
مرحلة لاحقة للاحتجاز: كيف تسهم الدولة المصرية في إعادة دمج الجناة الأحداث في المجتمع؟
تهدف مراكز الاحتجاز إلى تزويد الأحداث الجانحين بالمساعدة لمنع حياة الجريمة في المستقبل، ومنع عودة الشباب إلى الإجرام مرة أخرى، و “يقال إنه ما من أحد يستطيع أن يعرف أمة ما بحق إلا بعد دخوله لسجونها، ولا ينبغي الحكم على أمة ما من طريقة معاملتها لأنبل مواطنيها، بل من معاملتها لأدناهم منزلة”.
وفي هذا الإطار ومن منطلق إيمان الدولة المصرية ببناء وتنمية مواطنيها ومنهم الجانحين فيها؛ أطلقت وزارة التضامن الاجتماعي بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة وبدعم من الوكالة الإيطالية للتعاون الإنمائي الثلاثاء الماضي، حملة إعلامية تحت عنوان “ضَمّة مش فَصْلة” لمجابهة التمييز الذي يواجه الأطفال والشباب بعد الخروج من مؤسسات الرعاية الاجتماعية، كذلك تسلط الحملة الضوء على مسؤولية المجتمع نحو هؤلاء الشباب ومساندتهم لإدارة حياتهم باستقلالية، وجودة تليق بالحياة الكريمة التي تصبو إلى تحقيقها لكافة مواطنيها.
وجدير بالذكر أن مؤسسات الدفاع الاجتماعي التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي، هي أداة للتنمية تقدم أوجه الرعاية الاجتماعية المتكاملة -للحدث الذي يرتكب فعل إجرامي قبل بلوغه سن 18 عامًا- ليصبح مواطنًا صالحًا. فهي دار مجهزة للإقامة الداخلية لإيواء ليس فقط الأحداث الجانحين، بل أيضًا الأطفال المحرومين من الرعاية الأسرية الصعبة التي تحول بينهم وبين استمرار معيشتهم داخل نطاق أسرهم الطبيعية، كالأطفال مجهولي النسب، أو الضالين، أو اليتامى، أو التفكك الأسري، أو سجن أحد الوالدين، أو الهاربين من ذويهم بسب عنف يقع عليهم.
دور الدولة في الرعاية اللاحقة للأحداث
غالبًا ما يُفهم إعادة الإدماج الاجتماعي على أنه الدعم المقدم للجناة أثناء عودتهم إلى المجتمع بعد السجن، وتدعو الحملة إلى دعم أبناء مصر فاقدي الرعاية الأسرية ومساندتهم في بداية حياتهم، ووقف التمييز ضد الأطفال والشباب الذين استقلوا بحياتهم بعد خروجهم من دور الرعاية، وأن الخطأ الذي أودع بهؤلاء الشباب في المؤسسات الاصلاحية لا يوصمهم مدى حياتهم ويجب على المجتمع دعمهم وتقويمهم حتى لا يعودوا إلى ارتكاب الأخطاء مرة أخرى.
وتأتي الحملة في إطار برنامج “النهج التصالحي إزاء عدالة الأطفال” والذي يهدف إلى تأهيل الشباب والشبات من خلال تقديم بناء قدرات للعاملين بالمؤسسات وتعليم الأبناء المهارات الحياتية، وذلك من خلال برامج تنموية وتأهيلية وفنية متنوعة وتقديم الدعم القانوني من استخراج أوراق ثبوتية وطلبات إنهاء إيداع بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية والنفسية وتنفيذ برامج تعليمية.
كذلك تشمل إعادة دمج الأطفال في المجتمع وتنفيذ تدخلات الرعاية اللاحقة، التي توضع بمشاركة الأطفال، وتشمل من جهة الدعم النفسي والاجتماعي وبناء المهارات الحياتية والقدرات ومن جهة أخرى توفير المسكن وعمل مشروعات متناهية الصغر وتوفير فرص عمل.
وتسلط الحملة الضوء على الحاجة إلى وقف الوصمة التي يواجهها الشباب بعد خروجهم من مؤسسات الدفاع الاجتماعي وأنهم في حقيقة الأمر أطفال نقابلهم في حياتنا اليومية. مع التأكيد على دور المجتمع من خلال “الجهات المعنية، والأسر، والأصدقاء، والجيران، وأصحاب الأعمال الذين يمكنهم توظيفهم” في دعمهم ومساندتهم في بداية حياتهم، حتى لو أخطأوا، حتى لا ينتهي بهم الأمر على هامش الحياة أو يعودوا إلى ارتكاب الأخطاء.
هذا إلى جانب تعاون الجهات الشريكة لوزارة التضامن مثل مكتب الأمم المتحدة المعنى بالمخدرات والجريمة في تقديم الدعم للأطفال والشباب بعد خروجهم من مؤسسات الرعاية ودمجهم في المجتمع، مع العلم أن هذا التعاون بين مكتب الأمم المتحدة ووزارة التضامن الاجتماعي بدأ منذ عام 2006 في أكثر من 9 مؤسسات وسيتم توسيع نطاق العمل لأكثر من 20 مؤسسة حتى نهاية عام 2025.
إضافة إلى إلقاء الضوء على نماذج مفعمة بالأمل نحو الاندماج بالمجتمع؛ حيث تضم الحملة ثلاث قصص حقيقية لشابين وشابة قضوا فترة إيداعهم بالمؤسسات الاجتماعية وشاركوا في برامج إعادة التأهيل والإدماج والآن يبحثون عن بدايات جديدة داخل المجتمع. بالإضافة إلى استعانة وزارة التضامن الاجتماعي في حملتها ببعض الفنانين الفاعلين في دعم الشباب وضرورة توفير فرص أفضل لهم بعد خروجهم من المؤسسات.
عقبات إعادة الدمج للأحداث
تواجه عملية دمج الجناة الأحداث مجموعة من المشكلات؛ فمن غير المرجح أن يجد الجناة السابقون صعوبة في إيجاد عملًا مقارنة بعموم الناس؛ لأن الكثيرين من أصحاب العمل يرفضون فكرة تعيين شخص لديه سجل إجرامي، كما أن لديهم تخوف من قبول مدان سابق للعمل معهم وينظروا بشكل سلبي إليهم. وإلى جانب تخوف أصحاب العمل من المحكوم عليهم السابقين، هناك حواجز أخرى تعوق العثور على عمل منها أن: العديد من السجناء لديهم خبرة تعليمية محدودة ويفتقرون إلى التدريب، مما يجعل من الصعب عليهم الحصول على عمل بعد إطلاق سراحهم. علمًا بأن إيجاد الحدث لفرصة عمل تقلل من العودة إلى الإجرام.
وعادة ما تفشل مراكز الاحتجاز في تلبية احتياجات الرعاية الصحية التنموية والتعليمية والعقلية للأحداث الجانحين فالسجن يضعف التطور النفسي الاجتماعي الإيجابي والانتقال إلى مرحلة البلوغ، مما يؤدي إلى ضعف القدرة على إعادة الاندماج بنجاح في المجتمع، ويمكن أن تفسر مثل هذه الآثار ارتفاع معدل انتشار العودة إلى الإجرام.
ومع ذلك، فإن نقص المساعدة التي توفرها مراكز الاحتجاز يؤثر بشكل سلبي على التطور المستقبلي للأحداث الجانحين، كما تؤثر تجاربهم أثناء السجن على حالتهم العقلية. حيث أنه من الممكن أن تتسبب البيئات الخطرة التي توجد غالبًا في المرافق الإصلاحية في إصابة الجناة الصغار بالعديد من المشكلات النفسية في الإحساس بالكفاءة والتوجه نحو المستقبل. وهناك عامل آخر يمكن أن يؤثر على سلوكيات الأحداث الجانحين بعد الإفراج وهو دعم ما بعد الإفراج؛ حيث قد يؤثر نقص الدعم الذي يتلقاه الأحداث بعد السجن على قرارات ارتكاب جرائم أخرى.
كما يواجه البالغون العديد من التحديات عند إطلاق سراحهم من السجن، بما في ذلك عدم توفر السكن، والعوائق التي تحول دون إعادة الإدماج المدني، والافتقار إلى الدعم الاجتماعي والأسري. كما يواجهون أيضًا تأخر أو افتقاد تطوير المهارات الأساسية المتعلقة بالانتقال الناجح للدخول إلى المجتمع.
وعن نظرية الوصم؛ والذي يكون العنصر الأساسي فيها ليس سلوك الفرد بل ردة فعل المجتمع على سلوك معين في ضوء القيم والمعايير السائدة على أنه سلوك إجرامي، حيث إن هذه الردود تمثل سببًا في تكوين الجريمة ذاتها أو سببًا في تكرارها، وذلك نتيجة قيام المجتمع بوصم الأحداث الخارجين من المؤسسات الإصلاحية وما تحدثه عملية الوصم من آثار عميقة في نفسية الحدث يؤدي إلى تكرار السلوك المنحرف.
لذا نجد أنه عندما يتم إطلاق سراح الأحداث الجانحين من السجن، فإنهم يميلون إلى اكتشاف أن توقعاتهم للعودة إلى الحياة الطبيعية ليست دائمًا واقعية. وينطبق هذا بشكل خاص على السجناء الذين يقضون فترات سجن طويلة لأنهم ربما لم تعد شبكاتهم الاجتماعية موجودة أو قد تكون تغيرت، وهذا يعني أنه يجب على السجناء المفرج عنهم إعادة بناء أو إنشاء شبكات اجتماعية جديدة.
ولذا فإن المجتمعات هي الأكثر تأثرًا بنجاح أو فشل الجناة الأحداث المفرج عنهم. وينبغي عليهم الضغط على أنظمة إنفاذ القانون والعدالة والتعليم والصحة العقلية والخدمات الاجتماعية لتنسيق جهودها في مكافحة الجريمة وإعادة دمج الجناة من الأحداث.
وختامًا يتضح؛ أن الدولة المصرية تعي بأن السلطات الإصلاحية كما أنها مكلفة بحماية المجتمع من الجريمة، فإن عليها أيضًا إدارة السجناء بطريقة إنسانية، وتسهيل تعويض السجناء، والمساعدة في إعادة إدماج الجناة. لذلك نجدها تبتعد عن إطار السياسة الذي يركز على العقوبة كأداة للسيطرة على المخاطر لصالح التركيز على حقوق الإنسان من خلال عدم التمييز أو الشعور بوصمة العار وتوفير حياة كريمة له، وتوفير البرامج والاستراتيجيات التي ستساعد السجناء على إعادة الاندماج بنجاح في المجتمع دون تكرار الإجرام.