
زيارة وزير الخارجية إلى السعودية: الرسائل وأبرز الدلالات
عبرت زيارة وزير الخارجية السيد سامح شكري إلى المملكة العربية السعودية، في إطار المشاركة في اجتماع لجنة المتابعة والتشاور السياسي بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية على مستوى وزراء الخارجية، عن حالة الخصوصية التي تتسم بها العلاقات المصرية السعودية في السنوات الأخيرة، وهي الحالة التي اتسمت بوجود حيز كبير من التوافق الاستراتيجي بين البلدين، على قاعدة “توازن المنافع” وأولوية بناء مقاربات مشتركة على مستوى مواجهة التحديات الإقليمية والوطنية الراهنة، في ظل بيئة دولية يغلب عليها التأزم، وبيئة إقليمية يغلب عليها السيولة.
رسائل مهمة
ارتبطت أهمية زيارة سامح شكري إلى السعودية بشكل رئيس بما حملته هذه الزيارة وما تمخض عنها من رسائل مهمة، على مستوى التعامل مع التطورات الإقليمية والدولية الراهنة، ومن أبرز هذه الرسائل:
1- أولوية تحجيم التهديدات الإيرانية: عقب اجتماع السيد سامح شكري مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أكد الجانبان في بيان مشترك على ضرورة “احترام إيران الكامل للالتزامات الدولية النووية، وضمان سلمية برنامجها النووي”، واتفقا على “دعم جهود حث إيران على الالتزام بعدم التدخل في شؤون الدول العربية، وتجنيب المنطقة جميع الأنشطة المزعزعة للاستقرار، بما فيها دعم المليشيات المسلحة”. واتفق الجانبان على أهمية تعزيز دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والحفاظ على منظومة عدم الانتشار، وأهمية دعم الجهود الرامية إلى إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى في الشرق الأوسط. ويُعبر هذا الموقف المصري السعودي عن حجم الإدراك المشترك لما تمثله الممارسات الإقليمية لإيران من تهديد للأمن القومي العربي، خصوصًا وأن هذا الدور يدفع باتجاه تأزيم الأوضاع في بؤر الصراع العربية.
2- مواجهة تهديدات الأمن البحري: أدان الجانبان المصري والسعودي “محاولات المساس بأمن وسلامة الملاحة في الخليج العربي ومضيق باب المندب والبحر الأحمر وخطوط التجارة الدولية”، وأكدا “على أهمية دعم وتعزيز التعاون المشترك لضمان حرية الملاحة بالممرات المائية المحورية”. وتحمل هذه الرسائل تأكيدًا على أولوية مواجهة مهددات الأمن البحري في المنطقة، سواءً تلك المرتبطة بالممارسات الإيرانية، أو تلك المرتبطة بالفاعلين المسلحين من دون الدول سواءً التنظيمات الإرهابية أو الميليشيات المرتبطة بإيران.
ويحظى ملف تأمين الممرات البحرية في المنطقة بأهمية بالغة في إطار الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، خصوصًا عقب تولي مصر في ديسمبر الماضي قيادة المهام المشتركة (153) المكلفة بحماية حركة الملاحة البحرية ومكافحة الإرهاب في مناطق البحر الأحمر وخليج عدن وباب المندب. وتنطلق المقاربة المصرية إزاء مواجهة تهديدات الأمن البحري من بعض الاعتبارات والثوابت، وعلى رأسها ضرورة تحييد أمن المضيق ومنطقة بحر العرب عن التجاذبات السياسية التي تجري في دول كاليمن، ورفض أي مظاهر أو محاولات للمساس بحرية وأمن الملاحة البحرية، فضلًا عن التحرك من أجل الحيلولة دون جعل هذا الممر البحري الاستراتيجي ساحة للحروب بالوكالة، أو جعله مساحة تحرك للفاعلين المسلحين دون الدول في المنطقة، لما تمثله هذه الممارسات من تهديد للأمن الإقليمي والدولي، وهي مقاربة مثلت في السنوات الأخيرة أحد العوامل المحفزة لنمو العلاقات المصرية السعودية.
3- رؤى مشتركة إزاء بؤر التوتر: أكد الجانبان المصري والسعودي على هامش المباحثات على أولوية التسوية السلمية لكافة أزمات دول المنطقة، فبالنسبة للسودان أعرب الجانبان عن ترحيبهما بما توصلت إليه أطراف المرحلة الانتقالية في جمهورية السودان من توافق وتوقيع على وثيقة الاتفاق الإطاري، وتطلعهما لأن تسهم هذه الخطوة في تحقيق تطلعات الشعب السوداني، وشددا على أهمية دعم استقرار الأوضاع السياسية والأمنية في السودان.
وفي حالة اليمن، أكدت الدولتان على دعمهما الكامل للجهود الأممية والدولية لتمديد الهدنة للتوصل إلى حل سياسي شامل للأزمة في اليمن وفقًا للمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني اليمني وقرار مجلس الأمن 2216 (2015)، وأعرب الجانبان عن بالغ قلقهما من استمرار الميليشيا الحوثية الإرهابية في استهداف أمن ممرات الملاحة الدولية، بما يؤثر سلبًا على أمن الطاقة العالمي واستقرار إمداداته.
وعلى مستوى الأزمة الليبية، أكد الجانبان على دعمهما الحل الليبي-الليبي تحت رعاية الأمم المتحدة وعلى ضرورة وقف التدخلات الخارجية في الشؤون الليبية، ورفضهما لأي إملاءات خارجية على الأشقاء الليبيين. وأكد الجانبان على أهمية مساندة العراق من أجل العودة لمكانته الطبيعية كأحد ركائز الاستقرار في منطقتنا العربية. واتفق الطرفان على ضرورة دعم الحفاظ على استقلال سوريا ووحدة أراضيها، ومكافحة الإرهاب، وعودة اللاجئين والنازحين، والتوصل إلى حل سياسي للأزمة القائمة وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم 2254. وشدد الجانبان على أهمية أمن واستقرار لبنان، ودعيا القوى السياسية إلى تحمل مسؤوليتها لتحقيق المصلحة الوطنية، والإسراع في إنهاء الفراغ الرئاسي واستكمال الاستحقاقات الدستورية ذات الصلة.
4- استمرار مركزية القضية الفلسطينية: أعرب الجانبان المصري والسعودي في بيانهما المشترك عن أهمية القضية الفلسطينية بوصفها القضية المركزية للأمة العربية، وأن الحل العادل والشامل لها يتطلب إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وهو تأكيد مهم في ضوء بعض المتغيرات الإقليمية سواءً المرتبطة بتداعيات اتفاقات أبراهام، أو عودة حكومة نتنياهو إلى الحكم في إسرائيل، وهي المتغيرات التي أثارت تخوفات بخصوص تراجع مركزية القضية الفلسطينية بالنسبة للدول العربية.
5- دعم سعودي للأمن المائي المصري: أكد الجانب السعودي على دعمه الكامل للأمن المائي المصري بوصفه جزءًا لا يتجزأ من الأمن القومي العربي، مع تضامنه التام مع كل ما تتخذه مصر من إجراءات لحماية أمنها القومي داعيًا إثيوبيا لعدم اتخاذ أية إجراءات أحادية بشأن ملء وتشغيل سد النهضة. ويعبر تجديد التأكيد السعودي على دعم مصر لحماية أمنها المائي، عن سياسة “الإسناد المتبادل” في إطار العلاقات الثنائية، وهي السياسة التي تقوم على التضامن والدعم المتبادل في مواجهة كافة المهددات التي تواجه الدولتين.
روابط استراتيجية مصرية سعودية
تحمل زيارة وزير الخارجية سامح شكري إلى السعودية وما تمخض عنها من تأكيدات بخصوص الالتزامات المشتركة تأكيدًا على حجم الروابط الاستراتيجية بين البلدين في السنوات الأخيرة، وأن هذا التعاون ليس “محطة مرحلية” بل هو شراكة استراتيجية محتومة أدت إلى بناء “عقيدة سياسية واستراتيجية” مشتركة إزاء كافة الملفات الإقليمية والدولية الراهنة، ويمكن بيان الملفات والروابط الاستراتيجية التي تجمع البلدين، وذلك على النحو التالي:
1- عقيدة سياسية واستراتيجية متقاربة: استطاعت مصر والسعودية خلال السنوات الأخيرة، بناء عقيدة سياسية واستراتيجية متفقة إلى حد كبير إزاء التطورات الإقليمية والدولية الراهنة، بما يتجاوز الأسس التقليدية التي كانت تحكم العلاقات الثنائية، وهو متغير أفرز مواقف يغلب عليها التوافق إزاء أزمات العالم والمنطقة، بل إن هذا المتغير دفع باتجاه تصاعد حضور فكرة أن هذا التحالف الثنائي يمثل نواة لتحالف عربي مركزي جديد، بالتوافق مع عدد من الشركاء العرب الآخرين.
2- تفاهمات بخصوص الأمن العربي: أحد الاعتبارات الرئيسة التي دفعت باتجاه وصول العلاقات المصرية السعودية إلى مرحلة الشراكة الاستراتيجية في السنوات الأخيرة ارتبط بشكل رئيس بحيز التوافق الكبير بين الجانبين إزاء مهددات الأمن القومي العربي؛ إذ تقوم رؤية الدولتين على أن هذه المهددات تأخذ أكثر من اتجاه، فمن جانب ترفض الدولتان التدخلات الإقليمية في شؤون الدول العربية، ومن جانب آخر احتل ملف مكافحة الإرهاب والتطرف أولوية بالنسبة لصانع القرار في الدولتين، وهو ما أفرز تعاونًا كبيرًا في هذا الملف.
3- شبكة مصالح اقتصادية كبيرة: يحظى العامل الاقتصادي بحضور كبير على سلم ركائز العلاقات الاستراتيجية المصرية السعودية؛ إذ تمثل السوق السعودية والخليجية بشكل عام واحدة من الأسواق المهمة بالنسبة للعمالة المصرية، وكذا تمثل الاستثمارات السعودية في مصر واحدة من الركائز المهمة لدعم الاقتصاد المصري. ومع الأزمة الاقتصادية الراهنة التي تعيشها كافة دول العالم والتي انعكست بشكل كبير على مصر، تتعاظم أهمية البعد الاقتصادي في العلاقات المصرية السعودية.
وفي الختام يمكن القول إن زيارة السيد سامح شكري إلى السعودية وما حملته من رسائل، عبرت بشكل واضح عن خصوصية العلاقات المصرية السعودية، وهي العلاقات التي أخذت طابع “الاستراتيجية الحتمية”، في ضوء حجم التهديدات والأولويات المشتركة بالنسبة للبلدين، الأمر الذي أفرز ما يمكن توصيفه بـ “العقيدة السياسية والاستراتيجية المشتركة”، في مواجهة البيئة الدولية والإقليمية الراهنة وما تشهده من متغيرات وتحديات.