الاقتصاد المصري

طرح “شركة العاصمة الإدارية” بالبورصة.. “فوائد وعوائد”

في تصريح هو الأهم خلال افتتاح عدد من المشروعات القومية المتنوعة بمدينة “بدر” في 14 أغسطس 2021 بهدف خدمة العاملين المستهدف انتقالهم للممارسة أعمالهم من مواقعهم الجديدة بالعاصمة الإدارية الجديدة بالقاهرة، خرج علينا الرئيس عبد الفتاح السيسي بخبر سار وهو اعتزام الدولة طرح “شركة العاصمة الإدارية الجديدة” التي تدير ذلك المشروع العملاق بالبورصة المصرية أو بإحدى البورصات العالمية، فماذا يعني ذلك الطرح ومن هم “الرابحون”!

” العاصمة الإدارية الجديدة”، فكرة انطلقت من مؤتمر دعم الاقتصاد المصري في مارس 2015، وبذلت فيه جهود مضنية خلال السنوات الماضية لتحويل الرسومات الهندسية والخرائط لواقع ملموس بنسب إنجاز للمرحلة الأولى تفوق الـ 70 %، وتتجاوز 90 % لبعض الأحياء ومن ضمنها الحي الحكومي بالعاصمة.

ويحمل مشروع ” العاصمة الإدارية” الجديدة أحلام المصريين في تصميماتها الهندسية وخرائطها نحو إنشاء مركز جديد للقاهرة، مصمم عمرانيا لاستيعاب التكدس السكاني ومؤهل تكنولوجيا لاستيعاب الجهات الحكومية المختلفة وقطاع الأعمال والشركات الخاصة أيضا، هي كيان يمتد على مساحة عملاقة تتجاوز 170 ألف فدان.

ويتم تنفيذ المشروع على عدد من المراحل يشرف على ذلك التنفيذ شركة العاصمة التي تأسست بالمشاركة بين هيئة المجتمعات العمرانية بنسبة 49 % وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية وجهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة بنسبة 51 %، هذا الكيان أصبح عملاقا بدرجة تعكس حجم الجهود المضنية التي بذلت خلال السنوات الخمس الماضية، لتتعاظم قيمة الأصول المُدارة به وتصل إلى 3 – 4 تريليونات جنيه مصري، وتبلغ السيولة النقدية المتاحة به أكثر من 100 مليار جنيه نقدا، وهو ما يجعلها الشركة الأكبر في مصر من حيث حجم الأصول.

“شركة العاصمة وأرامكو السعودية “

ولكن ماذا يعني طرح ذلك الكيان العملاق بسوق الأوراق المالية المصري أو الأسواق العالمية، وكم من الوقت يستغرق ذلك هل بالفعل الدولة قادرة على تنفيذ ذلك الطرح في منتصف عام 2022.

لفهم الثمار التي سيجنيها سوق الأوراق المالية المصري من طرح شركة العاصمة الإدارية الجديدة به يجب أن نعود بأذهاننا إلى ما قامت به جارتنا الشقيقة المملكة العربية السعودية عندما اتخذت قرارا بطرح شركة “أرامكو” عندما أعلن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان آل سعود لمجلة ذي إيكونوميست البريطانية، عن مُقترح طرح نسبة من أسهم شركة أرامكو.

كانت أهداف ذلك الطرح هو استحداث أسلوب الإدارة ونظام التدقيق الغربي في أرامكو السعودية تحويل الاقتصاد السعودي القائم على النفط ليصبح اقتصادًا مُتنوعًا وَعَالَمِيًّا، لتخرج علينا تلك الشركة في الطرح الأكبر في التاريخ حيث استطاعت الشركة أن تجمع 25.6 مليار دولار من خلال طرح 1.5 % من شركة أرامكو متفوقة على شركة “علي بابا” الصينية التي بلغ طرحها 25 مليار دولار.

ساهم ذلك الطرح في زيادة حجم رأس المال السوقي للمملكة (إجمالي قيم الشركات المقيدة بسوق الأوراق المالية السعودي) ليصبح في المرتبة التاسعة عالميا، ومن ثم فبالقياس على سوق الأوراق المالية المصري فإن طرح شركة بذلك الحجم سيساهم في تعزيز أداء سوق الأوراق المالية المصري وتحسين مكانته من حيث رأس المال السوقي، وإدراج أصول جديدة بالسوق تسمح للمستثمرين بالاستثمار في شركة ذات ملاءة مالية عالية، هذا فضلا عن أن حجم الشركة سيسمح باجتذاب استثمارات أجنبية سواء تم الطرح بالسوق المحلي أو خارجيا، لكن تلك الاستثمارات ستكون أكبر بكثير في حال القيد المزدوج للشركة بالسوق المصري وبأحد الأسواق العالمية.

“إجراءات عملية الطرح”

أما التساؤل التالي الخاص بقدرة الشركة على إعداد أوراقها للطرح بسوق الأوراق المالية، فيجدر القول إن عملية الطرح هي سلسلة من الإجراءات التي تبدأ بتحديد النسبة التي سيتم طرحها وبالطبع يتم استشاره بنك الاستثمار الذي سيتولى التسويق لعملية الطرح (قد يكون محلى أو أجنبي) ثم بعد ذلك يتم إجراء عمليات الفحص النافي للجهالة (إفصاح عن الوضع الإداري والمالي والقانوني للشركة) ثم إصدار تقرير مجمع يتضمن جميع الإفصاحات التي تخص الشركة وأخيرا يتأتى تعيين المستشار المالي المستقل ليتولى العملية الأهم وهي تحديد قيمة الشركة ومن ثم سعر السهم الخاص بها ثم قبول طلبات المستثمرين الراغبين في شراء سهم الشركة، وأخيرا القيد بهيئة سوق المال والبورصة المصرية وتحديد موعد للتداول على سهم الشركة، قد تستغرق تلك العملية فترة زمنية تتراوح بين 3 أشهر وحتى عامين، حيث يعتمد ذلك على مدى جاهزية الشركة إداريا وقانونيا لاستيفاء متطلبات الحكومة التي تخص عملية القيد بأسواق المال، وما سبق يسري على السوق المحلية أو الأجنبية باختلاف بعض الإجراءات البسيطة التي تختلف وفقا للقوانين.

طرح الشركة.. فوائد وعوائد”

ماليا، سيسمح قيد شركة بذلك الحجم بسوق الأوراق المالية المصري بتعميق حجم السوق وتحسين ترتيبه العالمي، وجذب مستثمرين أجانب للاستثمار بالسوق المصري، من جانب آخر فسينجح المستثمرين الحاليين بالتخارج ولو بشكل جزئي من تلك الشركة والسماح لمستثمرين جدد بالدخول بالاستثمار بالشركة شركات كانت أو مواطنين، ومن ثم يستطيع المواطنون حصد ثمار المشروعات القومية التي تنفذها الدولة من خلال الحصول على أرباح خاصة وأن الشركة ذات ملاءة مالية قوية، وأخيرا يسمح ذلك القيد لأسهم الشركة بتوفير تمويل تستطيع به الشركة استكمال بناء العاصمة الإدارية الجديدة في مراحلها المتتالية والحفاظ علي وتطوير ما تم إنجازه على أرض الواقع، ومن ثم تكون تلك العاصمة مشروع مصري خالص بدأ وتوسع واستمر بتمويل من خارج الموازنة العامة للدولة، أي لم تتكلف الدولة جنيها واحدا في تمويله ليكون نموذج ناجح يحتذى به عند التخطيط للمشروعات القومية التالية.

سياسيا، فإن في حالة نجاح طرح الشركة بسوق الأوراق المالية مصريا كان أو أجنبيا، فإن ذلك دليل قاطع على جدوى المشروعات القومية التي تقوم بها الدولة، ومستوى الحكومة والشفافية والشكل الإداري لتلك الشركة الذي سمح لها بالقدرة على استيفاء متطلبات الحكومة الإفصاحات اللازمة لذلك، هذا فضلا عن تشكيل لجان الرقابة والمراجعة المختلفة والتي تحدد بالدليل جودة الشركة إداريا، ومن ثم فإن ذلك الطرح يعزز من شفافية الحكومة في تنفيذ مشروعاتها القومية، ويزيد من ثقة المواطنين بالحكومة، ويحصد الجميع ثمار الجهود الكبيرة التي بذلت خلال السنوات الماضية والتي دونها ما كان يمكن لنا أن نري ذلك الصرح العملاق الآن.

ختاما

يمثل طرح الشركة المعادلة التي يربح فيها جميع الأطراف، فالشركة تستفيد من تدبير التمويلات اللازمة، بينما يستفيد سوق المال من إدراج شركة بذلك الحجم، فيما يستفيد الاقتصاد من جذب استثمارات أجنبية بالشركة.

وأخيرا، يستفيد المواطن من استثماره بسهم الشركة خاصة وأن الشركة ذات ملاءة مالية عالية، ويتأكد هذا المواطن من جدوى المشروعات القومية، وتعزز الحكومة ثقة المواطنين بها، ولذا فإن ذلك الطرح سيكون لعبة “الربح أو الربح”.

+ posts

باحث ببرنامج السياسات العامة

أحمد بيومي

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى