مصر

نظام الثانوية العامة الجديد: نقلة نوعية في التعليم المصري أم تحدٍ جديد؟

صرح رئيس الوزراء بإن رؤية تطوير نظام التعليم تم وضعها وتطبيقها على مدار السنوات الماضية منذ عام 2018، وأن دور الحقيبة الوزارية الجديدة يتضمن استكمال آليات تنفيذ هذه الرؤية من خلال وضع حلول غير تقليدية لحل مشكلات التعليم مثل زيادة كثافات الفصول وعدم انتظام الطلاب في الالتزام بالحضور الفعلي للمدرسة ونقص المعلمين، وفيما يتعلق بنظام الثانوية العامة الجديدة، أضاف رئيس الوزراء، خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد عقب اجتماع الحكومة في مدينة العلمين الجديدة، أن وزير التربية والتعليم قد عرض رؤية تطوير نظام الثانوية العامة لتضاهي الأنظمة العالمية كما هو الحال في شهادة الثانوية الأمريكية و البريطانية والبكالوريا الدولية، فهل يمثل تطوير نظام الثانوية العامة نقلة نوعية أم تحدٍ جديد يُجهد كاهل التعليم المصري؟

ملامح النظام الجديد 

يعتمد نظام الثانوية العامة في شكله الحالي على حصول الطالب على شهادة الثانوية العامة التي تأهله للمرحلة الجامعية بعد إتمام ثلاث سنوات، حيث يختار الطالب من السنة الثانية بين ثلاث تخصصات هي: علمي علوم، وعلمي رياضة، وأدبي، حيث يُركّز التخصص الأول على مناهج الأحياء، الكيمياء، والفيزياء، وهو مخصص للطلاب الذين يرغبون في دخول الكليات الطبية والعلوم الحيوية. بينما يُركّز التخصص الثاني على مناهج الرياضيات، الفيزياء، والكيمياء، وهو مخصص للطلاب الذين يخططون للالتحاق بالكليات الهندسية والعلوم الرياضية. أما التخصص الثالث فيُركّز على مناهج التاريخ، الجغرافيا، الفلسفة، علم النفس، واللغات، وهو مخصص للطلاب الذين يفضلون التخصصات الإنسانية والاجتماعية.

وتجري الامتحانات في الثانوية العامة بنظامها الحالي على مستوى قومي، حيث يخضع جميع الطلاب لنفس الامتحانات في جميع المحافظات، حيث تمثل الامتحانات شرطاً أساسيًا في تحديد معدلات القبول في الجامعات وفق نظام “التنسيق الإلكتروني” وذلك من خلال احتساب مجموع الطالب بناءً على درجاته في المواد التعليمية المختلفة، فكل مادة وزن معين في المجموع الكلي، وبشكل عام شهدت الثانوية العامة في السنوات الأخيرة عدة تغييرات في أنظمة التقييم منها استخدام نظام الأسئلة الذي يعتمد على الفهم والتحليل بدلاً من الحفظ، وتوظيف التابلت بهدف التغلب على تسريب الامتحانات والغش .

أما عن ملامح تطوير نظام الثانوية العامة، فقد كشفت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني بأن نظام الثانوية العامة الجديدة سيتم تطبيقه بحلول عام 2027، وسيرتكز على إلغاء التشعيب العلمي والأدبي واستبداله بأربعة مسارات هي: وهي مسار القطاع الطبي ومسار القطاع الهندسي ومسار العلوم الإنسانية، ومسار الذكاء الاصطناعي، بحيث يتضمن كل مسار أربعة مواد تعليمية تناسب تخصص المسار، منهم مادتين لتأهيل الطالب لقطاع كليات معينة، ومادتين أساسيتين، ومن خلال هذه المواد يتأهل الطالب للالتحاق بالكليات في القطاع المناسب لتخصصه. هذا بالإضافة إلى دراسة لغة أجنبية واحدة وأساسية وزيادة عدد الحصص المقررة لها بهدف إتقانها، علاوة على بناء مناهج النظام الجديد ليتناسب مع الهوية الوطنية، ويكسب الطلاب المهارات اللازمة لمتطلبات سوق العمل والاقتصاد العالمي وتطور التكنولوجيا.

الجدير بالذكر أن نظام المسارات تم تطبيقه حديثاً في بعض الدول العربية، فقد طبقت السعودية نظام المسارات في مايو 2022 بشكل تدريجي من خلال اتاحة 5 مسارات هي: المسار العام، مسار علوم الحاسب والهندسة، مسار الصحة والحياة، مسار إدارة الأعمال، المسار الشرعي، وكل مسار يؤهل لقطاع معين من الكليات، وذلك عبر تسع فصول دراسية وخلال ثلاث سنوات دراسية، حيث يبدأ الطالب في السنة الأولى المشتركة بتعلم مجموعة متنوعة من المواد، ثم ينتقل إلى سنتين تخصصيتين في إحدى المسارات التخصصية الأربعة والتي تتناسب مع اهتماماته وقدراته كما هو موضح بالشكل التالي:

A screenshot of a computer

Description automatically generated

نظام المسارات وعلاقته بالأنظمة العالمية

يعد نظام المسارات خطوة جريئة نحو التخصيص المبكر للتعليم، وذلك من خلال توجيه الطلاب نحو تخصصات معينة بناءً على ميولهم وقدراتهم في المرحلة ما قبل الجامعية، ويتيح هذا النظام للطلاب اختيار مسار معين مثل العلوم الطبيعية، العلوم الإنسانية، أو الإدارة، مما يمكنهم من التركيز على المواد التي ترتبط بمجال دراستهم الجامعية وبالتالي حياتهم المهنية. لذا يعد التخصص المبكر أهم ما يميز هذا النظام، إلى جانب ذلك بتمتع نظام المسارات بالمرونة، حيث يمكن للطلاب اختيار المسار الذي يناسب مع اهتماماتهم، مما يزيد من تحفيزهم ودافعيتهم للتعلم سواء كان ذلك بصيغة التعلم التقليدي في المدارس أو المدمج أو حتى الذاتي عبر المنصات الالكترونية، في سياق متصل، يتماشى نظام المسارات مع احتياجات سوق العمل في حال تم تخطيطه وفق متطلبات التنمية المحلية والعالمية.

على صعيد آخر، يوجه بعض التربويين انتقادات لنظام المسارات تتعلق بتقييد فرص الطلاب في استكشاف المجالات العلمية الأخرى، حيث يقيد تحديد المسار في سن مبكرة فرص اكتشاف تخصصات أخرى يمكن أن يتقنها الطلاب مستقبلاً، علاوة على ذلك، قد تفتقر بعض المسارات إلى التنوع في المواد الدراسية، مما قد يؤثر على تكوين شخصية الطالب بصورة شاملة.

أما فيما بعلاقة نظام المسارات بالأنظمة العالمية الأخرى مثل: النظام الأمريكي (SAT) والنظام البريطاني (IGCSE/A-Level) والنظام الدولي للبكالوريا (IB، فيختلف النظام الأمريكي عن نظام المسارات، حيث يُعرف بمرونته وشموليته، ويعتمد على نظام الوحدات الدراسية المعتمدة (Credits) والاختبارات الموحدة مثل اختبار SAT، يسمح النظام الأمريكي للطلاب باختيار مجموعة واسعة من المواد الدراسية، ويركز المهارات العامة مثل: مهارات التفكير النقدي والتحليل، ويتميز بتنوع الخيارات المستقبلية، حيث يمنح الطلاب فرصة التقدم للجامعات بناءً على مجموع نقاطهم في الاختبارات وليس على تخصص معين كما هو الحال في نظام المسارات. إلا أن أكثر ما يعيب هذا النظام هو الاعتماد الكبير على نتائج الاختبارات الموحدة، مما قد يضع الطلاب تحت طائلة الضغوط النفسية.

أما النظام البريطاني (IGCSE/A-Level) فهو من أعرق الأنظمة التعليمية وأكثرها انتشارًا، ويعتمد على تخصص أكاديمي يسمح للطلاب بالتعمق في عدد قليل من المواد التعليمية، مما يمنحهم فهمًا عميقًا لمجالات معينة، ويتمتع النظام البريطاني بسمعة ممتازة عالميًا واعتراف دولي مما يسهل قبول الطلاب في الجامعات العالمية، بيد أنه يفرض ضغوط نفسية على الطلاب نظراً للجمود وقلة المرونة، فبمجرد ان يختار الطلاب المواد في A-Level، يصعب عليهم تغيير تخصصاتهم لاحقًا، مما قد يحد من خياراتهم المستقبلية. أما في النظام الدولي للبكالوريا (IB) فيعتمد على مجموعة واسعة من المواد الدراسية بالإضافة إلى الأنشطة الإبداعية وتطوير مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات، إلا أنه يشترك مع النظام البريطاني في أوجه النقد من حيث كثافة البرنامج التعليمي والذي يتطلب من الطلاب إدارة مجموعة واسعة من الالتزامات الأكاديمية واللاصفية، علاوة على ارتفاع تكاليفه مقارنة بالأنظمة الأخرى.

بشكل عام، يتفوق نظام المسارات والنظام البريطاني عن باقر الأنظمة في تقديم تخصص مبكر للطلاب، بينما يركز النظام الأمريكي وIB على الشمولية وتطوير مهارات متعددة.، وبينما يوفر النظام الأمريكي مرونة أكبر ويقلل من الضغط النفسي، يُعتبر النظامان البريطاني وIB أكثر تطلبًا وضغطًا، واجمالاً، يتمتع النظامان البريطاني وIB بسمعة عالمية قوية، بينما يظل نظام المسارات جديدًا ويحتاج إلى وقت لتثبيت مكانته عالميًا.

دلالات وتوصيات

في ضوء ما تقدم، ثمة دلالات وتوصيات مهمة، يمكن تناولها على النحو التالي:

  • الفلسفة التعليمية للنظام: تحديد الفلسفة التعليمية له أهمية كبيرة في تصميم وتطبيق أي نظام تعليمي، بما في ذلك نظام المسارات، وذلك لعدة أسباب منها:
  • توجيه الأهداف التربوية: تساعد الفلسفة التعليمية في تحديد الأهداف والغايات التي يسعى النظام لتحقيقها، مثل تطوير مهارات معينة أو توجيه الطلاب نحو تخصصات محددة. هذا التوجيه يساعد في خلق رؤية واضحة لكل من المعلمين والطلاب.
  • تأطير المناهج الدراسية: الفلسفة التعليمية تحدد الأسس التي يبنى عليها المنهاج الدراسي، بما في ذلك اختيار المواد، طرق التدريس، وتقييم الأداء. فهي تضمن أن تكون المناهج متسقة مع الأهداف التعليمية والاحتياجات المستقبلية للطلاب.
  • توحيد الجهود التربوية: من خلال تحديد فلسفة تعليمية واضحة، يمكن تحقيق تكامل وتناسق بين مختلف عناصر العملية التعليمية، بدءًا من السياسات والقرارات التربوية وصولاً إلى تنفيذها في الفصول الدراسية.
  • توجيه عملية اتخاذ القرار: توفر الفلسفة التعليمية إطارًا مرجعيًا لاتخاذ القرارات التربوية والإدارية، سواء كان ذلك في تطوير برامج جديدة، أو في تعديل السياسات القائمة، أو في الاستجابة للتحديات التعليمية.
  • ضمان تحقيق الاستدامة والجودة: الفلسفة التعليمية تعمل كنقطة ارتكاز لضمان أن النظام التعليمي يتطور باستمرار ويحافظ على جودة التعليم، بحيث يتم إعداد الطلاب لمواجهة تحديات الحياة الأكاديمية والمهنية.
  • نهج التعلم المطبق: نهج التعلم يشير إلى الاستراتيجيات والأساليب التي تُستخدم في توجيه عملية التعليم والتعلم لتحقيق أهداف تربوية معينة. ويختلف هذا النهج بناءً على الفلسفة التعليمية، والبيئة التعليمية، واحتياجات المتعلمين، ويشبه النهج التعليمي المتبع في نظام التعليم المطور 2.0 والذي تم تطبيقه في مصر عام 2018 النهج البريطاني والذي يتميز بكونه منظمًا بشكل هرمي، مع التركيز على المواد الأساسية والمواد متعددة التخصصات، على النقيض من ذلك، يتبنى المنهج الأمريكي نهجًا أكثر مرونة وتركيزًا على الطالب في عملية التعلم، لذلك من الهم عند تصميم نهج التعلم في نظام المسارات مراعاة النهج المتبع في المراحل السابقة خاصة وأن نظام المسارات سيتم تطبيقه على أجيال نظام 2.0 في عام 2027 كما صرحت وزارة التربية والتعليم.
  • التخطيط المسبق والتنفيذ التدريجي: إن التخطيط المسبق والتنفيذ التدريجي هما عنصران أساسيان في ضمان نجاح نظام المسارات في الثانوية العامة الجديدة بمصر، فالتخطيط المسبق يوفر أساسًا قويًا يشمل تحديد الأهداف وتطوير المناهج وتجهيز الموارد وتدريب المعلمين والاداريين المعنيين بالتنفيذ. بينما يتيح التنفيذ التدريجي التكيف والتحسين المستمر للنظام بناءً على التجارب الواقعية والتغذية الراجعة.
  • المشاركة والحوار المجتمعي: أحد الأدوار الرئيسية للحوار الوطني هو ضمان الشمولية والتوافق حول التغييرات والسياسات والقضايا المقترحة، بما في ذلك نظام الثانوية العامة الجديدة، حيث يعد الحوار أداة فعالة في خلال إشراك مجموعة متنوعة من الأطراف المعنية، كالطلاب، والمعلمين، وأولياء الأمور، والمجتمع المدني، بما يمكننا من التأكد من أن النظام الجديد يلبي احتياجات جميع الفئات ويحقق توافقًا واسعًا يعزز من قبول النظام الجديد ويساعد في تجنب المقاومة غير المبررة مستقبلاً والتي قد تعيق تنفيذ التطوير المنشود.

د. إسراء علي

باحثة ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى