
استقالة برائحة الغضب.. أمير قطر يُعيّن رئيس جديداً لمجلس الوزراء
لطالما ارتبطت التغييرات الحكومية في قمة هرم السلطة في دولة قطر بتحولات نوعية على صعيد السياسية الخارجية للإمارة، وتباعاً دورها الإقليمي المثير للجدل ولاسيما في محيطها العربي.
ففي العام 1972؛ تولى الشيخ خليفة بن حمد آل ثانى مقاليد الحكم فى دولة قطر بعد انقلابه على ابن عمه الشيخ أحمد بن على آل ثاني. وفي منتصف عام 1995 انقلب الابن علي الاب، ليتولي الشيخ حمد بن خليفة حكم البلاد، حتي يونيو من العام 2013، إثر تنازله عن الحكم لابنه الشيخ تميم بن حمد.
الاستدارات الحادة للسياسية الخارجية لدولة قطر، كانت أسيرة وقع هذه التغييرات في قمة هرم السلطة، فعلي سبيل المثال، انتهجت قطر سياسة إيجابية أكثر نشاطاً في الملف السوري وديناميكيات الحرب الدائرة هناك، ولاسيما منذ معركة القُصير2013، أهم معارك الصراع السوري، التي حسمت بشكل كبير دفة الحرب لصالح الحكومة السورية وحلفائها قُبيل معركتي “تدمر – حلب”. تعاظم النشاط القطري الداعم لتنظيمات الإرهاب وخاصة في المناطق القريبة من العاصمة دمشق ومدن الشمال السوري المتاخمة للحدود السورية التركية، وظهر بصورة جلية التموضع القطري في المحاور الإقليمية، إذ شغلت موضعاً مؤثراً في محور “تركيا – إيران”، الرامي لشغل مناطق الفراغ الاستراتيجي في الإقليم علي حساب المكون العربي.
هذا التموضع ما كان لقطر إلا بوجود قيادة لها أجندتها الخاصة، تأتِ في سياقات انقلابية، لتؤثر بشكل كبير في التطورات السياسية بالمنطقة ولاسيما تلك المتعلقة بالصراعات المسلحة وتنافس المحاور الإقليمية.
استقالة مفاجئة أم خطوة متوقعة بعد ما قيل في مجلس خاص؟
أعلنت وكالة الأنباء القطرية، صباح اليوم، الثلاثاء، بقبول استقالة الشيخ عبدالله بن ناصر بن خليفة آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء، وتعيين الشيخ خالد بن خليفة بن عبدالعزيز آل ثاني، رئيسا لمجلس الوزراء، ووزيراً للداخلية.
أثارت “الأوامر الأميرية” الكثير من التساؤلات والتكهنات، بشأن الأسباب والسرّ الكامن ورائها.
ورغم أن دور رئيس الوزراء لم يكن مؤثرا بشكل كبير في تسيير دفة الحكم في قطر، وبالكاد يقتصر نشاطه السياسي على تمثيل أمير البلاد في قمم إقليمية، والتنفيذي في الإشراف علي عمل الوزرات والهيئات الحكومية الأخرى، إلا أن استقالة الشيخ عبدالله بن ناصر، أدخلته للأضواء مجدداً، بعد مضيّه 7 أعوام رئيسا لمجلس الوزراء.
أُعلِن في قطر في ديسمبر الماضي، وفاة والدة رئيس الوزراء القطري، وكان العزاء بالعاصمة الدوحة. أفادت تقارير بأن رئيس الوزراء الشيخ عبدالله بن ناصر، عبّر عن توجسه وامتعاضه من التواجد التركي في البلاد، بالتزامن مع ورود تقارير أخري تتحدث بالوثائق عن سماح الدوحة لتركيا بإجراء أنشطة استخباراتية في البلاد انطلاقا من قاعدتها العسكرية، في اختراق سافر لأدبيات السيادة الوطنية.
كما قال الشيخ فهد بن عبد الله آل أحمد آل ثاني، وهو أحد أعضاء الأسرة الحاكمة في قطر، لأمير قطر عبر تغريدة على موقع تويتر: ”الشيخ عبدالله بن ناصر رجل دولة وما قاله في مجلس خاص بخصوص ضرر وتواجد القوات التركية التي اضرت قطر وأهلها لا يستحق الإعفاء بهذه الطريقة سـمو الأمير“.
في هذه الأثناء اتجهت الأنظار نحو رئيس الوزراء الجديد، الشيخ خالد بن خليفة آل ثاني، فمن هو، وماذا كان يشغل قبل تعيينه برئاسة الوزراء؟
قضايا فساد رياضي .. هكذا تناولته الجارديان البريطانية
شغل خالد بن خليفة بن عبد العزيز آل ثاني منصب رئيس الديوان الأميري في 11 نوفمبر 2014، وكان قبل ذلك مديراً لمكتب الشيخ تميم منذ توليه السلطة. وهو من مواليد الدوحة عام 1968، وفيها تلقى تعليمه ما قبل الجامعي، فيما حصل على درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال من الولايات المتحدة الأميركية عام 1993.
التحق في بداية عمله بشركة قطر للغاز المسال المحدودة وعمل فيها حتى 2002، لينتقل بعدها للعمل في مكتب النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، وزير الخارجية، (2002-2006).
وفي مارس 2006 التحق بالعمل في الديوان الأميري بمكتب ولي العهد آنذاك تميم، وعُيّن مديراً لمكتب السكرتير الخاص للشيخ تميم في 11 يوليو 2006، إلى أن تولى منصب مدير مكتب ولي العهد آنذاك الشيخ تميم في 9 يناير 2007.
الجدير بالذكر، أن تحقيق صحافي أجراه موقع “ميديا بارت” الفرنسي وصحيفة “الغارديان” الإنجليزية، كشف أن رئيس ديوان الشيخ تميم بن حمد أمير قطر الشيخ خالد بن خليفة بن عبدالعزيز آل ثاني الذي أسند له، اليوم الثلاثاء، منصب رئاسة مجلس الوزراء، بالإضافة لتوليه وزارة الداخلية أيضا قد تورط في قضايا فساد رياضية، منها شراء حقوق بثّ بطولات ألعاب العالم للقوى، مقابل منح الدوحة تنظيم نسخة العام الحالي.
وتم اتهام ناصر الخليفي، رئيس نادي باريس سان جيرمان بتحويل مبالغ مالية إلى شركة بابا ماساتا دياك ابن لامين دياك، رئيس الاتحاد الدولي لألعاب القوى، لشراء حقوق بث المسابقات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مقابل حصول قطر على تنظيم النسخة التي ستجرى العام الحالي.
وأظهرت رسائل بين بابا ماساتا والشيخ خالد آل ثاني، رئيس الديوان الأميري، حول تحويل مبلغ يقارب 5 ملايين دولار، يحصل منها بابا ماساتا على 440 ألف دولار أميركي نقداً.
وظهرت رسالة إلكترونية مرسلة من بابا ماساتا إلى رئيس الديوان الأميري القطري، جاء فيها: عزيزي الشيخ خالد، أشكرك مرة أخرى على حسن الاستقبال والضيافة أثناء زيارتي للدوحة، تجدون في المرفقات المعلومات البنكية من أجل تحويل 4.5 مليون دولار، ويجب تسليمها على النحو المتفق عليه: مبلغ 440 ألفاً نقداً تبقى في الدوحة، وسآتي للحصول عليها في المرة القادمة. مع تشديد دياك على تحويل المبلغ بشكل عاجل لإنهاء “الأمور” مع الرئيس. وهو على الأرجح والده لامين دياك، رئيس الاتحاد الدولي لألعاب القوى.
وبعد 8 أيام من تلك الرسالة، حولت شركة ” Oryx QSI” المملوكة لناصر الخليفي وأخيه 3.5 مليون دولار إلى حساب شركة في السنغال تعود ملكيتها إلى بابا ماساتا دياك.

يُصنّف رئيس الوزراء الجديد من جوقة الحرس القديم في الدوحة، المناوئ لسياسات الرباعي العربي، كما تشير السياقات السابقة إلى توافق دائرة صنع القرار في الدوحة حول الاستعانة بالمساعدين المقربين من الشيخ تميم وأبيه أيضاً.
هل يؤثر التغيير القطري الأخير علي ملفات السياسة الخارجية؟
النظام الأميري في الدوحة، عادة لا يوفر مساحة كبري لمنصب رئيس الوزراء في رسم السياسات العامة والخارجية، باستثناء حالة التوافق بين الأمير السابق، حمد بن خليفة، ورئيس الوزراء آنذاك حمد بن جاسم، الذي تولي أيضاً حقيبة الخارجية، وقاد انطلاقة قطر علي الساحة المالية العالمية وعلي صعيد السياسة الإقليمية.
لكن، من الصعب التغافل عن التقارير التي تحدثت سابقاً عن دعم رئيس الوزراء المُقال، لجهود المصالحة مع الرباعي العربي، ولاسيما بعد الزيارة السرية لوزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، للسعودية نهاية العام الماضي. كما ترأس رئيس الوزراء المقال، الوفد القطري في القمة الخليجية ديسمبر الماضي وتم استقباله بالمملكة السعودية بحفاوة.
وكان موقع “ميدل إيست أون لاين”، نقل عن عدة تقارير أن رئيس الوزراء القطري المستقيل عبد الله بن ناصر كان من بين المؤيدين للمصالحة مع دول الرباعي العربي. وآنذاك صدرت إشارات متضاربة من قطر حول إمكانية حدوث مصالحة، لكن القمة انتهت دون نتيجة، لعدم امتثال دولة قطر لقائمة مطالب الرباعي.
من الممكن عدّ اختيار أمير دولة قطر للشيخ خالد آل ثاني، لمنصب رئيس الوزراء والداخلية، علي إصرار الإمارة علي المضي قدماً في سياساتها الخارجية، وتعزيز تموضعها بين محور تركيا – إيران، الرامي لشغل مناطق الفراغ الاستراتيجي بالجناح الشرقي للمنطقة العربية، وإقصاء المكون العربي الوطني، وإحباط وتقويض مشروع الدولة الوطنية.