مصر

عودة المصريين من أوكرانيا.. إعادة صياغة لمفهوم الأمن الإنساني

منذ ظهور فيروس كورونا المستجد في ديسمبر2019، بدأت الدول تعمل جاهدة على احتواء كافة الآثار السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتلك الأزمة والتخفيف منها. ونلاحظ ظهور مصطلح “ما بعد كورونا” نتيجة التغييرات التي حدثت على كافة المستويات نتيجة هذا الوباء ومختلف الأزمات والنزاعات التي يشهدها العالم. وخلال هذه المحاولات والجهود، يظهر الصراع الروسي-الأوكراني ليغير موازين العالم تمامًا، وفي خضم هذه الأزمات نلحظ أن الدولة المصرية أعادت تفعيل وصياغة مفهوم الأمن الإنساني، سواء أمن الفرد أو المجتمع أو الدولة ككل، وهو ما يظهر فيما اتخذته الدولة من مواقف تتعلق بإجلاء المصريين العالقين في مناطق الأزمات بدءًا من ووهان وصولًا إلى أوكرانيا.

في خلال فترة الحرب الباردة كان الأمن العسكري هو حجر الأساس، إلا أنه بعد ظهور أنواع جديدة من النزاعات خاصة الداخلية سواء في الطبيعة أو في الأطراف، أُعيد النظر في المبادئ التي يقوم عليها الأمن، وعملت نهاية الحرب الباردة على نقل الصراعات ما بين الدول إلى داخلها مما أوجد ضرورة التعامل مع تهديدات ذات طابع داخلي. وظهر مفهوم الأمن الإنساني في تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية عام 1994، وحددت الأمم المتحدة تعريفًا له بأنه يعني أمرين رئيسين وهما التحرر من الخوف، والوقاية من الحاجة، واضعة سبعة أبعاد تشكل محتوى المفهوم هي: الأمن الاقتصادي، والأمن الغذائي، والأمن الصحي، والأمن البيئي، والأمن الشخصي، والأمن المجتمعي والأمن السياسي.

وعلى الرغم من أن مفهوم الأمن الإنساني يركز على الفرد، إلا أنه مكمل ضروري لأمن الدولة، وعلى الدولة أن تعمل على تحقيق شروط الأمن الإنساني لأن وظيفتها الأولى هي ضمان الأمن للأفراد. وتختلف التهديدات التي يتعرض لها الأمن الإنساني، وقد حددها برنامج الأمم المتحدة للتنمية عام 1994 في ستة تهديدات وهي: تفاقم ظاهرة الفقر، التهديدات البيئية، الجريمة المنظمة، النمو الديمغرافي غير المرغوب، انتشار الأوبئة، ظاهرة الهجرة الجماعية.

“كوفيد -19”.. وعودة المصريين من ووهان

ترتب على انتشار وباء “كوفيد-19” العديد من الآثار سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية، والتي ما زال العالم يعاني منها حتى الآن، وبما أن انتشار الأوبئة هو أحد تهديدات الامن الإنساني، فكانت أزمة جائحة “كوفيد -19” تعكس تهديدًا على النحو التالي:

  • تهديد للأمن الصحي: في فبراير 2020 نتيجة تفشى فيروس كورونا بشكل كبير في مدينة ووهان بالصين، وعدم قدرة الصين في ذلك الوقت على السيطرة على الموقف، كان التهديد البشرى مباشرًا لأن ارتفاع أعداد الوفيات والإصابات في الصين كان كارثة إنسانية؛ وهنا بدأت الدول في حماية رعاياها من أي تهديد صحي، خاصة في ظل تزايد المخاوف من انتشار الوباء في كافة دول العالم وعدم القدرة على السيطرة عليه، خاصة وأن تهديد الوباء في ذلك الوقت كان يفوق الحروب والنزاعات.

لذا قامت الدولة المصرية بالعمل على حماية مواطنيها وتأمين سلامتهم، من خلال إعادة المصريين من ووهان وحجزهم في مرحلة الحجر الصحي في مجمع النخيلة في محافظة مطروح، للتأكد من عدم إصابتهم بالفيروس. وقد كان ذلك في ظل الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها دول عدة بما فيها مصر بتعليق رحلات الطيران، ومن هنا ظهرت أزمة المواطنين العالقين في الخارج، والتي تفاعلت معها الدولة من خلال تشكيل غرفة عمليات لإعادتهم.

علاوة على ذلك، تم إطلاق خط ساخن للتواصل مع المصريين بالخارج، للتمكن من معرفة المشاكل التي تواجههم، وخصصت وزارة الهجرة والمصريين بالخارج بريدًا إلكترونيًا ورقمًا للتواصل لتلقي الاستفسارات والشكاوى، وكذلك إعداد نموذج تسجيل عبر الإنترنت لتلقي بيانات المواطنين العالقين بسبب الأزمة. وتم التنسيق مع كافة الجهات المعنية سواء وزارة السياحة ووزارة الخارجية ووزارة الطيران والسفارات المصرية بالدول المعنية للتعاون في حل مشكلات المصريين بالخارج، وسيّرت وزارة الطيران المدني رحلات استثنائية، تضمنت حوالي 22 رحلة طيران لإعادة المصريين العالقين بالخارج.

  • تهديد للأمن الاجتماعي: لم تقف الدولة مكتوفة الأيدي حول توفير فرص عمل للعائدين من الخارج نتيجة أزمة “كوفيد-19″، بل أطلقت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، بالتعاون مع وزارة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج مبادرة “نورت بلدك” بهدف عمل حصر شامل لجميع العائدين من الخارج الذين فقدوا وظائفهم، من أجل دمجهم في منظومة العمل المصرية وتوفير عمل مناسب لهم، ودعمهم من خلال جهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، بالإضافة إلى دمجهم في المشروعات القومية. 

القاهرة- كابول

نتيجة عدم استقرار الأوضاع في العديد من الدول مثل العراق وليبيا واليمن وسوريا وأفغانستان، والتي تعد مناطق نزاع، نرى مثلًا الوضع في أفغانستان بعد سيطرة طالبان على الحكم، بات الأمر يشكل تهديدًا على سلامة وأمن المواطنين المصريين القاطنين هناك، خاصة وأن عمليات الإجلاء من المطارات الأفغانية عمومًا بدأت تتراجع، وهو ما يعنى أن الوضع قد بات يشكل خطورة على الامن الإنساني، وذلك على النحو التالي:

  • منطقة إرهابية تهدد سلامة المواطن: بالنظر إلى الوضع في أفغانستان نجد أنها دولة إرهابية وتهدد أمن المواطنين، خاصة وأن طالبان كانت تسعى إلى وقف الجسور الجوية، وهو ما استطاعت القيادة السياسية قراءته في التوقيت الصحيح، وعلى إثره اتخذت قرارًا بإجلاء المصريين الموجودين في أفغانستان، وتم وضع خطة للإجلاء من خلال التوجه إلى السفارة المصرية إلى حين التوجه إلى مطار كابل.

عودة المصريين من أوكرانيا

منذ أن بدأت روسيا عملية عسكرية في الأراضي الأوكرانية، دعت السفارة المصرية في كييف المصريين في أوكرانيا إلى عدم الخروج من المنازل لحين استقرار الأوضاع، على وقع “العملية العسكرية” الروسية هناك، مع نشر بيان عبر صفحة فيسبوك، بالاحتفاظ بمستندات إثبات الشخصية، ومتابعة التعليمات الصادرة من السلطات الأوكرانية لحين استقرار الأوضاع، مع تشكيل غرفة عمليات لمتابعة موقف الجالية المصرية بأوكرانيا في ظل المستجدات والمتغيرات المتلاحقة، ثم طلبت السفارة المصرية في كييف توجه الرعايا المصريين إلى بولندا أو رومانيا، أما من هم في أماكن خطرة فطلبت منهم البقاء في أماكنهم.

  • تهديد للأمن الإنساني: نتيجة دخول روسيا في عملية عسكرية في الأراضي الأوكرانية، واحتدام الحرب بشكل كبير، تشكل تهديد على أمن المواطن؛ فالصراع يحتدم دون أي اعتبار لوجود مواطنين يتحملون عواقب تلك الحرب، بدأت السلطات المصرية متابعة أوضاع المصريين في أوكرانيا، وحسب الحصر فإن أكثر من 400 مصري عبروا الحدود الأوكرانية ودخلوا رومانيا، وقالت السفارة المصرية في العاصمة الرومانية بوخارست والممثلة لدى دولة مولدوفا أن السلطات الرومانية سوف تقوم بتنظيم معسكرات تجميع للقادمين من أوكرانيا، عند النقاط الحدودية مع أوكرانيا، وقد حددت سلطات رومانيا أربع نقاط حدودية لدخول القادمين من أوكرانيا، وطالبت المصريين بأوكرانيا بموافاتها أو موافاة سفارة مصر في كييف ببياناتهم وأماكن وجودهم والنقطة الحدودية التي سيتوجهون إليها لتسهيل مهمة انتقالهم.
  • توفير حماية قصوى: قامت شركة الطيران الرومانية بتسيير ثلاث رحلات مباشرة أسبوعيًا إلى القاهرة، وكذلك تقوم الخطوط اليونانية والتركية بتسيير رحلات للقاهرة عبر الدوحة وإسطنبول، وفي سياق متصل، أصدرت السفارة المصرية في كييف تعليمات جديدة للمصريين الذين لم يخرجوا من أوكرانيا بعد بالبقاء في المدن وعدم التحرك الآن نحو الحدود نظرا لوجود خطورة على الطرق في ظل احتدام المعارك بين القوات الروسية والأوكرانية. وقد وصلت الطائرة المصرية قادمة من رومانيا على متنها 181 مصريًا، تلتها بالأمس طائرتان لشركة “إير كايرو” التابعة لوزارة الطيران المدني قادمتان من بولندا وعلى متنهما 177 راكبًا.

ختامًا يمكن القول، إن الأحداث التي تتوالى سواء من انتشار فيروس “كوفيد-19″، بالإضافة إلى النزاعات والحروب في بعض الدول، علاوة على العملية العسكرية الروسية- الأوكرانية في الوقت الحالي، أثبتت اهتمام الدولة المصرية بالتوجه نحو الاهتمام بالأمن الإنساني، كذلك أثبتت تلك الازمات تكاتف مؤسسات وأجهزة الدولة في مواجهة تلك التهديدات.

+ posts

باحثة بالمرصد المصري

منى لطفي

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى