الصحافة الدولية

فورين بوليسي الأمريكية: مشروع قناة إسطنبول الجديدة سيكلف “أردوغان” ثمنا غاليا في انتخابات 2023

النقاش يحتدم في الداخل التركي وسط رفع “إكرام إمام أوغلو”، رئيس بلدية إسطنبول، شعاراً يحمل طابعاً عاطفياً بعنوان “إما القناة أو إسطنبول”، وهو شعار استطاع من خلاله أن يلتف العديد من حوله ضد حملة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لبناء قناة إسطنبول الجديدة، وهو الأمر الذي يهدد حملة أردوغان الرئاسية أمام منافسه والمرشح المحتمل إكرام إمام أوغلو، وهو ما تناوله الكاتب “كان سيلكوكي”، مدير مركز إسطنبول للأبحاث الاقتصادية، في مجلة “فورين بوليسي” بعنوان “في تركيا.. المعركة على البينة التحتية يمكن أن تشكل السبق الرئاسي القادم”.

ويرى الكاتب تماثل الحجج العاطفية للحجج العقلانية في السياسة، وهو ما ينتهجه رئيس بلدة إسطنبول حول مشروع البنية التحتية لقناة إسطنبول، واعتبر الأمر تهديداً لأردوغان إذا ما فقد هذا النقاش المحتدم، وسيكلفه ثمناً غالياً في انتخابات 2023.

حلم أردوغان “تأييد جديد ومعارضة قديمة”

ذكر سيلكوكي، أن المشروع الذي يصفه أردوغان بالحلم في محاولة للتأثير والاستقطاب الإيديولوجي للشعب التركي، ويسانده في ذلك رئيس حزب الحركة القومية التركي دولت بهلجي، ووصف من أجله المعارضين بـ “غير العقلانيين” للمشروع بأنهم غير وطنيين، هو ذاته المشروع الذي انتقداه في السابق؛ ففي مفارقة تاريخية عندما قدم رئيس الوزراء السابق بولنت أجاويد الفكرة في عام 1994 وكان عضواً في البرلمان وقتها، واعترض أردوغان، عندما كان مرشحًا لمنصب رئيس البلدية في إسطنبول آنذاك، بشكل قوي على المشروع. وبالمثل، وصف بهلجي القناة عام 2011 عندما تم تقديمه لأول مرة من قبل أردوغان بأنها “مشروع مجنون سيسهل من عملية السرقة”، باعتباره كان لا يزال في صفوف المعارضة.

قناة إسطنبول الجديدة بين الواقع والمأمول

يعرف عن أردوغان شغفه ببناء العديد من مشروعات البنية التحتية الكبيرة والمتمثلة في بناء أكبر مطار في إسطنبول على سبيل المثال، وهو ما ساعده على الفوز في الانتخابات السابقة بشكل كبير على حد وصف الكاتب، وهو ما يختلف عن الوضع الحالي في تركيا وسط الاقتصاد الهش في ظل معدل بطالة يبلغ 14%، وزيادة فرض الضرائب، وهو ما يضع أردوغان أمام تحدياً كبيراً يتعين عليه إقناع الشعب التركي ذو الوعي المتزايد حول فاعلية المشروع ومدى تأثيره بيئياً وكيفية تخصيص موارد له، واصفاً الأمر بأنه “لا مجال للمناورة”.

 جاءت فكرة المشروع في العام 2011، وتم تجميدها ثم عادت للظهور مرة أخرى بتكلفة تصل إلى 15 مليار دولار، وتم إحياء المشروع عقب قيام وزير النقل التركي، محمد شيت تورهان في 28 نوفمبر الماضي عن بدء منح عقود بناء القناة في القريب العاجل، وذلك من أجل حفر القناة التي تربط البحر الأسود ببحر مرمرة، بموازاة مضيف البسفور من أجل بناء ما يسمى بـ “البسفور الجديد”، من أجل تنظيم مرور السفن عبر المضيق بموجب اتفاقية مونترو.

ومن المتوقع طبقاً لما وصفه الكاتب بادعاءات الحكومة التركية أن تؤدي القناة الجديدة إلى الغرب من المدينة إلى تقليل حركة المرور عبر مضيق البوسفور وتخفيف المخاطر الناتجة عن هذه الحركة، وأن المشروع سيمكن من إنشاء مدينة على طول ضفاف القناة تضم حوالي 500 ألف شخص، ومن المقرر أن يتم استخدام التربة المستبدلة في إنشاء جزر اصطناعية.

القناة الجديدة تمثل تهديداً وعواقب عسكرية واقتصادية وبيئية على تركيا

من المتوقع أن يشكل المشروع عواقب طويلة الأمد على البيئة والاقتصاد لا يمكن الرجعة فيها، هذا بالإضافة إلى التهديدات العسكرية، فبمجرد حفر القناة، في الجانب العسكري ستصبح مدينة إسطنبول القديمة جزيرة فعليًا، والتي وصفها إمام أوغلو مؤخرًا بأنها ستجعل “المدينة بلا حماية” في حالة وجود تهديد عسكري، وعليه يجب نشر القوات في “الجزيرة” إما من خلال الجسور فوق القناة أو البوسفور.

كما تلقى القناة تهديدات بيئية إلى جانب عدم وضوح العائد المادي، فيشير تقييم التأثير البيئي للقناة إلى تأثر نحو 200,878 شجرة وحدها خلال عملية تنفيذ المشروع التي مدتها سبع سنوات، كما سيتم إجراء 360 انفجارًا في المتوسط ​​سنويًا، وسيتم استخدام حوالي 4000 طن من زيت نترات الأمونيوم، وفقًا لخبراء جيولوجيين. وهو ما يمثل تحدياً أمام أردوغان لقبول الشعب التركي الأمر وسط معارضة إمام أوغلو للأمر. 

ويرى الكاتب أن الحجج البيئية التي يتناولها حزب المعارضة للمشروع هي الأكثر تأثيراً، والتي تحتاج إلى تقديم أدلة أكثر تفصيلية في المستقبل، مع قيام إمام أوغلو بالتركيز على النتائج السلبية والتناقضات الفنية والبيئية، من خلال الاهتمام بحجم الحقول الزراعية التي سيتم فقدها، وتدمير النباتات في المدينة، وهو ما دفع الآلاف من سكان إسطنبول إلى الذهاب لمديرية البيئة والتوسع الحضري في إسطنبول لتقديم طلبات ضد تقييم الأثر البيئي للمشروع، والذي سبق وان قالت حكومة أردوغان بان نتائج تقييم الأثر البيئي جاءت إيجابية.

أما عن الجانب الاقتصادي، يرى تورهان أن العائدات الأولية من السفن التي تمر عبر القناة ستكون مليار دولار سنويًا، وهو رقم من الصعب تبريره نظراً لأن السبب الذي يجعل السفن تفضل القناة على مضيق البوسفور لا يزال مجهولًا خاصة بوجود ممر مجاني متاح على بعد 25 ميلاً إلى الشرق “عبر مضيق البوسفور” وتدعي الحكومة أن القناة ستقلل من أوقات الانتظار وبالتالي فإن شركات الشحن ستفضلها.

ومع ذلك، فإن الافتراضات مازالت ضعيفة والحسابات غامضة، وهو النقاش الأكثر احتداماً في الداخل التركي بعيداً عن الجانب التقني، ففي دراسة استقصائية أجريت على مستوى البلاد في ديسمبر 2019 قام بها مركز إسطنبول للأبحاث الاقتصادية، رفض 49% من جمهور العينة على قدرة المشروع على استحداث مصادر جديدة للإيرادات.

بالإضافة إلى ذلك، عدم الشفافية في عرض المشروع على الجمهور وإعلامهم به، حيث أظهر الاستطلاع نفسه أن المعرفة العامة بشأن المشروع منخفضة بشكل مذهل، فقد أشار حوالي 49% من المشاركين إلى أنهم ليس لديهم معلومات عن المشروع؛ بينما قال 40% إنهم “على علم إلى حد ما” بالمشروع، وادعى 11% فقط أنهم “مطلعون جيدًا”. 

فرص أردوغان الانتخابية وسط رفض شعبي للآثار البيئية والاقتصادية للمشروع

تناول الكاتب أن الشعب التركي أصبح أكثر وعياً وحساسية تجاه القضايا البيئية في العقد الماضي، حيث وقعت عدد من الاحتجاجات في جميع أنحاء الأناضول لا حصر لها، تعارض بناء محطة توليد الطاقة الكهرومائية، كما تجمع الآلاف من الناس في مقاطعة كاناكالي للاحتجاج على مشاريع تعدين الذهب التي من شأنها أن تلحق الضرر بالبيئة، وتميزت هذه الاحتجاجات بانضمام جميع الطوائف السياسية إليها. 

وهو الأمر الذي رأى فيه إمام أوغلو الفرصة لوضع نفسه أمام أردوغان في مناقشة ذات أهمية وطنية من أجل تعزيز محاولته في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وذلك من خلال الضغط بشأن التداعيات الاقتصادية والبيئية للمشروع، لما لهما من صدى لدى الشعب التركي باختلاف طوائفه السياسية. 

ومن الناحية الاقتصادية، ومع عدم تحديد مصادر تمويل المشروع، ستضع تساؤلاً كبيراً حول هل بالفعل سيتم تمويله من خلال الأموال العامة، وتساؤل الناخبون حول صحة هذا التخصيص في ظل زيادة العجز في الميزانية بنسبة 70% عام 2019 ليصل إلى 21 مليار دولار.وهو ما يقابله أردوغان بخطابات حازمة، حيث أعلن أن “القناة ستبنى سواء أعجبهم ذلك أم لا”، في وصفه للمعارضة، لكن يرى الكاتب أنه ليس من المؤكد ان ينجح خطاب أردوغان المعتاد في كسب الجمهور هذه المرة، خاصةً عندما يتعلق النقاش بقضايا ذات أهمية حقيقية للناخبين، وذلك في ظل تكرار الانتخابات البلدية في إسطنبول، والتي خسرها حزب أردوغان مرتين، أمام إمام أوغلو الذي يستعد إ للفوز ثانيةً على أردوغان، ولكن هذه المرة ستكون على الساحة الانتخابية للبلاد، هذا إن استطاع الأول الفوز بالحشد في النقاش الدائر حول مشروع القناة، والذي قد يمثل ضربة قاتلة لأردوغان في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية المقرر لها عام 2023.

+ posts

باحثة بالمرصد المصري

رحمة حسن

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى