جدري القردة.. الرعب القادم للكوكب الأزرق
أعلنت منظمة الصحة العالمية، في الرابع عشر من أغسطس الحالي، أن جدري القرود أصبح يشكل طارئة صحية عالمية، وعلى وشك أن يتحول إلى جائحة عالمية، إذا لم يتم اتخاذ التدابير الصحية اللازمة، لمنع تفشي المرض الذي بدأ في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وبات الآن طارئة صحية عالمية، وهو أعلى مستوى تحذيري تطلقه المنظمة، مما يثير القلق تجاه سرعة انتشاره في إفريقيا.
ما هو جدري القردة؟
فيروس مغلف يحتوي على حمض نووي ذي سلسلتين، يُختصر عادةً باسم MPXV، هو فيروس ينتمي إلى جنس الفيروس الجدري التابع لفصيلة الفيروسات الجدريَّة، وهو قريب الصلة من فيروس الفاريولا الذي يشمل الجدري وجدري البقر والوقس وفيروسات أخرى. والفرعان الحيويان الجينيان للفيروس هما الفرع الحيوي الأول والثاني، وحتى الآن لا يوجد سبب واضح للمصدر الأصلي لجدر ي القرود.
ويوجد سلالتان من المرض، الأولى سلالة حوض الكونغو، والثانية سلالة غرب إفريقيا. وتبدأ أعراض المرض في الظهور في فترة تتراوح من 3 أيام إلى 17 يومًا من الإصابة بالفيروس، وتسمى الفترة الفاصلة أو فترة حضانة المرض، وهي ارتفاع درجة الحرارة، وتورم الغدد الليمفاوية، والصداع، وآلام العضلات والظهر، والوهن.
وتبدأ بعد فترة حضانة المرض بظهور طفح جلدي على المريض في أي مكان على الجسم مثل: اليدين وباطن القدمين والوجه والفم والحلق ومناطق الأعضاء التناسلية. ويبدأ الطفح الجلدي أولاً على هيئة بقع مسطحة تتحول إلى بثور ثم تمتلئ البثور بالصديد والسائل الموجود في هذه البثور يكون معديًا ويمكن أن ينتشر بكتيريا المكورات العنقودية الذهبية عن طريق مشاركة المناشف أو فرشاة الأسنان.
وينتقل جدري القرود من شخص إلى آخر بالاتصال المباشر باللمس أو استخدام الأدوات الخاصة بالمريض أو الاتصال الجنسي أو من الحيوانات الناقلة للمرض إلى الإنسان. والفئات الأكثر عرضة للإصابة بفيروس جدري القردة هم مرضى نقص المناعة ومرضى سرطان الدم والغدد الليمفاوية والحوامل والمرضعات وأصحاب الأمراض المزمنة.
ولا يوجد علاج معين معتمد لجدري القرود. ولكن قد يعالج الأطباء حالات جدري القرود ببعض الأدوية المضادة للفيروسات المستخدمة لعلاج الجدري.
تطور ظهور المرض
تم اكتشاف جدري القردة لأول مرة في الدنمارك عام 1958، في مجموعة من القرود التي تُستخدم لأغراض البحث العلمي، وكانت أول حالة إصابة بشرية بالفيروس في الكونغو الديمقراطية عام 1970 لرضيع يبلغ سبعة أشهر، وتم القضاء عليه في عام 1980، بعد التطعيم ضده، ولكنه يظهر بشكل غير وبائي في وسط وغرب إفريقيا، وفي عام 2003 أصيب عدد من الأشخاص بالمرض في الولايات المتحدة الأمريكية بعد انتقال الفيروس من كلاب برية تم استيرادها من غانا، ومنذ العام 2005 يتم الإبلاغ عن آلاف الحالات في جمهورية الكونغو الديمقراطية، والتي تُعتبر المنطقة المستوطنة للمرض.
في عام 2017 عاد الفيروس للظهور بشكل أكبر في نيجيريا، واستمر في الانتشار بين المواطنين وبين المسافرين إلى وجهات أخرى، وتمت السيطرة عليه، ليعود المرض بشكل جائحة في العام 2022 فانتشر في أوروبا وأمريكا، وأعلنت منظمة الصحة العالمية حينها عن وجود المرض في 110 دول وإصابة 87 ألف حالة، ووفقًا للمنظمة كان أكثر المصابين من المثليين ومزدوجي الميل الجنسي.
هل العالم على اعتاب جائحة اخري؟
أعلنت منظمة الصحة العالمية في يوليو الماضي، أن هناك أكثر من 16 ألف حالة إصابة بجدري القردة في 75 دولة وإقليمًا، إضافة إلى حدوث خمس وفيات، على إثرها أعلنت المنظمة حالة الطوارئ القصوى، وتم استخدام لقاحين هما جينيوس من شركة بافاريا نورديك، ولقاح إل سي 16 من إنتاج شركة كيه إم بيولوجيكس، وتم إنهاء الأزمة بعد عشرة أشهر.
وفي ديسمبر المنصرم بدأ المرض في التفشي مرة أخرى من الكونغو الديمقراطية حتى وصل إلى 15 ألف حالة مصابة و461 حالة وفاة، النسبة الأكبر منها بين الأطفال.وطبقا لمنظمة الصحة العالمية تنتشر سلالة جديدة من “الإمبوكس” بالاتصال الجنسي، مما تسبب في سرعة انتشارها في وسط وغرب إفريقيا. وهي سلالة أكثر خطورة وفتكًا من سابقاتها، ورُصد 100 حالة في أربعة بلدان مجاورة هي بوروندي وكينيا ورواندا وأوغندا، مع الاعتبار بوجود حالات لم يُبلغ عنها. وبوتيرة متزايدة بدأت الحالات تظهر خارج القارة، إذ اكتُشف مصاب في السويد قادمًا من إفريقيا، كما اشتبهت السلطات الباكستانية في ثلاث حالات قادمة من الإمارات. وحتى الآن تُصنف منظمة الصحة العالمية تلك الحالات بأنها حالة طوارئ عالمية لكنها لم تصل إلى كونها جائحة، كما كان الحال إبان جائحة كورونا خاصة وأن انتقال الكورونا يتم عبر التنفس، لكن جدري القردة يتطلب المخالطة والملامسة، وتظهر أعراضه على المريض من خلال الطفح الجلدي.
العجز في اللقاحات سبب لتزايد المرض
ضخ صندوق الاتحاد الأفريقي تمويلًا طارئًا بقيمة 10.4 ملايين دولار أمريكي، لمواجهة جدري القردة، وهناك خطة لصنع ما يقرب من 3 ملايين مصل بشكل عاجل، وهناك 65 ألف جرعة فقط من اللقاح متوفرة في الكونغو الديمقراطية، ولا توجد تحركات لصنع اللقاح قبل أكتوبر المقبل، نظرًا لمحدودية التمويل الخاص باللقاح، والذي أكدت منظمة الصحة العالمية أنها تحتاج إلى 10 ملايين جرعة لضمان عدم انتشار المرض مرة أخرى.
وهناك الكثير من العقبات في وجود اللقاح، حيث أن جدري القردة نسبة الموت بسببه 1%، ويتم علاجه بمضادات الفيروسات من أربع إلى ست أسابيع.
وتعتزم منظمة الصحة العالمية تمويل فورًا بقيمة 15 مليون دولار أمريكي لدعم أنشطة الترصد، والتأهب والاستجابة، وقد ضخت المنظمة 1.45 مليون دولار أمريكي من صندوقها الاحتياطي للطوارئ، كما ناشدت المنظمة الجهات المانحة لتمويل الاحتياجات.
كما طالبت المنظمات من مصنعي اللقاح تقديم بيانات كاملة لضمان سلامة اللقاحات وفعاليتها وضمان جودتها، وتسريع التصنيع حتى تصل إلى الدول ذات الدخل المنخفض، ورفع المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض ومكافحتها، درجة التأهب القصوى لمواجهة المرض خاصة بعد انتقال المرض إلى السويد، خاصة بعد توقعات بزيادة انتشار المرض في أوروبا الفترة المقبلة.
خريطة انتشار المرض
أعلنت منظمة الصحة العالمية في 23 يونيو 2022، أعداد المصابين في الفترة من يناير وحتى 22 يونيو 2022، أنه تم الإبلاغ عن 3413 حالة مؤكدة مختبريًا، ووفاة واحدة في 50 دولة وإقليم، ومنذ تم الإعلان عن تفشي جدري القردة مجددًا تم الإبلاغ عما يقرب من 17000 حالة إصابة و524 حالة وفاة، أي بزيادة 160% عن حالات الإصابة وإعلان الطوارئ لعام 2022، وكانت أكبر الإصابات في المملكة المتحدة مسجلة 793 حالة جدري قردة، وسجلت الكونغو الديمقراطية 10 حالات فقط في حين سجلت جمهورية الكونغو الآن 14000 إصابة و524 وفاة.
وخلال تفشي مرض الجدري على مستوى العالم في عام 2022، شكل الرجال المثليون جنسيًا ومزدوجو الميل الجنسي الغالبية العظمى من الحالات.
وعلى الرغم من ملاحظة بعض الأنماط المماثلة في أفريقيا، فإن الأطفال دون سن 15 عامًا يمثلون الآن أكثر من 70% من حالات مرض الجدري و85% من الوفيات في الكونغو. ومن 2100 حالة مؤكدة مختبريًا و13 حالة وفاة من 12 دولة (بوروندي، الكاميرون، جمهورية إفريقيا الوسطى، الكونغو، كوت ديفوار، جمهورية الكونغو الديمقراطية، كينيا، ليبيريا، نيجيريا، رواندا، جنوب إفريقيا وأوغندا) مقارنة بـ 1145 حالة مؤكدة وسبع وفيات في عام 2023 بأكمله تم الإبلاغ عنها من 11 دولة.
في حين سُجلت الإصابة هذا العام في دول جديدة مثل “أوغندا وأفريقيا الوسطى”. ومن أسباب انتشار المرض هذا العام وجود سلالة جديدة أسرع انتشارًا من السلالة السابقة، وهي الموجودة في كينيا ورواندا وساحل العاج وأوغندا وليبيريا ونيجيريا وجنوب إفريقيا.
احتياطات مصر للتصدي للوباء
أعلنت وزارة الصحة والسكان المصرية عدم وجود أي حالات من وباء جدري القردة، أو فيروس “الامبوكس”، كما أعلنت عن رفع درجة الاستعداد القصوى بجميع أقسام الحجر الصحي بجميع المطارات الجوية والمعابر البرية والموانئ البحرية، من خلال الحجر الصحي والكشف على جميع القادمين من كل دول العالم، عن طريق الكاميرات الحرارية أو أجهزة قياس درجة الحرارة عن بعد، وتنشيط كافة الإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية، حتى يتم السيطرة على جميع المنافذ والحيلولة دون وصول أي مصاب، أو دخول الأمراض المعدية إلى البلاد. كما يتم تقييم حالات المشتبه بهم في الحجر الصحي بالمطار، وفي حالة تأكد الإصابة بالمرض يتم عزلهم بمستشفى الحميات وإبلاغ الحجر الصحي وتطهير حجرة العزل بالمطار.
أخيرًا، بدأت مصر الاستعدادات القصوى لمنع دخول الفيروس للبلاد، وبالرغم من التوتر الذي يحيط بالمرض هذه المرة، إلا أن شبح الإغلاق الكامل، وإعادة ما حدث أيام جائحة كورونا لن يحدث مرة أخرى، حيث لم تتخط نسبة الوفاة بالمرض 1%، واللقاحات ستكون مانعة لتحور الفيروس وانتشاره خاصة وأن بؤرة توطينه معروفة.