مصرالعالم

قمة مجموعة العشرين.. انقسام عالمي ومشاركة مصرية مهمة

أدت الحرب الروسية- الأوكرانية إلى عدم وجود اتفاق بين القوى العالمية الكبرى، وأصبح العالم منقسمًا أكثر من أي وقت مضى، ولذلك فشل المجتمعون في قمة العشرين مطلع الشهر الجاري في الوصول إلى بيان مشترك يتعلق بالحرب الروسية الأوكرانية؛ وذلك لاعتراض روسيا والصين على بندين ضمن البيان، وهما: التأكيد على أن الحرب قد أثرت سلبًا على الاقتصاد العالمي، وإدانة الاعمال القتالية وعدم استخدام الأسلحة النووية والتهديد بها، وقد رفضت روسيا تلك البنود نتيجة تجاهل الدول الغربية لتضمين البيان بند ضرورة فتح تحقيق في تفجير نورد ستريم.

وذلك يؤكد ما قاله رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إن “الحوكمة العالمية فشلت” وهو ما أثبتته تجربة السنوات القليلة الماضية فيما يتعلق بكل من: الأزمة المالية، والتغير المناخي، وجائحة كورونا، والإرهاب وأخيرًا الانقسامات العميقة بسبب الحرب في أوكرانيا. لكن على الرغم من الفشل في الوصول إلى بيان مشترك، فقد حققت القمة إنجازًا آخر وهو إشراك الدول النامية في المجموعة، من خلال قبول الاتحاد الأفريقي كعضو جديد، وذلك بعد مرور ست سنوات من انضمام الاتحاد الأوروبي إلى مجموعة العشرين.

ومن خلال متابعة لقاءات مجموعة العشرين هذا العام تلاحظ أن الأزمة الأوكرانية كانت هي العنوان المهيمن على نقاشات المجموعة، فقد تحولت “قمة العشرين” من منصة اقتصادية لتصبح منصة جيوسياسية، وهو ما يتماشى مع الوضع الراهن الذي يمر به العالم من صراعات بين الدول، خاصة بالتركيز على الحرب الروسية- الأوكرانية، ويمكن إيضاح بعض النقاط فيما يتعلق بقمة العشرين:

هيمنة قضية الحرب الروسية- الأوكرانية: هيمنت مناقشات الحرب الروسية الأوكرانية على آخر اجتماعين لوزراء خارجية ومالية مجموعة العشرين، وهو ما سبق أن أشار اليه وزير الخارجية الهندي بأن “الغزو الروسي لأوكرانيا” سيكون نقطة نقاش مهمة عندما يجتمع وزراء الخارجية من جميع أنحاء العالم، خلال اجتماع مجموعة العشرين. وهو ما أثار دهشة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، حين تحدث عن عدم اعتياد لقاءات المجموعة على خوض الأزمات السياسية، لكن يبدو أن التوترات العالمية في اللحظة الراهنة، تجعل عدم ترك أي فرصة دون التغلغل في تفاصيلها، ومحاولة إيجاد حل لها. حيث بدأ وزير الخارجية الأمريكي، في حديثه بنيودلهي، بالتذكير بأن نزاع أوكرانيا مستمر منذ عام، وقد سبب اضطرابًا اقتصاديًا لأن كل دولة تتحمل تكلفة الحرب بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة.

رفض روسيا والصين البيان النهائي: يرجع ذلك إلى التوتر بين الولايات المتحدة والصين بعد إسقاط المنطاد الصيني، كذلك وجود بعض المعلومات حول تفكير الصين في نقل أسلحة إلى روسيا، حيث تحدث وزير الخارجية الأمريكي مع وزير الخارجية الروسي خلال اجتماعات المجموعة؛ لحث روسيا على إنهاء “حرب العدوان”، وحذر من أن الصين ستواجه عقوبات أكثر صرامة إذا تم نقل أسلحة إلى روسيا، وبالتالي كان هدف الولايات المتحدة هو إيقاف الحرب، وهو ما رفضته الصين، وبالتالي لم يجتمع المشاركون في القمة على بيان موحد مشترك.

التركيز على قضايا تخص الدول النامية: فركزت اجتماعات المجموعة أيضًا على قضايا الدول النامية مثل: أزمة الديون، والأمن الغذائي، والطاقة، والتغير المناخي، مع طرح مسؤولية الدول الكبرى تجاه الدول النامية، وتوضيح الأضرار التي تقع على الدول النامية نتيجة الحرب الروسية- الأوكرانية، وهو ما أكده تضرّر هذه البلدان أكثر من غيرها من الاحتباس الحراري الذي تسبّبه الدول الغنية. داعيًا إلى إعطاء صوتٍ لعالم الجنوب في النقاشات الاقتصادية العالمية، وهو الهدف الذي أشار إليه رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بأن أولوية الهند خلال تلك القمة هي طرح اتفاقيات لمساعدة الدول النامية.

ضم الاتحاد الأفريقي لقمة العشرين: يوضع الاتحاد الأفريقي بوصفه تكتلًا سياسيًا يضم 55 دولة يبلغ إجمالي الناتج المحلي فيها أكثر من تريليوني دولار من ضمن أكبر اقتصادات في العالم، وبالتالي يعكس قرار منح الاتحاد الأفريقي مقعدًا دائمًا في مجموعة العشرين أهمية أفريقيا الاقتصادية خلال السنوات القادمة، وهو ما قاله وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، “اتفقنا على أن يكون الاتحاد الأفريقي عضوًا كامل العضوية في مجموعة العشرين، تمامًا مثل الاتحاد الأوروبي الذي يشارك في المجموعة منذ سنوات”.

أهمية مشاركة مصر في قمة العشرين

في إطار الدعوة الموجهة إلى مصر للمشاركة في قمة العشرين، شارك وزير الخارجية سامح شكري في اجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين، وقد سبق أن شاركت مصر في اجتماعات مجموعة العشرين عام ٢٠١٦، خلال فترة الرئاسة الصينية، وكذلك عام ٢٠١٩ خلال فترة الرئاسة اليابانية، كما شاركت، بشكل مستمر، فى قمة “مجموعة العشرين وأفريقيا”، والتي تم إطلاقها في ٢٠١٧. ومن ثم جاءت مشاركة مصر في  قمة العشرين هذه المرة كذلك فرصة جيدة لعرض وجهة النظر المصرية سياسيًا واقتصاديًا أمام صانعي القرار الاقتصادي والسياسي على مستوى العالم، وقد شاركت مصر خلال القمة الحالية في جلستي عمل وهما:

الجلسة الأولى: والتي تعلقت بتعزيز التعددية والأمن الغذائي والطاقة وغيرها من الملفات المهمة التي تمثل الجانب التنموي والتحديات المرتبطة به والذي يعد من أهم الملفات التي تشغل العالم.

الجلسة الثانية: والتي تناولت قضايا مكافحة الإرهاب، ورسم الخارطة العالمية للمهارات، والمساعدات الإنسانية والإغاثة في حالة الكوارث، وتعد من أهم الجلسات لأنها تعكس مدى اهتمام مجموعة العشرين بالأزمات الحالية، بالتوازي مع الأحداث الخاصة بالاعتبارات الإنسانية والكوارث وما حدث فى تركيا وسوريا، والذي يعنى أن هناك إدراكًا بوجود بعض التحديات الأخرى مثل تغير المناخ والبيئة، وليس ملف الإرهاب فقط. إلى جانب ذلك، تعد مشاركة مصر لها أهمية خاصة بوصفها من الدول التي لها دور كبير في محاولة القضاء على الإرهاب، بالتوازي مع العمل على قضايا البيئة والمناخ.

حوار “رايسينا”: حضر وزير الخارجية سامح شكري أيضًا “حوار “رايسينا” من خلال المشاركة بجلسة “من المتوسط لبحر العرب: إقليم من الفرص”، بالإضافة إلى جلسة حوارية حول التغير المناخي والانتقال العادل.

 وبالتالي تحمل تلك المشاركة العديد من الدلالات، والتي تتضمنها النقاط التالية:

طرح الرؤى المصرية على الساحة الدولية: فمشاركة مصر هي فرصة جيدة لتقديم النموذج المصري، وبالتالي عرض وجهة النظر المصرية في مجالات مختلفة، فقد أوضح وزير الخارجية عدة رؤى مختلفة في قضايا الارهاب والتغير المناخي، ومنها:

مكافحة الإرهاب: من خلال عرض التحديات الناجمة عن استغلال بعض الأطراف للتطور التكنولوجي في وسائل الاتصال للترويج للأفكار الإرهابية والمتطرفة، وهو الأمر الذي يفرض على أعضاء المجتمع الدولي التعاون فيما بينهم مسؤولية للتصدي له، واقتراح إبرام معاهدة لتعزيز جهود محاربة الجرائم السيبرانية، وتبادل الخبرات والمعلومات ذات الصلة بمكافحة الإرهاب.

قضايا التغير المناخي: عرض التحديات التي تواجه العالم فيما يتعلق بالنظم البيئية ارتباطًا بالظواهر الجوية القاسية، على غرار ارتفاع منسوب البحار والتصحر وندرة المياه، وما لها من تداعيات على جهود تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية، مع عرض التجربة المصرية فى نجاح مؤتمر المناخ بشرم الشيخ COP27 في إقرار صندوق لتمويل جهود معالجة الخسائر والأضرار الناجمة عن تغير المناخ، مع التأكيد على ضرورة البناء على هذه الخطوة المهمة من خلال انخراط مؤسسات التمويل وبنوك التنمية الدولية والجهات المانحة، لدعم جهود التعافي من آثار تغير المناخ.

الأزمات المتشابكة: بما في ذلك تغير المناخ، وأزمة الديون، وزيادة أسعار الغذاء والطاقة، حيث ركز على مرونة النظام الدولي متعدد الأطراف خلال الأزمات الجيوسياسية المستقبلية تتطلب “تمثيلًا أوسع في هيئات صنع القرار بما في ذلك مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”. وشدد على ضرورة وجود رسالة سياسية تدعم الاستقرار والتضامن الدوليين وحل الخلافات لإعادة الاقتصاد العالمي إلى حيويته وتحقيق أهداف أجندة 2030 للتنمية المستدامة. كذلك شدد على ضرورة تعزيز الهيكل الاقتصادي الدولي لمساعدة الدول النامية على تجاوز التقلبات الاقتصادية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وحث أعضاء مجموعة العشرين على دعم توسيع دور بنوك التنمية في مكافحة الفقر، كذلك ركز على أن غياب الإصلاحات سيؤدي إلى زيادة أعباء الديون وارتفاع أسعار المواد الغذائية على الدول الافريقية.

اتباع نهج سياسة الانفتاح على كافة القوى الدولية: من خلال البحث عن فرص بديلة والانفتاح على الدول التي لديها تجارب مختلفة وذات التجارب التنموية مثل الهند، مما ينعكس بشكل إيجابي على المستوى السياسي والاقتصادي، كذلك تعميق الروابط السياسة والاقتصادية بين الدول من خلال عقد العديد من اللقاءات مع وزراء خارجية عدة دول، منها: المكسيك، والبرازيل، والدنمارك، وبريطانيا وهولندا وكندا، الأرجنتين، والهند، والسعودية.

وكانت أغلب اللقاءات تهدف إلى تبادل الرؤى حول عدد من القضايا الإقليمية والدولية، من أبرزها أزمة الغذاء وتداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية على الساحة الدولية، والعمل على تعميق الروابط الاقتصادية من خلال اللقاء مع وزير الخارجية البرازيلي ماورو فييرا، لإعادة اتفاقية التجارة الحرة بين مصر والميركسور، الأمر الذي يعنى زيادة الاستثمار المتبادل والمشروعات المشتركة بين الدولتين، كذلك التعاون في مجالات إدارة المياه والزراعة، من خلال الاجتماع مع وزير الخارجية الهولندي ووبكي هوكسترا. كذلك، الاجتماع مع وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي، وسعى الدولة المصرية لاستعادة الهدوء وكسر الركود الحالي الذي تشهده القضية الفلسطينية. وأخيرًا، اجتماع سامح شكري مع وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود من خلال استعراض العلاقات الراسخة بين البلدين، والبحث عن أوجه تعزيز العمل الثنائي في كافة المجالات.

+ posts

باحثة بالمرصد المصري

منى لطفي

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى