
“موكب الملوك”..قصة “أصحاب السمو” من خبيئة الدير البحري وحتى المثوى الأخير
يتوقف الزمن اليوم السبت عند السادسة مساءً بتوقيت ” القاهرة” وتتوجه أنظار العالم إلى ” مصر” البلد الذي لا ينسى ملوكه. اليوم تُنقل 22 مومياء ملكية في أعرق دولة في الجغرافيا السياسية على مستوى العالم.
حتى أن المؤرخين أشاروا إلى مصر باعتبارها ” قدس أقداس” الجغرافيا السياسية وهي التي عرفت الدولة المركزية قبل الميلاد، وعلى قدر واقعية التاريخ المصري القديم فإن الحدث الذي يشهده العالم اليوم يحسبه المرء جزءًا من الخيال حتى يشهده فعليًا، فكم من الأشخاص يستطيع تخيل نقل جثامين 22 ملكًا حكموا هذا البلد قبل آلاف سنين في أجواء احتفالية شعبية تصل الماضي بالحاضر والمستقبل وتشير إلى أن المصريين لا ينسون ملوكهم.
وربما يدين المصريون بالفضل للصدفة أو لتلك العائلة في الأقصر ” عائلة عبد الرسول” والتي قادتها الأقدار للكشف عن الخبيئة الأعظم في التاريخ المصري ” خبيئة الدير البحري”.
هناك في الدير البحري!
118 يوما مرت على اكتشاف خبيئة الدير البحري أحد أهم وأضخم الاكتشافات الأثرية خلال القرنين الماضيين على يد عائلة عبد الرسول إحدى عائلات القرنة غرب الأقصر في عام 1881 حيث ضمت العشرات من التوابيت، والمومياوات، والأثاث الجنائزي الخاص بعدد من الملوك والكهنة.
عثر أفراد العائلة، على 153 تابوتًا، إلى جانب العديد من الصناديق التي احتوت على تماثيل الخدم “الأوشابتي”، بالإضافة إلى أعداد كبيرة من البرديات النادرة.

المصريون يدينون للصدفة
خبيئة الدير البحري التي اكتشفت عام 1881 على يد 3 أشقاء من عائلة عبد الرسول كانت تضم مومياوات مجموعة من أهم الملوك الذين حكموا مصر القديمة منهم “رمسيس الثاني”، و “أمنحوتب الثالث”، و”سيتي الأول”، و “سقنن رع”، و”أحمس”، و “تحتمس الثالث”، “أمنحوتب الثاني”.

ولكن الصدفة وحدها قادت الأشقاء الثلاثة لاكتشاف خبيئة الدير البحري. كما أن السرقات التي تعرضت لها مقابر الفراعنة مع بداية حكم الأسرة العشرين حينما نهبت مومياوات العديد من الملوك والكهنة في منطقة البر الغربي دفعت ملوك الأسرة الحادية والعشرين لأن تفكر في إيقاف هذه السرقات الخطيرة، فاقترح عليهم الكاهن الأكبر لآمون المدعو “بانجم” وأولاده تجميع مومياوات الفراعنة السابقين وكبار الكهنة وتخبئتها في مقبرة بالقرب من معبد الملكة “حتشبسوت” بالدير البحري بالأقصر.
رمسيس الثاني: الأشهر
المومياء الأشهر التي سيتم نقلها اليوم هي مومياء العظيم” رمسيس الثاني” ومن الموضوعات المعقدة التي كانت ولم تزَل تعترض المؤرِّخ عند فحص تاريخ رمسيس التاني لأول وهلة، مسألة اشتراكه في الحكم مع والده سيتي الأول قبل أن يتربع على عرش البلاد منفردًا مدة طويلة بلغت أكثر من جيلين من الزمن، ليتبين من النقوش على جدران معبد الكرنك أن رمسيس اشترك بالفعل في الحكم مع والده.

وإذا ألقينا نظرة فاحصة على كثير من المعابد التي كان العمل مستمرًّا فيها خلال السنين الأخيرة من حكم “سيتي الأول”، ظهر لنا واضحًا حقيقة اشتراك “رمسيس” مع والده، فإن “سيتي الأول” كان يستعمل بوجه عام النقش البارز طرازًا رئيسيا لتزيين جدران معابده بينما مال رمسيس إلى استخدام النقوش الغائرة وهو ما ظهر في تلك الفترة أيضًا.
ولما كنا نعلم أن حكم “رمسيس” قد امتد نحو سبع وستين سنة — على أقل تقدير، فمن المعقول أنه كان لم يزل حدث السن نسبيا عندما اشترك في الحكم مع والده، وتدل موميته بوضوح على أنه كان رجلًا طاعنًا في السن عند وفاته، ولكنا مع الأسف لا نستطيع من فحصها تقدير سنه على التحديد.
وعلى حسب ما تقدم يمكننا أن نذهب إلى أن “رمسيس” عندما بدأ حكمه المنفرد الذي ظل نحو 67 عامًا كان في نحو العشرين من عمره، وكان قد تزوج في الرابعة عشرة أو قبل ذلك من الملكة “نفرتاري”، ولمَا بلغ السادسة عشرة صار والدًا للأميرين “آمون حرونمف”، و”خعمواست”، وقد صحبه هذان الطفلان مع مربيتيهما في مغامراته الحربية على حسب ما جاء في حقائق مشابهة دونت في نقوش موقعة “قادش”.
حروب رمسيس الثاني
على الرغم من تضحية “رمسيس الثاني” بجزء كبير من مجهوداته، وثروة بلاده في إتمام المعابد التي لم يكن قد أنجزها والده، فإنه مع ذلك لم يهمل المحافظة على الإرث الذي خلفه له والده — وإن كان ضئيلًا — في سوريا بعد حروب طاحنة لاستعادة مجد مصر الإمبراطوري في تلك الجهات، والواقع أنه كان إرثًا محفوفًا بالمخاطر ولدينا من جهة أخرى لوحة منقوشة في صخور “أسوان”، ومؤرخة بالسنة الثانية من حكمه، وفيها يفتخر الفرعون “رمسيس الثاني” بأنه حارب الأسيويين، واستولى على مدنهم، وحطم أجانب الشمال، وهزم “التمحو”، وأهلك محاربي البحار، وجاءت إليه “بابل”، و”خيتا” منحنيتين، مما يدل على أنه كان في حروب بعد توليه الملك مباشرة.

حروب رمسيس الثاني في بلاد النوبة
أما المناظر التي تصور لنا تلك الحروب في بلاد النوبة على جدران معبد “بيت الوالي” وغيره من المعابد المصرية، لم تضع أمامنا حربًا معينة لها تواريخها، وحوادثها كما هي الحال في حروب “رمسيس الثاني” مع بلاد آسيا، بل نجد مناظر حروب بلاد النوبة، والبلاد الأخرى يختلط بعضها ببعض حتى أصبح من المستحيل علينا أن نتكلم على كل منها على حدة، فلدينا فضلًا عن مناظر “بيت الوالي” مناظر على معبد ” أبو سمبل”، ومعبد الأقصر.
وقد حفر “رمسيس الثاني” لنفسه مقبرة في “وادي الملوك”، وتُعرف برقم ٧، وليس للمقبرة شهرة واسعة مثل قبر والده “سيتي الأول”، أما مومياء “رمسيس” فلم توجد في قبره، بل وجدت في خبيئة الدير البحري، والسبب في ذلك أنه عند نهاية الدولة الحديثة، لم يكن في استطاعة الحكومة المصرية أن تحمي مقابر ملوكها العظام ولذلك اكتفى رجال الإدارة بالمحافظة على مومياوات الفراعنة فحسب.
حتشبسوت: سيدة الأرضين
الملكة حتشبسوت هي حفيدة الملك أحمس الأول محرر مصر من غزو الهكسوس، كما تعتبر الملكة الفرعونية الخامسة ضمن تسلسل ملوك الأسرة الـ18، حكمت البلاد أكثر من 20 عاماً (1479-1458 قبل الميلاد)، بعد وفاة زوجها المريض تحتمس الثاني، كوصية على الملك الصغير تحتمس الثالث ابن زوجها من إحدى الجواري، رغم اعتراض العديد من كبار الكهنة على أن تتولى امرأة حكم مصر، فقد كانت التقاليد والأعراف أن يكون الفرعون حاكم البلاد رجلاً، لكن حتشبسوت استطاعت السيطرة عليهم جميعاً بمساعدة المهندس (سننموت) الذي لم يكن يصمم لها معابدها فحسب، بل يخطط لها العديد من قراراتها أيضاً”.

فيما يوضح الخبير الأثري علي النجّار أن “عهد الملكة حتشبسوت كان مميزاً، فقد حازت رضا عامة الشعب رغم سخط الكهنة، واستطاعت تكوين أقوى جيش في العالم في ذلك الوقت أرهب جميع الغزاة من دون حروب، وأقامت علاقات دبلوماسية قوية مع دول الجوار بعد أن كانت البلاد في حالة سيئة في عهد تحتمس الثاني الذي اتصف بالضعف الشديد بسبب مرضه المتواصل، كما فعّلت القوافل التجارية مع أغلب دول أفريقيا، ولهذا كونت أكبر أسطول بحري في المنطقة، وعموماً تميزت فترة حكمها بالازدهار والسلام والتنمية مقارنة بجميع عهود ملوك الأسرة الـ18”.
ويشير عبد الله عبد النعيم، أستاذ المصريات، إلى أن “المكانة التي حصل عليها سننموت في عهد حتشبسوت لم تكن عادية، لأن إطلاقها 80 لقباً ملكياً على مهندس من عامة الشعب كان أمراً غير مسبوق في الأعراف الفرعونية، ما دفع كهنة الإله آمون إلى إثارة غضب الصبي الصغير في ذلك الوقت تحتمس الثالث الوريث الشرعي لعرش البلاد، لكن الأخير لم يقدر على فعل شيء”.

ولكن تدل شواهد الأحوال على أن “تحتمس” الثاني كان ميالًا إلى أن يخلفه ابنه “تحتمس” الذي أنجبه من إحدى زوجاته غير الشرعيات المسمَاة “إزيس”، وقد كان “تحتمس” لا يزال في طفولته لم يبلغ الحادية عشرة وقت وفاة والده؛ والظاهر أن والده كان قد وكلَ أمره إلى كهنة مبعد الإله “آمون” لتربيته تربية دينية، غير أنه لم يكن قد أصبح كاهنًا بعدُ، وكان يمقت “حتشبسوت” التي كانت تتجاهل والده مدة حياته، واتخذت من اعتلال صحته فرصة للسيطرة على شؤون البلاد.
الوصاية على تحتمس الثالث
وتولى “تحتمس” الثالث عرشَ الملك، غير أن الوصاية بحكم التقاليد والشرع كانت لا بد أن تبقى في يد الملكة “حتشبسوت”، ما دام “تحتمس” وزوجه “نفرو رع” لم يبلغَا الحلم، ولم يكن في ذلك ما يدعو إلى الغرابة.
والظاهر أن “حتشبسوت” كانت تفكر منذ تولية تحتمس العرشَ في تكوين حزبٍ يضم بين أعضائه كلَ رجالات الدولة المخلصين، الذين أظهروا مهارةً وحذقًا من أبناء جيلها لتستعين بهم على قضاء مآربها، ولتضرب ضربتها الحاسمة عندما تحين الفرصة، على أنه لم يفتها أن تجعل رجالَ الدولة القدامى لا ينفضون من حولها، وقد كان أول مَن وقع اختيارها عليه من شباب عصرها مدير بيت الإله “آمون” المسمَّى “سنموت”.
أما نحت قبر للملكة “حتشبسوت” ووالدها، فقد عزي أمره إلى “حبوسنب”، وقد حفر خلف جدار الصخرة العظيمة الواقعة وراء المعبد نفقًا طويلًا في الجانب الشرقي من “وادي الملوك” حيث كان الباب، وقد كان غرض الملكة أن تكون حجرة دفنها تحت محراب معبدها في المعبد.
وعلى أية حال فإن “تحتمس الثالث” عندما اختفت المرأة من مسرح الحياة المصرية، قبض على مقاليد الأمور وأخذ ينكل بأعدائه، وهم أولئك الذين كانوا في ركاب “حتشبسوت” أو عاملين في بلاطها، ثم أخذ بعد ذلك في القضاء على كل آثارها بصورة مروعة يشهد بشناعتها وعنفها ما أحدثه من التدمير والتهشيم في الدير البحري، وبخاصة في تماثيله ، هذا فضلًا عما ألحَقَه بسائر آثارها في كل أنحاء البلاد.

وتدل شواهد الأحول على أن “تحتمس الثالث” لم يتوانَ طويلًا في مصر بعد اعتلاء أريكة العرش، فقد كان الخلاف القائم في مصر على تولية عرش البلاد.
وتُعَدُّ موقعة “مجدو” التي قابَلَ فيها “تحتمس الثالث” جيوشَ الحلف السوري بإمرة حاكم “قادش” أول معركة حربية في تاريخ العالم القديم قد بقي عنها تفصيلات تذكَر، ويرجع الفضل في ذلك إلى اليوميات التي خلفها “تحتمس الثالث” على أحد جدران معبد الكرنك.
سقنن رع.. من العظام
أن الفرعون “سقنن رع تاعا ” الثاني الذي ستنقل موميائه اليوم إلى متحف الحضارة من أعظم ملوك مصر وأمجدهم في تاريخ البلاد، إذ تدل كل الأحوال على أنه في عهده قد بدأ النضال الفعلي لطرد الهكسوس من مصر، وتخليص البلاد من النير الأجنبي الذي ظل يثقل عاتقها حقبة طويلة من الزمن.

وفي وصف تابوته فقد كانت مومية الملك “سقنن رع” وتابوته الخشن ضمن الكشف المشهور الذي حدث عام 1881 في الخبيئة القريبة من معبد الدير البحري، ومن المحتمل أن اللصوص كان قد أخطأهم نهب هذا القبر. وتابوت هذا الفرعون الخشبي الذي وجِد جسمه فيه محلى برسم ريش عليه كما كان المتَبع في حلية توابيت هذا العصر؛ ولذلك أطلقَ على التوابيت التي من هذا الطراز “الريشية” .
بطولاته
أما المغامرة التي لاقى فيها الملك “سقنن رع” حتفه، فجعلته من أعظم الشخصيات المصرية بطولةً في التاريخ المصري، فتظهر من تصوير الأستاذ “إليوت سمث” قصة موته من الجروح التي في رأسه، فيقول: “إنه كان فريسة هجمة غادرة قام بها عدوان أو يزيد، فقد أخذ على غرة عندما كان نائمًا في فراشه، أو أنهم تسللوا من خلفه وطعنوه بخنجر تحت أذنه اليسرى، فغاص الخنجر في عنقه، ولقد كانت الضربة مفاجئة فلم يقو على رفع يده ليدرأ عن نفسه ضرباتهم التي انهالت من “البلط” والسيوف والعصي على وجهه فهشمته وهو ملقًى طريحًا، وتدل شواهد الأحوال على أن تجهيز الجثة للدفن كان على عجل، وأن عملية التحنيط كانت بسرعة فائقة، فجاءت غايةً في الاختصار، ولم تعمل أية محاولة لوضع الجسم في وضعه المستقيم الطبيعي ،إذ قد تُرِك منكمشًا كما كان طريحًا وهو في حالة النزع الأخير.
الطريق إلى متحف الحضارة
يرتقب المتابعون، موعد انطلاق الموكب المهيب لنقل 22 مومياء ملكية عبر شوارع القاهرة، حيث يضم الموكب عدد من المومياوات الملكية ترجع إلى عصور الأسرة السابعة عشر، والثامنة عشر، والتاسعة عشر والعشرين من بينها 18 مومياء لملوك و4 مومياوات لملكات، ومن بين الملوك “رمسيس الثانى، سقنن رع، تحتمس الثالث، سيتى الأول، حتشبسوت، ميريت أمون، أحمس وزوجته نفرتارى”.

ومن المفترض أن ينطلق الموكب مع غروب شمس يوم 3 إبريل، ومن المفترض أن يستغرق الموكب ما بين من 40 دقيقة إلى 45 دقيقة، للوصول من المتحف المصري إلى متحف الحضارة.
وستتم إزاحة الستار عن الكباش التي تتوسط الميدان، وإضاءتها مع المسلة وجميع عمارات وواجهات الميدان، كما سيتم إطلاق أعيرة نارية عند انطلاق الموكب تحيةً للملوك العظماء، ويمر الموكب في مسيرته عبر كورنيش النيل وسور مجرى العيون، وتتقدمه خيول وعجلات حربية، بالإضافة إلى استعراضات فنية، بمشاركة مجموعة من مشاهير الفنانين.

ويحظى الموكب بتغطية إعلامية خاصة، حيث تم شراء مساحات إعلانية في البلاد العربية والأوروبية، وتأكد حضور عدد من كبار الشخصيات الدولية، فضلًا عن تأكيد 400 قناة تليفزيونية نقلها للحدث، نصفها قنوات عالمية.
ويضم متحف الحضارة ثان أقدم مومياء لشاب يعود إلى أكثر من 35 ألف سنة تم اكتشافها في نزلة خاطر بسوهاج. وتم تأمين المومياوات بشكل كامل عبر وضعها في كبسولات وترميمها بالشكل المناسب وتؤهل للعرض يوم 18 ابريل المقبل، وقال وزير السياحة والآثار الدكتور خالد العنانى: إن “سلامة المومياوات هي الأساس الأول قبل أي فاعلية”.
وحول مستقبل المتحف المصري بعد نقل المومياوات، أفادت وزارة الأثار أن جميع التماثيل الملكية مستمرة في المتحف المصري، بالإضافة إلى 100 ألف قطعة اثريه، بينما الراغبون في مشاهدة المومياوات يقصدون متحف الحضارة.
وتأتي عملية نقل المومياوات تأتى ضمن مشروع ضخم لتطوير أساليب عرض الآثار، وإعادة تنظيم توزيعها في المتاحف نتيجة زيادة عددها في المتحف المصري، وجاء ذلك عبر الصفحة الرسمية لوزارة الدولة للإعلام .
باحث أول بالمرصد المصري