
صندوق رعاية الأسرة: نحو حلول فعالة لمواجهة تداعيات الخلافات الأسرية
يأتي قانون الأحوال الشخصية الجديد على رأس القضايا المحورية التي تشغل الرأي العام المصري، بسبب التماس المباشر بين قرابة الـ 5 ملايين مصري/ية مع قانون الأحوال الشخصية بشكل مباشر أو غير مباشر وهو ما استدعى ضرورة إجراء تعديلات جذرية على القانون الذي لم يعد صالحًا بوضعه الحالي. في ضوء ذلك؛ وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي بإجراء تعديلات مباشرة على قانون الأحوال الشخصية بحيث يصبح قانون موحد يشمل جميع القضايا التي قد تلجأ إليها الأسرة، بداية من أحكام الطلاق مرورًا بالنفقة والاستضافة والرؤية والحضانة وهي القضايا التي أرقت المجتمع المصري طوال الـ 40 سنة الماضية، والتي نتج عنها العديد من الانعكاسات السلبية التي أدت إلى مزيد من التفكك الأسري والمجتمعي.
وتوجت الخطوات الأخيرة في القانون الجديد بتوجيه القيادة السياسية بتضمن مشروع القانون الجديد إنشاء صندوق لرعاية الأسرة، ووثيقة تأمين، لدعمها ماديًا في مواجهة النفقات والتحديات ذات الصلة بمسائل الأحوال الشخصية، مع توفير المصادر التمويلية له، بالإضافة إلى دعمه من قبل الدولة، وذلك حفاظًا على الترابط الأسرى ومستقبل الأبناء. كما وجه الرئيس بأن تكون صياغة القانون الجديد مبسطة ومفصلة على نحو يسهل على جميع فئات الشعب فهمه واستيعاب نصوصه، خاصة من غير المشتغلين بالمسائل القانونية. وذلك أثناء مراجعة سيادته للقانون في صورته النهائية.
ملامح القانون الجديد
هدف المشرع إلى صياغة قانون متكامل ومفصل، مع إلغاء تعدد القوانين الحالية في هذا الإطار والتي تبلغ 6 قوانين، حيث عقدت لجنة إعداد القانون حتى تاريخ كتابة المقال قرابة 20 اجتماعًا، كما قامت بالصياغة الأولية لعدد 188 مادة، وجاري استكمال المسودة الأولى لمشروع القانون خاصةً ما يتعلق بالإجراءات ومسائل الولاية على المال، مع الاعتبار أن هذه المسودة تراعي في طياتها شواغل الأسرة المصرية من خلال الاعتماد على الإحصائيات الرسمية للدولة، وكذا دراسة واقع القضايا والمشاكل المتكررة والتي مثلت عاملًا مشتركًا خلال العقود الماضية، فضلًا عن الارتكاز على العلوم الاجتماعية والطبية والنفسية في كل المسائل ذات الصلة، مثل مشاكل الرؤية ومسكن الحضانة والاستضافة وأحكام الخطبة.
كما يتضمن مشروع القانون منح صلاحيات جديدة للقاضي للتعامل مع الحالات العاجلة من أجل دعم الأسرة، إلى جانب وضع نظام جديد يجمع منازعات كل أسرة أمام محكمة واحدة، فضلًا عن استحداث إجراءات للحد من الطلاق، وكذا الحفاظ على الذمة المالية للزوجين بذاتهما ونصيب كلٍ منهم في الثروة المشتركة التي تكونت أثناء الزواج، بالإضافة إلى إعادة صياغة وثيقتي الزواج والطلاق بما يضمن اشتمالهما على ما اتفق عليه الطرفان عند حالتي الزواج والطلاق، فضلًا عن توثيق الطلاق كما هو الحال في توثيق الزواج، وعدم ترتيب أي التزامات على الزوجة إلا من تاريخ علمها به.
قضايا رئيسة أرقت المجتمع المصري
تمثل التحدي الأكبر في القوانين الحالية في كونها غير مفصلة وترجع غالبية نصوصها للمذهب الحنفي، وأحكام المذهب الحنفي غير معلومة للكافة وهو ما يصعب الأمور على المواطنين لعدم التمكن من الرجوع لأحكام المذهب بآرائه المتعددة، خاصة وأن أغلب القضايا متعلقة بقضيتي الطلاق والنفقة، ويعود ذلك إلى ارتفاع نسب الطلاق في مصر إلى أن وصلت إلى معدلاتٍ غير مسبوقة.
وقد أشارت البيانات الأخيرة الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى زيادة معدلات الطلاق في مصر بنسبة 14.7% عن العام الماضي، فقد بلغ عدد حالات الطلاق 254777 حالة عام 2021 مقابل 222036 حالة عام 2020، ووفقًا لذلك فإن هناك حالة طلاق تقع كل دقيقتين، ومن 25 إلى 28 حالة طلاق تقع كل ساعة، ويصل عدد الحالات في اليوم إلى 630 حالة بمعدل 18500 حالة في الشهر. ووفقًا للتقرير فإن 12% من حالات الطلاق وقعت خلال العام الأول من الزواج، مقابل 9% في العام التالي، و6.5% خلال العام الثالث.
ولم تكن الزيادة الأخيرة هي الزيادة الوحيدة في نسب الطلاق، فمنذ عام 2009 وهناك ارتفاع مضطرد في نسب الطلاق باستثناء عامي 2016 و2020، فقد سجل عام 2009 141.5 ألف حالة طلاق، وارتفع العدد ليصبح 149.4 ألف حالة طلاق عام 2010، وبوتيرة زيادة متباطئة وصل عدد حالات الطلاق إلى 151.9 ألف حالة عام 2011 ثم 155.3 ألف حالة عام 2012، ثم حدث ارتفاع ملحوظ عام 2013 ليصل عدد الحالات إلى 162.6 ألف حالة، ثم حدث ارتفاع كبير في المعدلات في عامي 2014 و2015 على التوالي بعدد 180.3 ألف حالة و199.9 ألف حالة طلاق. ثم حدث انخفاض طفيف لتسجل 192.1 ألف حالة عام 2016، وبدأ المؤشر في الصعود مرة أخرى في العام التالي، حيث سجل 198.3 ألف حالة طلاق عام 2017، وواصل المؤشر ارتفاعه حتى وصل إلى 211.6 ألف حالة عام 2018 ثم وصل إلى 225.9 ألف حالة عام 2019. ثم حدث الانخفاض الثاني حتى وإن كان طفيفًا في عام 2020 ليسجل 222.0 ألف حالة طلاق، ليعاود المؤشر الارتفاع فسجل 254.8 ألف حالة طلاق في عام 2021.
وفيما يخص قضية النفقة، فقد واجهت شريحة واسعة من المطلقات أزمة تهرب الطليق من النفقة علاوة على استغلاله للثغرات القانونية في القانون القديم، بجانب صعوبة إثبات الدخل الفعلي للطليق. وهو ما استدعى إجراء تعديل على المادة 293 من قانون العقوبات، لتغليظ عقوبة التهرب من دفع النفقة إلى الحبس مدة لا تزيد عن سنة وغرامة تصل إلى 5 آلاف جنيه، وتعليق استفادة المحكوم عليه من الخدمات العامة، وصادق الرئيس عبد الفتاح السيسي، على القانون رقم 6 لسنة 2020 بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات فيما يختص بتلك القضية.
وختامًا، فإن الدولة المصرية تسابق الزمن في خلق المزيد من الفرص لمنع زيادة عدد ضحايا التفكك الأسري في مصر، بداية من سن العديد من القوانين والتشريعات لضمان حماية حقوق المرأة والطفل في حالة طلاق الزوجين –بصفتهم الفئات الأكثر ضعفًا- مرورًا بإعادة تشكيل كامل لقانون الأحوال الشخصية، وهو ما يتطلب تضافر جميع جهود المجتمع المدني ومنابر الإعلام لخلق الوعي الجمعي للمجتمع المصري والرامي إلى تعظيم أهمية الترابط الأسري، والعمل على خلق المزيد من الحلول الجذرية لمنع تزايد نسب الطلاق ومنع تداعياته السلبية على المجتمع.
باحثة ببرنامج السياسات العامة