
الـ 100 يوم الأولى لـ “ترامب”.. سخط داخلي وإعادة توجيه السياسة الخارجية
تعد الـ 100 يوم الأولى من أي رئاسة أمريكية مقياسًا تقليديًا لأداء الرؤساء، وهي الفترة التي يتمتعون فيها عادة بأكبر قدر من النفوذ السياسي من شعبية مرتفعة، ووحدة حزبية، وفرصة لتمرير سياسات طموحة. وتقدم رؤى أولية حول أولويات الإدارة، وأسلوب حكمها، ومسارها المحتمل. وتعطي مؤشرات على الأولويات والإنجازات والمشكلات المحتملة، كما توفر نقطة مراجعة لمقارنة سياسات الرئيس الأولية مع وعوده الانتخابية وسجلات من سبقوه.
أولًا: السياسة الداخلية
بالنظر إلى الفارق الضئيل للأغلبية التي يتمتع بها “ترامب” في الكونجرس، ولخبرته السابقة في الرئاسة؛ فقد اختار التحرك سريعًا عبر عدد كبير من الأوامر التنفيذية التي وصلت إلى 139 أمرًا تنفيذيًا في أول 100 يوم، وهو رقم يقترب من إجمالي الأوامر التي أصدرها الرئيس السابق جو بايدن البالغة 162 على مدى أربع سنوات. ومع أن الأوامر التنفيذية تُعيد توجيه سياسات الحكومة بما يتماشى مع أجندة الرئيس الجديد فإنها غير مستقرة بطبيعتها ويمكن لأي رئيس لاحق أن يلغيها بسهولة. وفيما يلي نظرة على أداء إدارة “ترامب” الثانية على المستوى الداخلي بعد مرور 100 يوم، من خلال عدد من المعايير الرئيسية:
الأوامر التنفيذية: بدأت ولاية الرئيس “ترامب” الثانية بموجة غير مسبوقة من الإجراءات التنفيذية، مما يشير إلى نية واضحة لإعادة تشكيل السياسة الداخلية والحكومة الفيدرالية بسرعة. فاعتبارًا من 24 أبريل 2025، أي بعد 94 يومًا فقط من ولايته، كان الرئيس “ترامب” قد وقع 139 أمرًا تنفيذيًا و39 إعلانًا و42 مذكرة، مقارنة بـ 55 أمرًا تنفيذيًا فقط وقعها طوال عام 2017 خلال فترة ولايته الأولى، مما يؤكد على نهج أكثر عدوانية بشكل كبير في استخدام السلطة التنفيذية. وشملت مجالات التركيز المحلية الرئيسية الهجرة والاقتصاد، عبر التعريفات الجمركية، وإعادة هيكلة القوى العاملة الفيدرالية وتحدي معايير الحكم الراسخة.[1]
سياسة الهجرة: وفاءً بوعود حملته الانتخابية، شهدت سياسة الهجرة تحولات فورية وجذرية، حيث تحركت الإدارة لإغلاق الحدود الجنوبية وبدأت تدابير تستهدف المهاجرين غير المسجلين داخل البلاد. وشملت الإجراءات استهداف حاملي تأشيرات الطلاب والمقيمين الدائمين القانونيين المتورطين في احتجاجات الحرم الجامعي، وخاصة فيما يتعلق بالمظاهرات الداعمة لغزة، تحت ستار مكافحة “معاداة السامية”. الأمر الأكثر إثارة للجدل هو أن الإدارة الأمريكية أفادت باستغلال قوانين زمن الحرب لترحيل المهاجرين دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة، ووضعت أسماء المهاجرين في “ملف الوفيات الرئيس” التابع لإدارة الضمان الاجتماعي لتقييد وصولهم المالي، مع أن حجم عمليات الترحيل الفعلية لم يرتفع فورًا إلى المستويات الموعودة. كما عكس إقرار قانون “لاكين رايلي” التركيز الشديد على إنفاذ قوانين الهجرة.[2]
الحرب التجارية: على الصعيد الاقتصادي، عادت التعريفات الجمركية للظهور كأداة محورية، حيث أشعل “ترامب” التوترات التجارية من جديد بفرضه تعريفات جمركية جديدة بغرض حماية الصناعات المحلية وممارسة نفوذ على الشركاء التجاريين.[3] هذا النهج، الذي يعكس إيمان “ترامب” الراسخ بالقومية الاقتصادية، أثار انتقادات وساهم في استنكار شعبي، حيث أشارت استطلاعات الرأي إلى رفض الأغلبية لسياساته المتعلقة بالتعريفات.[4] في الوقت نفسه، أشارت الإدارة إلى نواياها لتخفيضات ضريبية كبيرة، وُصفت بأنها قد تكون “الأكبر في التاريخ”، على الرغم من أن المقترحات الملموسة واجهت عقبات وتدقيقًا بشأن تأثيرها المالي المحتمل. [5]
تسريحات حكومية: شهد هيكل وعمل الحكومة الفيدرالية تحولات كبيرة، حيث سعى “ترامب” إلى تحقيق هدفه المتمثل في تقليص حجم ونفوذ البيروقراطية الفيدرالية، والذي غالبًا ما يُوصف بأنه تفكيك “الدولة الإدارية”، والذي تضمن جهودًا لخفض الإنفاق، وتقليص القوى العاملة، وتنصيب موالين. وقد جسّد هذا النهج المُزعزع في التدخل المثير للجدل مشاركة شخصيات مثل إيلون ماسك في التدقيق في إنفاق الوكالات. علاوة على ذلك، اتخذ “ترامب” خطوات لزيادة سلطته التنفيذية، متحديًا أحيانًا الرقابة القضائية ومُقيلًا المفتشين العامين، وهي إجراءات أثارت تحذيرات من تآكل الضوابط والتوازنات وقامت بتفكيك العديد من الوكالات وسرحت نحو 75,000 موظف في عرض أول “لخطة مفترق الطرق”.[6]
اتباع استراتيجية صادمة: في ولايته الثانية، قلب دونالد ترامب القاعدة التقليدية لبداية أي إدارة رئاسية رأسًا على عقب. فعلى عكس ما درجت عليه العادة، حيث يركز الرؤساء الجدد على تنفيذ سياسة محورية واحدة، اختار “ترامب” أن يتبنى نهجًا مختلفًا تمامًا: التحرك السريع والمتزامن على عدة جبهات. واتبع ما وصفه كبير مستشاريه السابق، ستيف بانون، بـ”إغراق الساحة بالفوضى”، من خلال سيل من الأوامر التنفيذية والمبادرات المفاجئة التي يصعب على الخصوم مواكبتها أو التصدي لها بشكل منسق. بدلًا من التركيز على قضية واحدة، أطلق “ترامب” سلسلة من الإجراءات المثيرة للجدل، من أبرزها:
- إنهاء حق المواطنة بالولادة (أي حرمان أبناء المهاجرين غير النظاميين من الجنسية تلقائيًا)
- تفكيك وزارة التعليم وتفويض الصلاحيات التعليمية إلى الولايات
- إعادة هيكلة وزارة الصحة والخدمات
- فرض تعريفات جمركية واسعة النطاق على الصين وكندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي، ضمن استراتيجية “أمريكا أولًا”
- استهداف برامج التنوع والاندماج في الجامعات وفرض قيود على التمويل الفيدرالي المخصص لها
- استئناف تحصيل قروض الطلاب المتعثرة، وإلغاء مبادرات الإعفاء التي أطلقتها إدارات سابقة
- تعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم، إلى جانب فرض نماذج انضباط صارمة في المدارس
انقسام حاد في الرأي العام: هذه السرعة في صنع القرار والسياسات، وإن أبهرت أنصاره، فقد أحدثت انقسامًا واسعًا في صفوف الناخبين الأمريكيين. فرغم بقاء نسب التأييد له مرتفعة داخل القاعدة الجمهورية ومؤيدي “لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا”، تعد نسبة الرضا العامة عنه الأدنى لأي رئيس أمريكي بعد 100 يوم في الحكم منذ أكثر من ثمانية عقود. وعكس رد الفعل العام على الأيام الـ 100 الأولى المضطربة، والتي تم قياسها من خلال استطلاعات الرأي في أواخر أبريل 2025، استياءً كبيرًا، وهو ما ظهر أيضًا بشكل مفاجئ في استطلاعات رأي نشرتها منصات مؤيدة للحزب الجمهوري، مثل “فوكس نيوز”، حيث أظهرت استياء النسبة الأكبر من المصوتين من إدارة حكومة “ترامب” لكافة القضايا بدون استثناء، مما يشير إلى انخفاض معدلات الموافقة على الرئيس إلى مستوى قياسي في هذه المرحلة، حتى بين مؤيديه، وهي أيضًا أقل من تقييمات “ترامب” نفسه خلال فترة ولايته الأولى.[7] وفي استطلاعات رأي متعددة، تراوحت نسبة تأييد “ترامب” بين 40% و45%، وهي نسبة منخفضة بشكل ملحوظ في هذه المرحلة المبكرة.[8] [9] وبدا أن السخط العام مرتبط بسياسات محددة والنهج العام للإدارة، حيث أشارت استطلاعات الرأي إلى رفض الأغلبية لمبادرات مثل التعريفات الجمركية وتخفيضات الإنفاق الحكومي المقترحة. ومن المرجح أن يكون الحجم الهائل للإجراءات التنفيذية والتحديات للمعايير الراسخة قد ساهم في تراجع المشاعر العامة، حيث أعرب الناخبون عن قلقهم بشأن توجه الإدارة وتأثيرها على المؤسسات الديمقراطية.[10] [11] ورغم التزام نواب الحزب الجمهوري الصمت حتى الآن فإن استمرار تراجع شعبيته قد يدفع بعضهم إلى التخلي عنه، خاصة مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي في عام 2026.
توظيف الفوضى كسلاح: فكرة “إغراق الساحة بالفوضى” ارتبطت بترامب في ولايته الأولى، حيث استخدمها لتشويش المشهد العام، وتشويه الحقيقة، وصرف الانتباه عن الفضائح أو الإخفاقات مثل مزاعمه المتكررة بشأن فوزه بالانتخابات الرئاسية لعام 2020، أو وصفه وسائل الإعلام بـ”الأخبار الكاذبة”. لكن في النسخة الثانية من ترامب، تغيّر المضمون: لم تعد الغاية فقط التشويش الإعلامي، بل أصبحت التنفيذ العملي لسياسات مدروسة، مستلهمة مما يعرف بـ”مشروع 2025″ وهو خارطة طريق لوضع أجهزة الدولة الفيدرالية تحت سلطة رئاسية مباشرة، وإعادة تشكيل الإدارة الأمريكية بما يتناسب مع أولويات “ترامب” وفريقه.
ولاء حكومي: استخلص “ترامب” العبرة من أخطاء ولايته الأولى، إذ يتحرك بسرعة أكبر وعلى جبهات سياسية متعددة مقارنة بالمرة السابقة. وقد عززت ثقته في ذلك فريق مستشارين موالين له، بالإضافة إلى قرار المحكمة العليا الصادر العام الماضي الذي منح الرؤساء حصانة واسعة للأعمال التي يقومون بها أثناء توليهم المنصب. وتسارُع وتيرة تحركه لم يأت من فراغ؛ فقد تم إعداد مخططات مسبقة من قبل “معهد السياسات أمريكا أولًا” ومجموعة يقودها “مؤسسة هيريتيج”، وتُوجت بخطتهم “مشروع 2025”. وقد أصبح العديد من الأشخاص المرتبطين بهذه المنظمات مستشارين مقربين للرئيس بل وحتى أعضاء في حكومته. وأصبح “ترامب” محاطًا بمن لا يعارضه، ما يمنحه حرية أوسع في اتخاذ القرار دون مقاومة من داخل البيت الأبيض. ومنح إيلون ماسك صلاحيات شبه مطلقة لإعادة هيكلة الحكومة. وعد ماسك بخفض الإنفاق بمقدار 2 تريليون دولار، ثم خفّض الرقم إلى تريليون، والآن إلى 150 مليار فقط.
تفاقم التضخم: يمثل التضخم أحد أبرز العقبات خلال الـ 100 يوم الأولى من رئاسة “ترامب”، خاصة في ظل الارتفاع المستمر في أسعار المواد الغذائية والإسكان. ومع ذلك، لم يطرح الرئيس حتى الآن سياسات فعالة لمعالجة هذه الأزمة، بل إن إجراءاته المتعلقة بفرض الرسوم الجمركية وتشديد قوانين الهجرة قد تؤدي إلى تفاقم الوضع بدلًا من تحسينه. خلال ولايته السابقة، تكبّد المزارعون الأمريكيون خسائر فادحة نتيجة الرسوم الانتقامية التي فرضتها دول أخرى، ما أجبر الحكومة على دفع مليارات الدولارات كتعويضات لدعمهم. أما اليوم، فإن تطبيق سياسات هجرة أكثر صرامة يُنذر بتقليص عدد العاملين في قطاعات الزراعة ومعالجة الأغذية، مما قد يسهم في زيادة إضافية بأسعار البقالة. وقد ركز نهج “ترامب” إلى حد كبير حول استخدام الرسوم الجمركية كحل شامل لمختلف الأزمات غير أن هذا النهج تسبب في اضطراب كبير داخل الأسواق المالية، وأدى إلى توتر العلاقات مع الحلفاء والشركاء التجاريين للولايات المتحدة.
ثانيًا: السياسة الخارجية
تبرز السياسة الخارجية للرئيس دونالد ترامب العائد إلى المشهد الأمريكي كعلامة فارقة في عودة النزعة الإمبريالية، ولكن بأساليب معاصرة وأدوات أكثر تعقيدًا وخطورة. فمن أوكرانيا إلى غزة، ومن طموحات شراء جزيرة جرينلاند إلى دعوات ضم كندا والسيطرة على قناة بنما والعبور بلا مقابل من قناة السويس. تتشكل ملامح نظام عالمي جديد يعيد إلى الأذهان اتفاقية سايكس-بيكو عام 1916، حيث كانت خرائط النفوذ ترسم بمعزل عن إرادة الشعوب. وبينما تتشابك الأزمات الإقليمية والدولية، سعت إدارة الرئيس “ترامب” في 100 يوم فقط إلى فرض رؤية أحادية الجانب تقلص من دور الحلفاء والمؤسسات الدولية، وتعيد صياغة خريطة المصالح العالمية وفق منطق القوة، وليس الشرعية أو السيادة. وهو ما يجعل من الصعب تخيل كيف سيكون شكل الولايات المتحدة، والنظام الدولي، بعد أربع سنوات من الآن.
ركائز أساسية: بعد مرور 100 يوم على بداية الولاية الثانية للرئيس دونالد ترامب، بدأت ملامح عقيدته في السياسة الخارجية تتبلور بشكل واضح، تقوم هذه السياسة على ثلاث ركائز أساسية: أولًا، مبدأ “أمريكا أولًا” لا يُعد مجرد شعار، بل هو منظور شامل يرى أن الولايات المتحدة تقف في مواجهة بقية العالم ويجب أن تتصرف وفق مصالحها فقط، دون التزامات غير متكافئة. ثانيًا، أن أمريكا تتعرض للاستغلال من قبل الحلفاء والخصوم، ويجب تصحيح هذا الوضع عبر اتفاقيات جديدة أكثر نفعًا للولايات المتحدة. ثالثًا، التصعيد كأداة تفاوضية محسوبة. ولذلك من المتوقع أن تشهد السياسة الأمريكية تحت إدارة “ترامب” تحولًا عميقًا في انتشارها العسكري والدبلوماسي. فمن جهة، يسعى “ترامب” إلى تقليص الوجود الأمريكي التقليدي في مناطق مثل الشرق الأوسط وأوروبا، مع تعزيز الوجود في نصف الكرة الغربي والمحيط الهادئ. قد يتضمن ذلك إعادة تموضع القوات، وتوسيع مهام القيادة الشمالية لتشمل مكافحة عصابات المخدرات العابرة للحدود، خصوصًا تلك المرتبطة بالصين. أما في الشرق الأوسط، فيتجه “ترامب” إلى تبني نهج أكثر صرامة وتحيزًا لإسرائيل، قائم على جذب الاستثمارات وإبرام الصفقات التجارية والاستعانة بالقوى الإقليمية كوسطاء في النزاعات الدولية ومحاولة احتواء المخاطر الأمنية الداخلية مع التلويح بالقوة العسكرية. ويُظهر هذا النهج تركيزًا واضحًا على توازن القوى بدلًا من الاعتبارات الدبلوماسية أو المعايير التقليدية، ما يعكس تحوّلًا واقعيًا في نهج الولايات المتحدة تجاه المنطقة.
الشرق الأوسط بين التهجير والتفكيك: خلال الـ 100 يوم الأولى من ولايته الثانية، اتبعت إدارة “ترامب” نهجًا متناقضًا تجاه الشرق الأوسط، خاصة في تعاملها مع قطاع غزة والضفة الغربية. فقد بدأت بمحاولة فرض هدنة بين إسرائيل وحماس، لكن ما لبثت أن تخلت عن هذا المسار، مانحة إسرائيل حرية شبه مطلقة في عملياتها العسكرية، متجاهلة جهود وقف إطلاق النار التي كانت ستضعها في صدام مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. هذا التردد أدى إلى فشل الإدارة في تحقيق أهدافها المعلنة كهزيمة حماس أو استعادة الرهائن. كما أثارت دعوات “ترامب” لتحويل غزة إلى “ريفييرا الشرق الأوسط” عبر تهجير سكانها ردود فعل غاضبة عربيًا ودوليًا. وفي الضفة الغربية، عززت الإدارة موقفها المنحاز بشكل واضح لإسرائيل بإلغاء عقوبات على المستوطنين، ورفع الحظر عن شحنات أسلحة ثقيلة، متجاهلة قرارات الشرعية الدولية، ورافضة ممارسة أي ضغط حقيقي باتجاه حل الدولتين. وتركزت الجهود الدبلوماسية للإدارة على مشروع التطبيع العربي الإسرائيلي، مع إهمال واضح لأي تحرك جاد نحو عملية السلام وحل الدولتين.
وفيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، بدأت إدارة “ترامب” الثانية بمفاوضات غير مباشرة مع طهران، بعد سبع سنوات من انسحابها السابق في 2018 من الاتفاق النووي لعام 2015. وجاء هذا التغير في سياق إقليمي متوتر، تميز بتصعيد عسكري إسرائيلي ضد طهران ووكلائها في المنطقة، وتدهور اقتصادي في إيران، وسقوط نظام الأسد في سوريا وتولي زعيم جبهة النصرة السابق أحمد الشرع رئاسة البلاد. هذه التطورات دفعت طهران إلى إعادة تقييم خياراتها، لتبدأ مفاوضات في 12 أبريل بوساطة عمانية. وبينما هدد “ترامب” بالتصعيد العسكري إذا فشلت المفاوضات، وأظهرت إدارته مرونة برجماتية تمثلت في قبول محتمل ببرنامج نووي مدني محدود داخل إيران. هذه البراجماتية هدفت إلى تحقيق اختراق دبلوماسي يعزز موقع واشنطن إقليميًا، رغم التحديات المتوقعة من الحكومة الإسرائيلية التي تريد توجيه ضربات مباشرة للمواقع النووية في طهران.
التصعيد في استخدام القوة العسكرية: خلال الـ 100 يوم الأولى من ولايته الثانية، أظهر الرئيس “ترامب” ميلًا متزايدًا للاعتماد على القوة الجوية عند اتخاذ قرار باستخدام القوة العسكرية في الخارج. فقد شنت إدارته ضربات جوية محدودة في الصومال، وحملة جوية طويلة ضد الحوثيين في اليمن، وهدد بضربات مباشرة ضد إيران في حال فشل المفاوضات النووية. والاعتماد على القوة الجوية يبدو منطقيًا من منظور “ترامب”، باعتبارها أقل كلفة وأقل خسائر بشرية مقارنة بالحروب البرية، ما يجعلها خيارًا جذابًا للرؤساء الأمريكيين، خاصة لمن يصف نفسه بأنه “رئيس مناهض للحروب”. لكن هذا النهج يواجه خطر الوقوع في ما يُعرف بـ”فخ القوة الجوية”، حيث لا تكون الأهداف المعلنة قابلة للتحقيق عبر الضربات الجوية وحدها، مما قد يدفع إلى تصعيد تدريجي يُفضي إلى تدخل بري، كما حصل مع رؤساء سابقين مثل جونسون في فيتنام، وكلينتون في البلقان، وأوباما في سوريا والعراق. وبالنظر إلى ذلك كان أمام “ترامب” خياران، الأول المضي في التصعيد نحو حرب أوسع، والثاني السعي نحو حل تفاضي. ويبدو إعلان ترامب يوم 6 مايو بوقف الضربات ضد الحوثيين أنه ربما يتجه إلى الخيار الثاني وإن كان الخيار الأول لا يزال قائمًا إذا فشل التفاوض في الوصول إلى النتائج المرضية له.
إعادة ترسيم العالم دون الشعوب: تُعيد توجهات السياسة الخارجية للرئيس “ترامب” إلى الأذهان ملامح اتفاقية سايكس بيكو عام 1916، حين عمدت بريطانيا وفرنسا إلى تقاسم مناطق النفوذ في الشرق الأوسط متجاهلتين إرادة الشعوب. والآن تسعى إدارة “ترامب” الثانية إلى إعادة إنتاج هذا النموذج، ولكن على نطاق دولي واسع. ففي الشرق الأوسط، تجلى هذا التوجه بوضوح في القرارات الأحادية بشأن قطاع غزة، حيث تجاهلت واشنطن بالكامل القانون الدولي والإجماع الإقليمي، لتمنح شرعية مفروضة بالقوة لدولة الاحتلال الإسرائيلي ودعمها في حرب الإبادة وتهجير الفلسطينيين. أما في كندا، فقد فجرت تصريحات “ترامب” حول إعادة التفاوض بشأن “السيادة الاقتصادية” والرسوم العقابية خلافًا عميقًا مع أوتاوا، وأسهمت في تغيير المزاج السياسي الذي أضعف الأحزاب الحليفة لواشنطن في الانتخابات الفيدرالية. كما لم يتردد “ترامب” في طرح فكرة شراء جزيرة جرينلاند من الدنمارك، متعاملًا معها كما لو كانت أرضًا متاحة للبيع. كل هذا يُشير إلى استراتيجية تستثمر في الانقسامات الوطنية لتحقيق مكاسب جيوسياسية.
وعلى الصعيد الدولي، يأتي انسحاب “ترامب” المتكرر من الاتفاقيات متعددة الأطراف—من اتفاق باريس للمناخ، إلى منظمة الصحة العالمية، وحتى إعادة التشكيك في شرعية الأمم المتحدة ليؤكد رفضه لمبدأ التعددية كأساس للنظام العالمي. هذا التوجه يُمهّد الطريق لنظام جديد يقوم على فرض الوقائع بالقوة الاقتصادية (عبر العقوبات والرسوم الجمركية)، والسياسية (عبر الاعتراف الأحادي مثلما حدث في القدس والجولان)، بل وحتى عبر التهديدات العسكرية كما يحدث في الشرق الأوسط بداية من غزة مرورًا بالحوثيين وانتهاءً بطهران. بذلك، لا يعيد “ترامب” رسم خرائط الجغرافيا فقط، بل يعيد تعريف قواعد اللعبة الدولية، بما يشبه “سايكس بيكو معولمة” لا تُبنى على خرائط استعمارية، بل على خطوط النفوذ والنزاعات.
تسوية قسرية في أوكرانيا: في ملف أوكرانيا، أوفى “ترامب” بوعده عبر تسريع الجهود الدبلوماسية. وحاول دفع العملية السياسية قدمًا عبر زيارات ولقاءات قام بها وزير الخارجية ماركو روبيو، ومستشار الأمن القومي السابق مايك والتز، والمبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، مع مسؤولين أوكرانيين وروس وأوروبيين عدة مرات في عواصم مختلفة لدفع المفاوضات. وعلى الرغم من أن “ترامب” قد دافع عن فكرة إنهاء الصراع بسرعة، لكن ما تكشف خلال تصريحاته ومواقف مستشاريه هو توجهه نحو وقف المساعدات العسكرية التي تقدمها الولايات المتحدة لأوكرانيا، مما يعنى فعليًا الضغط على كييف للقبول بتسوية تقضي بتنازلها عن شبة جزيرة القرم والأراضي التي احتلتها روسيا. وتجسد هذا الموقف في المفاوضات الأمريكية-الروسية التي جرت في السعودية، والتي تمت دون مشاركة أوكرانية أو أوروبية.
ورغم أن الولايات المتحدة قد قدمت أكثر من 75 مليار دولار كمساعدات عسكرية لأوكرانيا منذ بداية الحرب في فبراير 2022 فإن “ترامب” أبدى صراحة عزمه على إيقاف هذه المساعدات، مقابل إبرام اتفاق جديد واسع النطاق مع أوكرانيا للاستفادة من معادنها النادرة وموارد الطاقة الحيوية، يشمل جميع الموارد المعدنية، بما في ذلك النفط والغاز، فضلًا عن أصول قطاع الطاقة الرئيسية في الأراضي الأوكرانية، وذلك مقابل ضمان استمرار المساعدات العسكرية وتعويضًا عن الدعم العسكري والمالي الأمريكي السابق لأوكرانيا.
وقد عمد “ترامب” إلى استخدام المساعدات العسكرية والاستخباراتية للضغط على الحكومة الأوكرانية من أجل التنازل عن الأراضي دون ضمانات أمنية. مقابل توصل إدارته إلى اتفاق سري مع روسيا يتعلق بالمعادن النادرة، يمنح الشركات الأمريكية امتيازات واسعة في استيراد معادن استراتيجية من مناطق خاضعة للنفوذ الروسي، بما في ذلك بعض المناطق المتنازع عليها في أوكرانيا. كما انحازت إدارة “ترامب” الثانية إلى روسيا مرتين خلال التصويت في الأمم المتحدة بمناسبة الذكرى الثالثة للغزو الروسي لأوكرانيا، وهو ما أثار استغرابًا واسعًا بين الحلفاء الغربيين. في المرة الأولى، صوتت الولايات المتحدة ضد مشروع قرار أوروبي في الجمعية العامة يدين الغزو الروسي ويؤكد على وحدة الأراضي الأوكرانية، لتنضم بذلك إلى روسيا ودول مثل كوريا الشمالية وبيلاروسيا في موقف غير مسبوق بالنسبة لواشنطن. وفي خطوة ثانية عززت هذا التوجه، صاغت الولايات المتحدة مشروع قرار في مجلس الأمن يدعو إلى إنهاء الصراع، لكنه خلا تمامًا من أي إدانة لروسيا أو تحميلها مسؤولية الغزو.
أطماع توسعية في نصف الكرة الغربي: تجاوزت طموحات الرئيس “ترامب” حدود مناطق النزاع التقليدية لتعكس نزعة توسعية واضحة، إذ أثار الجدل بإعلانه نية ضم كندا لتصبح الولاية الأمريكية الحادية والخمسين، بالإضافة إلى رغبته المعلنة في شراء جزيرة جرينلاند. ينظر “ترامب” إلى كندا بوصفها خزانًا عالميًا للموارد الطبيعية، خصوصًا المعادن الأساسية والثمينة، والعناصر الأرضية النادرة التي تدخل في الصناعات التكنولوجية المتقدمة، من البطاريات الكهربائية إلى الطاقة المتجددة. هذا الطموح قوبل برفض كندي صارم، دفع رئيس الوزراء مارك كارني إلى إعلان نهاية “عصر التكامل العميق” مع واشنطن، مؤكدًا التوجه نحو تعزيز الاستقلال الاقتصادي والأمني، والتقارب مع الاتحاد الأوروبي.
في موازاة تطلعاته تجاه كندا، أولى “ترامب” أهمية استراتيجية متزايدة لجزيرة جرينلاند، الواقعة على تقاطع شمال الأطلسي والقطب الشمالي، حيث تتقاطع مصالح واشنطن مع طموحات روسيا والصين. تحتوي جرينلاند على كم هائل من المعادن النادرة والوقود الأحفوري، وقد أظهرت دراسة عام 2023 أنها تضم 25 من أصل 34 معدنًا تعتبرها أوروبا “مواد خام حيوية”. ومع تصاعد التنافس العالمي على تقنيات الذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة، ترى إدارة “ترامب” في جرينلاند بوابة لتعزيز الهيمنة الأميركية في القطب الشمالي، وضمان السيطرة على الممرات التجارية المستقبلية.
أما في أمريكا اللاتينية، فركز “ترامب” على قناة بنما باعتبارها نقطة ارتكاز استراتيجي في مواجهة الصين. فرغم عدم استعادة السيطرة المباشرة على القناة، إلا أنه صعد ضغوطه على الحكومة البنمية للحد من النفوذ التجاري الصيني، خاصة بعد اتهامه الكيانات الصينية بفرض رسوم غير عادلة على السفن الأمريكية[12]. وأعقب هذه التصريحات زيارة وزير الخارجية ماركو روبيو إلى بنما، تمهيدًا لشراكة أمنية واقتصادية جديدة. وفي أعقاب زيارة روبيو، أعلن الرئيس البنمي خوسيه راؤول مولينو أن بلاده لن تُجدد مذكرة التفاهم الخاصة بانضمامها إلى مبادرة “الحزام والطريق” الصينية، في خطوة اعتُبرت تقاربًا أوضح مع واشنطن. ولكنه نفى مزاعم وزارة الخارجية الأمريكية بشأن وجود اتفاق يسمح للسفن الحربية الأمريكية بعبور قناة بنما مجانًا. [13]
عودة أمريكا اللاتينية إلى صدارة أجندة ترامب: بعد مرور 100 يوم على بدء ولاية “ترامب” الثانية، برزت أمريكا اللاتينية كمحور أساسي في السياسة الخارجية الأميركية، نتيجة لتقاطع اعتبارات انتخابية داخلية وأولويات أمنية متزايدة. فقد عين الرئيس “ترامب” وزير الخارجية ماركو روبيو، المعروف بمواقفه المتشددة تجاه أمريكا اللاتينية، وأوكل إليه تعزيز النفوذ الأميركي في المنطقة عبر مقاربة تجمع بين الدعم الانتقائي والترهيب السياسي والاقتصادي. ففي الوقت الذي قدمت فيه واشنطن امتيازات وتسهيلات لقادة يوصفون بـ”المتعاونين” مثل رئيس السلفادور نجيب بوكيلة ورئيس الأرجنتين خافيير ميلي، لم تتردد الإدارة في استخدام العقوبات والضغوط ضد حكومات أخرى كالمكسيك وكولومبيا، التي لم تُبدِ الحماسة الكافية لنهج “أميركا أولًا”. هذا التصعيد لم يكن نابعًا فقط من الحسابات الجيوسياسية، بل من عوامل داخلية تتعلق بملفات الهجرة غير النظامية، وتفشي عصابات الجريمة المنظمة، وتنامي تهريب الفنتانيل والكوكايين، وهي قضايا تُغذي الخطاب الانتخابي لترامب وتثير قلق قاعدته الانتخابية.
الإهمال المتعمد لأفريقيا: تشهد إفريقيا تراجعًا ملحوظًا في الاهتمام الأمريكي بمصالحها تحت إدارة الرئيس ترامب، الذي لم يمنح القارة أولوية تذكر خلال الـ 100 يوم الأولى من ولايته الثانية. فقد أُلغيت برامج مساعدات تنموية كبرى مثل USAID ومؤسسة تحدي الألفية، مما عرض ملايين الأفارقة لخطر الفقر المدقع. ورغم تصريحات مستشاريه بأن “ترامب” يقدر أفريقيا، فإن السياسات المتبعة، كاحتمال التخلي عن تجديد “قانون النمو والفرص في أفريقيا” (AGOA) تشير إلى عكس ذلك. كما أظهرت وثيقة “مشروع 2025” توجهًا نحو استبدال المساعدات المباشرة بتعزيز اقتصاد السوق، وهو ما تُرجم إلى قرارات قاسية تمثلت في تفكيك مفاجئ لوكالة التنمية الدولية عبر وزارة “كفاءة الحكومة” التابعة لإيلون ماسك. وتسببت هذه السياسات في أزمات إنسانية حادة، خاصة في مناطق النزاع مثل السودان وإثيوبيا ونيجيريا.
في الوقت نفسه، يسعى الرئيس “ترامب” إلى تقليص الحضور الدبلوماسي الأمريكي عالميًا، من خلال إغلاق نحو 30 سفارة وقنصلية، معظمها في إفريقيا، ضمن خطة لإعادة هيكلة وزارة الخارجية بحلول أكتوبر 2025، رغم نفي وزير الخارجية ماركو روبيو لذلك. فيما سيتم إغلاق بعثات دبلوماسية في دول مثل جنوب السودان والكونغو. كما أثار طرد سفير جنوب إفريقيا من واشنطن، توترًا في العلاقات، خاصة بعد تعليق المساعدات، بسبب أزمة المزارعين البيض وعلاقاتها مع إيران ورفع دعوى قضائية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بشأن منع الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة. واقتصاديًا، أثرت سياسات “ترامب” التجارية، ولا سيما فرض الرسوم الجمركية والانسحاب من الاتفاقيات متعددة الأطراف مثل الشراكة العابرة للمحيط الهادئ (TPP)، على قدرة الدول النامية على الوصول إلى السوق الأمريكية. وهذا الأمر ينطبق بشكل خاص على أفريقيا جنوب الصحراء، التي تعتمد بشكل كبير على تصدير السلع الأساسية والمنسوجات والسلع المصنعة إلى الولايات المتحدة.
رؤى متباينة وتوجهات متضاربة في آسيا: في مستهل ولايته الثانية، اتضحت ملامح سياسة الرئيس “ترامب” تجاه آسيا، وخصوصًا الصين، من خلال صراع داخلي بين دوائر مستشاريه وتوجهاته الشخصية المتقلبة. فقد انقسمت الإدارة بين تيار الصقور المتشدد بقيادة وزير الخارجية ماركو روبيو، يرى في الصين خصمًا وجوديًا ويطالب بمواجهة شاملة، وتيار واقعي استراتيجي يمثله نائب الرئيس جيه دي فانس، يفضل التركيز على ردع أي هجوم محتمل على تايوان. وعلى الجانب الاقتصادي، ظهر انقسام واضح بين مؤيدين لفرض رسوم جمركية صارمة، ومعارضين لهذه الرسوم مثل إيلون ماسك، الذي يخشى على الابتكار الأمريكي. وبين هذين التيارين، بدا “ترامب” نفسه متأرجحًا بين فرض الهيمنة الاقتصادية على الصين من خلال حرب تجارية شاملة، والسعي إلى شراكة ثنائية لصياغة نظام عالمي تقوده واشنطن وبكين.
السياسات الاقتصادية التي تبنتها إدارة “ترامب” تجلت في تصعيد تجاري متبادل مع بكين، حيث فرضت واشنطن رسومًا جمركية عالية على السلع الصينية، وردت الصين بإجراءات مماثلة شملت رسومًا مرتفعة وقيودًا على المعادن النادرة. وعلى الرغم من حديث “ترامب” عن مفاوضات نشطة، نفت بكين رسميًا وجود أي محادثات جارية، ونتيجة لهذه التوترات، تسارعت جهود الصين لفك الارتباط عن الاقتصاد الأمريكي، بتوسيع شراكاتها في آسيا، وإفريقيا، وأمريكا اللاتينية. هذا التحول أثار قلق الحلفاء التقليديين، حيث عبر قادة مثل رئيس وزراء أستراليا السابق ووزير الدفاع السنغافوري عن تغير نظرتهم إلى الولايات المتحدة، التي لم تعد تُرى كضامن للاستقرار بل كقوة متقلبة تطالب بالمقابل.
رغم هذا التراجع في الثقة، ظلت العلاقات الأمريكية-الهندية في حالة استقرار نسبي، مدعومة بعلاقة شخصية بين “ترامب” ورئيس الوزراء مودي. في المقابل، بدأت دول حليفة مثل اليابان وكوريا الجنوبية تعيد النظر في مدى اعتمادها على المظلة الأمنية الأمريكية، خاصة مع اقتراب انتخابات حاسمة في آسيا خلال عام 2025. هذا القلق المتزايد من التقلبات في السياسات الأمريكية جعل التهديد الصيني يبدو أقل خطورة مقارنة بعدم اليقين تجاه واشنطن.
تقويض العمل الإنساني العالمي: قلصت إدارة “ترامب” الثانية بشكل حاد من طموحات الولايات المتحدة في دعم التنمية الدولية، متخلية عن المسار الذي حاولت الإدارات السابقة رسمه عبر إصلاح النظام المالي العالمي ومساعدة الدول الفقيرة. فقد أعلنت واشنطن انسحابها من أهداف التنمية المستدامة، وفرضت تعريفات جمركية جديدة ستلحق الضرر بالاقتصادات الضعيفة. ورغم استمرار مشاركة الولايات المتحدة في مؤسسات مثل البنك الدولي وصندوق النقد، فإن إدارة “ترامب” باتت تفضل الصفقات الثنائية الضيقة على التعاون متعدد الأطراف. أما على الصعيد الإنساني، فقد شكل قرار تقليص المساعدات صدمة كبرى، إذ طال التمويل الأمريكي وكالات حيوية مثل برنامج الغذاء العالمي ومفوضية اللاجئين، التي كانت تعتمد بشكل كبير على الدعم الأمريكي لمواجهة تداعيات الحروب والكوارث المناخية.
الوسطاء الجدد: في ولايته الأولى، اختار الرئيس “ترامب” المملكة العربية السعودية لتكون وجهته الخارجية الأولى كرئيس للولايات المتحدة. وقد أسفرت تلك الزيارة في عام 2017 عن صفقة أسلحة بقيمة 110 مليارات دولار، وصفها المحللون بأنها كانت إعادة تأكيد على صفقات تم الاتفاق عليها سابقًا. في ولايته الثانية، وقبل الإعلان أنه سيحضر جنازة البابا فرانسيس كأول رحلة خارجية له، كان “ترامب” قد خطط لزيارة المملكة أولًا ضمن جولة إقليمية خلال شهر مايو الجاري. لكن الزيارة هذه المرة لا تقتصر على الجوانب الاقتصادية والاستثمارية فقط، بل تشمل نوعًا آخر من صفقات صنع القرار. فقد تبنت السعودية دورًا دبلوماسيًا دوليًا جديدًا، من خلال استضافتها عدة جولات من المحادثات المباشرة بين الولايات المتحدة وروسيا، بالإضافة إلى اجتماعات مع الجانب الأوكراني، في محاولة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار. كما عرضت الرياض استضافة قمة تجمع “ترامب” بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ختامًا، أدت الأيام الـ 100 الأولى من رئاسة دونالد ترامب الثانية إلى وتيرة متسارعة ودراماتيكية لتحويل السياسة الداخلية. وتميزت هذه الفترة بالاعتماد غير المسبوق على الأوامر التنفيذية والتحديات المباشرة للمعايير الحكومية، بما يُبرز عزم الرئيس على تنفيذ “أجندة 47” بسرعة، متجاوزًا في كثير من الأحيان المسارات التشريعية. وبينما سعت الإدارة جاهدةً لتحقيق أهدافها، أشار رد الفعل الشعبي، الذي انعكس في استطلاعات الرأي إلى استياء كبير. ومع مضي الإدارة قُدمًا، ستستمر العواقب طويلة المدى لهذه التحولات المبكرة وردود الفعل الشعبية في تشكيل المشهد السياسي.
أما على الصعيد الخارجي فترتكز السياسة الخارجية لرؤية الرئيس “ترامب” خلال 100 يوم على أن الولايات المتحدة يجب أن تنسحب من الالتزامات العالمية غير المتوازنة وتعيد توجيه سياستها الخارجية لخدمة مصالحها الخاصة فقط، بعيدًا عن مفاهيم التعاون الدولي أو القيادة العالمية التقليدية. لا يوجد اعتبار للحلفاء أو الأيديولوجيات، بل فقط المكاسب الملموسة للولايات المتحدة. ومن المتوقع خلال الأربع سنوات القادمة إعادة توزيع القوات الأمريكية عالميًا، مع تقليص الوجود في أوروبا والشرق الأوسط مقابل تعزيز الدفاع عن أراضي الولايات المتحدة ونصف الكرة الغربي، خاصة عبر التكنولوجيا. في المقابل، من النتائج غير المتوقعة لأول 100 يوم من رئاسة “ترامب” أنه أسهم في توحيد صفوف المجتمع الدولي، الذي أدرك أن الوقت قد حان لتنويع مراكز القوة والنفوذ في العالم. فلم تعد الولايات المتحدة اللاعب الأوحد على الساحة الدولية، بل إن أسلوب الإدارة الأمريكية في فرض الهيمنة أعاد إلى الأذهان ضرورة إعادة التوازن في النظام العالمي.
[1] “2017 Donald J. Trump Executive Orders”, Federal Register, https://www.federalregister.gov/presidential-documents/executive-orders/donald-trump/2017
[2] Doug Mills, Anna Rose Layden, Tyler Hicks, Graham Dickie, Eric Lee, Scott McIntyre, Michael A. McCoy, “How President Trump’s Second Term Is Changing”, The New York Times, April 30, 2025, https://www.nytimes.com/interactive/2025/04/28/us/trump-100-days-actions.html
[3] Carla Bleiker, “100 days of Trump: US faces dramatic transformation”, Deutsche Welle, April 28, 2025, https://www.dw.com/en/donald-trump-100-days-president-us-economy-tariffs-inflation-deportation-ukraine-putin-v2/a-72369565
[4] “Trump’s Job Rating Drops, Key Policies Draw Majority Disapproval as He Nears 100 Days”, Pew Research Center, April 23, 2025, https://www.pewresearch.org/politics/2025/04/23/trumps-job-rating-drops-key-policies-draw-majority-disapproval-as-he-nears-100-days/
[5] “Donald Trump’s first 100 days as president – daily updates”, The Guardian, April 30, 2025, https://www.theguardian.com/us-news/ng-interactive/2017/jan/20/donald-trump-first-100-days-president-daily-updates
[6] Ryan Teague Beckwith, “100 actions in 100 days: Trump’s second term follows a pattern of going it alone”, MSNBC, April 29, 2025, https://www.msnbc.com/opinion/msnbc-opinion/first-100-days-second-term-president-trump-newsletter-rcna202405
[7] Dana Blanton, “Fox News Poll: The first 100 days of President Trump’s second term”, Fox News, April 23, 2025, https://www.foxnews.com/official-polls/fox-news-poll-first-100-days-president-trumps-second-term
[8] “President Trump’s First 100 Days, April 2025”, Marist Poll, April 29, 2025, https://maristpoll.marist.edu/polls/president-trumps-first-100-days-april-2025/
[9] Sara Dorn, “Trump Approval Rating Tracker: Most Americans Think Trump Is Not Thinking Through Changes, New Poll Finds”, Forbes, April 28. 2025, https://www.forbes.com/sites/saradorn/2025/04/29/trump-approval-rating-tracker-most-americans-think-trump-is-not-thinking-through-changes-new-poll-finds/
[10] Savannah Kuchar, “Donald Trump’s approval rating takes a hit as he reaches 100 days: New polls”, USA Today, April 27, 2025, https://www.usatoday.com/story/news/politics/2025/04/27/trump-approval-ratings-historic-low/83310942007/
[11] Dan Balz, Scott Clement, Emily Guskin, “Trump approval sinks as Americans criticize his major policies, poll finds”, The Washington Post, April 27, 2025, https://www.washingtonpost.com/politics/2025/04/27/trump-poll-approval-rating-100-days/
[12] Trump Wants to ‘Take Back’ the Panama Canal. Why That’s Not So Simple, https://www.bloomberg.com/news/articles/2025-05-01/why-does-trump-want-the-panama-canal-back-and-can-he-take-it
[13] Panama Denies Making Deal to Allow Free Transit for U.S. Warships Through Canal, https://www.rferl.org/a/panama-canal-fees-mulino-rubio-china/33306341.html
Tallying President Trump’s first 100 days, https://www.washingtonpost.com/graphics/politics/trump-100-days-trackers/
Trump’s first 100 days, https://goldengatexpress.org/111647/politics/trumps-first-100-days/
An Unsustainable Presidency, https://www.theatlantic.com/politics/archive/2025/04/donald-trump-100-days/682636/
Trump’s First 100 Days: Creating an Imperial Presidency That Harms Americans, https://www.americanprogress.org/article/trumps-first-100-days-creating-an-imperial-presidency-that-harms-americans/
Trump’s First 100 Days, https://www.crisisgroup.org/united-states-global/trumps-first-100-days
The 141 executive orders Trump signed in his first 100 days, https://www.theguardian.com/us-news/2025/may/01/trump-executive-orders
Stand-out moments from Trump’s first 100 days — and what could come next, https://www.abc.net.au/news/2025-04-29/donald-trump-president-first-100-days/105186384
10 key numbers that sum up Trump’s first 100 days, https://www.wgbh.org/news/2025-04-29/10-key-numbers-that-sum-up-trumps-first-100-days
Debating Trump 2.0 and implications for Africa – “The future is extremely frightening”, https://www.swp-berlin.org/publikation/mta-spotlight-50-debating-trump-20-and-implications-for-africa
Trump scales back US diplomacy in Africa, https://www.dw.com/en/trump-scales-back-us-diplomacy-in-africa/a-72391480
President Trump wants the U.S. to use the Panama Canal for free, https://kyma.com/decision-2024/national-politics/2025/04/29/president-trump-wants-the-us-to-use-the-panama-canal-for-free/
Trump’s Turbulent First 100 Days: Views from Around the Globe, https://www.crisisgroup.org/global-united-states-internal/trumps-turbulent-first-100-days-views-around-globe
Commentary: The frenetic foreign policy of President Trump’s first 100 days, https://www.union-bulletin.com/opinion/opinion_columns/commentary-the-frenetic-foreign-policy-of-president-trump-s-first-100-days/article_e7cc3182-f88f-4c06-9d1d-72e36d34e727.html
What Is Trump’s Foreign-Policy Doctrine? https://foreignpolicy.com/2025/04/25/trump-foreign-policy-record-philosophy-us-allies-deals/
Four Explanatory Models for Trump’s Chaos, https://foreignpolicy.com/2025/04/24/trump-100-days-chaos-explanatory-models-foreign-policy/
Trump’s next 100 days will make the first 100 look tranquil, https://www.thetimes.com/us/american-politics/article/trumps-next-100-days-will-make-the-first-100-look-tranquil-grf7xppnl
One Hundred Days of Trump’s Foreign Policy: US Reputation and the World Order Take a Hit, https://arabcenterdc.org/resource/one-hundred-days-of-trumps-foreign-policy-us-reputation-and-the-world-order-take-a-hit/
Trump’s first 100 days, but who is counting? https://jamaica-gleaner.com/article/news/20250503/trumps-first-100-days-who-counting
In Trump’s first 100 days, Rubio takes on expansive role amid global crises, https://www.scrippsnews.com/politics/the-president/in-trumps-first-100-days-rubio-takes-on-expansive-role-amid-global-crises
Transition 2025: Donald Trump Builds His National Security Team, https://www.cfr.org/article/transition-2025-donald-trump-builds-his-national-security-team
National Security Resilience and Reform: Trump 2.0 and beyond, https://www.justsecurity.org/106146/national-security-resilience-reform/
A First Look at the Second Trump Administration’s National Security and Foreign Policy, https://www.bhfs.com/insights/alerts-articles/2025/a-first-look-at-the-second-trump-administration-s-national-security-and-foreign-policy
One Hundred Days that Shook US Foreign Policy, https://www.project-syndicate.org/commentary/sea-change-in-us-foreign-policy-in-first-trump-100-days-by-richard-haass-2025-05
100 Days of Solitude: Trump and the Retreat of America, https://www.nytimes.com/2025/05/01/world/europe/100-days-trump-us-foreign-policy.html
A Hundred Days In, Donald Trump Is Flailing, https://jacobin.com/2025/04/donald-trump-100-days-president
Where Trump’s major campaign promises stand after 100 days, https://thehill.com/policy/defense/5267775-trump-first-100-days/
The Situation: 100 Days, 100 Acts of Menace and Inanity, https://www.lawfaremedia.org/article/the-situation–100-days–100-acts-of-menace-and-inanity
Donald Trump’s Terrible, Horrible, No Good, Very Bad First Hundred Days On Foreign Policy, https://www.progressivepolicy.org/donald-trumps-terrible-horrible-no-good-very-bad-first-hundred-days-on-foreign-policy/
باحث بالمرصد المصري