مصر

مصر وصربيا: قرن وأكثر من العلاقات الاقتصادية الجيدة

توجه الرئيس المصري إلى العاصمة الصربية بلجراد لعقد مباحثات مكثفة مع الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش لبحث آليات تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين، وتوسيع آفاق التعاون والتنسيق في الملفات المختلفة على الصعيدين الدولي والمحلي. تأتي الأهمية الاستراتيجية لدولة صربيا كونها لاعبًا أساسيًا في السوق العالمية الزراعية والصناعية، والتي أسهم التحول نحو الرأسمالية في توسيع جذبها لاستمارات جديدة لتصبح لاعبًا مهمًا في السوق العالمية في وسط أوروبا، ومشارك مهم في سوق السلع العالمية.

اقتصاد متنوع

صربيا أو ما يسمى رسميا بجمهورية صربيا، هي دولة تقع بين وسط وجنوب أوروبا، وهي دولة حبيسة تتشارك في حدودها مع المجر في الشمال، ورومانيا وبلغاريا من الشرق، ومقدونيا من الجنوب، وكرواتيا والبوسنة والهرسك والجبل الأسود من الغرب، ولديها أيضا حدود مع ألبانيا عبر منطقة كوسوفو المتنازع عليها.عاصمتها بلجراد تعد واحدة من أقدم المدن الأوروبية، وواحدة من أكبر المدن في جنوب شرق أوروبا.

يعد قطاع الخدمات هو القطاع الاقتصادي الأساسي في صربيا؛ إذ يمثل نسبة 63.8% من الناتج المحلي الإجمالي، فيما يمثل قطاع الصناعة نسبة 23.5% من الناتج المحلي الإجمالي، والقطاع الزراعي نسبة 12.7% من إجمالي الناتج المحلي. ويبلغ عدد القوة العاملة بها حوالي 2.96 مليون نسمة، يعمل حوالي 60% منهم في قطاع الخدمات، ونسبة 21.9% في الزراعة، و19.5% في قطاع الصناعة.

يعد قطاع الزراعة في صربيا من أهم القطاعات؛ إذ تمثل نسبة التصدير إلى الاستيراد في صربيا 180% (تصدر الدولة بنسبة 80% أكثر من استيرادها للمنتجات الزراعية)، وهي أحد أهم مزودين أوروبا بالفواكه. ويعد انتاج المحاصيل الزراعية أهم المنتجات الصربية؛ إذ إنها تمثل حوالي 70% من إنتاج حقول المحاصيل، فيما يمثل الإنتاج الحيواني 30%، وهو المثير في الأمر؛ إذ إنه على الرغم من صغر حجم الدولة فهي ثاني أكبر منتج للخوخ عالميًا بعد الصين، وثالث أكبر منتج للتوت عالميًا بعد روسيا وبولندا.

للبلد كذلك إسهام كبير كذلك في إنتاج الذرة عالميًا بحوالي 6.4 ملايين طن، وهو ما يضعها في المرتبة 32 عالميًا، هذا فضلا عن إنتاجها لحوالي 2.7 مليون طن قمح (المرتبة 35 عالميًا). قطاع الصناعة أيضًا من القطاعات المهمة بالبلاد؛ إذ شهدت الفترة التي تحولت فيها البلاد إلى الرأسمالية بعد عام 2000 تطورًا كبيرًا في الإنتاج الصناعي، وتعد أهم الصناعات صناعة السيارات (متمثلة في سيارات فيات)، والمعادن غير الحديدية، والأغذية والإلكترونيات، والأدوية والملابس، أما عن صناعة التعدين فهي تأتي في المرتبة 18 عالميًا (والسابعة في أوروبا)، وثالث كأكبر منتج للنحاس في أوروبا.

علاقات قوية

تعود العلاقات المصرية الصربية إلى أكثر من 100 عام عندما تمت إقامة علاقات بين الدولة الخديوية المصرية وبين مملكة صربيا، وعبر مرور الزمن شهدت العلاقات بين البلدين فترات من الازدهار الكبيرة في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي إبان الفترة التي شهدت حركة عدم الانحياز والتي وطدت العلاقات بين مصر وصربيا (سابقًا كانت يوغسلافيا)، لكن فترات التسعينيات وعقب ما شهدته المنطقة من حروب انعكست بالسلب على مستوى العلاقات بين البلدين والتي تم تخفيضها إلى ما دون السفير لمرتين في تلك الفترة، لكن الفترة الحالية ترتبط القيادتان السياسيتان في مصر وصربيا بعلاقات متميزة خاصة مع تولي الرئيس السيسي مقاليد الحكم في البلاد، والتي شهدت فترة تولية إعادة صياغة لعلاقة مصر الخارجية، وهو ما عكسته الزيارات رفيعة المستوى بين البلدين، بجانب أن مصر لديها سفارة في بلجراد، وصربيا لديها سفارة في القاهرة.

تلك العلاقات السياسية المتميزة أثمرت عن وجود علاقات اقتصادية جيدة بين البلدين، فمن الناحية التنظيمية توجد العديد من الاتفاقات بين البلدين التي تعزز من العلاقات الاقتصادية والتي تتمثل في اتفاق للخدمات الجوية، واتفاق التعاون الاقتصادي والتجاري طويل الأجل بين البلدين، واتفاق الإلغاء المزدوج لتأشيرات حاملي جوازات السفر الدبلوماسية، واتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي لضريبة الدخل، واتفاق تشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة بين البلدين، بالإضافة إلى عدد من مذكرات التعاون بين البلدين في المجالات التعليمية، والطبية، والسياحية، والخدمات البيطرية، والثروة المعدنية، وغيرها من المجالات الأخرى.

كان لتلك العلاقات الجيدة من الناحية الدبلوماسية والتنظيمية أثر إيجابي على التبادل التجاري بين البلدين وهو ما أسهم في زيادة صادرات مصر إلى صربيا من 5.2 ملايين دولار في عام 2017 إلى 9.1 ملايين دولار في عام 2021، هذا فضلًا عن تحقيق الشهرين يناير وفبراير من عام 2022 صادرات بحوالي 1 مليون دولار، وتتمثل أهم الصادرات المصرية إلى صربيا في المنتجات الغذائية، يليها صادرات معادن ثم الملابس.

تبذل الدولة جهودًا حثيثة للبناء على مستوى العلاقات بين البلدين لتعزيز التعاون الاقتصادي والاستفادة من الميزات التنافسية لكلا الدولتين، خاصة وأن صربيا لها خبرة جيدة في القطاع الزراعي والصناعي، وما تبديه الدولة المصرية من اهتمام بتلك القطاعات على مستوى المشروعات القومية التي تم إنجازها خلال السنوات الماضية، وهو ما يعزز من إمكانية التعامل والتعاون بين البلدين بالشكل الذي يصب في مصلحة تحسين الوضع الاقتصادي بين البلدين ومن ثم التأثير بشكل إيجابي على جودة حياة المواطنين في كليهما.

+ posts

باحث ببرنامج السياسات العامة

أحمد بيومي

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى