
من العلمين: لقاء خماسي لتعزيز الشراكات الاستراتيجية
ينعقد اليوم الاثنين لقاء أخوي خماسي في مدينة العلمين حيث يجتمع قادة مصر والإمارات والأردن والعراق والبحرين للتباحث بشأن العديد من الملفات والقضايا الآنية المهمة في المحيطين الإقليمي والدولي. ويأتي لقاء العلمين في صورة امتداد لقمم ولقاءات جمعت القادة العرب قبيل قمة جدة التي شهدت حضور الرئيس الأمريكي جو بايدن وانبثق عنها ارتدادات ضخمة كانت إيجابية في معظمها، وفي نفس الوقت يستبق اللقاء القمة العربية التي من المتوقع أن يتم عقدها في الجزائر خلال نوفمبر القادم.
ومن ثم يمكن فهم لقاء العلمين بوصفه حلقة وصل في استمرار التشاور بشأن القضايا والملفات الأهم على الساحة، مما يعكس تنسيقًا عربيًا على مستوى عالٍ؛ خصوصًا أن اللقاء يأتي في توقيت حساس على عدد من الأصعدة.
أولًا: توقيت انعقاد اللقاء الخماسي في العلمين
- استمرار العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا وتفاقم تداعياتها الاقتصادية مما يستوجب استمرار التنسيق العربي بشأن كيفية تعزيز الشراكات الاقتصادية، بما ينعكس بآثار إيجابية على اقتصادات الدول المشاركة، خصوصًا أن الأزمة مرشحة للاستمرار لمدة ليست قصيرة.
- القضية الفلسطينية والتصعيد الأخير في غزة يتطلب إبرازًا لوحدة وقوة الصف العربي، مع الأخذ في الحسبان أن الدول المشاركة في اللقاء وعلى رأسها مصر والأردن تلعب دورًا حيويَا في الملف الفلسطيني لاعتبارات متعددة. وتتوافق الدول الخمس في التأكيد على حل الدولتين كحل عادل وشامل للقضية الفلسطينية بالرجوع إلى مخرجات القمة العربية في بيروت والتي عقدت في عام 2002.
- من جانب آخر هناك تحركات في الملف اليمني تتضمن تطورات متلاحقة تشهدها محافظة شبوة، مما يحمل دلالة نوعية بالغة الأهمية، تتمثل في “استمرارية” تحقيق هذه الانتصارات. ويحمل دلالة راسخة تؤكد حقيقة أن الجنوب يظل قادرًا على دحر الإرهاب الإخواني، مهما طال أمد الاستهداف الذي تشكله تلك المليشيات والتي تعمد إلى محاولة إطالة أمد الحرب في الجنوب لأطول فترة ممكنة.
- أما على صعيد العراق، فإن بغداد تمر بأزمة سياسية عاصفة لم تمر بها منذ سنوات ونتج عنها فراغ حكومي يتعلق بأن الحكومة الموجودة حاليًا هي حكومة تصريف أعمال، بجانب أن رئيس الجمهورية منتهية ولايته وما لذلك من انعكاسات قد تكون مهددة لاستقرار العراق.
- وبالنسبة لسد النهضة، يأتي اللقاء الخماسي أيضًا في توقيت يستوجب التأكيد على الدعم العربي لمصر في قضية حماية مياه النيل في الوقت الذي أنهت فيه أديس أبابا عملية الملء الثالث.
ثانيًا) تعزيز الشراكات الاقتصادية:
تشترك كل من مصر والأردن والإمارات والبحرين فيما يعرف بمبادرة الشراكة الصناعية التكاملية لتنمية اقتصادية مستدامة حيث كانت الآلية تتضمن مصر والأردن والإمارات بينما انضمت البحرين لاحقًا:
- استضافت أبو ظبي القمة المعنية بهذه المبادرة في مايو الماضي بحيث تركزت محاور الإنجاز خلال القمة في الشراكة في خمسة قطاعات صناعية شملت الزراعة والأغذية والأسمدة والأدوية والمنسوجات والمعادن والبتروكيماويات.
- وتضمنت مخرجات القمة التكامل والتخطيط بعيد المدى، بما يساعد الدول الأعضاء على وضع المنصات الصناعية التقنية، لتعزيز التنمية الاقتصادية وتحقيق التكامل الصناعي، بما في ذلك منظومات متكاملة، تحقق جدية واستثمار وتكاملية وتشاركية بما يساعد في تعزيز التنمية المستدامة وتطوير صناعات تنافسية ذات مستوى عالمي علاوة على تعزيز قطاعات التصنيع ذات القيمة المضافة وكذلك توفير سلاسل توريد مضمونة ومرنة وتعزيز نمو سلاسل القيمة والتجارة وتكاملها بين الدول.
- اعتمدت القمة 12 مشروعًا في قطاعات الزراعة والأغذية والأسمدة والأدوية باستثمارات مبدئية قدرها 3.4 مليار دولار.
ثالثًا) تعزيز التنسيق الاقتصادي والسياسي منعكسًا في الآلية الثلاثية:
كما سبقت الإشارة، يهدف اللقاء الخماسي الذي ينعقد في مدينة العلمين إلى التنسيق المستمر بشأن الملفات السياسية ذات الاهتمام المشترك. ومع التأكيد على التقارب السياسي بين العواصم الخمس؛ تنبغي الإشارة إلى الآلية الثلاثية التي تجمع بين القاهرة وعمّان وبغداد وتضمنت عقد قمم بين قادة الدول الثلاث، واجتماعات وزارية مشتركة بين مسؤوليها، كان آخرها في 25 مارس الماضي، وهو الذي شاركت به الإمارات لأول مرة- ويضاف إلى التنسيق السياسي تنسيق اقتصادي ضخم ينبثق عن هذه الآلية.
- ومن المتوقع أن يلحق باللقاء الخماسي اليوم لقاء ثلاثي سيضم الرئيس السيسي والملك عبد الله والكاظمي، ضمن الآلية الثلاثية بين البلدان الثلاثة والخاصة بتنسيق ملفات التعاون بينهم، والمتعلقة بدرجة كبيرة بالجوانب الاقتصادية والمشروعات المشتركة.
- يذكر أن الأردن لاعب أساسي في مسألة تصدير الغاز المصري إلى لبنان، وذلك عن طريق خط الغاز العربي وهو خط من الأنابيب لنقل الغاز الطبيعي يبدأ من مصر إلى الأردن ثم سوريا ولبنان بطول 1200 كيلو متر. ولخط الغاز العربي 4 مراحل، تمتد المرحلة الأولى من العريش في مصر إلى العقبة بالأردن بطول 256 كيلومترا ويضم 15 كيلومترا بالقطاع البحري تحت خليج العقبة. أما المرحلة الثانية فتمتد بطول 390 كيلومترا من العقبة إلى منطقة الرحاب، التي تبعد عن الحدود الأردنية السورية بنحو 30 كيلومترا، أما المرحلة الثالثة فتمتد بطول 30 كيلومترا من الرحاب الأردنية إلى منطقة جابر بسوريا، مما يؤكد على عمق الشراكة الاقتصادية بين مصر والأردن، علاوة على أن المجالات التي يتم فيها العمل في إطار آلية التعاون الثلاثي بين العراق والأردن ومصر، تشمل كلا من مجالات الطاقة خصوصًا مع بغداد وما يتعلق بمسألة الربط الكهربائي، والتشييد والبناء، والنقل، والتشاور والتنسيق السياسي، بالإضافة إلى التعاون في المنظمات الدولية.
- من الناحية السياسية فإن مكافحة الإرهاب تأتي في مقدمة التعاون الثلاثي بين مصر والعراق والأردن. وعلى الصعيد السياسي أيضًا يبرز تنسيق المواقف بين الدول الثلاث في المنظمات الدولية والإقليمية عند طرح القضايا التي تمس مصالحهم وتمس الأمن القومي العربي للنقاش، مثل الوضع في سوريا، والقضية الفلسطينية، والوضع في اليمن والتطورات في الخليج، وكذلك مجمل القضايا بين الدول الثلاث التي لهم مصلحة كبيرة في إيجاد حلول لها.
ختامًا؛ يمكن الإشارة إلى أنه منذ قمة جدة مرورًا باللقاء الخماسي اليوم وحتى الوصول للقمة العربية في الجزائر خلال نوفمبر المقبل، ظهرت مجموعة من الانتصارات التي استطاع المحيط العربي تحقيقها وكان أبرزها إجبار واشنطن -إذا جاز التعبير- على الاستدارة للخلف خلال قمة جدة والنظر بعين الاعتبار للتكتل العربي الذي أظهر رؤية موحدة وذكية حيال ما حدث في أوكرانيا منذ فبراير الماضي في حالة من الثقل السياسي المثبت والمنعكس في التنسيق الأمني والاقتصادي، بحيث عادت الدول العربية لتشكل رقمًا مهمًا في المعادلة الدولية كأحد انعكاسات الحرب الروسية – الأوكرانية التي من المرجح استمرارها مما يتطلب استمرار الجهود الدبلوماسية والتنسيق المشترك.
باحث أول بالمرصد المصري