قراءة في نمو الجامعات الخاصة والأهلية في مصر
في التاسع من سبتمبر 2024، افتتح رئيس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي، جامعة خاصة جديدة في غرب القاهرة، ليصل إجمالي عدد الجامعات في مصر 110 جامعة. جاء هذا الافتتاح في وقت يشهد فيه قطاع التعليم العالي نمواً ملحوظاً في عدد الجامعات الخاصة، بالتزامن مع زيادة عدد الجامعات الحكومية والأهلية، الأمر الذي ساهم في اتاحة فرصاً تعليمية متنوعة للطلاب، بالإضافة إلى تحسين مستوى التعليم. يأتي هذا التوسع كجزء من رؤية مستقبلية لتطوير التعليم الجامعي نحو التحول إلى جامعات الجيل الرابع، وذلك من خلال التطور النوعي في التخصصات العلمية الجديدة، والتنوع في البرامج الأكاديمية بما يحقق تلبية احتياجات سوق العمل المتغيرة والمتسارعة، ويعزز من قدرة الطلاب على التخصص في مجالات حديثة مثل الذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا الحيوية، وإدارة الأعمال الرقمية. ومع ذلك، في ظل اضطراب الوضع الاقتصادي عالمياً ومحلياً، يظل التساؤل حول مدى تأثير خصخصة التعليم الجامعي على مستقبل التعليم العالي في مصر؟
تاريخ التعليم العالي الخاص في مصر
يمتد تاريخ الجامعات الخاصة في مصر إلى أواخر الخمسينيات من القرن العشرين، حيث تم إطلاق مشروع “الجامعة الحرة”، إلا أنها ظلت قيد التنفيذ حتى عام 1974، حيث تمت إعادة طرح مقترح إنشاء جامعة خاصة بنظام المصروفات، وتم تقديمه في عام 1975 إلى لجنة التعليم بمجلس الشعب، وتضمن المقترح تحديد نظام الجامعة وكلياتها ومصادر تمويلها، ومع ذلك، لم يُكتب له النجاح بسبب اعتراض وزارة التعليم العالي حينها. في أغسطس 1980، أُثيرت قضية سفر الطلاب المصريين للدراسة بالخارج في مجلس الشعب، وتم عقد ثلاث جلسات لمناقشة إمكانية إنشاء جامعات خاصة، وفي سبتمبر 1986، تم إعادة طرح المقترح مجددًا، حيث تلقت وزارة التعليم العالي عروضًا من دول أجنبية لإنشاء جامعات خاصة على أرض مصر.
في أبريل 1992، أحال مجلس الشعب مشروع قانون لإنشاء الجامعات الخاصة إلى لجنة التعليم لدراسته، وبعد الموافقة عليه في 19 يوليو 1992، صدر القانون رقم 101 لسنة 1992 بشأن إنشاء الجامعات الخاصة. في 27 يوليو 1996، صدر قرار جمهوري بإنشاء أربع جامعات خاصة، وهي: جامعة 6 أكتوبر، جامعة أكتوبر للعلوم الحديثة، جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، وجامعة مصر الدولية. تبع ذلك إنشاء المزيد من الجامعات على النحو الموضح بالشكل (1) والجدول (1) حتى وصل عدد الجامعات الخاصة إلى 30 جامعة أحدثهم جامعة باديا التي تم افتتاحها خلال الشهر الجاري.
شكل (1): تطور نمو الجامعات الخاصة في مصر حتى عام 2024
المصدر/ من إعداد الباحثة
الجامعة | سنة الإنشاء |
جامعة 6 أكتوبر | أنشئت وفقًا للقرار الجمهوري رقم 243 لسنة 1996 – وتضم عدد 14 كلية |
جامعة أكتوبر للعلوم الحديثة والآداب | أنشئت وفقًا للقرار الجمهوري رقم 244 لسنة 1996 – وتضم عدد 10 كليات |
جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا | أنشئت وفقًا للقرار الجمهوري رقم 245 لسنة 1996 – وتضم عدد 14 كلية |
جامعة مصر الدولية | أنشئت وفقًا للقرار الجمهوري رقم 246 لسنة 1996 – وتضم عدد 7 كليات |
الجامعة الألمانية في مصر | أنشئت وفقًا للقرار الجمهوري رقم 27 لسنة 2002 – وتضم 5 كليات |
جامعة الأهرام الكندية | أنشئت وفقًا للقرار الجمهوري رقم 393 لسنة 2004 – وتضم 9 كليات |
الجامعة البريطانية في مصر | أنشئت وفقًا للقرار الجمهوري رقم 411 لسنة 2004 – وتضم 11 كلية |
الجامعة الحديثة للتكنولوجيا والمعلومات | أنشئت وفقًا للقرار الجمهوري رقم 430 لسنة 2004 – وتضم 9 كليات |
جامعة سيناء | أنشئت وفقًا للقرار الجمهوري رقم 363 لسنة 2005 – وتضم 14 كلية |
جامعة فاروس بالإسكندرية | أنشئت وفقًا للقرار الجمهوري رقم 252 لسنة 2006 – وتضم 12 كلية |
جامعة المستقبل | أنشئت وفقًا للقرار الجمهوري رقم 254 لسنة 2006 – وتضم 6 كليات |
الجامعة المصرية الروسية | أنشئت وفقًا للقرار الجمهوري رقم 256 لسنة 2006 – وتضم 4 كليات |
جامعة النهضة ببنى سويف | أنشئت وفقًا للقرار الجمهوري رقم 353 لسنة 2006 – وتضم 8 كليات |
جامعة الدلتا للعلوم والتكنولوجيا(بجمصة) | أنشئت وفقًا للقرار الجمهوري رقم 147 لسنة 2007 – وتضم 9 كليات |
جامعة هليوبوليس | أنشئت وفقًا للقرار الجمهوري رقم 298 لسنة 2009 – وتضم 5 كليات |
جامعة دراية | أنشئت وفقًا للقرار الجمهوري رقم 91 لسنة 2010 – وتضم 4 كليات |
جامعة الجيزة الجديدة | أنشئت وفقًا للقرار الجمهوري رقم 93 لسنة 2010 – وتضم 7 كليات |
جامعة بدر | أنشئت وفقًا للقرار الجمهوري رقم 117 لسنة 2013 – وتضم 13 كلية |
الجامعة المصرية الصينية | أنشئت وفقًا للقرار الجمهوري رقم 118 لسنة 2013 – وتضم 4 كليات |
جامعة حورس | أنشئت وفقًا للقرار الجمهوري رقم 119 لسنة 2013 – وتضم 6 كليات |
جامعة ميريت | أنشئت وفقًا للقرار الجمهوري رقم 8 لسنة 2019 – وتضم عدد 11 كلية |
جامعة السلام | أنشئت وفقًا للقرار الجمهوري رقم 557 لسنة 2018 – وتضم عدد 6 كليات |
جامعة سفنكس | أنشئت وفقًا للقرار الجمهوري رقم 36 لسنة 2019 – وتضم عدد 5 كليات |
جامعة مايو | أنشئت وفقًا للقرار الجمهوري رقم 506 لسنة 2019 |
جامعة الحياة | أنشئت وفقًا للقرار الجمهوري رقم 523 لسنة 2019 |
جامعة الصالحية الجديدة | أنشئت وفقًا للقرار الجمهوري رقم 656 لسنة 2020 – وتضم عدد 6 كليات |
جامعة بدر بأسيوط | أنشئت وفقًا للقرار الجمهوري رقم 444 لسنة 2021 وتضم عدد 8 كليات |
جامعة الريادة للعلوم والتكنولوجيا | أنشئت وفقًا للقرار الجمهوري رقم 445 لسنة 2021وتضم 3 كليات |
جامعة المدينة بالقاهرة | أنشئت وفقًا للقرار الجمهوري رقم 53 لسنة 2020وتضم عدد 5 كليات |
جامعة باديا | أنشئت وفقًا للقرار الجمهوري رقم 338 لسنة 2023وتضم 7 كليات |
الجدول (1): عدد الجامعات الخاصة في مصر وسنة الإنشاء
المصدر/ وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
عززت السياسات التشجيعية من الدولة نمو الجامعات الخاصة، حيث أدركت الدول دور التعليم الخاص كشريك فاعل في دعم مسيرة التنمية يمكن أن يسهم في تحسين جودة التعليم الجامعي، ولهذا، اتجهت الحكومة إلى تقديم مجموعة من التسهيلات والامتيازات التي تهدف إلى تعزيز دور التعليم الخاص وتيسير نموه، ومن أهم هذه التسهيلات إقامة مشاريع تعليمية مشتركة بين القطاعين الحكومي والخاص، بالإضافة إلى تعيين أساتذة جامعيين في المؤسسات الخاصة على نفقة وزارة التعليم العالي، وهي خطوة تعزز التواصل بين القطاعين وتزيد من جودة التعليم، ولم تتوقف الحكومة عند هذا الحد، بل خففت شروط وإجراءات الترخيص لإنشاء الجامعات الخاصة، واعترفت بالشهادات التي تمنحها مؤسسات التعليم الخاصة وعادلتها بالشهادات المناظرة التي تمنحها الجامعات الحكومية، ما ساهم في تعزيز مصداقية التعليم الخاص لدى الطلاب وأسرهم، كما منحت الحكومة الجامعات الخاصة فرص تدريس برامج وتخصصات غير متاحة في الجامعات الحكومية، مع السماح لها ببعض المرونة في أنظمة القبول والدراسة.
يتماشى التوجه الحكومي في دعم استثمارات القطاع الخاص في التعليم الجامعي مع التوجه العالمي نحو تحقيق جودة أفضل، لذا فإنشاء الجامعات الخاصة في مصر لم يستهدف تخفيف العبء عن الجامعات الحكومية، بل يرموا إلى عدة أهداف أوسع، في مقدمتها استيعاب الطلاب الوافدين العرب الذين يبحثون عن تعليم عالي الجودة، وهو ما يسهم في تعزيز دور البلاد كوجهة تعليمية إقليمية، علاوة على استيعاب الطلاب المصريين القادرين ماليًا والذين تحول قواعد التنسيق دون إلحاقهم بالجامعات الحكومية بسبب قيود الحد الأدنى للقبول وخاصة في الكليات التي تُعرف بكليات القمة، فتصبح الجامعات الخاصة ملاذ يلبي طموحاتهم الأكاديمية.
تباين الاتجاهات والآراء
بحسب سلسلة أوراق عمل صادرة عن اليونسكو حول” اتجاهات خصخصة التعليم“، فإن صنع السياسات أضحى متأثراً بشكل كبير بوسائل الإعلام المتعلقة بالأعمال التجارية، وغالبًا ما يتم دعم خطابات الخصخصة بمزاعم أيديولوجية ترتبط بالليبرالية الجديدة التي تشير إلى أنه لا بديل سوى تمكين القطاع الخاص من لعب دور أكبر في تقديم الخدمات الحكومية كضرورة عالمية لإيجاد أفضل السبل لمواجهة تحديات العولمة. هذا التوجه يحظى بشعبية خاصة بين النخب التجارية العالمية، التي باتت تلعب دورًا رئيسيًا في نقل الأفكار والصور والأيديولوجيات.
ورغم أن مصطلح الليبرالية الجديدة لا يحمل معنى محدد بوضوح، بيد أنه أصبح إطارًا فكريًا يعزز رؤية اقتصادية للتفاعلات الإنسانية، حيث يرتكز على أهمية الأسواق الحرة وتطبيق سياسات تحرير رأس المال وتقليل دور الدولة في تقديم الخدمات الاجتماعية. هذا الإطار يشجع على خصخصة الخدمات العامة ويعيد تشكيل العلاقة بين الدولة والأفراد وفق منطق السوق.
من خلال هذا المنظور، تحول التعليم إلى استثمار في رأس المال البشري، وتحولت مفاهيم الأفراد نحو استثمار أموالهم الخاصة في تعليمهم لتحقيق مكاسب مستقبلية من حيث الدخل والفرص، فعلى الرغم من الاعتراف بفوائد التعليم الاجتماعية، إلا أن هذا النهج يركز بشكل أكبر على الجانب الاقتصادي، وبموجب هذا المنطق، يُنظر إلى المواطنين كمستثمرين ومستهلكين، وليس كأعضاء في نظام اجتماعي يجمعهم تقاليد وخبرات مشتركة.
في مصر، أكدت دراسة ” متطلبات خصخصة التعليم الجامعي بمصر في ضوء بعض الاتجاهات المعاصرة” تباين الآراء حول خصخصة التعليم الجامعي، إذ انقسم المجتمع بين مؤيدين ومعارضين لهذا التوجه، فقد رأت الآراء المؤيدة أن خصخصة التعليم العالي تؤدي إلى زيادة المشاركة المجتمعية في تحمل نفقات التعليم، خاصةً في ظل ضعف كفاءة إدارة المؤسسات العامة مقارنةً بالقطاع الخاص وذلك لضعف الميزانيات المخصصة، كما أنها تسهل إدارة الجامعات وفق أسس اقتصادية، مما يحسن من جودة الأداء التعليمي. إضافة إلى ذلك، فإن خصخصة الجامعات تخفف العبء المالي الذي تتحمله الدولة، وتساهم في تقليل هجرة الطلاب للدراسة في الخارج من خلال توفير بدائل محلية عالية الجودة، ومن جانب آخر، يتحمل الطلاب جزءًا من تكاليف دراستهم، مما يحفزهم على الاجتهاد والاهتمام بتحصيلهم العلمي.
من أبرز المبررات التي تدعم ضرورة الاستثمار في التعليم الخاص الجامعي، هو زيادة الطلب العالمي على التعليم العالي الخاص، وتنوع الدوافع التي تحفز الإقبال عليه سواء لتحقيق مكاسب مادية أو اجتماعية.، علاوة على احتياج البحث العلمي إلى تمويل يفوق قدرات ميزانية الحكومة، ما يجعل مشاركة القطاع الخاص ضروري لدعم هذا المجال. على النقيض، يرى المعارضون أن خصخصة التعليم الجامعي يمكن أن تتسبب في نقل الأصول الوطنية إلى جهات أخرى من خلال نقل الاحتكار من العام إلى الخاص، وأن الخصخصة قد تضعف من دور الدولة في صيانة هويتها الوطنية، كما تفتح الباب أمام الغزو الفكري.
قد تبدو الأسانيد المعارضة منطقية، بيد أن مقارنة أعداد الخريجين بين الجامعات الخاصة والحكومية تدحض هذه الآراء، فبحسب مؤشرات الجهاز المركزي للتعبة العامة والاحصاء بلغ إجمالي الخريجين من الجامعات الحكومية نحو 496 ألف طالب، بينما بلغ إجمالي الخريجين من الجامعات الخاصة نحو 49 ألف طالب فقط، شكل (2). من جهة أخرى، يحدد قانون إنشاء الجامعات الخاصة ضوابط تضمن سيادة الدولة المصرية على نظامها التعليمي، بما لا يدع مجالاً للشك بأن الجامعات الخاصة لا تمثل كيانات مستقلة، بل إنها تسير في كنف استراتيجية ومستهدفات الدولة.
شكل (2): مقارنة بين إجمالي أعداد الخريجيين من الجامعات الحكومية والجامعات الخاصة في الفترة من 2010-2022
المصدر/ الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء
في النهاية، يعكس هذا التباين ديناميكية النقاش حول دور التعليم الخاص وإمكاناته في تحسين منظومة التعليم الجامعي، ويُبرز أهمية استثمار مزايا الخصخصة ومعالجة سلبياتها لتحقيق الأهداف التي تنطوي على زيادة فرص الوصول إلى التعليم العالي، وتحسين جودة التعليم من خلال تعزيز التنافسية، وإتاحة فرص أكبر للابتكار عبر طرح التخصصات الجديدة، وتعزيز الشراكات العالمية وتبادل الخبرات بما يعزز مكانة مصر الإقليمية والدولية.