
ثالث أيام النشاط الرئاسي في واشنطن.. التعاون الاقتصادي وتعزيز الأمن الغذائي
انطلاقًا من الدور المصري في حماية الأمن البحري الإقليمي عبر قناة السويس، استضاف وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن الرئيس السيسي في مقر قيادة الدفاع الأمريكي “البنتاجون” وهو الرئيس الوحيد الذي تم دعوته من بين قادة 49 حكومة أفريقية مشاركة في أعمال القمة الأفريقية، ومن الأهمية الاقتصادية لقناة السويس عزز الرئيس السيسي الأجندة الاقتصادية بلقاء رئيس البنك الدولي، والاحتفال بعلاقات المئة عام الأمريكية المصرية على مأدبة العشاء التي جمعت سوزان كلارك الرئيس التنفيذي لغرفة التجارة الأمريكية وجون كريستمان رئيس مجلس الأعمال المصري الأمريكي وعدد من رؤساء كبرى الشركات، وأخيرًا المشاركة في جلسة الأمن الغذائي في ظل الأزمات الاقتصادية التي زعزعت الاستقرار السياسي للعديد من الدول الأفريقية، ويأتي هذا في ظل توافق مصري أمريكي حول القضايا الاقتصادية التي سيطرت على جدول القمة من ناحية والاهتمامات المصرية من ناحية أخرى.
إبراز الثقة في الاقتصاد المصري
في الوقت الذي عانى منه اقتصاد العالم من الأزمات المتتالية بدايةً من أزمة جائحة كورونا ثم الأزمة الروسية الأوكرانية، وأخيرًا ما صاحبها من تضخم عالمي؛ أعطت بعض المؤسسات الدولية نظرة مستقرة نحو الاقتصاد المصري، والذي رأت فيه المؤسسات المصرية بأنه دليل على الثقة في قدرة الدولة المصرية على مواجهة التبعات الاقتصادية وإجراء الاصلاحات التشجيعية لجذب مزيد من الاستثمارات، مثل قرار مؤسسة “ستاندرد أند بورز” في أكتوبر الماضي بالإبقاء على تصنيف مصر الإئتماني عند مستوى “B” للمرة الثانية خلال عام 2022، مع الإبقاء على النظرة المستقبلية.
وتوقع كذلك صندوق النقد الدولي وصول معدل النمو الاقتصاد المصري إلى 5,9% لعام 2022؛ مما ساهم في وصول الحكومة المصرية لاتفاق مع صندوق النقد الدولي لمدة 46 شهرًا يتضمن تمويلا بقيمة 3 مليارات دولار، وهو ما تبعه تقرير وكالة فيتش للتصنيف الإئتماني للإبقاء على تصنيف مصر عند “B+” مع تغيير نظرتها من مستقر إلى سلبي، مع توقع الخبراء أن يسهم التمويل من صندوق النقد لتعديل هذه النظرة مرة أخرى. ولم تخرج القمة عن أولويات الأجندة المصرية لتحسين الثقة في الاقتصاد المصري، وإجراء الإصلاحات الاقتصادية والدعم الدولي، الذي يبرز الثقة لدى المستثمرين منذ المؤتمر الاقتصادي المنعقد في القاهرة.
فظهر كذلك في استقبال الرئيس السيسي في مقر إقامته بواشنطن على هامش اعمال القمة الأمريكية الأفريقية لرئيس البنك الدولي ديفيد مالباس، وتأكيده على قدرة الاقتصاد المصري على مواجهة الأزمات العالمية المتلاحقة، مع العمل على تطوير أطر التعاون لدعم الإصلاحات الاقتصادية التي تقوم بها الدولة المصرية، وجعل مصر نموذجًا يحتذى به للدول الناشئة في تنفيذ خطط الإصلاح الاقتصادي وتحقيق معدلات النمو الإيجابي، وتعميق الشراكة في مجالات البنية التحتية، والطاقة الجديدة والمتجددة، وتعظيم دور القطاع الخاص في عملية التنمية، وهو ما يتطابق مع الأهداف التي تتناولها الأجندة الأمريكية خلال اعمال القمة بالاعتماد على مصر كركيزة لتطوير البنية التحتية الداخلية ومشروعات الربط القاري لتعظيم الاستفادة المشتركة.
الشراكة مع القطاع الخاص
من منطلق الرؤية السابق شرحها ونتيجة دعم المؤسسات الدولية التي تعطي ثقة للمستثمرين بدعم الإصلاحات الاقتصادية بزيادة التعاون والشراكة مع القطاع الخاص لتحسين مناخ الاستثمار ومعدلات النمو الاقتصادي، شارك الرئيس السيسي في واشنطن في مأدبة العشاء التي أقامتها غرفة التجارة الأمريكية بمناسبة مرور ١٠٠ عام على العلاقات المصرية الأمريكية، بحضور سوزان كلارك الرئيس التنفيذي للغرفة التجارية الأمريكية وجون كريستمان رئيس مجلس الأعمال المصري الأمريكي، وعدد من كبري الشركات الأمريكية.
عزز اللقاء من الثقة بين الإجراءات الحكومية والقطاع الخاص من خلال الاستماع للمشكلات والتحديات التي تواجههم والعمل على تذليلها بدايةً من المؤتمرات الاقتصادية المتخصصة، وكذلك الإجراءات التي اتخذتها الدولة المصرية على مدار أعمال قمة المناخ COP27 بفتح مجالات استثمارية جديدة في مجالات الطاقة النظيفة والمتجددة مثل الاستثمار في طاقة الرياح والطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر في ظل خطة التحول لمركز إقليمي للطاقة في المنطقة، والاصلاحات الهيكلية والتشريعية وتحسين مناخ الاستثمار، والتي أبدى ممثلو قطاع الأعمال الأمريكيين خلال مأدبة العشاء ثناءهم عليها، والعمل على التوسع في مشروعاتهم القائمة بالفعل على الأراضي المصرية، وزيادة حجم التبادل التجاري، بجانب زيادة معدلات الاستثمار في مجالات الطاقة النظيفة والمتجددة والصحة والتكنولوجيا والسياحة.
مواجهة تبعات الاضطرابات الاقتصادية
- الأمن الغذائي:
من تبعات الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، وخاصة تداعيات الحرب في أوكرانيا وأزمات الطاقة في أوروبا والغذاء في الدول النامية نتيجة نقص الإمدادات وغلاء أسعار سلات الغذاء العالمي، مما أظهر الحاجة إلى تحقيق الأمن الغذائي لدول القارة؛ للعمل على تحقيق سبل التنمية الشاملة، ومساندة الاقتصاد الدولي للدول النامية أو الناشئة في مواجهة غلاء الأسعار من خلال السياسات الدولية الداعمة لتوفير الأمن الغذائي، ومواجهة الأمر في الدول التي كانت على شفا مجاعات بسبب عدم الاستقرار الأمني والمناخي وظواهر الجفاف والفيضانات والجراد وتفاقمها بسبب الأزمات العالمية كما هو الحال في دول القرن والساحل الأفريقي. وكان صندوق النقد الدولي قد سبق وحذر من مواجهة نحو 123 مليون شخص أو 12% من سكان أفريقيا جنوب الصحراء انعدامًا حادًا في الأمن الغذائي.
وأشار الرئيس السيسي خلال مشاركته في أعمال جلسة تعزيز الأمن الغذائي وتعزيز النظم الغذائية بالقمة الأمريكية الأفريقية إلى أنه وفقًا للإحصائيات الدولية، فزادت معدلات من يعانون من ضعف الأمن الغذائي حول العالم إلى 800 مليون شخص عام 2022 بزيادة 150 مليون عن عام 2019، ومثلت أفريقيا ما يزيد على ثلث هذا الرقم، وحدد الرئيس السيسي الرؤية المصرية للتغلب على هذه الأزمة العالمية مثل: تخفيف أعباء الديون، ونقل التكنولوجيا الزراعية الميسرة، وانفتاح حركة التجارة عبر اتفاقية التجارة الحرة التكاملية، ودعم الدول الكبرى للاستثمار في البنية التحتية.
- المساندة الدولية:
أولت مصر اهمية خاصة لتحقيق الأمن الغذائي لدول القارة عبر عدد من المبادرات صاغها الرئيس السيسي في كلمته تمثلت في: “إطلاق مصر خلال قمة المناخ التي استضافتها مصر مبادرات في مجال تمويل التكيف، ومنها إنشاء مركز القاهرة للتعلم والتميز حول التكيف والصمود بالتعاون مع الجانب الأمريكي، بالإضافة إلى مبادرة “الغذاء والزراعة من أجل التحول المستدام” (فاست) مع منظمة الأغذية والزراعة (فاو)، والوفاء بالإلتزامات من الدول الكبرى بتوفير تمويل 100 مليار دولار سنويًا لمواجهة تغير المناخ، وإنشاء صندوق لتمويل الدول النامية لتجاوز خسائر وأضرار تغير المناخ، وشاركت الدول الأفريقية في مبادرات عدة لمواجهة هذا الأمر كتخصيص بنك التنمية الأفريقي 1,5 مليار دولار لدعم شراء السلع الاستراتيجية، وإطلاق الاتحاد الأفريقي لمبادرة “فارم” مع فرنسا، وللمنصة الالكترونية “أتيكس” مع لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا لشراء المنتجات الاستراتيجية بأسعار مخفضة.”
ولمساندة الدول الافريقية في مواجهة هذه الأعباء الإضافية التي فاقمت من الأزمات الاقتصادية، فحدد الرئيس السيسي روشتة تعافي الاقتصاديات الأفريقية عبر تحقيق الأمن الغذائي والمائي، من خلال ما يلي:
– الاستعداد المصري لمشاركة تجاربها مع الدول الأفريقية في إجراءات تعزيز الأمن الغذائي مثل “مبادرة المليون ونصف مليون فدان، والمشروع القومي للصوامع والذي ضاعف القدرة التخزينية للحبوب من خلال تحسين سبل كفاءة استخدام المياه بتنفيذ خطة 2050 لتطوير قدرات تحلية المياه.
– دعوة الولايات المتحدة إلى تعزيز آليات الاستجابة لأزمة الغذاء، وتيسير حصول الدول النامية على تمويل مستدام، وتيسير شروط الإقراض من المؤسسات الدولية، بجانب وضع آليات لتيسير حركة زيادة المعروض وخفض الأسعار.
- تحقيق الاستقرار:
لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، يجب مواجهة تبعات الأزمات الإقليمية لضمان تحقيق الاستقرار الداخلي للبلدان، وتنبع هذه الأهمية من تحقيق الاستقرار المائي والغذائي كما جاء في كلمة الرئيس السيسي كذلك نحو وجود “ارتباط وثيق بين الأمنين الغذائي والمائي بوصفه أمنًا قوميًا”، في إشارة إلى ضرورة الوساطة لحل أزمة سد النهضة الإثيوبي، بصياغة أطر قانونية لضبط مسار التعاون بين الدول لتحقيق المصالح المشتركة.
وتنظر الولايات المتحدة إلى مصر من منطلق أن استقرارها مصدر لتحقيق الاستقرار في المنطقة والأمن القومي الأمريكي؛ وذلك لكونها مصدرًا لتحقيق الأمن في البحر الأحمر عبر تأمين الممر التجاري العالمي “قناة السويس”، وهو ما انعكس على زيارة الرئيس السيسي إلى البنتاجون بوصفه الرئيس الوحيد ضمن القادة الأفارقة المشاركين في أعمال القمة، كما استقبل في مقر إقامته مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، وهو ما ظهر في مشاركة مصر بالقوات البحرية المشتركة التابعة للقيادة البحرية الأمريكية لمكافحة القرصنة والإرهاب، وتنفيذ العديد من التدريبات البحرية المشتركة بين البلدين.
ولتحقيق الأمن البحري في البحر الأحمر، لا بد من دعم استقرار القرن الأفريقي، واعتبار مصر مفتاح الاستقرار به، مما ينبئ باتخاذ خطوات فعلية، حاولت فيها إدارة بايدن العمل على التخطيط لها منذ توليه الرئاسة الأمريكية في يناير 2021، والعمل على التحضير لهذه القمة من خلال الخروج منها بنتائج فعلية يمكن تنفيذها على أرض الواقع.
يضعنا الطرح السابق أمام فرضية مصرية تقوم على مواجهة التحديات الاقتصادية لتحقيق الأمن والاستقرار الاقتصادي والمادي القائم على توافق مصري أمريكي حول قضايا الأمن القومي الذي ينقل الدول الأفريقية من مرحلة التبعية الاقتصادية إلى التعاون والتكامل العالمي، بدعم دولي للإجراءات والخطط الوطنية لخلق سوق استثمارية وتجارية مع الدول الأفريقية بشكل عام والدولة المصرية بشكل خاص، باهتمام أمريكي بالغ بدأ بزيارة رئيس مجلس النواب الأمريكية نانسي بيلوسي والرئيس الأمريكي جو بايدن على هامش أعمال قمة المناخ في شرم الشيخ، ولقاء أسبق على هامش أعمال قمة جدة للأمن والتنمية، لكون مصر هي ركيزة الاستقرار والتنمية في المنطقة ومثال يمكن أن يحتذى به في الإصلاحات الاقتصادية كما جاء على لسان رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس.
باحثة بالمرصد المصري