
موضوعات متوقعة على الأجندة الاجتماعية للحوار الوطني
دعا الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال حفل إفطار الأسرة المصرية، إلى إطلاق حوار وطني ومنصة للحوار تشمل جميع القوى السياسية والفئات المجتمعية، وكلف الأكاديمية الوطنية للتدريب بإدارة الحوار، وبناء عليه حددت إدارة الحوار الوطني ثلاثة محاور رئيسة وهي المحور الاقتصادي والمحور السياسي إضافة إلى المحور الاجتماعي، وجرى تشكيل خمسة لجان منبثقة من المحور الاجتماعي تشمل التعليم، والصحة، والسكان، والأسرة والتماسك المجتمعي، والثقافة والهوية الوطنية. ويستعرض التقرير أهم القضايا التي قد تطرح على أجندة لجنة الأسرة والتماسك المجتمعي.
أهمية التماسك المجتمعي واستقرار الأسرة على الأمن القومي
يتلخص مفهوم التماسك المجتمعي في تلافي الانقسامات الاجتماعية، وذلك من خلال تعزيز المواطنة وتقليص أشكال عدم المساواة في المجتمع، أو بمعنى آخر أدق وأشمل هو إرساء مبدأ العدالة الاجتماعية والذي تتجه إليه الدولة بخطوات جادة وثابتة خلال السنوات الماضية، وذلك من خلال عدة مرتكزات منها المشروع القومي لتطوير قرى الريف “حياة كريمة”، والذي يقوم على تقليص الفجوة بين الريف والحضر وتحقيق المساواة بين المواطنين في الريف والحضر.
كذلك عملت الدولة المصرية منذ عام 2014، على تقليص الفجوة بين الجنسين والقضاء على أشكال التمييز المتعددة ضد المرأة، وذلك من خلال إنشاء العديد من وحدات تكافؤ الفرص بالوزارات المختلفة، علاوة على الخطوات الجادة نحو إرساء مبدأ حقوق الإنسان من خلال إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان عام 2021، وكل هذه الطرق تؤدي في نهايتها إلى تحقيقي التماسك المجتمعي.
وفي ذات السياق، يتلخص مفهوم الأمن القومي في قدرة الدولة على حماية أمنها الداخلي والخارجي، وهو ما يشير إلى أهمية الأجيال التي تفرزها الأسرة، وبالتالي أهمية وجود استقرار أسري يؤدي بالضرورة لوجود أجيال قادرة على التصدي للعنف والإرهاب، فهدم قوام أي مجتمع يتم أولًا بهدم منظومة الأسرة. لذلك كان من المهم وجود لجنة تهتم بالقضايا الخاصة بالأسرة والمجتمع للحفاظ على الأمن القومي المصري، ويعتقد وجود الكثير من القضايا الفرعية المهمة التي قد تنبثق من اللجنة ومنها الاتي:
حوار مجتمعي حول قانون الأحوال الشخصية الجديد:
ينشغل المجتمع المصري إلى حد كبير بقانون الأحوال الشخصية، وهو القانون الذي ينظم العلاقات بين أفراد الأسرة، وهو المنوط به تحقيق التوازن العادل بين الرجل والمرأة داخل الأسرة، ومن خلاله تتحدد الحقوق والواجبات المرتبطة بالأسرة، وتشمل الخطبة والزواج وحقوق الطفل في الميلاد والنسب والسكن والحضانة والنفقة والرؤية والتعليم والعلاج. وقد مر القانون بالعديد من التعديلات إلا أنها لم تواكب التطور المجتمعي، فبات إخراج قانون عادل يحمل في طياته احترام كامل للمرأة المصرية، ويساعد في تعديل أوضاعها ضرورة مُلحة، وبالتالي فطرح القانون للمناقشة شيء مؤكد على مائدة الحوار الوطني.
مناقشة ظاهرة العنف ضد المرأة:
تشير بيانات المسح الصحي الصادر في أغسطس 2022، الي أن حوالي ثلث السيدات اللاتي سبق لهن الزواج في العمر بين 15-49 عامًا، قد تعرضن لصورة من صور العنف من قِبل الزوج، وبالنظر إلى العنف المرتكب يتضح أن السيدات يتعرضن إلى العنف الجسدي أكثر من أي نوع آخر، حيث إن ربع السيدات اللاتي سبق لهن الزواج يتعرضن للعنف الجسدي، وحوالي 6% تعرضن للعنف الجنسي، و22% تعرضن للعنف النفسي. وبصفة عامة فإن 31% من السيدات، قد سبق لهن التعرض لأي نوع من أشكال العنف سواء النفسي أو الجسدي أو الجنسي.
وقد أشار البيان الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2019، إلى أن نسبة النساء اللاتي تعرضن لأي شكل من أشكال التحرش في المواصلات العامة بلغت حوالي 6,6%, بينما بلغت نسبة النساء اللاتي تعرضن للتحرش في الشارع ما يقرب من 9.6%، وأن 1.5% من النساء تعرضن لعنف بدنى وجنسي على يد أحد أفراد العائلة والبيئة المحيطة منذ بلوغهن 18 عامًا.
وعليه، فهناك حاجة مُلحة لطرح القانون الموحد لمكافحة العنف ضد المرأة والذي طال انتظاره للمناقشة المجتمعية، ضمن أجندة لجنة الأسرة والتماسك المجتمعي، وجدير بالذكر أنه قد شارك في وضع القانون 7 منظمات حقوقية. ويتضمن مشروع القانون ما يقرب من 53 مادة موزعة على 7 أبواب، تشمل جرائم إسقاط الحامل، والجرائم الجنسية، والجرائم الخاصة بخطف النساء والفتيات والأطفال واستغلالهم، بالإضافة إلى جرائم العنف الأسري ضد النساء والفتيات، والإجراءات الوقائية من العنف.
فيما خُصص فصل كامل لتحديث وتوسيع تعريفات أشكال مختلفة من العنف الموجه ضد المرأة، وتحديد مفاهيم جديدة لجرائم الاعتداءات الجنسية، وذلك لتوفير حماية أكبر للنساء والفتيات من جرائم الاعتداء والابتزاز الجنسي، وتيسير آليات التبليغ. أيضًا هناك ضرورة لطرح إمكانية توقيع الدولة المصرية على الاتفاقية رقم 190 الصادرة من منظمة العمل الدولية، والتي تناهض العنف والتحرش في أماكن العمل وتعتبره انتهاكًا وإساءة لحقوق الإنسان وتهديدًا لتكافؤ الفرص، كما تلزم الاتفاقية الدول بوضع تشريعات تُجرِّم العنف وتعاقب مرتكبيه.
زيادة معدلات الطلاق:
أصدر الجهاز المركزي للتعبئة العامـة والإحصاء النشرة السنوية لإحصاءات الزواج والطلاق لعام 2021، والتي أفادت بارتفاع معدلات الطلاق لعام 2021 مقارنة بالأعوام الماضية، حيث بلغت حالات الطلاق 254.8 ألف حالة مقارنة بـ 222 ألف حالة في عام 2020 بمعدل زيادة يصل إلى 14.7%.
وعلى الرغم من الجهود المبذولة من مؤسسات الدولة في بحث الظاهرة وتقديم البرامج التوعوية المختلفة، التي من شأنها حماية الأسرة المصرية من خطر التفكك والحفاظ على قوامها، إلا أن هناك حاجة لطرح القضية للنقاش المجتمعي لبيان أسبابها وكيفية معالجتها، لما تسببه من خلل في المجتمع المصري.
مناقشة ظاهرة زواج القاصرات:
أصدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في عام 2019 إحصائية حول زواج القاصرات في مصر، أكد من خلالها أن هناك أكثر من 117.2 ألف طفل في عمر من 10 – 17 عامًا، متزوجون ويحملون صفة “زوج أو زوجة”. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل يصل إلى أن من بين هؤلاء الأطفال المتزوجين، أرامل ومطلقين.
وتؤدي ظاهرة زواج القاصرات إلى عدة تداعيات منها تسرب الفتيات من التعليم، حيث أظهرت البيانات الصادرة عن جهاز التعبئة العامة والإحصاء، أن 39.3% من إجمالي حالات زواج القاصرات في مصر، أميين، وهي النسبة الأعلى وفقًا للتعليم، تلاها أصحاب الشهادة الإعدادية والذين شكّلت نسبتهم 27% من إجمالي حالات زواج القاصرات في مصر، ثم أصحاب الشهادة الابتدائية بنسبة 18.7% وبسبب تلك الظاهرة، هناك نحو 21.4 ألف تلميذ تسربوا من التعليم، معظمهم إناث، وقد أظهرت الدراسة أن زواج القاصرات استحوذ على 24.2% من أسباب التسرب من التعليم في مصر.
كما تؤدي ظاهرة زواج القاصرات إلى تفاقم أزمة الزيادة السكانية، إضافة إلى زيادة مؤشرات الطلاق وزيادة معدلات زواج التصادق ومؤشرات قضايا إثبات النسب، ناهيك عن الأضرار الجسدية والنفسية التي تحدث للفتاة. ويُعدّ طرح قانون الحد من زواج القاصرات على مائدة الحوار الوطني من أولويات لجنة الأسرة والتماسك المجتمعي.
عمالة الأطفال:
تشير نتائج المسح الصحي لعام 2021، بأن ما يقرب من 6% من الأطفال في عمر 5-17 عام، قد اشتركوا في عمالة الأطفال، أي القيام بأنشطة اقتصادية أو اعمال منزلية لمدة تزيد عن الحد المناسب، أو قد عملوا في ظروف خطرة. وتفاوتت نسب معدلات عمالة الأطفال فوصلت إلى أعلى معدلاتها بريف الوجه القبلي، بينما لوحظ أقل نسبة لعمالة الأطفال في المحافظات الحضرية، والجدير بالذكر أن 3% من الأطفال يعملون في ظروف خطرة.
وعلى الرغم من ممارسة الفتيات الخدمة في المنازل على نطاق واسع، وتقبل تلك الثقافة بصورة أو أخرى وسط طبقات اجتماعية مختلفة؛ فلا توجد بيانات موثقة عن عدد الأطفال المنخرطين في العمل المنزلي، لا سيما أن هذا النوع من الأعمال يتعرض فيه الأطفال لساعات عمل طويلة في مقابل أجور زهيدة، بجانب إمكانية التعرض بشكل أكبر للاستغلال البدني والجنسي والنفسي.
ومن منطلق تلك البيانات هناك حاجة إلى طرح الظاهرة على مائدة الحوار الوطني، ومن ثم إيجاد الحلول لها، وأيضًا مناقشة إمكانية توقيع الدولة المصرية على الاتفاقية الدولية رقم 189 الصادرة عن منظمة العمل الدولية الخاصة بتنظيم وحماية العمال المنزليين.
الإدمان والمخدرات
أكد صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي، أن 40.35% من المتعاطين بدأوا التعاطي في سن 15 حتى 20 سنة. بينما بلغت نسبة المتعاطين من سن 20-30 عام حوالي 37.75%. أما نسبة 11.52% من المتعاطين بدأوا التعاطي تحت سن 15 عامًا. كما بلغت نسبة الذكور المتقدمين للعلاج 95% بينما بلغت نسبة الإناث 5%.
وقد تم إعداد قاعدة بيانات بشأن نسب التعاطي بين طلبة المدارس الثانوي، وتبين أن نسبة التعاطي بين طلبة المدارس الثانوي العام تصل إلى 7%، بينما تزداد النسبة بين طلبة المدارس الثانوي الفني لتصل إلى 8,8%، وهي الفئة التي يتم استهدافها حاليًا بقوة من خلال الحملات التوعوية المختلفة لأنها من أكثر الفئات عرضة للمشكلة. ولما كان لأزمة الإدمان والمخدرات أبعادها وتداعياتها السلبية، بداية من الفرد وتأثيره على أفراد أسرته وصولًا للتداعيات المجتمعية الخطيرة، يعتقد أن تكون تلك القضية على أولويات اللجنة.
ختامًا، فقد تعرض المجتمع المصري خلال العقود الأخيرة، لمجموعة من التغيرات الاجتماعية والاقتصادية وبالطبع السياسية التي نتج عنها خلل في نسق الأسرة المصرية، وبالتالي فأهمية تواجد لجنة الأسرة والتماسك المجتمعي داخل الحوار الوطني، تعكس في المقام الأول أولويات واحتياجات المواطن المصري. لا سيما أن أهمية اللجنة سيكون نابعًا من نوعية القضايا التي سيتم مناقشتها وإيجاد حلول لها.
باحثة ببرنامج السياسات العامة