آسياالأمريكتان

استمرار الضغط.. تداعيات زيارة رئيسة تايوان للولايات المتحدة

استحوذت الجولة الخارجية الأولى لرئيسة تايوان “تساي إينج وين” في أمريكا الوسطى لدولتين حليفتين هما بليز وجواتيمالا على اهتمام كبير خاصةً من الجانب الصيني، لأنها شملت التوجه للحديث في معهد “هدسون” الأمريكي ولقاء رئيس مجلس النواب الأمريكي “كيفين مكارثي”. 

شهد اللقاء –الذي كان بعيدًا عن العاصمة واشنطن مع القليل من الظهور العلني- التأكيد على القيم المشتركة مع الولايات المتحدة ونجاح الديمقراطية في تايوان، وتم التعامل مع الزيارة على أنها تتوافق مع طبيعة العلاقات غير الرسمية بين الولايات المتحدة وتايوان وفي إطار أنها زيارة “مرور” خلال الرحلة.

تهدف الجولة في أساسها إلى تعزيز الدعم المتراجع لتايوان في أمريكا اللاتينية، فقد أصبح عدد الدول المؤيدة للجزيرة 13 دولة حول العالم بعد فقدان تسع دول توجهوا لدعم وجهة نظر بكين وآخرهم هندوراس. لذا؛ فقد كانت “تساي” بحاجة إلى زيادة وتيرة الزيارات رفيعة المستوى وتعزيز المساعدات الإنمائية، في محاولة منها لمعادلة النفوذ الصيني المتزايد الذي يظهر في معدلات التجارة والاستثمار والبنية التحتية. 

وجهت “تساي” خلال زيارتها للدولتين في أمريكا الوسطى مجموعة رسائل مفادها؛ حفاظ الجزيرة على قيم الحرية والديمقراطية، ومواصلتها كقوة حاسمة في الاقتصاد العالمي لمساعيها في تحقيق الازدهار والتنمية المتبادلين مع الحلفاء، وتصميمها على تقريب تايوان من المجتمع الدولي.

انقسام تايواني مع اقتراب الانتخابات

تأتي الزيارة في سياق استعداد تايوان للانتخابات الرئاسية المزمع انعقادها في عام 2024، فعلى الرغم من أن “تساي” غير مؤهلة للترشح لولاية ثالثة في الانتخابات عبر حزبها الديمقراطي التقدمي الذي لا تؤيده الصين، إلا أنها تسعى للاستمرار في الحصول على الدعم الأمريكي، وهو ما يجعل البعض يرى أن الحزب يدفع تايوان إلى منطقة جيوسياسية خطيرة من خلال تسهيل توثيق العلاقات مع الولايات المتحدة.

في المقابل، يظهر حزب الكومينتانج الموالي للصين الذي ذهب رئيسه “ما ينج جيو” وسلف “تساي” إلى خمس مدن صينية في ذات التوقيت استغرقت 12 يومًا بناءً على دعوة غير رسمية من الحزب الشيوعي الصيني كأول رئيس تايواني سابق يذهب للبر الصيني منذ عام 1949. كانت فترة رئاسة “ما” بين عامي 2008 حتى 2016 فترة ازدهار في العلاقات مع الصين، إذ وقًع خلالها على 23 صفقة تجارية وأبدى انتماءه لما أطلق عليه “السباق الصيني”. وقد تخدم تلك الزيارة الحملات الانتخابية القادمة بأن هناك مسارًا آخر للعلاقات مع الصين في ظل قيادة حزب الكومينتاتج، بالإضافة إلى احتمالية عودة الحلفاء الذين فقدتهم تايوان منذ عام 2016. وفي ظل تزايد توقعات أكثر من نصف سكان تايوان يعتقدون تزايد احتمالات الحرب مع الصين، وهو ما يحاول “ما” من خلاله إقناع الناخبين بأن حزبه يمكنه تجنب تلك الحرب وإحلال السلام في الجزيرة.

يفتح هذا المجال للتساؤل عن المدى الذي يمكن أن يصل التغلغل الصيني في الجزيرة إذا ما حصل حزب الكومينتانج على السلطة في الانتخابات القادمة، خاصةً مع الأخذ في الاعتبار أنه في أحد استطلاعات الرأي كان 78% من سكان الجزيرة يعتبرون أنفسهم تايوانيين وليسوا صينيين، فقد تزايدت الهوية التايوانية بشكل كبير بين عامي 2018 و2020، لكن هذا لم ينفٍ تخوفهم من احتمالية الحرب مع الصين، وهذا ما قد يحاول حزب الكومينتانج اللعب من خلاله لإقناع الناخبين بكيفية الاستفادة من العلاقات مع الصين لحماية استقلال الجزيرة على اعتبار أن الدعم الأمريكي كان مدفوعًا بالمصالح الأمريكية التي قد تتعارض مع مصالح الجزيرة، خاصةً أن حوالي 33% من السكان في أحد استطلاعات الرأي تراودهم بعض الشكوك حول ميل تايوان إلى الاعتماد على الولايات المتحدة في هذا الوقت الذي يشهد توترًا شديدًا بين واشنطن وبكين.

في نفس الوقت، يظهر التخوف من أن تصبح الجزيرة مجرد أداة في الصراع بين الصين والولايات المتحدة، وهذا يظهر في توقيت الزيارة التي أجرتها “تساي” في ظل تساعد العداء الأمريكي للصين وتزايد الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لتايوان، كذلك أظهر استطلاع للرأي أنه على تايوان الحفاظ على مسافة متساوية من الولايات المتحدة والصين. 

تنعكس الانقسامات في تايوان أيضًا ليس فقط بين الحزبين، إنما يظهر توجه داخل الحزب الديمقراطي التقدمي ذاته يرى أن تايوان بحاجة لمزيد من العلاقات مع الصين لتقليل المخاطر من خلال الحوار. يقود وجهة النظر تلك “هونج تشي- تشانج” المرشح المحتمل لرئاسة الحزب خلفًا لـ”تساي”.

تدرك “تساي” نفسها تلك الحالة من الانقسامات في الداخل التايواني، فقد أوضحت في كلمتها خلال خطابها في معهد هدسون أن أوكرانيا منقسمة بشأن نوع العلاقة مع روسيا، ولم تتوصل تايوان إلى نتيجة بخصوص ما إذا كانت تريد علاقة مع الصين أو تفضل أن تكون بمفردها.

بكين بين التحذير والرد

أبدت بكين معارضتها الشديدة لتلك الزيارة، واعتبرت أن أي تواصل مباشر أمريكي تايواني يمثل مخالفة لمبدأ “صين واحدة”، وينافي الالتزام الأمريكي تجاه ذلك المبدأ وما يطلق عليه البيانات الثلاثية المشتركة بين الصين والولايات المتحدة، لأن ذلك ينعكس سلبًا على علاقات البلدين، ويؤثر على سلام منطقة مضيق تايوان. وأكد البعض أن تلك الزيارة تضيف عدم اليقين في العلاقات الصينية الأمريكية، وأنه على الولايات المتحدة تجنب الاستفزاز الصيني بما يضر مصالح بكين. 

لكن ما حدث هو أن الرد كان معتادًا بعض الشيء، إذ اقتصر على إجراء مجموعة تدريبات صينية في نطاق تايوان، بجانب إرسال طائرات وسفن حربية في هذا النطاق، وقد دخلت طائرتان جنوب غرب منطقة تحديد الدفاع الجوي للجزيرة. وكذلك شوهدت حاملة الطائرات الثانية في الصين “شاندونغ” على بعد 200 ميل بحري قبالة الساحل الشرقي لتايوان للقيام بتدريبات قتالية واسعة النطاق تحاكي إغلاق الجزيرة، إذ إن وجود تلك الحاملة يشير إلى أنه يمكن استخدامها لمنع الجيوش الأجنبية من تقديم المساعدات لتايوان، كما يعني أنه على تايوان مواجهة الصين بمفردها. بالإضافة إلى ذلك، فُرضت عقوبات مالية على الذين توجهوا مع “تساي” بالزيارة، بجانب حظر السفر.

إذا تمت مقارنة هذا الرد بما حدث وقت زيارة “بيلوسي” إلى الجزيرة، إذ طوقت القوات الصينية تايوان لمدة خمسة أيام بالتدريبات بالذخيرة الحية والاختبارات الصاروخية على بُعد 10 أميال، بجانب العقوبات التي تم فرضها، وتعطيل الرحلات الجوية والشحن. فيبدو أن الأمر هذه المرة أخف وطأة مما جعل رد الفعل أقل حدة. وفي هذا يمكن وضع مجموعة اعتبارات منها؛ أن اللقاء لم يحدث في تايبيه بجانب أن اقتراب الانتخابات الرئاسية في تايوان سيجعل من العلاقات مع الصين محل جزء كبير من الحملات الانتخابية، مما سيؤثر بالطبع على سياسات الجزيرة فيما بعد كما سبق التوضيح. والبعض يرى أن رد فعل بكين الهادئ تجاه الزيارة له علاقة بتعدد الزيارات الأوروبية التي تشهدها الصين مؤخرًا ومساعيها لتحسين علاقتها المتوترة مع أوروبا خاصةً أنها ظهرت في الآونة الأخيرة كصانع للسلام في الأزمة الأوكرانية. بجانب ذلك، فلم يكن لتواجد “تساي” في الولايات المتحدة انتشار كبير ولم تتم الإشارة إلى اللقاء بأنه ناجم عن “زيارة رسمية”، وإنما كان نتيجة تواجدها بـ”المرور” باتجاه العودة إلى تايوان بسبب غياب العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين تايوان والولايات المتحدة.

في الأخير، لا يزال رد الفعل الصيني على زيارة “تساي” يدور في فلك فرض العقوبات وتطويق الجزيرة والتأكيد على أن ضمها سيحدث لا محالة عقب دعوة الرئيس الصيني “شي جين بينج” لقوات المسلحة بتعزيز التدريب العسكري من أجل “قتال فعلي”، وهو ما يمكن إظهاره من خلال إعلان فرض حظر جوي لمدة ثلاثة أيام شمال الجزيرة بسبب القيام بأنشطة فضائية، وهو ما سيؤثر سلبًا على حوالي 60 إلى 70% من الرحلات الجوية بين شمال شرقي وجنوب شرق آسيا، ما أظهر تخوفات من تكرار الاضطرابات التي شهدتها الحركة الجوية في أغسطس الماضي جراء زيارة “نانسي بيلوسي” لتايوان. لكن غيرت بكين خطة الحظر إلى نصف ساعة فقط يوم 16 أبريل بعد اعتراضات من تايوان واليابان.

فردوس عبد الباقي

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى