مصر

مستقبل التعليم قبل الجامعي خلال الفترة الرئاسية الجديدة 

واجهت خطط إصلاح التعليم قبل الجامعي خلال السنوات الماضية عوائق خارجية وداخلية حالت دون تنفيذها على النحو الأفضل، فعلى صعيد العوائق الخارجية خلفت تداعيات جائحة كوفد 19 فقد في التعليم والمهارات في كل دول العالم ولا سيما مصر، بينما اشتملت العوائق الداخلية على ضعف الاستعداد المجتمعي للتغيير خاصة محاولات استخدام التكنولوجيا في الاختبارات والتقييم بمرحلة الثانوية العامة، فضلاً عن المقاومة المجتمعية لتطوير المناهج خلال السنوات الأولى من الإصلاح، بيد أنه ما لبثت أن تراجعت قوة المقاومة المجتمعية بعد جلسات من الحوار الوطني التي كشفت عن تحديات التعليم المصري وناقشت أسبابها، وطرحت مقترحات مختلفة لتقليل آثارها، فما هي خطة الدولة للتغلب على هذه التحديات خلال الفترة الرئاسية الجديدة؟ 

ملامح الخطة الخمسية للتعليم قبل الجامعي

نشر صندوق الشراكة العالمية من أجل التعليم The Global Partnership for Education (GPE) خطة قطاع التعليم قبل الجامعي في مصر 2023-2027، وجاء ذلك بعد إجراء دراسة تحليلية للوضع الحالي للتعليم في مصر، وبعد تقييم الخطة وإقرارها من (15) جهة دولية ومحلية كما هو موضح بالشكل (1)، فقد نجحت مصر في أن تصبح عضو في هذه الشراكة خلال مطلع شهر سبتمبر 2023، وحصلت على منحة بقيمة 700 ألف دولار أمريكي مقسمة إلى 500 ألف دولار لتطوير خطة قطاع التعليم، و200 ألف دولار لرفع كفاءة النظام التعليمي.

شكل (1): الجهات المشاركة في إقرار خطة قطاع التعليم في مصر 2023-2027- المصدر/ وثيقة إقرار خطة قطاع التعليم في مصر 2023-2027 

أسفرت نتائج الدراسة التحليلية عن قياس تحسن ملحوظ في إصلاح نظام التعليم، فقد قطعت مصر خطوات كبيرة في جودة التعلم خلال السنوات الأخيرة، حيث قفزت في تصنيف مؤشر المعرفة العالمي (GKI) من المركز 82 في عام 2019 إلى المركز 72 عام 2020 ثم إلى المركز 53 عام 2021، وهو المركز الأول بين الدول الأفريقية. 

وعلى الرغم من هذا التحسن، إلا أن هناك بعض التحديات التي حددتها الدراسة مازالت في حاجة إلى المزيد من التدخل والإصلاح الإيجابي، وفي مقدمة هذه التحديات: انخفاض مهارات القراءة والكتابة لدى 19٪ من طلاب الصف الرابع الابتدائي وانخفاض مهارات الرياضيات لدى 29٪ للطلاب في ذات المرحلة، علاوة على عدم كفاية مساحة الفصول الدراسية لاستيعاب عدد الطلاب الحالي شكل (2)، حيث أوضحت نتائج الدراسة أن هناك نحو 1.5 مليون أي نحو 7% من الأطفال في الفئة العمرية من 6 إلى 17 سنة خارج المدرسة، بما في ذلك الطلاب المتسربين من التعليم، وأولئك الذين لم يلتحقوا قط بالدراسة.

شكل (2): توزيع نسبة الكثافة الطلابية بحسب عدد المدارس عام 2021- المصدر/ خطة قطاع التعليم في مصر 2023-2027 

بشكل أساسي، تستهدف الدولة المصرية ضمان حصول جميع الطلاب على التعليم والتدريب عالي الجودة، وتسعى إلى تحسين كفاءة مخرجات التعليم، ولتحقيق ذلك تم بناء خطة قطاع التعليم 2023-2027 وفق نهج إصلاحي مبني على أربع ركائز ذات أولوية سياسية: الوصول والمشاركة، جودة التعلم والتدريس، الإنصاف والشمول، حوكمة وإدارة النظام التعليمي، وقد حددت الخطة عوامل تمكين رئيسية لنجاح هذا النهج هي: التحول الرقمي الفعال، والتنمية المهنية للمعلمين، وتخضير التعليم أو التعليم الأخضر.

فيما يتعلق بالركيزة الأولى: الوصول والمشاركة، أوضحت الخطة الخمسية أن النمو في عدد السكان يترتب عليه زيادة في عدد الأطفال في سن الدراسة، هذا إلى جانب زيادة عدد الطلاب غير المصريين (الأجانب من دولة سوريا واليمن والسودان وجنوب السودان الذين سمحت لهم الدولة بالحصول على فرصة تعليم متساوية مع زملائهم المصريين) مما يشكل ضغط على المساحات المدرسية، والتي تعاني بالفعل من زيادة في الكثافة الطلابية في الفصل الواحد بمتوسط 43 طالب، الامر الذي سيخلف آثار سلبية تمتد لتشمل جودة التدريس، والقدرة التمويلية، والتغذية المدرسية، ومرافق المياه والصرف الصحي، وأكثر من ذلك.

وفي سبيل التغلب على هذه التحديات وضعت خطة التعليم أربع توجهات لتحقيق الركيزة الأولى على النحو التالي:

  • بناء وتجديد المدارس: حيث ستواصل وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني بناء المدارس من أجل تحسين التوافر المادي للبنية التحتية المدرسية على أن تتضمن مواصفات المدارس الجديد تحقيق الأمان ومقاومة عوامل تغير المناخ، وستعتزم الوزارة توسيع نطاق التعليم المجتمعي لتوفير مساحات وفرص تعليمية إضافية، خاصة في المحافظات الحدودية.
  • توظيف المعلمين: سيتم معالجة النقص في المعلمين، الذي تم تحديده كأحد التحديات الرئيسية عبر مراحل التعليم المختلفة وفي جميع المحافظات، من خلال خطة لتوظيف 150 ألف معلم خلال الخمس سنوات المقبلة، حيث سيتم تطبيق خطة التوظيف لتتوافق مع اتجاهات التعليم 2.0 وبحسب المراحل التعليمية الدنيا (رياض الأطفال – المرحلة الابتدائية) وفي المناطق الجغرافية ذات النسب الأعلى في نقص المعلمين، وأيضاً بحسب تخصصات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات والتي سجلت انخفاض كبير في أعداد المعلمين.
  • رفع مستوى الوعي بأهمية التعليم: ستواصل الوزارة رفع مستوى الوعي بين أفراد المجتمع ليصبح التعليم أولوية من خلال زيادة نسبة الالتحاق بمرحلة رياض الأطفال، وأيضاً من خلال إعادة صياغة صورة التعليم الفني باعتباره خيارًا مهنيًا إيجابيًا، للإناث والذكور على حد سواء.
  • تقليل العوائق المالية أمام التعليم: ستواصل الوزارة جهودها نحو تقليل العوائق المالية والاجتماعية أمام التعليم من خلال الوسائل المناسبة مثل الدعم المالي، والإعفاء من الرسوم المدرسية، وتوفير الزي المدرسي، والوجبات المدرسية، مع إعطاء الأولوية للفئات الأكثر احتياجًا.

أما على صعيد الركيزة الثانية: جودة التعلم والتدريس، فقد أوضحت الخطة الخمسية أن تحديات هذه الركيزة تكمن في تراجع ترتيب مصر دولياً في اختبارات المهارات الأساسية وفق نتائج التقييم الدولي للقراءة والرياضيات (PIRLS وTIMSS)، وهذا بسبب قلة أعداد المعلمين المدربين والمؤهلين وعدم فعالية ممارسات التدريس، وانتشار العقاب البدني، والعنف في بعض المدارس، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف الدروس الخصوصية، والضغوط النفسية الناتجة عن الامتحانات عالية المخاطر خاصة في مرحلتي الشهادة الإعدادية والثانوية العامة ، مما أدى إلى انخفاض جودة التعلم والتدريس بشكل عام. 

وللتغلب على هذه التحديات، خصصت الخطة أربع توجهات لتحقيق الركيزة الثانية ورفع جودة التعلم والتدريس خلال الخمس سنوات القادمة كما يلي:

  • إصلاح المناهج وطرق التقييم: ستواصل الوزارة التحول إلى التعليم القائم على الكفاءة من خلال تطوير المناهج وطرق التدريس والتقييم في إطار التعليم العام والفني 2.0 وسيتم تحديث طرق تقييم التعلم ليتناسب مع المناهج التي تم تطويرها وإصلاحها.
  • تدريب المعلمين قبل الخدمة وأثناء الخدمة: حيث سيتم تعزيز التطوير المهني المستمر للمعلمين وقادة المدارس والمهنيين الإداريين قبل وأثناء الخدمة وخاصة في مرحلة التعليم الأساسي، وذلك من خلال تعزيز التنسيق مع وزارة التعليم العالي.
  • تحسين بيئات التعلم: سيتم تحسين بيئة التعلم من خلال تقليل كثافة الفصول الدراسية وتقليل عدد الفصول ذات الفترتين، وأيضاً عبر تطوير ممارسات التدريس وتوظيف التقنيات المتقدمة داخل الفصول.
  • تخضير التعليم: وذلك بهدف تعزيز قدرة قطاع التعليم على مواجهة تداعيات تغير المناخ والمساهمة في تحقيق مستهدفات الاستدامة البيئية والتحول الأخضر، حيث ستقوم الوزارة بدمج التعليم المناخي في تدريب المعلمين قبل وأثناء الخدمة، كما ستصدر الوزارة اعتمادات للمدارس الخضراء، وستقوم بتطوير المناهج الدراسية لتتضمن مناقشة قضايا المناخ والبيئة، وستعمل على دمج التنمية والمشاركة المجتمعية من خلال تحسين فرص التعلم مدى الحياة.

في سياق آخر، تؤكد خطة التعليم أن الركيزة الثالثة: الإنصاف والشمول، قد سجلت فوارق كبيرة في المشاركة التعليمية ونتائج التعلم بحسب المناطق الجغرافية والخصائص الديموغرافية، كالجنس ومستوى الفقر والتوزيع الجغرافي (الحضري- الريفي)، ونسب الإعاقة، وغيرها.

ستسهم الخطة الخمسية في تعزيز السياسات والممارسات للقضاء على التمييز والحواجز التي تعترض التعليم لضمان إدماج جميع الأطفال، وخاصة أولئك الأكثر حرمانا من خلال تنفيذ التوجهات التالية:

  • التفاوت الجغرافي: ستوجه الخطة أولوياتها الاستثمارية نحو المناطق الأكثر احتياجًا مثل المناطق الريفية، وخاصة في المحافظات الحدودية وصعيد مصر لتحسين الوصول إلى التعليم وجودته من خلال بناء مدارس جديدة وتعيين معلمين جدد وذلك بالشراكة مع المجتمع المحلي والقطاع الخاص.
  • الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة: سيتم إطلاق حملات توعية وبرامج تنمية القدرات لدمج الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة في المدارس العادية.
  • التفاوت في الدخل: ستضع الخطة إجراءات سياسية رئيسية لتقليل العوائق المالية والاجتماعية أمام التعليم حتى يتمكن الأطفال والشباب من الأسر ذات الدخل المنخفض من الالتحاق بالمدارس والبقاء فيها.
  • النوع الاجتماعي: ستلتزم الوزارة بمواصلة تمكين الفتيات والنساء من خلال التعليم من أجل تحقيق المساواة بين الجنسين في جميع المجالات بحلول عام 2030، وسيشمل ذلك المحافظات الحدودية / صعيد مصر، وتشجيع الفتيات على دراسة تخصصات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. ويتضمن ذلك أيضًا تحسين البنية التحتية للمدارس لتوفير بيئة تعليمية صحية وشاملة تراعي الفوارق بين الجنسين، بالإضافة إلى مراكز التعلم المجتمعية لتقليل معدلات الأمية بين الشباب والكبار. 

وفيما يتعلق بالركيزة الرابعة والأخيرة: الحوكمة والإدارة والتمويل، فتتمثل أبرز تحديات تحقق هذه الركيزة في إدارة المخصصات المالية للتعليم، فعلى الرغم من تخصيص 4% من الناتج المحلي الإجمالي لصالح موازنة التعليم وفق الدستور إلا أنه لا يتبقى سوى 2.6% منها بعد خصم نفقات خدمة الدين، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تعوق ندرة البيانات وعدم وضوح منهجيات التحليل والرصد والتقييم عملية صنع القرار المثبت بالأدلة، لذلك تسعى الخطة الخمسية للتعليم التغلب على هذه التحديات من خلال التوجهات التالية:

  • إدارة المعلمين: سيتم وضع وتنفيذ سياسة شاملة للمعلمين (تشمل تعيين المعلمين وتطويرهم الوظيفي وتطبيق نظام المكافآت ومعايير للمحاسبة والمساءلة)، كما سيتم تطوير نظام رقمي لإدارة مهنة التعليم وفق منصة للتطوير المهني المستمر للمعلمين ونظام إدارة التعلم النموذجي الذي سيتيح تبادل الخبرات وعقد المؤتمرات الرقمية.
  • التمويل: ستواصل الوزارة جهودها للدعوة إلى توفير مخصصات مالية كافية للتعليم قبل الجامعي لتحقيق الوفاء الدستوري، وفي الوقت نفسه، سيتم تحسين عدالة وكفاءة التمويل العام من خلال ما يلي:
  1. توسيع الأدوار والمسؤوليات على مستوى المدرسة والمحافظة في تخطيط وإدارة الموارد العامة للتعليم
  2. تحديث آليات التمويل
  3. تحسين استخدام البيانات المالية للتخطيط والإدارة
  4. تعزيز مهام التخطيط والموازنة بالوزارة.
  • البيانات والأدلة: خلال الخمس سنوات القادمة، ستعمل الوزارة على تعزيز أنظمة إدارة بيانات التعليم، مع وضع رؤية لإنشاء نظام متكامل لإدارة البيانات يعزز اتخاذ القرارات المبنية على الأدلة على جميع مستويات الإدارة التعليمية.
  • اللامركزية في وظائف التعليم الرئيسية: من أجل تعزيز كفاءة وسرعة إدارة قطاع التعليم، ستضمن الوزارة تطبيق اللامركزية التدريجية لوظائف التخطيط والإدارة من خلال التعزيز المؤسسي على جميع المستويات، بما في ذلك تجربة النماذج المناسبة للتخطيط والإدارة اللامركزية، حيث سيكون تعزيز وتمكين القيادة المدرسية أولوية قصوى في هذا المسعى.
  • الشراكات: تعزيز التعاون والتنسيق مع شركاء التنمية والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني لتحسين الوصول إلى التعليم وجودته. وسيتم ذلك من خلال خلق بيئة سياسية مواتية للشركاء وأصحاب المصلحة لجذب وزيادة الفرص الاستثمارية في التعليم.

مجمل القول: تعكس الخطة الخمسية للتعليم مرئيات استشرافية نحو مزيد من الإصلاح الجذري لنظام التعليم المصري، خاصة مع تحديد مؤشرات رئيسية لقياس الأداء، فيمكن القول أن الفترة الرئاسية الجديدة ستشهد تطور نوعي في حل مشكلات التعليم، حيث توضح مواءمة التوجهات الاستراتيجية للاقتصاد المصري مع توجهات خطة التعليم  مدى تكامل الجهود بين مختلف الوزارات، الصحة، والبيئة، والتعليم العالي، والتضامن الاجتماعي، والتعاون الدولي، والتخطيط مع وزارة التربية والتعليم، ما ينبئ بتخطي ممارسات الجزر المنعزلة والحلول ذات التدخلات الفردية ويؤكد على التحول الفعال نحو المعالجة الاستراتيجية الشاملة لمشكلات التعليم المصري.

د. إسراء علي

باحثة ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى