
دلالات التعاون عابر الحدود في أسبوع القاهرة للمياه
تتخذ مصر إجراءات حثيثة للحفاظ على الحق المصري في المياه، من خلال تعزيز سبل التعاون الدولي العابر للحدود، من خلال تعظيم الموارد الموجودة بالفعل، في ظل التحديات المناخية والزيادة السكانية والتغيرات البيئية والسلوك البشري غير الرشيد، وهو ما ظهر في كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي في افتتاح الدورة الرابعة لأسبوع القاهرة للمياه 2021 بعنوان “المياه والسكان والتغيرات العالمية – الفرص والتحديات”، وهو المؤتمر الذي يعد ركيزة لتبادل المعارف العلمية والرد العلمي لتوضيح الحقائق والسبل التي تقوم بها الدولة المصرية في قضية المياه، فبجانب السبل الدبلوماسية واللقاءات الثنائية للحفاظ على حصة مصر المائية من نهر النيل والتعاون لتحقيق التنمية المائية في دول حوض النيل، كان التحرك العلمي المدروس هو السبيل المصري لوضع اجراءات ضابطة لأحواض الأنهار العابرة للحدود.
أهمية الدورة الحالية لأسبوع القاهرة للمياه:
يعد المؤتمر في دورتيه الرابعة الحالية والمقبلة في أكتوبر 2022 من أهم المحطات التحضيرية لمؤتمر الأمم المتحدة للمراجعة الشاملة لنصف المدة والخاص بالمياه، والمقرر تنظيمه في مارس عام ٢٠٢٣.
كما تشهد الفعاليات بجانب الجلسة العامة رفيعة المستوى ٤ جلسات متخصصة، تناقش حالة المياه فى المناطق القاحلة، التعاون فى مجالات المياه والمناخ من حيث أفضل الممارسات وقصص النجاح، التمويل من حيث التحديات والفرص، الابتكار من أجل تحقيق الإدارة المستدامة للموارد المائية. كما ستتضمن عقد 8 أحداث جانبية وورش عمل، و7 اجتماعات رفيعة المستوى و70 جلسة فنية خاصة.
ومن المقرر أن يحضر الفعاليات نحو ألف مشارك فعلي، و800 مشارك “افتراضيا” وحضور 20 وفدًا وزاريًا فعليًا، و44 وفدًا وزاريًا بشكل افتراضي، كما تشهد مشاركة كبار ممثلي المنظمات الدولية والمؤسسات الأممية، والقادة والخبراء، من بينهم الأميرة سمية بنت الحسن، سفير النوايا الحسنة للعلوم والسلام في اليونسكو، الدكتورة رولا داشتي، وكيل الأمم المتحدة ورئيس منظمة الاسكوا، وجلبرت هونجبو، رئيس هيئة الأمم المتحدة للمياه، ورئيس الصندوق الدولى للتنمية الزراعية، أيضا رئيس المجلس العالمى للمياه، ولوي زينم، وكيل الأمين العام لإدارة الشئون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة، إلى جانب مسئولون رفيعو المستوى من منظمة الفاو، ووزراء المياه بالدول العربية والأوروبية، وعدد من الوزراء الحاليين والسابقين وكبار المسئولين من مصر ومختلف دول العالم.
رسائل أسبوع المياه:
يثبت المؤتمر فكرة التحرك المصري حول توضيح الوضع المائي في مصر، والرد على الأكاذيب الإثيوبية بأن حصة مصر من مياه النيل، مع تقديم الرؤى والحلول وعرض المجهودات المصرية للحفاظ على الموارد المائية النادرة والتي يعد نهر النيل هو المصدر “شبه الحصري” للمياه في مصر، كما جاء في كلمة الرئيس السيسي، فاشتملت الرسائل على الصعيدين الوطني والدولي كما يلي:
وضع مصر استراتيجية متكاملة لإدارة وتنمية المياه حتى عام 2037: وضعتها مصر بتكلفة تقديرية مبدئية ٥٠ مليار دولار، لتحقيق الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالمياه. وهو ما جاء في كلمة الرئيس السيسي الافتتاحية؛ لمواجهة تحديات ندرة المياه في ظل ثبات مصادر المياه العذبة مع الاضطراد في الزيادة السكانية وفي ظل التحديات المناخية باعتبار مصر أكثر دول العالم جفافاً، وبالتالي الاعتماد شبه الحصري على مياه النيل، وتقع مصر تحت خط الفقر المائي، فلايتجاوز نصيب الفرد من المياه في مصر 560 متر مكعب/ سنوياً، في الوقت الذي عَرفت الأمم المتحدة الفقر المائي على أنه 1000 متر مكعب/سنوياً من المياه للفرد، فجاءت الخطة لتحسين نوعية المياه، من إنشاء محطات المعالجة الثنائية والثلاثية، وتنمية الموارد المائية الجديدة حيث تنفذ مصر برامج لمعالجة المياه وتوطين تكنولوجيا تحلية مياه البحر بتكلفة تبلغ أكثر من 80 مليار دولار، ورفع كفاءة منظومة الري، والتطوير التشريعي والمؤسسي، إلى جانب زيادة الوعي المجتمعي وتعديل السلوكيات البشرية غير الرشيدة بإنشاء مشروعات غير مدروسة من خلال حملة القضاء على التعديات على نهر النيل، والعمل لعى إنشاء مشروعات علمية مدروسة تحافظ على استدامة الموارد.
تهدف الاستراتيجية المصرية كما جاء في كلمة رئيس الوزراء مصطفى مدبولي الحصول على مياه الشرب النظيفة والصرف الصحي، وتحسين جودة المياه، ومعالجة ندرة المياه، وإعادة التدوير فقد وصلت تغطية مياه الشرب المُدارة بأمان إلى نحو 98٪ من المواطنين في عام 2020، وزاد الصرف الصحي المُدار بأمان من 50٪ إلى 65٪، مما يسهم في توفير العمل اللائق في النظم الغذائية كثيفة العمالة وتوفير الأمن الغذائي، من خلال تنفيذ مشروع تنمية الريف المصري “حياة كريمة”.
التنسيق والتعاون الدولي لمواجهة الأزمات المائية الدولية الحرجة وتحقيق التنمية المستدامة: تعد قضية التغيرات المناخية والتحديات البيئية وندرة المياه في ظل الزيادة السكانية وثبات الموارد المائية مشكلة عالمية يعاني منها العديد من الدول، مما يتطلب إدارة سليمة دولية عبر التعاون المتكامل العابر للحدود القائم على المنافع المتبادلة وتعزيز الاستقرار، فعملت مصر على المشاركة بفاعلية في مراحل “مسار عقد المياه للأمم المتحدة 2018 – 2028″، والمبادرة مع الدول الصديقة من أجل إطلاق بيان مسار عقد المياه ومؤتمر الأمم المتحدة المرتقب لمراجعة منتصف المدة الشاملة لعقد المياه في مارس 2023، ووضع أسبوع القاهرة للمياه في دورتيه الرابعة الحالية والمقبلة في أكتوبر 2022 على مسار عقد المياه الأممي، لفتح نقاش موسع شامل بين مختلف أصحاب المصلحة من الحكومات والمجتمع المدني والخبراء والأكاديميين والمرأة والشباب، مما يعزز من تسريع وتيرة تحقيق أهداف التنمية المستدامة والتي يتم تضمينها بتقرير المراجعة المرتقب لمسار عقد المياه.
المفاهيم العلمية والاتفاق الملزم لإدارة أحواض الأنهار عايرة للحدود: من خلال تقديم مصر للأبحاث العلمية للرد على الابحاث المغلوطة التي تقدمها الجهات الإثيوبية، من خلال البحث العلمي المحكم في مجلة أبحاث أمريكية الذي كشف معدلات الهبوط في سد النهضة الأثيوبي والمخاطر المتوقعة له من خلال الصور الردارية،
كما صرح وزير الري محمد عد العاطي بأن الإجراءات الأحادية التي اتخذتها إثيوبيا قد أثرت على منسوب النيل، مما يضع البلاد أمام استمرار تحديات الندرة المائية مع عدم التنسيق والتكامل القائم على المصالح المتبادلة، فأكد الرئيس السيسي ورئيس الوزراء مدبولي على التصدي للتحديات الجذرية للتعاون العابر للحدود علي نحو يتسم بالفعالية وفقاً لقواعد القانون الدولي ذات الصلة، للحفاظ على السلم والأمن الإقليميين والدوليين، من خلال عقد الحوار حول أهمية التعاون بين الدول المتشاطئة لتحقيق الإدارة المُثلي لأحواض الأنهار الدولية لتحقيق التنمية المنشودة لكافة الشعوب، وهو الأمر الذي تعاني منه مصر باعتبارها دولة مصب، وبالتالي التأكيد المصري على ضرورة إدارة موارد المياه العابرة للحدود، من خلال التعاون العابر للحدود دون التصرفات الأحادية، والتطلع في أقرب وقت لاتفاقية متوازنة وملزمة قانوناً في هذا الشأن اتساقاً مع البيان الرئاسي الذي أصدره مجلس الأمن في سبتمبر 2021.
التعاون عابر الحدود والتوصيات المتوقعة:
ظهر مصطلح نهر عابر للحدود في الأسبوع الثاني للمياه الذي نظمته القاهرة، وفي الاحاطات الدولية أمام مجلس الأمن، وظهرت اليوم في كلمات الرئيس السيسي ورئيس الوزراء ووزير الري، على نحو يطالب بضرورة التعاون عابر للحدود لإدارة أحواض الأنهار العابرة للحدود، باعتبار أن 60% من أحواض الأنهار العابرة للحدود والمشتركة لا تزال تفتقر إلى وجود آليات لإدارة تعاونية وقابلة للتنفيذ بين الدول المتشاطئة.
وضعت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأوروبا خارطة طريق لإدارة الموارد المائية عابرة الحدود من خلال اتفاقية الأمم المتحدة 1992 “اتفاقية المياه” بشأن استخدام الموارد الكائية العابرة للحدود والبحيرات والأنهار الدولية، لتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، من خلال إدارة النظم البيئية وتوضيح المخاطر ومواجهة المخاطر العالمية التي تؤثر على استدامة الموارد المائية في ظل التغيرات المناخية وندرة الموارد والتلوث والطلب المتزايد على الموارد المحدودة للمياه في ظل التوسع التنموي والزيادة السكانية، مما سيساعد في تحسين جودة المياه والتخفيف من آثار الفيضانات والجفاف وتحسين التخطيط والتعاون المشترك بين البلدان المشاطئة، وإدارة السدود والخزانات، مما سيسهم في زيادة الثقة وتجنب النزاعات والحفاظ عل الأمن والسلم الدوليين والإقليمين، كما تقدم للأطراف المشتركة الدعم والتمويل المالي لإدارة المياة من المصادر الوطنية والجهات المانحة، كما تساعد في ابرام الاتفاقيات وانشاء هيئات مشتركة أو تعزيز الهيئات القائمة.
ويوفر الانضمام للاتفاقية نطاق قانوني قوي ومعترف به من المجتمع الدولي يتعدى حدود القانون الدولي العرفي بتعميق التعاون والتنمية المتكاملة، ولا تفرق بين دولتي المنبع والمصب في الحقوق والالتزامات، وتعزيز الإدارة المتكاملة من خلال تنظيم هيئات داخلية مشتركة، ويمكن لدولة واحدة من دول الأحواض النهرية الدولية الانضمام لتشجيع باقي الاطراف على الانضمام كما تعطي رسالة واضحة للمجتمع الدولي بالتزامها القانوني والبيئي والاجتماعي وبالتالي تعد الإطار المرجعي للاتفاق الإطاري للتفاوض بشأن إدارة المياه كما حدث عام 2001 حول حوض نهر سافا، لكنها لا تكون ملزمة قانوناً للدول التي لم توقع على اتفاقية المياه؛ إلا أنه بالانضمام تستطيع الدول الحصول على المساعدة والمشورة والاستفادة من الخبرات الدولية غلى جانب المساعدات الدولية والتمويل في المشروعات التنموية.
وترجع أهمية اتفاقيات المياه لوجود أكثر من 39 دولة تتلقى حصتها من المياه من خارج حدودها، والمتعلقة بأحواض الأنهار العالمية، ومنها حوض نهر النيل، وصنفت مصر من بين البلدان التي يتجاوز مستوى الإجهاد المائي فيها “المؤشر 6-4-2 لهدف التنمية المستدامة” 100% – وهي النسبة بين إجمالي المياه العذبة التي تستهلكها القطاعات االقتصادية الرئيسية وإجمالي موارد المياه العذبة المتجددة – وتتمثل المشكلات في محاولات سيطرة دول المنبع على محددات المياه، والإجراءات التي تؤثر على ندرة وتدفق المياه، وتتمثل الحصص العالمية عبر الحدود في الشكل التالي، والذي نشره تقرير الأمم المتحدة.
جدير بالذكر أن اتفاقية المياه، بدأت كاتفاقية إقليمية في جلسة الأمم المتحدة في هلنسكي الفنلندية عام 1992، وأصبحت نافذة عام 1996، وفي 2003 وافق أعضاء الامم المتحدة على تعديلها لتسمح للدول الأعضاء في الأمم المتحدة الانضمام إليها، وفي 2016 أصبحت رسمياً لجميع الأعضاء، وتستند على مبادئ القانون الدولي العرفي الذي تقوم عليه اتفاقية المياه للأغراض غير الملاحية.
وأوضحت تقديرات الأمم المتحدة تقاسـم 151 بلـداً و8,2 بليـون شـخص 286 حوضـاً نهريـاً عابـراً للحـدود، وتم تصنيف حوض نهر النيل من ضمن الأحواض عابرة الحدود التي تعاني من الإدارة غير الملائمة ومن وجود مخاطر كبيرة على النظام الأيكولوجي رغم تدني مستوى تطوير الموارد المائية.
أسبوع القاهرة للمياه، يعد منصة للرد على التكهنات الإثيوبية بشكل يجمع كافة الأطراف الدولية، ويؤكد على موقف مصر من الاتفاق القانوني الملزم بشكل يخدم مصلحة كافة الأطراف، وليوضح الرؤية المصرية التي تهدف إلى التكامل والتعاون عل كافة المستويات، بداية من تحسين جودة المياه وتعزيز سبل الاستفادة من الموارد المائية النادرة في ظل التحديات العالمية من خلال التأكيد على التعاون العالمي في مجال التنمية، وحث الدول الأطراف على تنفيذ اتفاقية المياه 1992، من خلال التوصية نحو تعزيز مفاهيم مثل “حوكمة المياه” من خلال الشفافية في تبادل المعلومات واتخاذ كافة الادوات التعاونية لإدارة المياه وتحقيق الامن المائي وحوكمة منظمات أحواض المياه العابرة للحدود، في ظل تصنيف حوض النيل من الأحواض التي تعاني من سوء الإدارة، مع الإشارة إلى التعاون الثنائي الذي قامت به مصر مع دول حوض النيل، في ظل تعنت إثيوبي حيث “تم دعوتها في الثلاثة مؤتمرات السابقة ولم يجيبوا على الدعوة ولم يعتذروا” وفقاً لتصريحات وزير الري المصري، إلى جانب تعزيز مفهوم “دبلوماسية المياه” لتجنب الصراع وتعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي، والاستفادة من الخبرات الدولية والمساعدات الدولية لتقديم التدريب والتمويل للمشروعات الوطنية للتنمية وإدارة البيانات وفقاً لمبادئ اتفاقية 1992، باعتباره رهان على مقاربة جديدة لعلاج القضايا المتعلقة “بالمسئولية” المشتركة لإدارة موارد المياه العابرة للحدود دون التفرقة بين دولتي المنبع والمصب.
باحثة بالمرصد المصري



