
القطاع الثالث في مصر وفرص الاستثمار
تؤثر معدلات التضخم بشكل مباشر على كافة القطاعات ولا سيما القطاع الثالث، حيث يواجه القطاع غير الربحي في مختلف دول العالم تحديات مضاعفة لها آثار بعيدة المدى، فمع ارتفاع الأسعار وانخفاض القوة الشرائية ترتفع تكاليف التشغيل وتتراجع فرص التمويل بسبب تغير سلوك المانحين والمتبرعين، لذلك من الضروري أن تمتلك المؤسسات غير الربحية تدابير استباقية للتخفيف من تداعيات التضخم من خلال زيادة فرص الاستثمار، وهو ما يتطلب في المقام الأول حوكمة القطاع، بالإضافة إلى إتاحة جملة من الممكنات التشريعية والتنظيمية والإدارية، ويحتاج إلى مجموعة متنوعة من أدوات الاستثمار، في مقدمتها الصناديق والمحافظ الاستثمارية، والتي نصت على بعضٍ منها قوانين تنظيم العمل الأهلي في مصر، فهل أسهمت في تغيير الأداء الاقتصادي للقطاع؟ وما الفرص الاستثمارية المحتملة في ظل هذه التغيرات؟
فرص الاستثمار في القطاع الثالث
حددت اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم العمل الأهلي 149 لسنة 2019 موارد مالية لدعم الجمعيات، حيث اشتملت المادة (76) من اللائحة على سبعة موارد على النحو الموضح بالشكل (1)، ومن بين هذه الموارد إتاحة تأسيس أو المساهمة في تأسيس شركات وصناديق استثمارية خيرية ترتبط بأنشطة الجمعيات، شريطة أن توزع العوائد والأرباح الناتجة عن استثماراتها لصالح أغراض اجتماعية وخيرية من خلال مؤسسات المجتمع الأهلي وبعد موافقة الوزير المختص. علاوة على ذلك، أجازت اللائحة إعادة استثمار العوائد أو فائض الإيرادات العادية في مجالات تضمن الاستدامة المالية للجمعيات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: الودائع وأذون الخزانة أو السندات الحكومية، أو شهادات الاستثمار، فيما عدا المضاربات المالية.

شكل (1): الموارد المالية للجمعيات الأهلية وفق قانون تنظيم العمل الأهلي 149 لسنة 2019
من جهة أخرى، امتدت مصارف توزيع أرباح وعوائد صناديق الاستثمار الخيرية لتشمل الإنفاق على الأغراض الاجتماعية أو الخيرية، ليس فقط من خلال الجمعيات أو المؤسسات الأهلية المشهرة، بل أيضًا من خلال الجهات الحكومية أو الجهات التابعة لها، وذات الصلة بالأنشطة الخيرية بحسب ما جاء بتعديلات اللائحة التنفيذية لقانون رأس المال 2016، على صعيد متصل، حددت القرارات التنظيمية الصادرة عن الهيئة العامة للرقابة المالية عام 2017، الأغراض الاجتماعية التي توزع عليها أرباح استثمارات الصناديق الخيرية لتشمل ما يلي:
- تمويل أنشطة الرعاية الاجتماعية مثل بناء أو تشغيل دور الأيتام أو الطلبة المغتربين أو المسنين.
- تمويل الأنشطة التعليمية والتدريبية والمنح الدراسية.
- تمويل المساعدات النقدية أو العينية للأرامل والمعيلات والغارمات، وذوي الاحتياجات الخاصة.
- تمويل بناء أو تشغيل مراكز الشباب والنوادي الرياضية لغير القادرين.
- تمويل أنشطة الرعاية الصحية، وبناء وتجهيز وتشغيل المستشفيات ووحدات الرعاية الصحية والمراكز العلاجية.
- وكذلك تمويل تحمل كل أو جزء من تكاليف العمليات الجراحية، أو الأدوية، أو الإقامة، أو شراء أدوية أو المستلزمات الطبية لغير القادرين.
- التمويل الموجه لتطوير القرى الفقيرة والعشوائيات، وتنمية وخدمة المجتمع بشرط موافقة الهيئة.
يتضح مما سبق تمركز الفرص الاستثمارية في القطاع الثالث بمصر حول الأنشطة الخدمية في المقام الأول، الأمر الذي يترتب عليه ضعف الأداء الاقتصادي للقطاع، وتذبذب استدامته المالية، وضعف ريع الاستثمار، لذلك يمكن طرح بعض الفرص الاستثمارية التي تعزز مساهمة القطاع في زيادة الناتج المحلي على النحو التالي:
- المجمعات الصناعية للأسر المنتجة: تدعم وزارة التضامن الاجتماعي تطوير مشروعات الأسر المنتجة عبر 421 مركزًا منذ عام 1964، فقد وصل عدد الأسر المنتجة حتى 2022 نحو731 ألف أسرة بإجمالي نحو 2.9 مليون مستفيد، وبلغت قيمة التمويل نحو 3 مليارات جنيه كقروض ميسرة لإنشاء مشروعات صغيرة ومتناهية الصغر، لتمويل أكثر من 400 ألف مشروع نفذ 68% منها في الريف المصري بحسب الإحصاءات الصادرة عن الوزارة.
وعلى الرغم من نمو مشروعات الأسر المنتجة، إلا أن اهتمامات تطويرها تنصب على التسويق عبر المعارض كمرحلة أخيرة من مراحل دورة أي مشروع، بيد أن هناك فرصة حقيقية لنمو البنية التحتية لمشروعات الأسر المنتجة، من خلال إنشاء المجمعات الصناعية بالتعاون مع مبادرة ” ابدأ”، ودعم البنية التحتية للاستثمار في قطاع الصناعة، وزيادة الصناعات الحرفية وتوطينها، لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة.
- زيادة تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة: ارتفعت أرصدة تمويل المشروعات متناهية الصغر إلى أكثر من 45 مليار جنيه حتى الربع الثالث من عام 2023 وفق التقارير الصادرة عن هيئة الرقابة المالية، بينما بلغت أرصدة تمويل المشروعات المتوسطة والصغيرة نحو 4.5 مليون فقط، وكان نصيب أرصدة التمويل للجمعيات والمؤسسات الأهلية المرخص لها بمزاولة نشاط التمويل متناهي الصغر نحو 15.2 مليار جنيه لصالح الجمعيات والمؤسسات من الفئة (أ)، و594.5 مليون جنيه من الفئة (ب)، و 886.8.6 مليون جنيه من الفئة (ج)، وبشكل عام يبلغ إجمالي عدد الجمعيات والمؤسسات الأهلية العاملة في نشاط تمويل المشروعات متناهية الصغر 990 جمعية ومؤسسة، بينما يوجد فقط جمعية واحدة من العاملين في نشاط تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، جدول (1).
الفئة | عدد الجهات القائمة | عدد الفروع القائمة | عدد المنافذ القائمة |
الجمعيات والمؤسسات الأهلية من الفئة (أ) العاملة في نشاط التمويل متناهي الصغر. | 22 | 902 | 924 |
الجمعيات والمؤسسات الأهلية من الفئة (ب) العاملة في نشاط التمويل متناهي الصغر. | 19 | 137 | 156 |
الجمعيات والمؤسسات الأهلية من الفئة (ج) العاملة في نشاط التمويل متناهي الصغر. | 949 | 84 | 1033 |
الجمعيات والمؤسسات الأهلية العاملة في نشاط التمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة. | 1 | 10 | 11 |
جدول (1): عدد الجمعيات والمؤسسات الأهلية العاملة في أنشطة التمويل حتى سبتمبر 2023
تدلل الأرقام السابقة، على ضرورة دراسة فرص زيادة الجمعيات والمؤسسات الأهلية العاملة في نشاط تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة بما يسهم في زيادة استثمارات القطاع، واتساع رقعته لتشمل الأنشطة الصناعية إلى جانب الأنشطة الخدمية والتجارية والزراعية، شكل (2).
شكل (2): أرصدة تمويل المشروعات متناهية الصغر وفقًا لنوع النشاط حتى سبتمبر 2023
المصدر/ تقرير الربع الثالث الصادر عن الهيئة العامة للرقابة المالية https://fra.gov.eg/wp-content/uploads/2023/12/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A8%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%84%D8%AB-2023.pdf
- خريطة استثمارات القطاع الثالث: يسهم بناء خريطة لاستثمارات القطاع الثالث في مصر في زيادة معدلات جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، حيث تمثل خريطة الاستثمار أداة لتتبع نمو الاستثمار وتفاصيل القطاع، لكونها تجمع بين المعلومات المتعلقة بتدفقات الاستثمار، وأنشطة الاستثمارات ومخزونها، وبحسب تصريحات وزارة التضامن الاجتماعي تضاعف التمويل الأجنبي الموجه للجمعيات إلى 2 مليار 150 مليون جنيه حتى عام 2021، ما يعني أهمية دراسة توجيه هذا التمويل بما يخدم زيادة استثمارات القطاع من خلال مشروعات ريادة الأعمال الاجتماعية ومشروعات الاستثمار المؤثر، وحاضنات الأعمال ذات الأثر الاجتماعي والبيئي.
ختامًا، ينبغي على مؤسسات القطاع الثالث في مصر تقييم وإدارة تأثير التضخم على عملياتها بشكل استباقي يضمن لها استدامتها المالية، وهذا الأمر يحتاج إلى البحث عن مصادر تمويل مستدامة من خلال زيادة الفرص الاستثمارية والمشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تدعم الإنتاج والصناعة وفق مؤشرات تحقق الكفاءة وفعالية الأداء، وتقيس العوائد الاجتماعية على الاستثمار.
باحثة ببرنامج السياسات العامة