
الشمول المالي وسيلة لتحقيق التمكين الاقتصادي للمرأة
أعطت الجمهورية الجديدة الأولوية القصوى لدعم المرأة، ووضعت خطة قومية متمثلة في الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية “2030” والتي تهدف إلى تعزيز مكانة المرأة على مختلف الأصعدة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وشهدت مصر على مدى العقد الماضي خطوات واسعة نحو تمكين المرأة اقتصاديًا، وتم تنفيذ العديد من المبادرات الفعالة.
ويُعرف مصطلح التمكين الاقتصادي للمرأة بأنه العملية التي تستطيع المرأة من خلالها الانتقال من موقع قوة اقتصادي أدنى في المجتمع إلى موقع قوة اقتصادي أعلى، وذلك من خلال ازدياد سيطرتها وتحكمها بالموارد الاقتصادية والمالية الأساسية، وهي: الأجور، ورأس المال، والملكيات العينية، وهو ما يمنحها في الدرجة الأولى استقلالية مادية مباشرة.
وقد وضعت الدولة الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة 2030، وكان المحور الثاني منها هو التمكين الاقتصادي، من خلال تنمية قدرات المرأة لتوسيع خيارات العمل أمامها، وزيادة مشاركتها في قوة العمل، وتحقيق تكافؤ الفرص في توظيف النساء في كافة القطاعات بما في ذلك القطاع الخاص، وريادة الأعمال، وتقلد المناصب الرئيسة في الهيئات العامة والشركات الخاصة وخلق بيئة صديقة للمرأة، لتتوافق الاستراتيجية مع أهداف التنمية المستدامة ودمج المرأة اقتصاديًا.
وتحاول الدولة تمكين المرأة اقتصاديًا، من خلال سياسات وخطط للقضاء على العوامل التي تمنع هذا التمكين، لا سيما وأن تمكين المرأة اقتصاديًا على قمة أولويات الدول، لما يشكله من أهمية قصوى لارتفاع مستوى المعيشة، وازدهار اقتصاد الدولة، وتحاول الدول القضاء على مسببات نقص مساهمات النساء في النمو الاقتصادي، من خلال القضاء على الأمية، والبطالة، وتعديل القوانين.
أولاً: تحديات التمكين الاقتصادي
يوجد العديد من التحديات التي تقف أمام التمكين الاقتصادي للمرأة، وتحاول الدولة إيجاد حلول لتخطي هذه المعوقات، منها الموروثات الثقافية والاجتماعية الخاصة بعمل وتعليم المرأة، والتي تؤثر سلبًا على خروجها للعمل وبالتالي اتخاذ قرارات مهمة لها ولأسرتها وتمثل أهم التحديات ما يلي:
- الأمية:
تبذل الدولة جهودًا للحد من الأمية، لما تمثله من أهمية في التنمية الاقتصادية والمجتمعية، وكانت نسبة الأمية بين الإناث 32% في عام 2010، لتتراجع مع الحملات المستمرة سواء لمنع التسرب من التعليم في مراحل التعليم الأساسي، أو تعليم الكبار في فصول محو الأمية، إلى نحو 26% في العام 2020، ووفقًا لآخر إحصائيات المسح السكاني انخفضت في العام المنصرم إلى 24%.
- البطالة:
وُضعت الاستراتيجية الوطنية للتمكين محاور أساسية لتقليل نسبة البطالة بين الإناث، والتي تُمثل في سوق العمل 18.6% مقابل 81.4% من الذكور طبقًا لأحدث البيانات الصادرة من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، الربع الأول من عام 2024.
وهي معدلات أعلى من الأعوام السابقة حتى وصل معدل البطالة بين الإناث 18.4% في عام 2022، فيما تستهدف الاستراتيجية الوصول إلى 9% بحلول عام 2030 وأن تصبح نسبة المشاركة في قوة العمل إلى 35%.
محددات التمكين الاقتصادي للنساء
- حددت الاستراتيجية عددًا من المدخلات الأساسية التي تهدف إلى تعزيز القدرات الاقتصادية للأفراد والمجتمع، وتُعتبر أساسًا لدعم التمكين.
- التعليم والتدريب: من خلال تحسين جودة التعليم والتدريب المهني لتمكين المرأة من اكتساب المهارات المطلوبة في سوق العمل، وتطوير سياسات الاستثمار الاقتصادي ونظم الإدارة والتمويل، وتطوير سياسات لضمان التزام القطاع الخاص بتمثيل مناسب للمرأة في مجالس إدارات الشركات، علاوة على الاهتمام بتنوع القطاعات الاقتصادية المتوطنة بالمحافظات وجذب صناعات تستطيع خلق فرص مباشرة وغير مباشرة عبر سلاسل القيمة لتشغيل النساء؛ وتفعيل السياسات والإجراءات التي تشجع النساء على إقامة مشروعاتهن الخاصة.
- التمويل والدعم المالي: توفير قروض ميسرة وبرامج تمويلية لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة. توفير الخدمات المالية لمبادرات تشجيع الادخار والإقراض الجماعي للنساء. تطوير الخدمات المالية المصرفية وغير المصرفية الموجهة للمرأة، وزيادة معرفة النساء بها وتسهيل حصولهن عليها وخاصةً من خلال قنوات إلكترونية ميسرة، بما في ذلك القروض الموجهة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة. تطوير سياسات المشتريات العامة والتوريدات بما يضمن نصيبًا أكبر لمنتجات المشروعات الصغيرة المملوكة للمرأة.
- التشريعات والسياسات: تطوير بيئة قانونية وسياسات داعمة لرواد الأعمال والمستثمرين.
لماذا يحقق الشمول المالي التمكين الاقتصادي التمكين للمرأة؟
يعرف الشمول المالي بأنه إتاحة الخدمات المالية لمختلف فئات المجتمع سواء كانت مؤسسات أم أفراد، والعمل على تمكين فئات المجتمع من استخدام تلك الخدمات من خلال تقديم الخدمات المالية بجودة مناسبة وبأسعار معقولة وذلك من خلال القنوات المالية الرسمية للدولة.
ويساعد الشمول المالي في تمكين المرأة اقتصاديًا، حيث يساهم الشمول المالي للمرأة في توجيه مدخراتها نحو فرص استثمارية جيدة، مما يساهم في زيادة فرص تأسيس مشاريع عمل جديدة وخلق فرص عمل والمساهمة في تقليل نسب البطالة.
ويساهم الشمول المالي للمرأة من زيادة فرصها في التمكين الاقتصادي للمرأة الذي هو حجر الزاوية في التقدم الاقتصادي للدولة بشكل عام، ومن أهم خطواته أن يتم المساواة بين الجنسين في الحقوق الاقتصادية، التي تيسرها السياسات التمكينية والبيئات المؤسسية، وتشير بيانات البنك المركزي المصري، إلى وجود 20.3 مليون سيدة لديها منتجات بنكية، من مارس 2019 إلى مارس 2023، وحرص البنك المركزي على تهيئة البنية التشريعية والرقابية الضامنة لتيسير حصول المرأة على الخدمات والمنتجات المصرفية بسهولة من خلال إزالة كافة العقبات التي تواجهها، وعليه أصدر العديد من التعليمات الرقابية في هذا الشأن من أبرزها:
- إتاحة الحصول على الخدمات والمنتجات المصرفية باستخدام بطاقة الرقم القومي، دون الحاجة إلى أي أوراق إضافية، مما ساهم بشكل كبير في زيادة معدلات استفادة المرأة من المنتجات التي يقدمها القطاع المصرفي.
- تمكين السيدات من فتح حسابات لأبنائهن القصر، وهي خطوة مهمة خاصة للمطلقات والأرامل في التعامل مع القطاع المصرفي، حيث أصدر البنك المركزي تعليمات توضيحية للقطاع المصرفي تتضمن التأكيد على جواز قيام الأم بفتح حسابات بأسماء أولادها القصر أو ربط أوعية ادخارية بأسمائهم؛ متى كان المال المفتوح به الحساب أو المربوط به الوعاء الادخاري مقدمًا منها على سبيل التبرع، وفقًا لما تقضي به المادة (3) من قانون أحكام الولاية على المال الصادر بالمرسوم بقانون رقم 119 لسنة 1952.
- تطوير سياسات الاستثمار الاقتصادي ونظم الإدارة والتمويل، وتطوير سياسات لضمان التزام القطاع الخاص بتمثيل مناسب للمرأة في مجالس إدارات الشركات، والاهتمام بتنوع القطاعات الاقتصادية المتوطنة بالمحافظات وجذب صناعات تستطيع خلق فرص مباشرة وغير مباشرة عبر سلاسل القيمة لتشغيل النساء؛ وتفعيل السياسات والإجراءات التي تشجع النساء على إقامة مشروعاتهن الخاصة؛ والتوسع في خدمات تنمية الأعمال الموجهة للمرأة، وتطبيق نظم الشباك الواحد للمرأة المستثمرة، والتوسع في تطبيق تجارب إنشاء تعاونيات النشاط الاقتصادي الموجهة للمرأة.
ثانيًا: التشريعات والقوانين الداعمة للمرأة
“لن أوقع على قانون لا يُنصفكن”. بتلك الكلمات وعد الرئيس عبد الفتاح السيسي نساء مصر بوضع قوانين وسن تشريعات تتيح للمرأة الحصول على فرصها المأمولة في التمكين الاقتصادي، مع بدء حقبة زمنية جديدة، ومن أهم هذه التشريعات والقوانين:
- تعديل القانون رقم 77 لسنة 1943 بشأن المواريث: تضمن تعديل القانون إضافة المادة 49 التي قررت الحبس لمدة لا تقل عن ستة أشهر وغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين لكل من امتنع عمدًا عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعي من الميراث. وهو الحق المسلوب الذي عانت منه المرأة خاصة في المناطق الريفية والصعيد بسبب العادات والتقاليد الموروثة بعدم توريثها وتمكينها من مواردها المالية.
- قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016: أعطى تعديل القانون للمرأة العاملة امتيازات إضافية في مجال رعاية الطفولة والأمومة، كمد أجازة الوضع لمدة أربعة أشهر، وتخفيض ساعات العمل اليومية للموظفة التي تُرضع طفلها وحتى بلوغه العامين، بالإضافة إلى إمكانية منحها إجازة بدون أجر لرعاية طفلها لمدة عامين في المرة الواحدة مع إجازة ترقيتها خلال تلك الإجازة دون الحاجة منها للعودة للعمل وقطع الإجازة.
- مشروع “قانون الصندوق القومي لرعاية المرأة المصرية”: تم إعداد مشروع “قانون الصندوق القومي لرعاية المرأة المصرية”، ويهدف إلى تقديم الرعاية للمرأة في كافة المجالات وخاصة الاقتصادية، من خلال دعم وزيادة مساهمتها في الخطط القومية للتنمية. وإقامة وتمويل عدد من البرامج والمشروعات الخاصة بتمكين المرأة اقتصاديًّا.
ثالثًا: البرامج والمشروعات:
بذلت الدولة المصرية العديد من الجهود في سبيل تمكين المرأة في مجال المشروعات الصغيرة والمتوسطة؛ فبحسب التقرير الصادر عن جهاز المشروعات الصغيرة والمتوسطة في أغسطس 2019، تزايد إجمالي القروض التي ضخها جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة للسيدات؛ ليرتفع إلى 118806 مشروعات خلال عام 2018، بإجمالي مبالغ منصرفة بلغت 1.885 مليار جنيه خلال هذا العام. ومن المشاريع التي قدمتها الدولة للتمكين الاقتصادي ما يلي:
- قدم المجلس القومي للمرأة برنامج “تحويشة” في احتفالية المرأة المصرية في مارس 2022، بالشراكة مع البنك المركزي، لمساعدة السيدات وفتيات القرى المختلفة في محافظات مصر على الادخار ثم الإقراض.
- مبادرة حياة كريمة: وهي مبادرة تستهدف رفع كفاءة البنية التحتية والمستوى المعيشي لسكان القرى المهمشة “1413” قرية في 52 مركزًا و20 محافظة، برعاية البنك المركزي ووزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية.
ختامًا: تسعى الدولة منذ عام 2014 للنهوض بمستقبل المرأة، لأنها عمود الأسرة، وتوقن القيادة السياسية أن سد فجوة العجز بين الجنسين يساهم في رفع الاقتصاد القومي، ولكن لا يزال الطريق طويلاً في سد الفجوة سواء على المستوى التعليمي أو التأهيل لسوق العمل، وهو ما تدركه الدولة المصرية وتسعى إلى تضييق تلك الفجوة.
باحثة في وحدة المرأة وقضايا المجتمع