
نيويورك تايمز تكشف خطة استهداف “قاسم سليماني”.. استغرقت أشهر
في قصة خبرية بصيغة بطولية بعنوان “سبعة أيام في يناير: كيف دفع تر امب الولايات المتحدة وإيران إلى حافة الحرب”، نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية قصة اغتيال القوات الأمريكية لقائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، والذي رأت أن عملية الاغتيال قد سبقتها عملية تخطيط لعدة أشهر سبقت العملية، والتي وصفتها بأنها الأشهر الأكثر خطورة في السنوات الثلاث التي قضاها الرئيس ترامب في منصبه بعد قراره شن ضربة وصفتها بـ “الجريئة” على إيران. والتي أعقبها شكوك أغرقت العالم وحالة من الصراع الدائر مع إيران، إلى جانب محاولات ترامب الخفية للحفاظ على الأزمة من الخروج عن نطاق السيطرة من خلال حلفاؤه، حيث سعى القادة والدبلوماسيون إلى تجنب حرب جديدة كاملة؛ بينما أمر ترامب ومستشاريه في البيت الأبيض والبنتاجون، بإرسال مزيد من القوات إلى المنطقة.
يوم العملية وهدفها
سردت الصحيفة حالة القلق التي تعرض لها فريق الإغتيال يوم العملية في 3 يناير، عندما تأخر وصول الطائرة التي كانت تقل سليماني، العقل المدبر للأمن في إيران، وفي طريقها لمطار بغداد، والتي وصلت لحد التفكير في إلغاء العملية، ولكن ظهور سليماني وكان في انتظاره أبو مهدي المهندس، والذي وصفته الصحيفة بأنه المسؤول العراقي عن الميليشيات والعنصر المقرب من إيران، واستقلا الطرفان سيارتان تحت مظلة الطيران الأمريكي من طراز MQ-9 Reaper، والتي أطلقت أول صاروخ اصطدم بعدة سيارات أسفرت عن اشتعال النيران بها وتفحم 10 جثث جراء تلك الغارة الجوية. والتي هدفت لضرب القيادة الأمنية الإيرانية إلى جانب القيام بهجوم إلكتروني لتعطيل قطاع النفط والغاز الإيراني جزئيًا.
فقد انطلق سليماني في رحلته الأخيرة في يوم رأس السنة، متوجهاً إلى دمشق ثم توجه بالسيارة إلى لبنان للقاء حسن نصر الله زعيم حزب الله ، قبل أن يعود إلى دمشق في ذلك المساء. وخلال لقائه، حذر نصر الله سليماني في خطاب لاحق من أن وسائل الإعلام الأمريكية تركز عليه وتنشر صورته، وهو ما قابله سليماني بالضحك.
وهو اليوم الذي قامت جينا هاسبل، مخرج عملية الاغتيال، في مقر “CIA” تعمل على تنفيذ العملية، وأوضحت أن هناك معلومات تشير لانتقاله من سوريا إلى العراق، وأخبرها المسؤولون أن هناك معلومات مخابراتية إضافية بأنه كان يعمل في هجوم واسع النطاق يهدف إلى طرد القوات الأمريكية من الشرق الأوسط، وقيامه بتنظيم قوات بالوكالة في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك لبنان واليمن والعراق لمهاجمة السفارات والقواعد الأمريكية. لكن مسؤولين آخرين قالوا إنهم ليس لديهم معلومات مخابراتية محددة تشير إلى ذلك، ومع ذلك، فإن هاسبل كانت مقتنعة بوجود دليل على وقوع هجوم قادم، وأكدت على أن عواقب قتل سليماني لن تكون بـ “الوخيمة” وستقتصر على ضرب صاروخي غير فعال لقاعدة أمريكية.
الرد الإيراني ودور الوسطاء في وقف التصعيد
كشفت الصحيفة أن سعي بعض الزعماء الأوروبيون تسبب في منع إيران من التصعيد، وقيام الولايات المتحدة بإرسال رسائل سرية عبر “وسطاء سويسريين” لحث إيران على عدم الرد بقوة، حتى لا يضطر ترامب لتصعيد الأمر بشكل أكبر، وأن الرد الإيراني بإطلاق 16 صاروخاً واستهدف قواعد تأوي جنوداً أمريكين في العراق لم يصيب أي شخصاً بالضرر، وتم اعتباره بأنه عرضاً غير ضاراً والتي تبعها توصيل رسالة عبر الوسائط السويسريين، والتي أوضحت أنها نهاية الرد وتمت إحالتها لواشنطن في غضون خمس دقائق؛ مما أقنع ترامب بعدم اتخاذ قرارات متتابعة.
وألقى ترامب خطابا على الأمة من البيت الأبيض، وبينما كان يشجب “حملة الإرهاب” الإيرانية، أوضح أنه لن ينتقم أكثر، وقال: “يبدو أن إيران تتوقف”، دون الكشف عن الرسالة السرية المرسلة عبر السويسريين ، مضيفًا أنه “مستعد لاحتضان السلام مع كل من يبحثون عنه”.، والتي سبقها تغريدة لطمأنة الناس بأن “كل شيء على مايرام”
وأشارت الصحيفة أن انتهاء الأسبوع دون الحرب التي خشي الكثيرون منها، جعلت ترامب يتباهى بأنه قام بإخراج عدو أمريكي، لكن الصراع بين الشعبين لم ينته بعد.
وقد تقوم إيران بمحاولات أخرى للانتقام، والمتمثلة في طرد القادة العراقيون للقوات الأمريكية، والتحقيق في أسباب مقتل سليماني، والرد الذي أسفر عن تدمير طائرة الركاب المدنية الأوكرانية بواسطة صاروخ إيراني، مما أسفر عن مقتل 176 شخصًا بريئاً.
قرار ترامب حول اغتيال سليماني “انتصار مؤقت.. وعواقب غير متوقعة”
ترى الصحيفة أن تلك العملية اعطت لترامب وحلفاؤه “فترة وجيزة” للهتاف بانتصاره، وتشتيت محاكمته أمام مجلس الشيوخ وعزله، لكن في الوقت نفسه يواجه تساؤلات بين الديمقراطيين والجمهوريين ذاتهم حول تبريرات اغتيال سليماني هو وفريق الأمن القومي خاصته، بدعوى تصريحات وزير الخارجية مايك بومبيو في البداية بأن عملية الاغتيال جاءت كضرورة لوقف أي هجوم “وشيك” لكن دون تحديد المكان والزمان الفعلي لهذا التهديد، وضاعف ترامب من الأمر بتصريحاته حول استهداف أربع سفارات أمريكية.
وعلى النقيض فاجأ بعض كبار القادة العسكريين وصف قرار ترامب بأنه اختار ما كانوا يعتبرونه خيارًا جذريًا له عواقب غير متوقعة.
مبررات قرار ترامب ومواجهة مؤجلة
ترى الصحيفة أن إيران منذ وصول القوات الأمريكية في “غزو” العراق 2003، كانت تتنافس على النفوذ في العراق من خلال رعاية قوات بالوكالة، وفي الخريف الماضي تصاعدت الهجمات الإيرانية ضد الولايات المتحدة من خلال إطلاق الميلشيات المسلحة المدعومة من إيران بإطلاق صواريخ على قواعد عراقية تضم القوات الأمريكية، مما أدى إلى أضرار عصبية وليست مادية. لذلك عندما سقطت الصواريخ على قاعدة K1 العسكرية بالقرب من كركوك في 27 ديسمبر؛ مما أسفر عن مقتل مقاول مدني أمريكي، هو نورس وليد حميد، وإصابة عدة أشخاص آخرين والتي أعلن حزب الله المدعوم من إيران مسئوليته عن الحادث، هذا إلى جانب خمسة هجمات صاروخية أخرى على الأقل على قواعد بها أميركيين في الشهر السابق دون وجود قتلى.
وأثناء مراقبة الاتصالات بين كتائب حزب الله وفيلق الحرس الثوري الإيراني بزعامة الجنرال سليماني، علم مسؤولو الاستخبارات الأمريكيون أن الإيرانيين أرادوا مواصلة الضغط على الأمريكيين لكنهم لم يقصدوا تصعيد الصراع بصورة منخفضة، وأنه لم يكن من المصادفة سقوط الصواريخ في فترة عدم تواجد أفراد أمريكيون وعراقيون، وأن إيران تعلم ذلك، ولكن من سوء حظها أسفرت العملية عن مقتل حميد.
وهو ما كان سيقابله قرار من ترامب للقيام بعمل عسكري رداً على استفزازت إيران، ولكنه ألغى الضربة الانتقامية لمقتل مواطن أمريكي، وهو ما فسره المستشارون أن إيران رأت تردده السابق في استخدام القوة كدليل ضعفه، وهو ما قابله موافقة ترامب على ضرب خمسة مواقع في العراق وسوريا بعد يومين، مما أسفر عن مقتل 25 عضوًا على الأقل من كتائب حزب الله وجرح 50 آخرين.
وهو ما قابله اقتحام للمتظاهرون المؤيدون لإيران الذين يدعمهم العديد من أعضاء نفس الميليشيات على حد وصف الصحيفة، لمجمع السفارة الأمريكية الشهر الماضي في بغداد رداً على الغارات الجوية الأمريكية وإشعال النار. مما أثار تخوف ترامب من أن يتكرر سيناريو عملية الاستيلاء على السفارة الأمريكية في إيران عام 1979 أو هجوم 2012 على مركز دبلوماسي في بنغازي بليبيا، فاتخذ ترامب أمر إرسال أكثر من 100 من مشاة البحرية بالتوجه إلى بغداد قادمين من الكويت. والذين تلقوا معلومات قليلة حول مهمتهم والتي اقتصرت على حماية السفارة وقتل من يهاجمها، لكنهم لم يضطروا لإطلاق النار بل قاموا باستخدام الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين دون إراقة الدماء.
سيناريو عملية الاغتيال بدأ منذ 18 شهراً
ورأى ترامب ضرورة الرد بشكل أكثر قوة، والتي صاحب ذلك تداول مذكرة أسمتها الصحيفة بـ “السرية” في 31 ديسمبر، وقع عليها روبرت أوبراين، مستشار الأمن القومي الخاص، وأدرجت فيها أهدافاً محتملة متمثلة في ضرب منشأة طاقة إيرانية وقيادة وسفينة مراقبة يستخدمها الحرس الثوري لتوجيه قوارب صغيرة لمواجهة ناقلات النفط في المياه المحيطة بإيران، والتي قامت بهجمات سرية عطلات ناقلات النفط الأمريكية لعدة أشهر. كما أدرجت المذكرة خيارًا أخر وهو استهداف مسؤولين إيرانيين محددين بالقتل بضربة عسكرية، ومن بين الأهداف المذكورة “عبد الرضا شحلاي” القائد الإيراني في اليمن الذي ساعد في تمويل الجماعات المسلحة في جميع أنحاء المنطقة؛ بينما بدا اسم قاسم سليماني مقترن بعدم الاستقرار والموت في الشرق الأوسط بالنسبة للمسئولين الأمريكان.
وظهر اسم سليماني على قائمة الاغتيالات الأمريكية على مدار الثمانية عشر شهرًا الماضية، ونظراً لصعوبة استهدافه في إيران، فكر المسؤولون في ملاحقته خلال إحدى زياراته المتكررة إلى سوريا أو العراق وركزوا على تطوير عملاء في سبعة كيانات مختلفة للإبلاغ عن تحركاته – الجيش السوري، قوة القدس في دمشق، حزب الله في دمشق، مطاري دمشق وبغداد، وكتاب حزب الله وقوات التعبئة الشعبية في العراق.
وبحلول الوقت الذي تصاعدت فيه التوترات مع إيران في شهر مايو بشن هجمات على أربع ناقلات نفط، طلب جون بولتون، مستشار الأمن القومي للرئيس آنذاك، من الوكالات العسكرية والاستخباراتية إنتاج خيارات جديدة لردع العدوان الإيراني، ومن بين تلك الخيارات كان قتل سليماني وغيره من قادة الحرس الثوري. وذلك نظراً لأن يعد قاسم سليماني قائد قوة القدس وثاني أقوى رجل في إيران وكان له يد في إدارة الحروب بالوكالة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، بما في ذلك الهجمات التي أسفرت عن مقتل ما يقدر بنحو 600 جندي أمريكي في ذروة حرب العراق. والذي اشتهر بالسفر دون دروع واقية أو حماية شخصية
وبرز اسم سليماني في السنوات الأخيرة وارتبط اسمه بشكل أكبر بهدف إيران المتمثل في تحقيق الهيمنة الإقليمية، وظهرت صور له وهو يزور الخطوط الأمامية في العراق أو سوريا أو يلتقي بالزعيم الإيراني الأعلى في طهران أو يجلس مع زعيم حزب الله حسن نصر الله في لبنان. عندما زار الرئيس السوري بشار الأسد طهران العام الماضي، كان سليماني هو الذي رحب به. مما جعله يتفاخر بالعديد من الإنجازات بحلول نهاية عام 2019.
وبحلول سبتمبر، تم ضم القيادة المركزية للولايات المتحدة والقيادة المشتركة للعمليات الخاصة للتخطيط للعملية المحتملة، ونوقشت بدائل مختلفة حول مكان اغتياله بعضها في سوريا وبعضها في العراق، ولكن بدت سوريا أكثر تعقيدًا، نظراً أن الجيش الأمريكي كان يتمتع بحرية أقل في الحركة هناك ولأن سليماني قضى معظم وقته مع ضباط حزب الله ولم يرغب المسؤولون في جلبهم إلى هذا المزيج والمجازفة بحرب جديدة مع إسرائيل.
باحثة بالمرصد المصري



