الصحافة الدولية

الانتخابات التمهيدية الأمريكية.. هل تحمل آيوا راية التغيير؟

تفخر “آيوا” بكونها بوابة إنطلاق الانتخابات التمهيدية نحو البيت الأبيض. وتكتسب دوراً يتخطى حجمها التمثيلي الحقيقي، إذ ترسم الصورة الأولى للمعركة التمهيدية. مثلت نتائجها إهانة للحزب الديمقراطي ومحل سخرية من قبل الرئيس دونالد ترامب التي وصفهم بالفشله في إحدى تغريداته. ليس هذا فحسب بل جاءت نتائجها مخالفة لاستطلاعات الرأي بعد أن حل جو بايدن رابعاً، لتتراجع فرصه في أول اختبار حقيقي تكشف عنه أصوات الناخبين في الولايات المتحدة.

منذ تولي الرئيس ترامب الحكم، وضع الحزب الديمقراطي نصب عينيه مهمة الإطاحة به، وخاض معارك سياسية وقضائية ضده فشلت جميعها، بداية من تحقيقات مولر في التدخل الروسي في انتخابات عام 2016، مروراً بدعاوى قضائية ضد قراراته المتعلقة بالهجرة ومعارضة خططه لإلغاء اتفاقيات تجارية وسياساته تجاه تغير المناخ، وانتهاء بمعركة عزله التي انتهت ببرائته. إضافة لما سبق كشفت انتخابات آيوا عن حالة من الإحباط سيطرت على الناخبين والمرشحين الديمقراطيين، وعن الضعف العام الذي يمر به الحزب بداية من سوء إدارة العملية الانتخابية وانتهاء بالتشكيك في نتائجها، وذلك عبر:
عدم وجود مرشح ديمقراطي قوي قادر على منافسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وذلك نظراً لكثرة عدد المرشحين وتنوع برامجهم الانتخابية، وتناقض أيديولوجياتهم وأفكارهم.
فوضى عارمة شهدتها عمليات الفرز، لعدم قدرة الحزب على إعلان النتيجة، في إخفاق للتنظيم وكارثة سياسية للحزب. واتهامات بالتدخل الروسي في نتائج الانتخابات بسبب التأخير في إعلان النتيجة، وانخراط موسكو وتداخلها في عدد من الانتخابات التي جرت في الولايات المتحدة بداية من انتخابات 2016 الرئاسية. وأن روسيا هي المسئولة عن الخلل التقني الذي واجه الانتخابات الحزبية في آيوا. وأبدى العديد من المسؤولين والخبراء المتخصصين في الانتخابات والأمن المعلوماتي عن قلقهم من احتمال التشكيك مرة جديدة في موثوقية العملية الانتخابية الأمريكية نتيجة مزيج من الثغرات وقلة الاحتراف.

الرابحون والخاسرون في “آيوا”


أشارت استطلاعات الرأي قبل إجراء الانتخابات التمهيدية في “آيوا” إلى تقارب النتائج بين المرشحين الأوفر حظاً وهما نائب الرئيس السابق جو بايدن الذي يمثل الجناح الديمقراطي المعتدل، والسيناتور المستقل بيرني ساندرز إلى يسار الحزب. ويحل بعدهما رئيس البلدية السابق المعتدل بيت بوتيجيج والسناتورة التقدمية إليزابيث وارين. ولكن جاءت النتائج عكس التوقعات. فمن هم الرابحون والخاسرون في هذه الانتخابات؟

الرابحون


بيت بوتيجيج

سياسي مبتدئ، مجهول لدى العديد من الأمريكيين، يبلغ من العمر 38 عامًا يجاهر بمثليته. ليست لديه خبرة سياسية سوى أنه كان حاكم مدينة “ساوث بيند” بولاية إنديانا. اعتمد خلال حملته الإنتخابية في “آيوا” على اجتذاب المناطق التي صوتت لصالح الرئيس باراك أوباما عام 2012 ثم لترامب عام 2016. يلقى مستوى ضعيفاً من التأييد لدى الناخبين السود، وهي قاعدة انتخابية أساسية للديموقراطيين. ففي ولاية ساوث كارولينا يمثل نسبة السود فيها 60% وهي بمثابة تحد كبير له. يشكك الديمقراطيون في قدرته على منافسة ترامب نظراً لصغر سنه وقلة خبرته.
ووفقاً للخبرة الأمريكية، قد لا توفر الخبرة المحدودة لإدارة المدن الصغيرة أرضية قوية لخوض الانتخابات الرئاسية. ولم يوفق أحد من حكام المدن في حملاتهم الرئاسية سوى اثنين فقط من الرؤساء الأمريكيين هما الرئيسين جروفر كليفلاند وكالفين كوليدج. لكن هذه الحقيقة قد تتغير هذه المرة. يؤيد برنامجه الانتخابي مشروع الرعاية الصحية العام. لكنه ينضم إلى المرشحين الديموقراطيين الأكثر اعتدالا بالمطالبة بتنفيذ هذه الرؤية عن طريق توسعة البرامج الصحية الحالية التي تنفذها الحكومة الأمريكية، وليس عن طريق هدم المنظومة الحالية للرعاية الطبية الخاصة.

بيرني ساندرز

جاء سناتور ولاية فيرمونت البالغ من العمر 78 عاماً في المركز الثاني بفارق ضئيل في ولاية “آيوا” ضد هيلاري كلينتون في انتخابات عام 2016، لتتكرر النتيجة مرة أخرى في 2020 ولكن مع بوتيجيج. يتعهد ساندرز بـ”بثورة سياسية” في الولايات المتحدة، ويصف نفسه بأنه ديمقراطي اشتراكي ويعني ذلك إرساء اقتصاد لصالح الجميع، وليس في صالح الأثرياء فحسب، يعد أطول من شغل مقعدا مستقلا بمجلس الشيوخ في تاريخ الولايات المتحدة، ولكنه يتنافس من أجل الترشح باسم الحزب الديمقراطي، لأنه يرى أن خوض السباق كطرف ثالث يقلل من حظوظه في الفوز بالرئاسة. ويرى كثيرين أن وصول ساندرز إلى البيت الأبيض بمثابة كابوس لشريحة متعددة من الأطياف السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الولايات المتحدة، ولدول وكيانات على رأسها إسرائيل. فهو يرفع أجندة معارضة للمنظومة السياسية التقليدية، ويرى أن السبيل الوحيد للفوز في الانتخابات هو “خلق حركة من الجذور لم يعرفها تاريخ الولايات المتحدة من قبل. تعرض ساندرز لانتقادات حادة من نائب الرئيس السابق جو بايدن الذي وصف مواقف منافسه بأنها متطرفة الى درجة تحول دون توحد الأمريكيين حولها.

دونالد ترامب

في الوقت الذي احتدم فيه الجدل بين الديمقراطيين لعزل ترامب بسبب تهم تتعلق بإساءة استخدام السلطة، وعرقلة عمل الكونجرس ، وقف الرئيس الأمريكي رافعاً نسخة من صحيفة الواشنطن بوست عنوانها الرئيسي “تبرئة ترامب”. واصفاً الديمقراطيين بأنهم عاجزين عن إدارة انتخابات آيوا، فكيف يمكن أن يديروا هذا البلد. وضع ترامب شعارًا لحملته الاىنتخابية 2020 عنوانها “عودة أمريكا العظيمة” The great American comeback. استغل ترامب خطاب حالة الاتحاد لإعلان إعادة ترشحه في انتخابات الرئاسة 2020، ومن هذا المنطلق جاء الخطاب محملًا بالعديد من الرسائل التي تخاطب الرأي العام الأمريكي، حول قضايا الاقتصاد والتعليم والرعاية الصحية،. وقد حصل ترامب في استطلاع رأي أجرته مؤسسة “جالوب” خلال الفترة من 16 إلى 29 يناير الماضي على نسبة قبول شخصي تبلغ 49%، في حين أعرب 50% عن رفضهم له، ولم يُعلن 1%عن رأيهم. ويشار إلى أن أعلى معدل لشعبية ترمب قبل ذلك كانت خلال الفترة من 17 إلى 30 أبريل 2019، حين حصل على 46%، في حين كانت أقل نسبة قبول له في يناير من العام نفسه.

جو بايدن

تلقيت ضربة قوية في آيوا، ومن المرجح أن أتلقى ضربة أخرى في نيوهامشير، هكذا علق نائب الرئيس السابق جو بادين على نتائج أنتخابات آيوا التي حل فيها رابعاً، مخالفاً بذلك كل استطلاعات الرأي، ما شكل صدمة لمؤيدوه الذين كانوا ينتظرون منه تولي زمام المبادرة من جديد، لا الإقرار بالهزيمة. ورغم انتكاسة آيوا ، يعتقد بايدن أنه الأقدر على منافسة دونالد ترامب، في الوقت الذي سخرت منه حملة إعادة انتخاب ترامب، من النتيجة التي خرج بها، حيث أعلنت في بيان “لطالما كرر بايدن أنه سيفوز بولاية آيوا، لكنه في الواقع انزلق إلى المركز الرابع بينما سحقه كل من بيرني ساندرز المجنون بالاشتراكية، وبيت بوتيجيج وهو عمدة مدينة صغيرة سابق في ولاية إنديانا”. كما تظهر استطلاعات الرأي في نيوهامشير أن بايدن تراجع من المرتبة الأولى إلى الثالثة، ليحل خلف ساندرز وبوتيجيج.

إليزابيث وارين وإيمي كلوبوشار

بالنظر إلى الوقت الموارد والتي أتيحت لهما في ” آيوا ” إلا إن المرشحتين لم تفعلان ما يكفي لتغيير ديناميات السباق لصالحهما. وقد تكون ولاية نيوهامشير نهاية الطريق بالنسبة لـ كلوبوشار. من جهة أخرى، كان تراجع وارين إلى المركز الثالث، أمراً متوقعاً بعد تراجعها في استطلاعات الرأي في الأسابيع الأخيرة،. وتكمن مشكلة وارين في عدم وجود تباينات كبيرة بين برنامجها الرئاسي وبرنامج ساندرز، فهي تعهدت بشطب ديون طلاب الجامعات لدى الحكومة وبتقديم برنامج رعاية صحية لمعظم الأمريكيين، وهي أمور تقترب من الفكر ذاته الذي يحمله ساندرز ويتهمه ترامب بالاشتراكية، وإن كانت بدرجة أقل.
ختامًأ، لا يزال هناك متسع من الوقت أمام الديمقراطيين لتوحيد شتات أمورهم، فالصورة التي رسمتها نتائج أنتخابات آيوا تعلن عن خوض حزب غير مستعد لغمار الانتخابات الأمريكية، الأمر الذي سيجعل فرص ترامب أسهل بالفوز في الانتخابات المقررة في 3 نوفمبر المقبل. حيث أكد خلال خطاب حالة الاتحاد أنه لن يسمح بتحول الولايات المتحدة إلى الاشتراكية في إشارة إلى بيرني ساندرز في الفوز بترشيح الديمقراطيين. على جانب آخر استطاع بوتيجيج أن يثبت أنه رقم مهم في الانتخابات، وقد تسعفه الظروف لآن يكون أصغر رئيس أمريكي وأول رئيس مثلي في تاريخ البلاد. وقد يكون الاختيار الديموقراطي الأفضل ضد دونالد ترامب. ولكن ما يحول لأن يكون رقمًا صعب أمام ترامب هو ابتعاد عدداً من الديمقراطيين وبخاصة الأمريكيين الأفارقة وقطاع من الناخبين المستقلين عن تأييده لانتمائه لمجتمع المثليين الذي يمقته هؤلاء.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى