
انعكاسات البنية التحتية للتعليم على منظومة الإصلاح (3): البنية التكنولوجية
إذا ما أردنا أن نحلل البنية التكنولوجية في منظومة التعليم يمكن أن نميز بين نوعين هما: البنية التكنولوجية الإدارية، والبنية التكنولوجية التعليمية. ويتمثل النوع الأول في شبكات الاتصالات، وخوادم تخزين البيانات، وخدمات الاتصال الإلكتروني المختلفة، وتأمين أمن المعلومات، وكل الأدوات والبرامج والأنظمة والأجهزة المتعلقة بإدارة منظومة التعليم. أما النوع الثاني فيضم المناهج الإلكترونية، ووسائط التدريس والتعلم الذاتي، ومنصات التدريب الإلكتروني، وأدوات التقييم والتقويم التفاعلية للمعلمين والمتعلمين على حد سواء.
ومنذ إطلاق مشروع إصلاح التعليم عام 2018، توسعت مصر في تطوير البنية التكنولوجية في العملية التعليمية، من خلال رفع كفاءة شبكات الإنترنت بالمدارس، وتوفير الوسائط التعليمية الحديثة مثل: (السبورات الذكية – “التابلت” التعليمي، وغيرها) بكافة المدارس، واستحداث منصات التعليم والتقييم الإلكتروني، هذا بالإضافة إلى مشروع بنك المعرفة المصري. وكان لهذا التوسع بالغ الأثر الفعال في تخطي تداعيات جائحة كورونا على التعليم، إلا أن بعض إجراءات توظيف التكنولوجيا في التعليم ضمن مشروع الإصلاح قد واجهت مقاومة شعبية حادة، خاصة تلك الإجراءات المتعلقة باستخدام “التابلت” في اختبارات الثانوية العامة.
واقع البنية التكنولوجية في منظومة التعليم
يضم قطاع التعليم في مصر قاعدة بيانات عملاقة للغاية، فأعداد الطلاب في مختلف أنواع المدارس يتخطى 22 مليون طالب، هذا بالإضافة إلى نحو مليون معلم ومعلمة. وهذا العدد الضخم يحتاج إلى منظومة معلوماتية محكمة ودقيقة يسهل معها تحليل البيانات واتخاذ القرارات المناسبة بأقل خطأ ممكن، وفي سبيل تحقيق ذلك استهدف المكون الرابع من مكونات مشروع إصلاح التعليم بالتعاون مع البنك الدولي تعزيز مستويات تقديم الخدمة التعليمية باستخدام الربط الشبكي.
ويُقصد بالربط الشبكي تطوير منظومة لإدارة التعليم بشكل متكامل يشمل جميع مستويات الإدارة، ويتيح بنية تحتية رقمية تربط المدرسة بالإدارات التعليمية، ومن ثم المديريات التعليمية، فديوان عام الوزارة بقطاعاته المتعددة. وقد حدد مشروع إصلاح التعليم أربعة إجراءات رئيسة لتحقيق أهداف الربط الشبكي، بعضها تحقق وفق الجدول الزمني للمشروع وبعضها تم ارجاء تنفيذها بسبب قيود جائحة كورونا. وقعت الإجراءات المتعلقة بتطوير البنية التكنولوجية الإدارية ضمن الفئة التي تم ارجاؤها بسبب الجائحة، وتمثلت في إنشاء هيئة لتكنولوجيا التعليم، والتي كان من المقرر تنفيذها خلال العام الأول من أجندة مشروع الإصلاح، أي مطلع عام 2019، وكانت تستهدف الإشراف على تعميم جودة البنية التحتية الرقمية وصيانتها بالمدارس، ودعم ممارسات التدريس والتعلم باستخدام التكنولوجيا.
في ذات السياق، لم تصرح وزارة التربية والتعليم بأي بيانات تشير إلى تحقق الإجراء الثاني من إجراءات الربط الشبكي والذي يتمثل في إنشاء لوحة بيانية لدعم القرار التعليمي من خلال دمج البيانات وتحليلها للوصول إلى تقارير يمكن على إثرها اتخاذ قرارات تدعم تطوير العملية التعليمية بشفافية وحيادية، بالاعتماد على بيانات تدريب المعلمين، وتقييم الطلاب، وبيانات مركز معلومات وزارة التربية والتعليم (EMIS). وعليه يمكن القول إن ارجاء تنفيذ هذه الإجراءات حال دون اتخاذ العديد من القرارات المناسبة، وظهرت قرارات وزارة التربية والتعليم غير مخططة ومشتتة نوعًا ما خلال السنوات القليلة الماضية.
على النقيض، ساعدت الإجراءات التي تم تنفيذها في تخطي العديد من العقبات وتحقيق تطوير ملموس وإصلاح حقيقي في التعليم، وفي مقدمة هذه الإجراءات توفير مصادر التعلم الرقمية، والتي استهدفت ربط أهداف المناهج في المواد التعليمية بمصادر تعلم رقمية متاحة للجميع من خلال بنك المعرفة المصري (EKB) ونظام إدارة التعلم (LMS)، والتي كانت طوق النجاة لتجاوز الجائحة وتقليل فجوة التعلم بسبب إغلاق المدارس أثناء كورونا. وقد عززت مناهج نظام التعليم الجديد (2.0) دمج تكنولوجيا المعلومات والاتصال في عمليتي التعليم والتعلم؛ فبالإضافة إلى توفر المناهج في صورتها الرقمية بأشكال متعددة ما بين مسموعة ومرئية ومعالجة دراميًا في بعض الأحيان، فإن هذه المناهج تنمي مهارات البحث وجمع البيانات والمعلومات وتصنيفها وتحليلها من خلال توفير مصادر متعددة للمناهج عبر منصة بنك المعرفة المصري.
على صعيد متصل، أُنشئت منصة لإدارة تقييم الطلاب وتقديم الخدمات باستخدام الحاسب الآلي. وبالرغم من الجدل الذي سببته اختبارات تقييم طلاب الثانوية العامة خلال السنوات الماضية، إلا أن تغيير نمط التقييم وشكل الاختبارات ومضمونها كان بمثابة طفرة نوعية؛ خاصة مع امتلاك كل طالب “تابلت” خاص في شتى ربوع مصر دون تمييز، وربما كان من الأفضل أن تقتصر هذه التجربة على التقييمات الشهرية أو الدورية فقط مع تنظيم تنفيذها على الاختبارات النهائية بما يتوافق واستعدادات البنية التحتية التكنولوجية بالمدارس، فشهادة الثانوية العامة مصيرية يتحدد معها المستقبل الجامعي للطلاب.
ولا تزال البنية التحتية التكنولوجية في المدارس المصرية تعاني من بعض المشكلات، ومنها: توافر أجهزة الحاسب الآلي بالمعامل بأعداد تتناسب ومتوسط كثافات الفصول، علاوة على ضعف الاتصال بشبكة الإنترنت. ووفق بيانات وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات حتى عام 2019، فإن أكثر من ثلث مدارس مصر بجميع المراحل التعليمية غير مؤهلة تكنولوجيًا لتوصيل شبكات الإنترنت بها.
وحتى عام 2018 بلغ عدد مدارس الثانوية العامة المتصلة بالإنترنت نحو 2500 مدرسة من إجمالي 3862 مدرسة، ما يعني أن هناك نحو ألف مدرسة غير مؤهلة لتطبيق نظام التقييم الجديد باستخدام “التابلت”. أما عن المرحلة الابتدائية، فحتى عام 2019 بلغت نسبة استخدام الإنترنت بها 66.1%، وانخفضت هذه النسبة في المدارس الإعدادية إلى 61.8%، شكل (1). وتعكس هذه النسب حجم استخدام السبورات الذكية والتي تحتاج إلى الاتصال بشبكة الإنترنت لتفعيل بعض تطبيقاتها، والتي وصل عددها إلى 28 ألف سبورة بمعظم المدارس حتى عام 2020.
دلالات وتوصيات
في ضوء ما تقدم من تحليل واقع البنية التكنولوجية لنظام التعليم المصري، ثمة دلالات وتوصيات يمكن استعراضها على النحو التالي:
– بأي حال من الأحوال، لا يمكن أن تحل التكنولوجيا محل المعلم بشكل كامل، وفي ذات الوقت لا يمكن إقصاء توظيف التكنولوجيا في العملية التعليمية؛ لذا من المهم التغلب على الأمية الرقمية للمعلمين من خلال تخصيص برامج تدريب فعالة وفق خطة مرنة قابلة للتعديل لملاحقة التطور التكنولوجي الهائل.
– يحتاج أي تغيير أو تطوير إلى قنوات اتصال شعبي لتجديد بناء ثقة المجتمع بالمنظومة التعليمية، مع التأكيد على مخرجات التغيير والإصلاح بنتائج ملموسة وواقعية. ولا ضير في تعديل خطط الإصلاح إذا ما تطلب الأمر، لكن يجب أن يتم ذلك في إطار حوار مجتمعي ترعاه منظمات المجتمع المدني لتذليل أي مقاومة محتملة.
– من المهم مراجعة منظومة تأهيل واعتماد المدارس للحصول على الجودة وفق خطة زمنية محددة، ومن الممكن أن يتم ذلك على مستوى المحافظات بما يسهم في تحسين جودة المخرجات التعليمية ومنها تفعيل التكنولوجيا في العملية التعليمية إداريًا وتربويًا.
– من الضروري التغلب على تحديات التوسع في توظيف التكنولوجيا في تقييم الطلاب، ومنها انتشار ظاهرة الغش الإلكتروني، لذا من المهم دراسة وبحث هذه الظاهرة، ومدى انتشارها للتخطيط لمواجهتها.
– يجب أن تراعي تطبيقات التكنولوجيا في التعليم مبدأ العدالة والمساواة، خاصة مع حرمان بعض المدارس من توافر الاتصال بالإنترنت، وتمييز طلاب الثانوية العامة عن الثانوية الفنية باقتنائهم “للتابلت”.
ختامًا، إن الجهود التي بذلتها مصر لتطوير البنية التكنولوجية ضمن مشروع إصلاح التعليم تعد نقلة نوعية وخطوات جادة نحو تعليم ذي جودة يتوافق والمعايير الدولية، لكنه في حاجة إلى الطاقات البشرية المؤهلة والمدربة على استخدام وتوظيف التكنولوجيا بالشكل الأمثل إداريًا وتربويًا.
باحثة ببرنامج السياسات العامة