
ما الذي حملته زيارة الرئيس السيسي إلى السعودية من رسائل؟
أجرى الرئيس عبد الفتاح السياسي زيارة مهمة استمرت لساعات إلى المملكة العربية السعودية، التقى خلالها بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان؛ للتباحث حول عدد من القضايا الثنائية. والحقيقة أن هذه الزيارة المهمة حملت في طياتها العديد من الرسائل المهمة التي تؤكد على حجم الارتباط الاستراتيجي بين البلدين، وهو الارتباط الذي يقوم على أساس الإسناد والدعم الاستراتيجي المتبادل، في ضوء “المصير المشترك” الذي يربط البلدين، وكونهما الدولتين الأكثر تأثيرًا في الإقليم بحكم حقائق الجغرافيا السياسية، والوزن الاستراتيجي لكل منهما.
رسائل مهمة
التقى الرئيس عبد الفتاح السيسي على هامش زيارته إلى المملكة العربية السعودية، بولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وجرى خلال اللقاء، استعراض العلاقات الثنائية الوثيقة والتاريخية بين البلدين الشقيقين، وآفاق التعاون المشترك وسبل تعزيزه وتطويره في مختلف المجالات، إلى جانب بحث تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية والجهود المبذولة تجاهها، إضافة إلى بحث مجمل القضايا ذات الاهتمام المشترك. وقد ارتبطت أهمية هذه الزيارة بطبيعة الرسائل والدلالات التي حملتها، وذلك على النحو التالي:
1– شهدت الفترات الأخيرة بعض التفاعلات التي حدثت على وسائل التواصل الاجتماعي بين مغردين مصريين وسعوديين، ما دفع بعض الدوائر المتربصة بالدولتين وعلى رأسها تنظيم الإخوان المسلمين إلى تحميل هذه التفاعلات ما لا تحتمل، وتصدير المسألة عبر اللجان الإلكترونية على أنها تمثل أزمة بين البلدين. وتؤكد هذه الزيارة بشكل واضح على الخصوصية التي تتمتع بها العلاقات المصرية السعودية، كجزء من العلاقات المصرية الخليجية.
والحقيقة أنه مع التسليم باستراتيجية العلاقات بين الجانبين، إلا أن ما يُميز العلاقات المصرية السعودية هو حجم المرونة والديناميكية التي تتمتع بها في السنوات الأخيرة؛ إذ تنطلق دوائر صنع القرار في الدولتين من فرضية مفادها أن لكل دولة رؤيتها في التعامل مع بعض الملفات لتحقيق مصالحها، وقد لا تتفق المصالح أو الرؤية ببين الدول بنسبة مائة في المائة، ومن ثم يكون هناك هامش فيه نوع من التباين وليس الاختلاف، وتؤكد زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للمملكة هذا المعنى بشكل واضح.
2– يمثل الدور المصري وكذا السعودي في المنطقة حجر أساس وركيزة لأي متغيرات إقليمية، ومن هنا وفي ضوء حجم الحراك الكبير والمتسارع الذي يشهده الإقليم في الفترة الراهنة، كان هناك حاجة إلى وجود تنسيق مصري سعودي، وتبادل لوجهات النظر بخصوص هذه المتغيرات، بما يُفضي إلى تبني مواقف تدعم مصالح البلدين، وتعزز أطر العمل العربي المشترك.
3– تمثل زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى المملكة العربية السعودية، وزيارات مسؤولي البلدين بشكل عام ومباحثاتهم في السنوات الأخيرة، نموذجًا لما يجب أن تكون عليه أطر التعاون والتنسيق العربي سواءً على المستوى الثنائي أو على المستوى الجماعي، وكان من مخرجات هذه المباحثات العشرات من الاتفاقيات والتفاهمات بخصوص تطورات إقليمية مهمة خلال السنوات الأخيرة.
أجندة الزيارة
حملت زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى المملكة أجندة تقوم على مجموعة من الأولويات التي ترتبط من جانب بالعلاقات الثنائية بين البلدين، ومن جانب آخر بالتطورات التي يشهدها الإقليم في المرحلة الراهنة، ويمكن إبراز هذه الملفات على النحو التالي:
1- التعاون في مواجهة التحديات الاقتصادية: بطبيعة الحال فإن ملف التحديات الاقتصادية الراهنة يطغى على مباحثات زعماء كافة دول العالم، في ضوء الانتكاسات والأزمات الاقتصادية التي صاحبت جائحة كورونا، وصولا إلى الحرب الأوكرانية. وقد عانى الاقتصاد المصري كغيره من اقتصادات دول العالم من وطأة تداعيات هذه الأحداث العالمية، التي أثرت على سلاسل التوريد، وأضرت بقطاع السياحة، ورفعت أسعار الطاقة، ومعدلات التضخم.
في هذا السياق، تعاظمت الحاجة إلى وجود أوجه متعددة من التنسيق والتعاون والدعم العربي العربي بخصوص هذه الأزمات الاقتصادية الكبيرة، على قاعدة تعزيز التحالفات العربية الهادفة إلى تحقيق التكامل الاقتصادي، والتخفيف من وطأة تداعيات الأزمة، خصوصًا وأن ارتداداتها السلبية طالت كافة دول المنطقة.
2- التنسيق بخصوص الملف السوري: شهدت الفترات الأخيرة متغيرات مهمة على مستوى انفتاح الدول العربية على الدولة السورية، فبالنسبة لمصر كانت مؤشرات هذا الانفتاح متجسدةً في الزيارة التي أجراها وزير الخارجية السيد سامح شكري إلى سوريا في فبراير الماضي عقب كارثة الزلزال المدمر، مرورًا بالمباحثات الهاتفية التي أجراها الرئيس عبد الفتاح السيسي مع نظيره السوري بشار الأسد، وصولًا إلى الزيارة التي قام بها وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى القاهرة في مطلع أبريل الجاري.
ولا يختلف الأمر كثيرًا بالنسبة للسعودية، حيث أكدت تقارير سعودية حكومية في 24 مارس المنصرم أن المملكة بصدد التوجه نحو استئناف خدماتها القنصلية في سوريا بعد سنوات من القطيعة، وأشارت وكالة رويترز نقلًا عن مسؤولين سعوديين أن السعودية وسوريا اتفقتا على معاودة فتح سفارتيهما بعد قطع العلاقات الدبلوماسية قبل أكثر من عقد، وفي سياق متصل أشارت وكالة رويترز في 2 أبريل الجاري إلى أن السعودية تعتزم دعوة الرئيس السوري بشار الأسد؛ لحضور قمة جامعة الدول العربية التي تستضيفها الرياض في مايو المقبل.
وفي ضوء المؤشرات السابقة، كان من الطبيعي أن يحظى الملف السوري بأهمية كبيرة على هامش مباحثات الرئيس عبد الفتاح السيسي مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. ويبدو من هذه المتغيرات أن الدول العربية بدأت في الوصول إلى قناعة ونهج إزاء الأزمة السورية، يتلاقى شكل كبير مع الرؤية التي تبنتها مصر منذ سنوات، وهي الرؤية القائمة على ضرورة إعادة بناء الدولة الوطنية السورية، عبر إعادتها إلى حاضنتها العربية، بما يضمن وجود دور عربي فيما يتعلق بتحقيق آمال الشعب السوري، ويُحيد سوريا عن ساحة الاستقطاب الإقليمي.
3- ملف تطبيع العلاقات مع إيران: بدأت المملكة العربية السعودية في الأشهر الأخيرة في تبني خطوات متسارعة على مستوى تطبيع العلاقات مع إيران، وهو الأمر الذي تم الإعلان عن الشروع فيه بوساطة صينية، وسيكون لهذا التوجه حال اكتماله تداعيات مهمة على مستوى الإقليم، وقد أعربت الدولة المصرية في هذا الصدد عن تقديرها لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، في ضوء رؤية مصرية ترى أولوية تحقيق استقرار نسبي في المنطقة وفي الدول المأزومة على وجه الخصوص، وتقليل مساحة وحجم المواجهة ودعم إقامة علاقات بناءة مع كافة دول الإقليم، وباعتبار أن إيران أحد الدول الفاعلة الرئيسية في هذه الملفات، فإن الواقعية السياسية تقتضى بناء جسور تواصل مع طهران، تضمن تحييد خطرها وتهديداتها، وتقليل تكلفة الصدام معها.
4- بحث مستجدات القضية الفلسطينية: أشارت تقارير عديدة إلى أن القضية الفلسطينية حظيت بهامش مهم في مباحثات “السيسي” و”ابن سلمان”، وهو أمر يرتبط بشكل رئيس بالمتغيرات والتطورات المتسارعة التي تشهدها الساحة الفلسطينية، والتي صاحبت عودة “نتنياهو” إلى رئاسة الحكومة، وما تبع ذلك من تبني إجراءات تصعيدية، كذلك لا يُمكن إنكار أن القضية الفلسطينية تظل أحد القضايا المركزية الرئيسية بالنسبة لصانع القرار المصري والسعودي.
وفي الختام يمكن القول إن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى المملكة العربية السعودية تؤكد على حجم الاستراتيجية التي وصلت إليها العلاقات الثنائية بين البلدين. وفي ضوء حجم المتغيرات التي يشهدها الإقليم في الفترة الراهنة، تتصاعد الحاجة إلى مثل هذه الجلسات التشاورية، على المستوى العربي ككل، بما يضمن بناء رؤية عربية واضحة للتعامل معها.