دول الخليج العربي

استعادة العلاقات الدبلوماسية بين قطر والبحرين كنموذج للنهج العربي في تصفير الأزمات

وسط حالة من التغير المستمر في الديناميكيات الجيوسياسية “الإقليمية” و”الدولية” أثبت التعاون “كعنصر” الفعالية أكثر من الصراع، وفي هذا الإطار تم الإعلان عن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البحرين وقطر وهي العلاقات التي كانت منقطعة منذ عام 2017، في انعكاس ليس لإعادة التقييم بقدر ما هو انعكاس لتوظيف وسائل جديدة في حل نفس الخلافات. وجاء الإعلان في توقيت يشهد حالة من الزخم التي تسيطر على الحراك الدبلوماسي العربي، وهو الحراك الذي من اختصاصه إعادة ترتيب الأوراق والأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، بمنحى يستوعب مصالح جميع الأطراف ويوفر لكل طرف مساحة من المرونة تتلاءم مع حالة السيولة التي يشهدها الواقع الدولي، من حيث تنويع الشراكات وتغير التحالفات وفق ما تستدعيه المصالح الوطنية. 

أهمية التوقيت

ترجع أهمية التوقيت في أنها تأتي بعد مرور عامين على قرار عدة دول عربية إنهاء مقاطعتها للدوحة في يناير 2021، حيث استأنفت كل هذه الدول ما عدا البحرين علاقات وروابط السفر والتجارة في نفس العام. مما أثار الشكوك حول طول الأمد في حل الأمور بين المنامة والدوحة إلى الحد الذي أصبح فيه أمر التقارب مستبعدًا.

من ناحية أخرى، فإن الأمر كان مطلبًا مهمًا في ظل توصل السعودية وإيران لاتفاق من المفترض أن ينهي الخلافات بين البلدين، وكان من المستهجن توصل بلدان بتاريخ طويل من التوترات إلى اتفاق، في الوقت الذي تظل فيه دولتان خليجيتان عضوتان في مجلس التعاون، في حالة من القطيعة خصوصًا أن العلاقات شهدت اختراقًا كبيرًا بين قطر والدول العربية في ختام قمة العلا. وبذلك تكون البحرين الدولة الخليجية الوحيدة التي ليست على وفاق مع قطر، مما يشكل عائقًا أمام تنسيق المواقف داخل مجلس التعاون الخليجي.

ومن منظور أكثر اتساعًا، جاء الإعلان عن عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين قبل شهر واحد من انعقاد القمة العربية والمقرر انعقادها في الرياض خلال مايو المقبل، وهي القمة التي تتسم بطابع خاص نظرًا للأنباء المتداولة عن دعوة الرئيس السوري بشار الأسد لحضورها. 

إرهاصات التقارب

قبل الوصول إلى إعلان عودة العلاقات الدبلوماسية، شهد الوضع مقدمات انعكست في اللقاء الذي جمع ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني على هامش قمة جدة للأمن والتنمية، وهو نفس التوقيت الذي شهد رفع وزارة الخارجية البحرينية قطر من قائمة حظر السفر وإلغاء متطلبات الحصول على تأشيرة دخول للقطريين لدخول المملكة أسوة ببقية الدول الخليجية.

كذلك أرسلت المنامة والدوحة إشارات متبادلة على الرغبة في التقارب، كان آخرها ما جاء في خطاب العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة خلال الاجتماع الوزاري، حيث انتهز الفرصة للتأكيد على “ضرورة الالتزام بتنفيذ قرارات مجلس التعاون الخليجي وبيان قمة العلا، ومواصلة تنسيق مواقف دول المجلس في المحافل الدولية كافة”.

بالإضافة إلى أن اللقاء التشاوري الذي عقد في أبو ظبي بحضور مصر والأردن مثل خطوة مهمة على طريق التقريب بين وجهتي النظر، وبعد أسبوع من لقاء أبو ظبي، أجرى الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء البحريني اتصالًا هاتفيًا مع الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر يوم 25 يناير الماضي، عد الأول منذ قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 2017.

وتلا ذلك عقد اجتماع بمقر الأمانة العامة لمجلس التعاون بين وفدين من مملكة البحرين وقطر، برئاسة وزيري خارجية البلدين، وتناول الاجتماع وضع الآليات والإجراءات اللازمة لإطلاق مسار المباحثات على مستوى اللجان الثنائية، وفقًا لما تضمنه بيان العلا المنبثق عن قمة العلا بالمملكة العربية السعودية الصادر في الخامس من يناير 2021، لإنهاء الملفات الخاصة المعلقة بينهما.

 ثم عقدت لجنة المتابعة القطرية – البحرينية اجتماعها الأول، في مقر الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية بمدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية. وأكد الجانبان، خلال الاجتماع، أن هذه الخطوة تأتي تجسيدًا لتوجيهات قيادتي البلدين الشقيقين، وحرصهما على المحافظة على مستقبل وكيان مجلس التعاون، وجرى خلال الاجتماع بحث الإجراءات والآليات اللازمة والسبل الكفيلة بإنجاح المباحثات الثنائية لإنهاء الملفات الخاصة المعلقة بين البلدين الشقيقين، وفقًا لما تضمنه بيان العلا، وبما يحقق تطلعات شعبي البلدين الشقيقين في الأمن والاستقرار والازدهار.

نتائج مترتبة على عودة العلاقات الدبلوماسية

-فعالية الدور: من الضروري بمكان أنه لإيجاد فعالية لدور أي منظمة سياسية خلق قدر من التوافق بين أعضائها يسمح بتطبيق أوجه التعاون المختلفة، ولذلك فإنه لا لبس في أن إنهاء الخلافات القطرية- البحرينية سيزيد من فعالية مجلس التعاون الخليجي كمنظمة إقليمية ويزيد من حالة الثقة في قدرته على المشاركة بدور مهم للوساطة ليس بين دول خليجية فقط وإنما للاضطلاع بجهود الوساطة بشكل عام. وفي هذا الإطار ينظر على الدوام لمجلس التعاون الخليجي باعتباره قائم على الهوية المشتركة التي لعبت الدور المركزي في الحد من التوترات، ومن هنا تتطلب الفرص الاقتصادية والدبلوماسية التي أوجدتها الحرب الروسية الأوكرانية وأزمة الطاقة في أوروبا، أن تتحد دول مجلس التعاون الخليجي بشكل أكثر فعالية لحماية مصالحها الوطنية وهو ما تطلب إنهاء أزمة 2017 بكل توابعها.

-مد جسور التواصل: خلال مارس الماضي، أعلنت المنامة أن مشروع جسر قطر-البحرين الذي يبلغ طوله 40 كم سيتم استئنافه، وإلى جانب هذا فإن إعادة فتح السفارات على بعد خطوات وسط تكرار الزيارات التي يقوم بها مسؤولون بحرينيون وقطريون رفيعو المستوى. وفي هذا الصدد، فإن فتح المجال الجوي البحريني أمام الرحلات الجوية القطرية سيساعد بشكل أكبر في تطوير الروابط بين البلدين التي من شأنها تسهيل التعاون في مجموعة من القضايا.

تحقيق المصالح الوطنية: ستصبح كل من المنامة والدوحة أكثر قدرة على تحقيق مصالحهما بمزيد من الكفاءة عن طريق تصعيد اتجاه التعاون خصوصًا في مجالات سياسات الطاقة،  بالنظر إلى أن دول مجلس التعاون تشكل الحلقة الأهم في أزمة الطاقة التي تفاقمت بعد اندلاع الحرب الروسية- الأوكرانية، وهو ما يشجع الدول الخليجية على  المزيد من التعاون لتشكيل “كتلة” موحدة في مجال أمن الطاقة بالتشارك مع قوى كبرى أخرى، وعلاوة على ما تقدم ستتعاون الدولتان في المجالات الأمنية وخصوصًا فيما يتعلق بإيران، حيث إن المنامة والدوحة لا تتشاركان نفس وجهة النظر في رؤيتهما للتأثيرات الإيرانية على أمن منطقة الخليج العربي.

– لعب قطر لدور الوسيط: سهل الاتفاق السعودي الإيراني من إمكانية تطبيع العلاقات بين إيران ودول خليجية أخرى، بل يمكن القول إنه قد مهد الطريق لآفاق التقارب ويعزز من هذا الاتجاه عودة العلاقات الدبلوماسية بين قطر والبحرين، حيث تمتلك البحرين ملفًا خلافيًا ضخمًا مع إيران، ولكن التقارب بين الدوحة والمنامة قد يمكن قطر من لعب دور الوسيط في تطبيع متوقع بين البحرين وإيران يراعي التخوفات الأمنية للمنامة. خصوصًا أن قطر تنظر إلى طهران بقدر أقل من الشك وانعدام الثقة من العديد من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى. 

-إعلاء أهمية التعاون بين دول الجوار: خلقت حالة التخبط الغربي وكذلك التراجع التقليدي عن شراكاته التقليدية، حالة من الحذر لدى الدول العربية والخليجية على وجه التحديد من مغبة الاعتماد على هذه التحالفات خصوصًا من الناحية الأمنية، ووجه الأنظار ليس إلى استبدال تلك التحالفات، وإنما إلى تعزيز المواقف من خلال الشراكات وتصفير الخلافات مع دول الجوار.

تصفير الخلافات

لا تخطئ العين حالة الزخم التي يعيشها الحراك الدبلوماسي العربي على عدد من المستويات، في محاولات دؤوبة لتصفير الخلافات والتوترات والتأكيد على قيم الشراكة والتعاون، وهو ما انعكس في العديد من الخطوات الأخيرة التي يمكن رصدها على النحو التالي: 

-التقارب المصري- التركي: حيث يمكن التأكيد على أن مصر قد شكلت الحلقة الأصعب في خط التقارب الذي بدأته أنقرة، نظرًا لحرص القاهرة على أن لا يؤثر تقاربها مع أنقرة على علاقاتها الجيدة مع اليونان وقبرص، ومن هنا فقد حرصت مصر على الخروج بمواءمة لا تثير مخاوف أثينا على وجه التحديد والتي تتوجس من رغبة تركيا في أن تصبح مركز إقليمي للطاقة في شرق المتوسط، وقد شهدت التحركات المصرية – التركية دفعة قوية على خطوط التقارب بعد الزلزال الذي ضرب تركيا خلال فبراير الماضي وحالة الحراك الدبلوماسي التي تبعتها، وكانت تركيا قد نجحت بشكل مسبق في أخذ خطوات فعالة على طريق التقارب مع السعودية والإمارات .

– الاتفاق السعودي – الإيراني: مثل الاتفاق مؤشر على تحول منهجي في سياسات الدول العربية التي اتخذت مسارات مختلفة لمحاولة توفيق أوضاعها الأمنية، خصوصًا بعد أن لمست دول الخليج حالة من التجاهل الأمريكي لتخوفاتها الأمنية من إيران، في الوقت الذي كان فيه الاتفاق النووي قريبًا من التوقيع، ومن هذا المنطلق سعت هذه الدول وعلى رأسها السعودية لحماية أمنها ومصالحها عن طريق التوصل لمواءمات أخرى كان الاتفاق السعودي – الإيراني أهم انعكاساتها حتى الآن؛ لأنه لا يحل فقط الأمور الأمنية وإنما يفتح الباب أمام المزيد من التعاون بين الدولتين شهدنا إرهاصاتها في انضمام الرياض لمنظمة شنغهاي كشريك للحوار وهي المنظمة التي تضم إيران. وما انعكس عن ذلك من جهود سعودية للحوار مع جماعة الحوثي وربما قرب التوصل إلى هدنة طويلة الأمد. وعمومًا فإنه من شأن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران أن يرسم خريطة إقليمية جديدة في المنطقة التي بقيت طويلًا منقسمة بين النفوذين السعودي والإيراني.

-التقارب بين السعودية وسوريا: كانت دول أخرى سابقة في محاولة استئناف العلاقات الدبلوماسية مع دمشق ومن ضمنها دول خليجية وعلى رأسها الإمارات، إلا أن التقارب بين الرياض ودمشق مثل أمرًا عصيًا حتى شكل الزلزال الذي ضرب مناطق سورية دافعًا قويًا للتواصل على المستوى الإنساني كخطوة مبدئية، فشهدنا تواصل قوي على مستوى القاهرة ودمشق حتى جاء الحراك السعودي الذي تمثل في هبوط طائرة سعودية للمرة الأولى في سوريا منذ عام 2011 حاملة مساعدات لضحايا الزلزال، وما تبع ذلك من تواصل بين الرياض ووزير الخارجية السوري “المقداد” والترتيب لحضور سوريا القمة العربية القادمة المتوقع انعقادها خلال مايو المقبل، في انعكاس لحالة من إعادة تقييم المواقف العربية من سوريا خصوصًا بعد الترحيب الذي لاقاه إعادة افتتاح سفارتها في تونس. وقياسًا على الفعالية التي ستنجم عن عودة العلاقات إلى طبيعتها بين قطر والبحرين في مجلس التعاون، فإن عودة سوريا للجامعة العربية تشكل موقفًا عربيًا موحدًا ورافضًا للوجود الأجنبي غير الشرعي على الأراضي السورية وضد أي محاولة للتقسيم أو الاستقطاع. 

وترتيبًا على ما تقدم؛ شكلت الحرب الروسية – الأوكرانية التي دخلت عامها الثاني العامل الأهم في فرض قواعد جديدة على النظام الدولي، كان من أوضحها المحاولات العربية في إعادة فرض نفسها كتكتل على الساحة الدولية باتخاذ موقف موحد من الحرب، تمثل في الحياد التام ومراعاة مصالحها الوطنية وهو ما شكل بادرة لرغبة العواصم العربية في تأمين مصالحها وسط حالة السيولة التي تسيطر على الشراكات والتحالفات العالمية، والتي وجدت في التعاون وتصفير الخلافات والأزمات الطريق الأمثل لتحقيق هذه المعادلة على الوجه الأمثل، ومن هنا جاءت إعادة العلاقات الدبلوماسية بين قطر والبحرين كنموذج للنهج العربي التعاوني وانعكاسًا لحالة الزخم الدبلوماسي . 

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

نيرمين سعيد

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى