
أبزر الملامح المتوقعة للسياسة الخارجية لكامالا هاريس حال فوزها بالانتخابات الرئاسية الأمريكية
تُعد الانتخابات الأمريكية القادمة الأكثر تعقيدًا وضبابية لتوقع نتائجها، فما زالت الساحة السياسية الأمريكية قبل قرابة نحو 100 يوم من موعد إجراء هذه الانتخابات في نوفمبر المقبل، تشهد العديد من الأحداث السريالية ذات الوقع الكبير على مسار هذا السباق الانتخابي، بداية من خروج الرئيس جو بايدن رسميًا من مضمار سباق الانتخابات بإعلان انسحابه، ثم تأييده لترشح نائبته كامالا هاريس بديلًا عنه، مرورًا بتزايد الزخم الذي تكتسبه كامالا هاريس مؤخرًا باعتبارها المرشح الأوفر حظًا للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي لخوض الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل، لاسيما مع الدعم الديمقراطي واسع النطاق لها، وتنامي الدعم المالي لحملتها الانتخابية، وصولًا لتجاوزها عدد المندوبين المطلوب للحصول على ترشيح الحزب الديمقراطي لها كمرشح رسمي للحزب لخوض الانتخابات الرئاسية، تزامنًا مع تقارب نسب التأييد بينها وبين منافسها الجمهوري الرئيس الأسبق دونالد ترامب في استطلاعات الرأي لاسيما في الولايات المتأرجحة، لذا، يلقي هذا التقرير الضوء على السياسات الخارجية المتوقعة لكامالا هاريس حال نجاحها في الحصول رسميًا على بطاقة الترشح عن الحزب الديمقراطي لخوض الانتخابات الرئاسية، وفوزها في سباق الانتخابات الأمريكية ودخول البيت الأبيض.
تشير الكثير من التقديرات إلى أن كامالا هاريس ستسير بشكل كبير على نفس نهج السياسات الخارجية للرئيس جو بايدن، وخاصة فيما يتعلق بالحرب الروسية الأوكرانية، وتعزيز التحالفات الأمريكية للحد من النفوذ الصيني والروسي، والالتزام بالدعم اللامحدود لأمن إسرائيل، وتبني نهجًا أكثر تعاونًا مع حلفاء أمريكا وشركائها التجاريين مع الاستمرار في نهج مواجهة الصعود الصيني، وذلك كما يلي:
أولًا: العلاقات مع الصين:
خلال قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا “آسيان”، اتهمت “هاريس” الصين “في محاولة لإجبار جيرانها الأصغر على الاعتراف بمزاعم سيادتها على مناطق في بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه”، كما أيدت جهود إدارة بايدن في تعزيز التحالفات الأمريكية في آسيا. وأوضحت “هاريس” في أكثر من مناسبة التهديد الذي تشكله الصين على حلفاء أمريكا ومصالحها في آسيا، قائلةً إن “الصين تسعى إلى تحقيق مصالحها في الغالبية العظمى من بحر الصين الجنوبي”، كما أدانت “الإجراءات البحرية للصين، والتي شملت ترهيب أساطيل الصيد في البلدان الأخرى وبناء جزر اصطناعية في بحر الصين الجنوبي”.
لذا من المرجح أن تحافظ هاريس على نفس نهج سياسات بايدن تجاه الصين، والمتمثل في المحافظة على موقف صارم تجاه الصين، مع إدارة المنافسة معها، باعتبارها تشكل التحدي والتهديد الاستراتيجي الأكبر لأمريكا، لذا ستعمل هاريس على مواجهة الصين ونفوذها المتنامي، خاصة في آسيا عند الضرورة، مع إعطاء الأولوية للحفاظ على منطقة المحيطين الهندي والهادي حرة ومفتوحة، وهي المنطقة التي تمثل تنافسًا رئيسيًا واستراتيجيًا بين أمريكا والصين، مع الاستمرار في مسار يركز بشكل أكبر على حلفاء واشنطن والعمل ضمن أطر متعدد الأطراف، من حيث حشد الحلفاء الغربيين لاحتواء الصين ومواجهة التحديات الاقتصادية والتكنولوجية الصينية ومواجهة الصعود الصيني المتنامي في مجال الذكاء الصناعي وغيره من التقنيات الناشئة.
تزامنًا مع الاستمرار في نهج تعزيز التحالفات مع حلفاء أمريكا الآسيويين، والتأكيد على استمرار الالتزام الأمريكي تجاههم، لمواجهة تحديات الصين المتعددة في منطقة المحيطين الهندي والهادي، مع الإبقاء على سياسة وضع منطقة آسيا والباسيفيك “التمحور نحو آسيا” في مقدمة أولويات السياسة الخارجية الأمريكية لاحتواء الصين باعتبارها أكبر تهديد للولايات المتحدة الأمريكية، كما يتوقع أن تتبنى هاريس نفس نهج بايدن فيما يتعلق بتبني استراتيجية عسكرية حازمة تجاه الصين، من منطلق أن القوة آخر أداة للحل، مع الحفاظ على إيجاد مجالات وملفات للتعاون بين البلدين والإبقاء على خطوط اتصال مفتوحة مع النظام الصيني لإدارة المنافسة بين البلدين بشكل مسؤول.
لذا يمكن القول، أن “هاريس” سوف تستمر في تبني نهج استراتيجية بايدن بإدارة علاقة تنافسية تعتمد على نهج أكثر صبرًا وأكثر حزمًا والتعامل بدبلوماسية أكثر في الجوانب العدائية والتنافسية والتعاونية للعلاقات بين الصين وأمريكا، مع تعزيز التحالفات الأمريكية، لا سيما في آسيا وأوروبا وحشدهم في تحالف دولي من أجل تشكيل جبهة موحدة لمنافسة الصين واحتواء التحديات الاقتصادية والسياسية الصينية، إلى جانب استمرار المواجهة بشأن ملف حقوق الإنسان والديمقراطية والتوسع الإقليمي لضمان استقرار منطقة المحيطين الهندي والهادئ، والعمل على تقوية الاقتصاد ودعائم الديمقراطية الأمريكية، والتأكيد على الدور العالمي لأمريكا في الدفاع عن حقوق الإنسان، والعمل مع المجتمع الدولي لحمل الصين على حماية تلك الحقوق، لاسيما في قضيتي هونج كونج والأقليات والايغور في منطقة شينجيانغ.
مع الاستمرار في تبني العديد من سياسات الضغط الصارمة التي انتهجها ترامب تجاه الصين والتي استمرت إدارة بايدن في تنفيذها، ولكن بأساليب مختلفة في التنفيذ وبنهج أكثر مرونة ودبلوماسية، مع السعي لتقليل اعتماد الاقتصادات الغربية على الصين، وخاصة أن هاريس انتقدت نهج سياسات ترامب القائمة على الحمائية ورفع التعريفات الجمركية، والتي استمر بايدن في تطبيقها، حيث ترى أنها تُضر بالاقتصاد الأمريكي دون إعادة التوازن إلى العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين.
ثانيًا: التجارة الدولية:
خلال عمل “هاريس” كنائبة للرئيس جو بايدن، تبنت بشكل كبير السياسات الاقتصادية لبايدن، وانتقدت نهج سياسات ترامب القائمة على الحمائية ورفع التعريفات الجمركية التي تهدف لتعزيز الميزان التجاري وتقليل نفوذ الصين، وكذلك انتقاد تفضيل ترامب للاتفاقات التجارية الثنائية بما يحقق مصالح أكثر لأمريكا، على الاتفاقات التجارية متعددة الأطراف.
لذا، من المرجح أن تتبنى هاريس نفس نهج سياسات بايدن لكن مع تطوير وتغيير بعضها، حيث يتوقع أن تتبنى نهجًا أكثر تعاونًا مع حلفاء أمريكا وشركائها التجاريين، هذا إلى جانب الاستمرار في سياسات بايدن التي تعزز الثقة في الأسواق العالمية وتحفز الاستثمار، كما قد تتجنب هاريس المفاوضات التجارية التقليدية، مع تفضيل الاتفاقات التجارية متعددة الأطراف مثل العودة للشراكة عبر المحيط الهادي التي انسحب منها ترامب سابقًا، هذا إلى جانب العمل على إصلاح نظام التجارة العالمية، وتعزيز التجارة الحرة العادلة التي تراعي المعايير الاجتماعية وخاصة حماية حقوق العمال الأمريكيين وكذلك المعايير البيئية المعلقة بتغيرات المناخ، حيث تركز هاريس على تعزيز الشراكات الدولية وإعادة بناء التحالفات التي تأثرت كثيرًا خلال عهد ترامب.
ففيما يتعلق بالتعريفة الجمركية، فيتوقع أن تنحرف قليلًا “هاريس” عن سياسات التعريفات الجمركية الخاصة ببايدن، والتي حافظت على الرسوم التي فرضها “ترامب” خلال عهده، على السلع الاستهلاكية، ورفع التعريفات الجمركية على تكنولوجيا الطاقة النظيفة، حيث انتقدت “هاريس” أكثر من مرة التعريفات الجمركية التي فرضها “ترامب” على الصين، وهاجمت خلال حملتها الانتخابية في ولاية كارولاينا الشمالية خطة ترامب للتعريفات الجمركية الشاملة بنسبة 10% التي فرضها عام 2018، والتي أدت لردود فعل مماثلة من الصين ترتب عليه اضطراب الأسواق العالمية، وزيادة التكلفة على الشركات والأسر الأمريكية، وعندما كانت عضوا بالكونجرس عن ولاية كاليفورنيا عام 2019، كانت دائما ما تنتقد السياسة الحمائية الشديدة التي فرضها “ترامب”.
وقالت آنذاك إن تلك السياسات تضر بالفلاحين والمنتجات الأمريكية والمستهلكين الراغبين بشراء منتجات أرخص من الأسواق الخارجية.
كما يتوقع أن تشمل أي مفاوضات تجارية جديدة لهاريس التركيز على المناخ، وأن تشمل القضايا البيئية، فخلال حملتها الانتخابية عام 2019، أكدت أنه “لن يتم توقيع أي اتفاقية تجارية ما لم تحمِ العمال الأمريكيين والبيئة”، كما يرى عدد من خبراء الاقتصاد أن خلفية هاريس كمدعية عامة ستدعم بشكل عام النظام الدولي القائم على القواعد والقانون الدولي، لذا قد تدعم منظمة التجارة العالمية، وإعادة عمل هيئة الاستئناف التابعة لمنظمة التجارة العالمية.
ثالثًا: الحرب الروسية- الأوكرانية:
تتوافق “هاريس” تمامًا مع نهج إدارة بايدن المتمثل في تقديم الدعم القوي والتسليح واستمرار المساعدات الأمنية لأوكرانيا في حربها ضد روسيا، وكذلك استراتيجية الدفاع الوطني الأمريكية التي ترى أن الصين ثم روسيا تشكلان أكبر تهديد للأمن القومي الأمريكي، وهو ما يتضح في نهج هاريس خلال عملها كنائبة للرئيس بايدن، فمثلًا أشارت “هاريس” في مؤتمر ميونخ للأمن إلى “أنها وبايدن يقفان بجانب أوكرانيا..”. كما أتهمت روسيا بارتكاب جرائم ضد الانسانية في غزوها لأوكرانيا، محذرة الصين من تقديم الدعم لروسيا، كما أكدت هاريس الاستمرار في دعم بايدن القوي لحلف شمال الأطلسي “الناتو”، وخلال اجتماعها مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على هامش القمة حول السلام في أوكرانيا، في 15 يونيو الماضي، “شددت على الدعم الأمريكي الثابت لأوكرانيا، واستمرار توفير مساعدات أمنية أمريكية لها، والمشاركة في جهود تعزيز قدرات الدفاع الجوي الأوكرانية…”، وخلال مقابلة مع شبكة إن بي سي نيوز، قالت إن أوكرانيا بحاجة إلى الدعم الأمريكي وعلينا أن نعطيها هذا الدعم، وأن أوكرانيا يمكنها الاستمرار في الاعتماد على دعم واشنطن مع استمرار الحرب.
رابعًا: القضية الفلسطينية والحرب الاسرائيلية علي قطاع غزة:
تؤيد كامالا هاريس دعم أمن إسرائيل، وتعارض حركة المقاطعة لإسرائيل “BDS”، كما أنها قريبة من لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية إيباك “AIPAC”، وعلى الرغم من تأييدها بشكل علني لفكرة حل الدولتين عندما كانت عضوًا في مجلس الشيوخ، إلا أنها في أوائل عام 2017 شاركت في دعم قرار لمجلس الشيوخ وبخ إدارة أوباما لصدور قرار من مجلس الأمن الأمريكي يدين سياسات الاستيطان الإسرائيلية، وخلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، برزت هاريس كواحدة من أوائل القادة في الإدارة الأمريكية الذين دعوا لوقف إطلاق النار، ووجهت خطابًا حادًا لتعامل الحكومة الإسرائيلية مع ملف المساعدات.
وتجدر الاشارة هنا، إلي أن “هاريس” زوجها يهودي وهو دوج إيمهوف، مؤيد لإسرائيل، ومنخرط في التجمعات والانشطة اليهودية، وقبل أحداث السابع من أكتوبر، ساعد في توجيه جهود الإدارة الأمريكية ضد ما أسماه المد المتصاعد لمعاداة السامية في أمريكا، كما أنه أيد موقف الإدارة الأمريكية الداعم لإسرائيل بعد أحداث السابع من أكتوبر.
وفي السياق نفسه، على الرغم من تغيب هاريس عن حضور كلمة رئيس الوزراء الإسرائيلي أمام الجلسة المشتركة للكونغرس، وما أثير بشأن هذا الغياب من أنه مقاطعة متعمدة، أو بسبب ارتباط مسبق لهاريس في ولاية إنديانا؛ حُدد قبل انسحاب بايدن من الانتخابات، إلا أن هاريس أدانت قيام عدد من المتظاهرين برسم شعارات معادية لإسرائيل قرب مبنى الكابيتول، كما التقت هاريس بنتنياهو في اجتماع مغلق. وأكدت عقب اللقاء “التزامها بإسرائيل وأمنها، وأن لإسرائيل كل الحق في الدفاع عن نفسها، لكن الطريقة التي تفعل بها ذلك مهمة، ولا يمكن تجاهل الوضع الإنساني المتردي في غزة. لا يمكن أن نسمح لأنفسنا بأن نصبح مخدرين تجاه المعاناة، وأنا لن أصمت إزاء ذلك.
كما دعت لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن، وأشارت لحق الشعب الفلسطيني في الحرية وتقرير المصير والعيش بأمان، وأكدت حرصها على الوضع الإنساني وأهمية إرسال المساعدات لغزة، مما يعني أن هاريس مستمرة في سياسات بايدن الداعمة بشكل كامل لإسرائيل ولكن مع تغير في اللهجة بتوجيه انتقاد لسياسات نتنياهو علنًا.
وجدير بالذكر هنا، أن تصريحات هاريس أثارت انتقادات واسعة لها من قبل مسؤولين إسرائيليين، كما استغلها منافسها الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب لتوجيه انتقادات لهاريس بأنها “لا تحب الشعب اليهودي ولا إسرائيل” واصفًا اللقاء بأنه “مهين ومريع”.
ومع ذلك لا تنفي هذه التصريحات، ولا هذه الانتقادات حقيقة أن “هاريس” لن تنحرف عن أي سياسة لرئيس أمريكي سابق تدعم إسرائيل الحليف الاستراتيجي الأوثق لأمريكا، وأن تغيير اللهجة بهذا الشكل الذي وصف بأنه تغير حاد؛ من غير المرجح أن نراه منعكسًا في سياسات على أرض الواقع، أو بإعادة تقييم للعلاقات بين أمريكا وإسرائيل.
لذا المرجح هنا، أن تصريحات “هاريس” الأكثر توازنًا عن موقف بايدن، في انتقادها علنًا للوضع الإنساني في غزة، تأتي في إطار التوتر الحادث في العلاقات بين الإدارة الأمريكية وطريقة “نتنياهو” في إدارة الحرب علي غزة، وكذلك طول أمد الحرب وسلوك إسرائيل في قطاع غزة والضفة الغربية، وتفاقم تدهور الوضع الإنساني بشكل كارثي بالقطاع، بجانب تصاعد المخاوف بشأن اتساع رقعة الصراع لحرب إقليمية موسعة في الشرق الأوسط.
كما أن هاريس ربما تهدف من ورائها الدعاية الانتخابية، واستمالة كتلة الناخبين -خاصة بالولايات المتأرجحة-، من العرب والشباب والمسلمين، وكذلك تأييد الديمقراطيين التقدميين، لاسيما جيل الشباب الديمقراطي، والناشطين الرافضين لاستمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لاسيما بعد استشهاد عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين وعشرات الآلاف من المصابين، أغلبهم من النساء والأطفال، هذا بجانب التدهور الحاد في الوضع الإنساني والصحي في قطاع غزة والتدمير الشامل لكافة البنى التحتية والخدمات، لذا اختلاف نبرة هاريس بتبني خطاب أكثر صرامة إزاء إسرائيل قد لا يعكس تحولًا كبيرًا في سياساتها عن نهج بايدن تجاه إسرائيل، ومع ذلك نأمل أن ينعكس هذا التغير في خطاب هاريس على أرض الواقع باتجاه الدفع للعودة لمفاوضات السلام، وإقامة حل الدولتين الذي تدعمه هاريس، وإن كان احتمالًا ضئيلًا.
خامسًا: التهديد النووي الايراني:
دعمت “هاريس” سابقًا الاتفاق النووي “خطة العمل المشتركة الشاملة”، والذي تم إبرامه عام 2015 خلال عهد الرئيس السابق باراك أوباما لكبح جماح البرنامج النووي الإيراني، وانسحب منه “ترامب” خلال فترة رئاسته، كما أدانت الضربة العسكرية التي أسفرت عن اغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني، في أوائل عام 2020، فضلاً عن مشاركتها في رعاية تشريع لم يمرر كان يقضي بمنع شن المزيد من الأعمال العسكرية ضد القادة والأهداف الإيرانية.
لذا، من المتوقع أن تستمر هاريس على نفس نهج سياسات بايدن تجاه إيران، والمتمثلة في الحد من التهديد الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، واستمرار تشديد العقوبات على إيران ومحاولة احتوائها للحيلولة دون حصول إيران على سلاح نووي، وحشد الجهود الدولية في هذا الشأن. مع استبعاد احتمالية الانخراط في أي مفاوضات مع إيران بشأن العودة للاتفاق النووي ما لم تُقدم إيران أي إشارات جدية بشأن استعدادها لتقديم تنازلات للعودة لهذا الاتفاق.
مجمل القول؛ تتطابق توجهات السياسة الخارجية لكامالا هاريس إلى حد كبير مع توجهات السياسة الخارجية للرئيس جو بايدن، لذا من المرجح أن تستمر في سياسة إدارة التنافس مع الصين والمواجهة معها عند الضرورة مع العمل مع الحلفاء الغربيين والآسيويين لإدارة المواجهة مع تنامي النفوذ والصعود الصيني، تزامنًا مع إيجاد مجالات للتعاون بين أمريكا والصين، كما يتوقع أن تستمر هاريس في وضع سياسة التمحور نحو آسيا في أولويات السياسة الخارجية الأمريكية، مع تقديم الدعم لكل من اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان لمواجهة الصين وكوريا الشمالية، كما ستستمر في سياسة بايدن الداعمة لأوكرانيا، وتقديم التسليح والدعم الأمني لها في حربها ضد روسيا لتحقيق الانسحاب الروسي من الأراضي الأوكرانية، مع الاستمرار في دعم وتقوية حلف شمال الأطلسي “الناتو”، وفي السياق نفسه يتوقع أن تتبنى هاريس نهجًا أكثر تعاونًا مع حلفاء أمريكا وشركائها التجاريين مع الاستمرار في نهج مواجهة الصين لكن بما لا يضر بمصالح العمال والشركات الأمريكية.
كما يتوقع أن تستمر هاريس في سياسة الدعم المطلق لإسرائيل والالتزام بأمن إسرائيل، مع اختلاف طفيف عن سياسات بايدن بشأن الضغط بشكل أكثر حدة من إدارة بايدن إذا ما استمرت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، باتجاه وقف الحرب، وتقديم المزيد من الدعم الإنساني لقطاع غزة، والدفع بشأن العودة لمفاوضات السلام وحل الدولتين، كما ستستمر في جهود احتواء إيران والحيلولة دون وصولها للسلاح النووي، مع استبعاد المبادرة للعودة للاتفاق النووي ما لم تُقدم إيران أي بادرة تنازل في هذا الاتجاه، لذا لا يتوقع أن تُحدث هاريس حال ترشحها في الانتخابات الرئاسية عن الحزب الديمقراطي، وفوزها بالبيت الأبيض تحولات كبيرة في جوهر سياسة بايدن الخارجية على الأقل خلال العام الأول من حكمها.
باحثة متخصصة في العلاقات الدولية