
“أزمة اللجوء”.. بين الضوابط الأوروبية والابتزازات التركية
تطل أزمة اللاجئين مرة أخرى برأسها على أجندة الاتحاد الأوروبي وقادته بسبب المناوشات المتبادلة بين الطرفين التركي واليوناني بعد اتهام الثاني للأول بتخاذله في تنفيذ بنود الاتفاق الذي تم توقيعه بين الاتحاد الأوروبي وتركيا للحد من أعداد المهاجرين التي وصلت لأعلى معدلاتها عام 2015.
في مطلع شهر أكتوبر الماضي، ذكر رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس أمام البرلمان أن تركيا تستغل أزمة اللاجئين لابتزاز أوروبا من أجل غاياتها، مضيفا أن أنقرة يمكنها ويجب عليها التحكم في تدفقات المهاجرين إلى القارة.
يأتي هذا التصريح بعد أن هددت تركيا “بفتح البوابات” ما لم تتلق أنقرة دعما دوليا كافيا من أجل خطتها لإعادة توطين مليون لاجئ في شمال سوريا.
هذا التهديد لا يعد الأول من نوعه، من قبل أنقرة. ولكن تزايد معدلات طالبي اللجوء الذين يصلوا إلى الجزر اليونانية في الأشهر الأخيرة عن طريق بحر إيجة من تركيا هو السبب في هذا التصاعد.
وجاءت تلك المناوشات بعد حريق قاتل في مخيم موريا المكتظ بجزيرة ليسبوس اليونانية في أواخر شهر سبتمبر. وهو ما ذكر القادة الأوروبيين بالظروف المروعة التي يواجهها اللاجئون هناك. حيث تم تصميم المخيم لاستيعاب 3000 شخص ولكن يستضيف حاليا أكثر من 12000 شخص. هذا الحريق الذي أثار غضب اللاجئين بعد تأخر السلطات في اخماد الحريق.
الاتهامات المتبادلة بين الطرفين
ففي 21 يوليو، اتهم وزير الداخلية التركي سليمان سويلو الدول الأوروبية بترك تركيا وحدها للتعامل مع قضية الهجرة.
وحذر في تعليقات نشرتها وكالة الأنباء التركية الرسمية “أناضول” قائلاً: “إننا نواجه أكبر موجة من الهجرة في التاريخ. وإذا فتحنا البوابات، فلن تتمكن أي حكومة أوروبية من البقاء على قيد الحياة لأكثر من ستة أشهر. لذا ننصحهم بعدم اختبار صبرنا”
في 22 يوليو، قال مولود جاويش أوغلو (وزير الخارجية التركي) إن تركيا علقت صفقة قبول المهاجرين غير الشرعيين بينها وبين الاتحاد الأوروبي على إثر عدم موافقة الاتحاد الأوروبي على تحرير التأشيرة للمواطنين الأتراك.
وتم ربط التعليق أيضاً بقرار وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في 15 يوليو بوقف المحادثات رفيعة المستوى مع أنقرة كجزء من العقوبات المفروضة على التنقيب عن النفط والغاز قبالة سواحل قبرص[1].
ولم تتوقف التصريحات عند هذا الحد. ففي 8 سبتمبر، هدد أردوغان بإغراق الاتحاد الأوروبي بـ 5.5 ملايين لاجئ سوري ما لم يتلق دعمًا دوليًا لإنشاء “منطقة آمنة” في شمال سوريا. وقال “إنهم إذا لم يقدموا لنا الدعم اللازم في هذا الصراع، فلن نتمكن من إيقاف 3.5 ملايين لاجئ من سوريا ومليوني شخص آخرين سيصلون إلى حدودنا من إدلب”.
وعلى إثر ذلك دعا رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس تركيا إلى وقف “البلطجة”. وقال “يجب أن يفهم السيد أردوغان أنه لا يستطيع تهديد اليونان وأوروبا في محاولة لتأمين المزيد من الموارد للتعامل مع قضية اللاجئين”.
وأضاف “لقد قدمت أوروبا كثيرا من المال، ستة مليارات يورو في السنوات الأخيرة، في إطار اتفاق بين أوروبا وتركيا والذي كان ذا منفعة متبادلة”.
وعلى إثر تلك المناوشات المتبادلة قام وزير الداخلية الألماني بزيارة أثينا وأنقرة بشهر أكتوبر، حذر بها من تكرار الفوضى التي واجهتها أوروبا. عندما قام ما يقرب من مليون سوري بعبور اليونان في طريقهم إلى البر الرئيسي لأوروبا في عام 2015.
وذكر سيهوفر أن أوروبا بحاجة إلى بذل مزيد من الجهد لحماية حدودها ودعم دول المواجهة، والتي تشمل أيضا إسبانيا وإيطاليا، أكد أن هذا “شيء لم نفعله بشكل كاف بعد”.
وقال “إذا لم نساعد اليونان، وإذا لم نساعد بلدان الخط الأمامي، فسوف ينتهي بنا المطاف إلى سياسة هجرة عشوائية ستقودنا إلى طريق مسدود”.
وبرغم تصاعد الاتهامات بين الطرفين التركي والأوروبي. فقد رفض وزير الداخلية التركي مطلع شهر سبتمبر المزاعم الأخيرة حول العدد المتزايد من المهاجرين من تركيا إلى اليونان وقال “إذا كان الاتحاد الأوروبي مهتمًا بتركيا بقدر اليونان، فقد يتم حل المشكلات”.
جاءت تصريحات سليمان سويلو في مؤتمر صحفي مشترك قبيل اجتماع ثنائي مع مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين فيليبو جراندي.
وقال سويلو إن ما مجموعه 30،842 مهاجر ذهبوا إلى اليونان خلال فترة ثمانية أشهر من العام الماضي ، في حين أن أرقام 2019 بلغت 29،025 ، مما يشير إلى انخفاض بنسبة 6 ٪[2].
ما هو الحجم الحقيقي لتلك الأزمة:
ما يقرب من مائة ألف شخص لأوروبا وفقاً لأخر الإحصائيات الصادرة عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بمنتصف نوفمبر الحالي[3]، منهم ما يقرب من 60ألف لليونان فقط، مقارنة بسنة 2018 التي وصل فيها عدد القادمين من اليونان لتركيا ما يقرب من 50 ألف شخص. ومازالت الأعداد التي ترسو على البر اليوناني في تزايد. إلا أنها مقارنة بالأعداد التي استقبلتها اليونان عامي 2015\2016 تعد منخفضة بشكل كبير.

إلا أن التحول لا يكمن فقط في زيادة أعداد طالبي اللجوء ولكن اختلافهم. فقد تصدر طالبي اللجوء من أفغانستان عدد الواصلين إلى أوروبا. وينتقل هؤلاء اللاجئون بشكل أساسي عن طريق تركيا. فتصارع تركيا أيضًا مع عدد متزايد من اللاجئين من أفغانستان الذين يدخلون البلاد عبر حدودها الشرقية مع إيران. إيران التي يوجد بها ما يقرب من 3 ملايين أفغاني. حيث صرح نائب وزير الخارجية الإيراني عباس أراغشي في وقت سابق من هذا العام إنه قد يُطلب من الأفغان المغادرة إذا واصلت الولايات المتحدة الضغط الاقتصادي على إيران. وهو ما يزيد من تعقيدات أزمة اللاجئين بالنسبة لأوروبا.
لذا كيف تتعامل اليونان مع تلك الأزمة:
برغم من ان عدد طالبي اللجوء الذين يعبرون إلى اليونان يعد منخفضاً مقارنة بمستويات 2015 و2016. إلا أن تداعيات تلك الزيادة قد سرعت بخروج قانون جديد للجوء باليونان، يحمل من الأثار السلبية على طالبي اللجوء أكثر من ذي قبل.
فقد أقرت الحكومة اليونانية يوم 31 أكتوبر قانونا جديدا يهدف إلى تسريع الإجراءات من أجل تيسير عودة المزيد من الأشخاص إلى تركيا بموجب الاتفاق التي تم توقيعه بين الاتحاد الأوروبي وتركيا بمارس 2016 للحد من الهجرة عبر بجر إيجة.
بداية يوجد الآن أكثر من 96500[4] لاجئ ومهاجر في اليونان ، وفقًا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. لم تفعل اليونان الكثير لتحسين أوضاعهم على الجزر التي ينتظروا بها للنظر في طلبات اللجوء الخاصة بهم. في وقت يواجهوا فيه العديد من الانتهاكات والمشاعر العدائية.
ففي الأشهر القليلة الماضية، كانت هناك احتجاجات أسبوعية في ريف اليونان ضد إعادة توطين اللاجئين حيث يعبر المحتجون عن مخاوفهم من تعرضهم “لغزو مستمر” قد ينتج عنه “أسلمة” البلاد. ففي شهر أكتوبر منع القرويون في شمال اليونان طالبي اللجوء من الانتقال إلى الفنادق المحلية بإلقاء الحجارة على الحافلات التي تقلهم، مما أجبر السلطات على البحث عن مكان بديل لإيوائهم. بالإضافة لذلك فقد أظهرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي في وقت سابق من هذا الشهر، تُظهر السكان المحليين وأعضاء مجلس المدينة في اجتماع دار البلدية في إحدى ضواحي أثينا يتفاعلون بمزيج من الغضب والاحتقار لفكرة استضافة طالبي اللجوء.
هذا النهج المعادي التي استثمرته الحكومة الجديدة بمجرد وصولها لسدة الحكم، فقد قامت الحكومة الجديدة لرئيس الوزراء اليوناني “كيرياكوس ميتسوتاكيس” بإغلاق وزارة الهجرة ونقل مسئولية النظر في قضية اللجوء والهجرة إلى وزارة الحماية المدنية (الشرطة) بشهر يوليو الحالي، وبنفس السياق رفضت اليونان صرف ما يقرب من 1.9 مليار دولار من أجل تحسين أوضاع المخيمات بالجزر اليونانية، إلا أنها ترفض صرفها حتى لا تسهل بقاء طالبي اللجوء في جزرها. بالإضافة لاستخدامها ما يقرب من ربع المساعدة المالية التي تلقتها من الاتحاد الأوروبي.
وقد صرح رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس بمجرد وصوله. إنه سيعجل بإجراءات اللجوء، ويضع ضوابط أكثر فعالية على الحدود، ويميز بين اللاجئين والمهاجرين الاقتصاديين، ويضع حداً للنظام الذي يُفترض أن الأطباء يشخصون فيه جميع الوافدين بإجهاد ما بعد الصدمة بحيث يتم منحهم اللجوء جميعًا. وتبرر اليونان تشددها بأن طالبي اللجوء حالياً هم من المهاجرين الاقتصادين حيث يأتي على قائمة اللاجئين المواطنين من أفغانستان والكونغو وسوريا والعراق.
وهذا أبرز ما قام به التشريع التي تم اقراره ب 31 أكتوبر لهذا العام والذي ينظم عملية اللجوء حيث استبعدت الحكومة لاضطرابات ما بعد الصدمة من عملية التقييم لقبول طلب اللجوء، بالإضافة لمنعها أي دعم طبى واجتماعي يقدم لطالبي اللجوء حتى ما قبل النظر في طلب اللجوء.
ويمكًن القانون الجديد أفراد الشرطة والجيش اليونانيين إجراء مقابلات اللجوء، والتي كانت تتم في السابق فقط من قبل مصلحة اللجوء اليونانية أو المكتب الأوروبي لدعم اللجوء. بالإضافة ان القانون الجديد يجعل عملية الطعن على رفض طلبات اللجوء أكثر صعوبة. وكذلك جعل اللجان التي كانت تنظر سابقاً في دعاوى رفض طلبات اللجوء والتي كانت مؤلفة من قاضيين يونانيين وخبير مستقل دربته مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. الآن تتكون اللجان من قاض أو اثنين فقط.
كل هذا بخلاف إعطاء الحق للسلطات اليونانية باحتجاز طالبي اللجوء الذين رفضت طلباتهم أو التي تعيد تقيميهم لفترة قد تصل لأكثر من 18 شهراً بعد أن كانت تصل لثلاثة أشهر فقط[5]. بالإضافة للتشدد ضد طالبي اللجوء حيث ان رفض طالب اللجوء لأي تعاون مع السلطات حتى لو في أمر بسيط كالنقل من مكان لأخر سيؤدي لتعليق طلبه تلقائياً.
في ظل هذا التشدد اليوناني، ما هو الموقف التركي؟
في ظل هذا التشدد كان من المفترض أن تنتهي الاتفاقية بين الاتحاد الأوروبي وتركيا في نهاية 2019. والتي يجري إعادة التفاوض عليها من أجل إبقاء اللاجئين التي يصل عددهم لما يقرب من 3.6 ملايين لاجئ سوري والذين يمثلوا معظم اللاجئين بتركيا البالغ عددهم 3،9 [6]مليون لاجئ والذين يأتون من دول مزقتها الحرب أو دول هشة في الشرق الأوسط والدول المحيطة به .فهناك 170،000 لاجئ من أفغانستان و 142000 من العراق و 39000 من إيران و 5700 من الصومال و 11000 من الجنسيات الأخرى .
وقد زار مفوض الاتحاد الأوروبي للهجرة، ديميتريس أفراموبولوس، تركيا في بداية شهر أكتوبر، إلى جانب وزيري الداخلية الفرنسي والألماني. من أجل التوصل لاتفاق جديد، تقوم فيه اليونان بالضغط لإدخال بعض تغييرات على الاتفاق الحالي فيريدوا أن يجعلوا أمر رجوع طالبي اللجوء من أي مكان في اليونان ومن أي بلد لتركيا وليس فقط السوريين الموجودين بالجزر اليونانية.
تلك الزيارات التي تأتى كما سبق أن عرضنا في ظل مناوشات متبادلة من قبل طرفي الاتفاق. صرحت فيها تركيا برغبتها بمزيد من الدعم المالي، حيث صرحت بأنها انفقت حتى الآن ما يقرب من 36.7 مليار يورو على التعامل مع أزمة اللاجئين. بالإضافة لرغبتها بدعم خططها لتوسيع نفوذها بشمال سوريا.
إلا أن تلك النقاط لا تمثل نقاط الاعتراض الوحيدة لدي تركيا، بل أيضاً الفشل في تنفيذ أغلب بنود الاتفاق بينها وبين الاتحاد جزء أخر من المشكلة، حيث كان يفترض وفقا للاتفاق، أن تتم إجراءات تقديم اللجوء والبت فيها خلال أيام قليلة. لكن الواقع يظهر أن الإجراءات تستغرق عدة أشهر أن لم نقل سنوات[7].
ومن جانب آخر، نص الاتفاق على أن يتم ترحيل اللاجئين الذين تُرفض طلبات لجوئهم إلى تركيا، وهم الذين يشكلون الأغلبية من المهاجرين. لكن هذا البند لم يتم تنفيذه أيضاً، فعدد الذين تم ترحيلهم لحد اليوم هو 2200 شخص، وفق إحصائيات المفوضية الأوروبية.
وكذلك فيما يخص بند “واحد مقابل واحد” بسقف قبول نحو 72 ألف لاجئ سوري من المتواجدين في معسكرات اللجوء التركية. والتي لم ينفذ أيضاً، حيث لم يتم سوي نقل ما يقرب من 25 ألف سوري إلى الدول الأوروبية منهم قرابة 8596 لاجئاً سورياً استقبلتهم ألمانيا.
وعلى الجانب الأخر ولم تتمكن دول الاتحاد الأوروبي لحد اليوم من الاتفاق إلى التوصل لسياسة جديدة للهجرة واللجوء، تقوم على إثرها بإيجاد نسبة توزيع عادلة للاجئين بينها، فيما تعارض دول مثل بولندا وهنغاريا وإيرلندا وبريطانيا والدنمارك قبول أي لاجئ مقيم في تركيا.
وكذلك لم يفي الاتحاد الأوروبي بالبند الخاص بتعجيل المشاورات بشأن حرية التنقل للمواطنين الأتراك إلى أوروبا دون تأشيرة مسبقة. كما أن مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد توقفت دون آفاق لاستئنافها. وفيما يخص مباحثات الوحدة الجمركية مع الاتحاد الأوروبي لم تحقق أي تقدم على الإطلاق.
ختاماً: إن الاتحاد الأوروبي أصبح في موقف الخيارات فيه محدودة للغاية، بسبب قرب انتهاء مدة الاتفاق، وكذلك الأزمة السورية التي لا تزال مستمرة ولا يوجد أفق واضح لانتهائها. فأما ترفض الخضوع للابتزازات التركية وتضطلع بدور أكبر لحل الأزمة السورية من أجل تسهيل عودة السوريين لبلادهم. والالتفاف حول سياسة جديدة لتنظيم اللجوء والهجرة بالاتحاد. هذا الخيار الذي يواجه عقبة العلاقات المقطوعة بين الدول الأوروبية والنظام السوري. وكذلك صعود الحكومات الرافضة لقبول أي لاجئين باختلاف توجهاتها الفكرية.
أما الخيار الثاني: فهو الخضوع للمطالب التركية، مما سيعطي المزيد من النفوذ للحكومة التركية على قادة الاتحاد. وفي هذه الحالة، سيحتاج الاتحاد الأوروبي إلى الاستعداد لتقديم المزيد من الأموال والدعم المطلق لسياسة أنقرة بسوريا. في وقت يواجه هذا الخيار تصريحات فرنسا وغيرها من دول الاتحاد برفضها لتحركات تركيا بالشمال السوري، ويعلق رئيس الوزراء اليوناني برفضه الابتزاز التركي لدول أوروبا.
أو يدفن الاتحاد رأسها في الرمال ويترك تلك الأزمة دون حل ويواجه
احتمالات مواجهة أزمات جديدة تقترب لأزمة موجة النزوح بعام 2015. بالإضافة للعودة
غير المنظمة لمقاتلي داعش من أصل أوروبي، في منطقة تواجه العديد من التحديات وليست
فقط الحرب الأهلية التي واجهتها سوريا.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية