة ” فتح الله جولن” المتهمة من قبل النظام التركي بتدبير محاولة انقلاب يوليو 2016.

وألحقت هذه الخطوة بما أعلن عنه وزير التعليم الباكستاني ” شفقت محمود” من أن باكستان وافقت على تصنيف جماعة ” جولن” كجماعة إرهابية. أما على الصعيد الاقتصادي ونقلًا عن هيئة الإحصاء التركية ووفقًا لأرقام عام 2017 فقد وصلت قيمة الصادرات التركية إلى باكستان إلى 352 دولار ووصلت قيمة الاستثمارات التركية في باكستان إلى مليار دولار وشهدت العلاقات بين البلدين توقيع اتفاقيات شراكة في الأعوام 1984،1988،1989. ومؤخرًا  تم التوقيع على اتفاقية تجارة حرة تهدف إلى زيادة التجارة الثنائية من  مليار إلى 10 مليارات دولار بحلول عام 2022.

ومع استمرار الخطوط الجوية التركية في التوسع ونمو إسطنبول كمحور طيران إقليمي، ستسهل  حرية التنقل بين البلدين، لا سيما بالنسبة إلى تركيا التي تتطلع إلى تعزيز السياحة من الدول الإسلامية لتعويض خسارة السياح من أوروبا الغربية في السنوات الأخيرة. في المقابل، أضافت باكستان تركيا إلى قائمة السفر دون تأشيرة في شهر مايو من العام الماضي، بهدف تشجيع السياحة والأعمال بين البلدين، مما زاد الثقة بين الجانبين.

الشراكة العسكرية

كان عام 2018 هو عام الذروة على صعيد العلاقات في المجال الدفاعي بين البلدين، وقد شهد توقيع اتفاقية لبيع مروحيات من نوع ” أتاك” ومنتجات مشروع “ميلجم” لترسانة الجيش التركي وذلك بقيمة وصلت إلى مليار دولار. وفي يوليو من نفس العام وقعت شركة ” توساش” للصناعات الجوية والفضائية التركية اتفاقية مع وزارة الدفاع في باكستان تضمنت حزمة من العقود الخاصة بالمواد الاحتياطية واللوجستية والذخائر والتدريب. وإجمالاً تعد تركيا أكبر مورد للأسلحة لإسلام أباد بعد بكين.  

مستوى آخر من الشراكة

طرحت هذه الزيارة مجموعة من الاقتراحات والصفقات، وأكثرها تميزًا خطة تتعلق بحصول مواطني البلدين على جنسية مزدوجة، حيث ظهرت هذه الفكرة خلال اجتماع جمع بين وزير الداخلية الباكستاني إعجاز أحمد شاه والسفير التركي في باكستان إحسان مصطفى يورداكول الذي اقترح هذه الخطوة، والتي بموجبها سيتمكن مواطنو كلا الطرفين من الحصول على الجنسية المشتركة وجوازات السفر المزدوجة.

هل تضحي باكستان بحلفائها في الرياض

رغم إشارة بعض المراقبين إلى أن باكستان أحجمت عن حضور قمة كوالامبور الإسلامية المصغرة انصياعًا لرغبة السعودية وانعدامًا لرغبتها في خسارة حلفائها هناك ، إلا أنه على ما يبدو فإن عمران خان وحكومته لم ينسوا بعد أن السعودية كانت قد استبقت  الاجتماع الوزاري لمنظمة التعاون الإسلامي بالقول، إنه لن يبحث قضية كشمير، بل إن الرياض فعلت من قبل  ما اعتبرته إسلام آباد أسوأ عندما التقى ولي العهد السعودي مع رئيس الوزراء الهندي، ووقّع معه اتفاقية شراكة اقتصادية تجعل نيودلهي الشريك الرابع عالميًّا للمملكة، وحسب وجهة النظر الباكستانية فإنه وقياسًا على ما حدث تمت مكافئة الهند التي قامت بضم كشمير عوضًا عن باكستان التي رفضت حضور قمة كوالامبور  إلا أنه في نهاية المطاف  فقد عبر  عمران خان عن ندمه على عدم الحضور قائلًا: “أصبح واضحًا الآن أن قمة كوالالمبور لم تكن تهدف إلى تقسيم الأمة، والنتائج التي توصلت إليها توحد الأمة وبالطبع كنت أتمنى الحضور”.

وحسب إسلام آباد أيضًا فقد قام ولي عهد أبوظبي بتقليد رئيس وزراء الهند قلادة رفيعة المستوى بعد ضم كشمير فشعر” عمران خان” أن حلفائه في الخليج أكثر قربًا للهند وعلى أساس ذلك اختار أن يكون أكثر قربًا من تركيا. وعلى الجانب الآخر تقف الهند موقف المتفرج الذي لا يكترث بخسارة علاقاته مع تركيا وهو الذي اتخذ منذ وصول رئيس الوزراء ” مودي” إلى منصبه في 2014 سياسة أكثر تقاربًا مع دول الشرق الأوسط ليس فقط في مجال النفط وإنما على صعيد مكافحة الإرهاب والتجارة.خصوصًا وأن نيودلهي تدرك تمامًا أن تركيا لوحدها تعاني من عدد من المشاكل العرقية إضافة لأزماتها مع قبرص واليونان وأرمينيا فهي كالمقيم في بيت من زجاج. كما أنها تدرك وحسب تصريحات “ باهارات كارناد” ، الأستاذ في مركز دراسات الأمن القومي الهندي، وهو مركز بحثي في الشؤون السياسية أنه بالنظر إلى التقارب الطويل بين تركيا وباكستان، قد لا يكون من المتوقع أن تتخذ العلاقات مع الهند شكلا يتجاوز الشكل الرسمي والاقتصادي. حيث أن تميز وضع باكستان لدى تركيا أكبر كثيراً من تميز وضع الهند بالنسبة إليها.    

وحسب المدرسة الهندية في السياسة الخارجية فإن طول النفس يعتمد على الرهان على ثلاثة أشياء  أولها جعل الأصدقاء حلفاء، والمحايدين أصدقاء، والخصوم محايدين. وثانيها  هو قدرة الإرادة السياسية   على تغيير منظور الدول الأخرى فيما يتعلق بالقضايا التي تتسم بأهمية كبيرة بالنسبة إلى الهند. فهل تنجح نيودلهي في مساعيها؟

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

نيرمين سعيد

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى